أين العروبة وأين الإسلام؟

حجم الخط
2

لنسأل قادة أمة العرب وأمم الإسلام: هل سمحت لهم مشاغلهم بأن يشاهدوا أطفال الملايين من المهاجرين العرب والمسلمين الهائمين على وجوههم في كل أصقاع الدنيا، وهم يتسوَلون في شوارع المدن بذلَة وانكسار وانحناء نحو أرجل المارة؟
هل سمحت مشاغلهم أن يروا بنات ونساء أولئك المهاجرين وهن يتوسَلن المارة إعطائهنَ قليلا من الطعام أو بضعة قروش لشراء حليب للأطفال الرضع ويتعرَضن للتحرش الجنسي وغواية البغاء؟
هل سمحت مشاغلهم أن يروا على شاشات تلفزيونات بلادهم، بعد أن تفرغ من قصائد المدح والشكر على النعم، دموع ولطم شيوخ وعجائز وأطفال المنكوبين في صحراء نقب فلسطين المحتلة، وبين خرائب المدن المدمرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان والصومال والسودان؟
لا يعتقد الشعب العربي المنهك المنكوب المضيع المشتت الذهن أن لدى القادة الوقت، إلا من رحم ربي، للانشغال بتلك التفاهات، إذ لديهم ما هو أهم وأجدى، لديهم إدارة معركة الإسلام الكبرى، التي تبزُ في أهميتها وخطورتها معركتي بدر وأحد، بين مذاهب السنة والشيعة الاثني عشرية، بين الوهابية والصفوية، بين الزيدية والشافعية، بين الحركات الإسلامية السياسية السلفية والحركات الوسطية الحداثية، إلخ من انقسامات وصراعات أمنية وسياسية تحت رايات دينية طائفية ما أنزل الله بها من سلطان.
يسأل الناس: أين رسالة الله العلي القدير التي تحدثت عن أمة الوسط وأخوة المؤمنين وتراحمهم فيما بينهم؟ أين الأخلاق والحكمة المحمدية؟ أين الحق والعدل والقسط والميزان والإحسان والتساوي في الخلق وعدم الفحش في القول؟ أين تقوى الله؟ وبمعنى آخر أين الإسلام فيما بين دول الإسلام وسلطات المسلمين؟ هل حقا أن هناك في عالم المسلمين اسلام محمد وقرآن رسالة السماء؟الجواب القاطع الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته الكاملة قادة العرب والمسلمين هو النفي المخزي الموجع للقلب، هو: كلا. وهم يتحمُلون هذه المسؤولية أمام شعوبهم وأمام رب العالمين.
قد يكون هذا الحكم قاسيا وموجعا، لكنه يعبر بصورة صادقة وصريحة عن مشاعر الخوف والهلع واليأس التي تنتشر بسرعة مذهلة بين مواطني أقطار وطن العرب ودول عالم الإسلام. وهي مشاعر إما ستلهب الأوطان والشعوب وتحرق الأخضر واليابس، وإما أنها ستؤدي إلى حالة من اللامبالاة وفقدان الثقة في جدوى أي عمل أو نضال سياسي في أرض العرب البائسة.
وإذا كان بعض القادة يعتقدون بأن الخروج من مأزقي وهن رابطة العروبة القومية الجامعة ووهن رابطة الإسلام هو عقد تحالف مع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، أو التحاور مع المؤسسات الصهيونية الدولية والاستعانة بنفوذها لهزيمة هذا النظام العربي أو ذاك النظام الإسلامي، فليتأكدوا أن الصهاينة سيستعملون مالهم وأوطانهم لأهداف صهيونية استعمارية استيطانية معروفة وثابتة في كتبهم ومقررات مؤتمراتهم، ثم بعد ذلك سيرمونهم في مزابل التاريخ أو في جحيم الفوضى.
وينطبق الأمر على كل محاولات الاستعانة بأمريكا أو أوروبا أو روسيا أو غيرها.
إن الوجود العربي، الذي يمتدُ إلى أعمق أعماق التاريخ، هو في خطر كبير، ويحتاج إلى تغييرات كبرى قبل أن يخرج العرب من ركب حضارة العالم ويصبحوا على هامش الركب الإنساني. وإن الإسلام هو في محنة، بعد أن أدخله الجهاد التكفيري المجنون العبثي في ورطة التصادم مع العالم كله.
فإذا كان كل ذلك لا يحرك في ضمائر وعقول مسؤولي العرب والمسلمين استعمال أخوة العروبة والتزاماتها التضامنية، إن لم تكن الوحدوية، ولا استعمال واجبات وإملاءات الدين الإسلامي، فانه لا يحق للمسؤولين أن يجلسوا في حجرة قيادة سفينة تغرق بدون الاستعانة والإشراك للآخرين الذين سيغرقون معهم.
إذا كانت كل المؤسسات والروابط والأحزاب وغيرها، والتي تدعي بأنها تعمل لتقوية الروابط القومية العربية وتفعيل العمل الإسلامي المشترك، لا تستطيع أن تستجيب لمتطلبات ومسؤوليات مرحلة تاريخية خطرة ومعقدة، كتلك التي نعيشها الآن، فلتتنح أو حتى تختفي لتحل محلُها مؤسسات وروابط وأحزاب وأنظمة قادرة على أن تقوم بمسؤوليات هذه المرحلة، من خلال تفعيل رابطتي العروبة والدين الإسلامي بشكل ديناميكي عاقل وجاد إلى ابعد الحدود.
أيها القادة والمسؤولون رفقا بأنفسكم وبنا قبل فوات الأوان.

٭ كاتب بحريني

أين العروبة وأين الإسلام؟

د. علي محمد فخرو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نسيمة حرة من الجزائر:

    عندما يكون هدف المؤسسات والروابط والأحزاب وغيرها هو العمل لتقوية الروابط القومية العربية وتفعيل العمل الإسلامي المشترك، فقط هنا يدركون بأنه في حالة العجز ما عليها إلا أن تتنح أو حتى تختفي لتحل محلُها مؤسسات وروابط وأحزاب وأنظمة قادرة على أن تقوم بمسؤوليات هذه المرحلة. السؤال هو ما هي أهداف قاداتنا ومسؤولونا، أظن الجواب معروف عند غالبيتنا.

  2. يقول محمد ابوسرور الاردن عمان:

    ان كلام الدكتور علي فخرو هو الرسالة الواضحة والسليمة التي على القيادات العربية الالتزام بها
    وبغير ذالك فانه مضيعة للوقت والجهد ولن يوصل لشيئ
    وأما مخرجات القمة الإعرابية الأخير فلا أمل فيها سوى انها انعقدت وكفانا شر القتال

إشترك في قائمتنا البريدية