أين أخطأت السعودية مع الإسلاميين؟ ومن سيقبل إسرائيل كدولة يهودية؟

حجم الخط
0

 

تطرَق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في كتابه الصادر بعنوان: «النظام العالمي: تأملات حول شخصية الامم ومسار التاريخ» الى مواضيع الساعة في الشرق الأوسط وخصوصًا في فصلي الكتاب الثالث والرابع. ومن هذه المواضيع الحركات الإسلامية السياسية والربيع العربي والأزمة السورية وفلسطين والعلاقات الامريكية -الايرانية بالإضافة الى مواضيع أخرى.
وطرح كيسنجر أسئلة هامة في هذا الكتاب أبرزها ما ورد في الصفحة 125 منه حيث تساءل: «هل الولايات المتحدة تعتبر نفسها مسؤولة عن دعم أي تحرك شعبي ضد أي حكومة غير ديمقراطية في العالم حتى تلك الضرورية منها لبقاء النظام الدولي؟ وهل المملكة العربية السعودية تبقى حليفة لأمريكا فقط الى ان تنتشر التظاهرات والتحركات المعارضة للنظام على أراضيها؟ أو ان الأمر يختلف بين دولة وأخرى».
وقال كيسنجر ان الانتفاضة ضد النظام في سوريا بدت وكأنها نسخة جديدة عن الثورة في مصر في ساحة التحرير، غير انها تطورت الى صراع شيعي – سني بسبب اختلاف الوضع الإجتماعي في سوريا وتنوع الفئات الاجتماعية السورية ودعم القوى الإقليمية في المنطقة بالسلاح والمال للجهات التي يفضلونها من المجموعات المتنازعة. وأعتبر كيسنجر انه ربما كان من الأفضل وضع حظر دولي شامل لإنتقال الأسلحة المدمرة الى النظام والى خصومه من الجهاديين. ولكن هذا الأمر لم يتحقق بسبب خلافات الدول الكبرى في مجلس الأمن.
ورأى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن القضية الفلسطينية فقدت جزءًا من السعي الحثيث العربي الرسمي لحلًها برغم عدم خسارتها لأهميتها. وقد انتقل (برأيه) التركيز على قضية تسلح ايران النووي وعلى انتشار نفوذها السياسي والعسكري لدى حلفائها في المنطقة.
وهذا الأمر أثر سلبًا على عملية السلام في فلسطين واسرائيل بسبب تقلص دوري دولتين أساسيتين في هذه العملية، وهما مصر والسعودية، وفي لعبهما أي دور ضامن لأي اتفاق سلام، وخصوصا ان الفلسطينيين وحدهم لا يمكنهم الحصول على حقوقهم في مثل هذه الاتفاقية من دون دعم القوى الإقليمية والعربية. ومعظم هذه الدول منشغلٌ حاليًا في حروب أهلية أو صراعات طائفية. ولكن، حسب كيسنجر، لا يمكن حل ازمات المنطقة وتجاهل حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وطرح كيسنجر السؤال التالي الذي يظهر تأييده لاسرائيل: «هل يكفي الإعتراف العربي الدبلوماسي باسرائيل لوقف الحملات في سائر أنحاء العالم العربي ضدها ووصفها بالدولة الامبريالية غير الشرعية؟ وهل سيقبل مسلمو المنطقة اسرائيل كدولة يهودية؟ وما هي الخطوات العملية التي ستتخذها الدول العربية لقيول اسرائيل في المنطقة؟».
وأكد كيسنجر ان بعض الدول العربية تتشارك مع اسرائيل في قلقها ازاء التسلح النووي الايراني، ولكنها تخشى اعلان مواقفها هذه مما قد يؤثر سلبًا على شرعيتها لدى شعوبها ولدى الإجماع العربي.
وفي المقطع الذي يتطرق فيه وزير الخارجية الأمريكي السابق الى السعودية (في الفصل الثالث) قال: «ان الخطأ الاستراتيجي الأكبر الذي ارتكبته القيادة السعودية اعتقادها منذ 1960 وحتى 2003 انه باستطاعتها ادارة الحركات الراديكالية الإسلامية في خارج بلادها من دون أن يؤثر ذلك سلبا على وضعها الداخلي في المملكة. وقد تحركت منظمة «القاعدة» في السعودية في أكثر من مناسبة، آخرها في عام 2003… ومع تصاعد دور الحركات الإسلامية الجهادية في العراق وسوريا فان السعودية قد تواجه تحديات أخرى في هذا المجال واختبارات صعبة في المستقبل».
ونَصَحَ كيسنجر القيادة الأمريكية بالتعامل بحذر مع موضوع الخلافات السعودية – الايرانية، إذ انه موضوع حساس جدا وهو ليس صراعًا سياسيًا فقط بل خلافًا مذهبيا بين المذهبين الأساسيين في الإسلام: السنَة والشيعة، حسب قوله. وأضاف «ان أي اهتزاز في الدولة السعودية ستكون له انعكاسات سلبية جدًا على الاقتصاد العالمي ومستقبل العالم العربي والسلام في العالم».
وتوقع ان تسعى السعودية ومصر وتركيا الى الحصول على قدرة عسكرية نووية (من باكستان أو غيرها) اذا لم يتم ضبط المشاريع والبرامج النووية الايرانية وربما ان تنفتح الرياض سياسيًا باتجاه دول كالهند والصين، وحتى روسيا، وبالتالي على أمريكا ان تعمل حسب مصالحها ومصالح حلفائها، حسب قوله.
وأضاف: «في عصر تنتشر فيه أسلحة الدمار الشامل، ويتصاعد خلاله الإرهاب الانتحاري، فان أي تصعيد للصراعات الطائفية والمذهبية سيؤثر سلبًا على السلام العالمي والاستقرار الدولي. وبالتالي على الجميع التعاون لإنشاء نظام إقليمي مستقر في الشرق الأوسط بدعم قوي من أمريكا».
أما أهم ما قاله كيسنجر في كتابه عن العلاقة الامريكية – الايرانية فهو تحذيره (أيضا المتناغم مع الموقف الاسرائيلي الرسمي) من توقع الكثير من المفاوضات النووية التي تجريها أمريكا وحلفاؤها مع ايران، لأن (حسب رأيه) «خطابات ومواقف قادة ايران متضاربة فبعضها يستمر في حملته ضد أمريكا والغرب والبعض الآخر يميل الى الاعتدال».
ولكن تشاؤمه هذا رافقه قوله بامكانية إعادة علاقة مصالح مشتركة بين أمريكا وايران، كما حدث في أكثر من مناسبة في الماضي، كما نبه كيسنجر الى ان أمريكا لعبت دورا سلبيا في الحقبة الأخيرة من نظام الشاه السابق في ايران مما ساهم في سقوطه، حيث وقفت على الحياد معتقدة اعتقادا خاطئا (برأيه) ان هذا الموقف يساهم في تسريع مجيء الديمقراطية الى ايران.
ونبَه كيسنجر انه ليس من الخطأ ان تتفاوض أمريكا وحلفاؤها مع ايران، ولكن من غير المفيد محاولة فرض طريقة حياتها ونظامها السياسي والاجتماعي على الآخرين، وخصوصا على ايران. كما من غير المفيد برأيه الاعتقاد بان العلاقات الايرانية – الأمريكية عادت الى طبيعتها كليا بسبب تقدم المفاوضات النووية، إذ من الضروري التعامل مع هذا الموضوع، حسب قوله، بوضوح وعدم السماح لايران بتطوير برنامجها النووي «التسلحي» في وقت تطول فيه مدة المفاوضات النووية من دون التوصل الى نتيجة. وأعطى وزير الخارجية الأمريكي الـسبق أمثلة لدعم ما يقوله (في الفصل الرابع من الكتاب) استند في معظمها الى مواقف متشددة أمريكية – اسرائيلية في الموضوع النووي الايراني محاولاً اثبات النيًة المستمرة لايران بالتوجه نحو انتاج السلاح النووي أو القدرة على انتاجه في أي لحظة تحتاج اليه.
كما دعا الغرب وايران الى التعاون لضبط التطرف الديني والممارسات الوحشية من سائر الجهات المتنازعة في المنطقة، والتي تمارس الإرهاب، حسب ما يفسره هو وحلفاؤه.

* World Order: Reflections on the Character of Nations and the Course of History
by Henry Kissinger
Allen Lane, London 2014
432 pp

سمير ناصيف

إشترك في قائمتنا البريدية