بما أننا مقبلون على ثورات أكثر عمقاً وانتشاراً وربما عنفاً، لا بد من التعلم من التجربة الأولى التي فشلت في نواح كثيرة. والسبب أنها أغفلت الجانب الأهم من الثورات، ألا وهو الجانب الاقتصادي. ولا عيب في هذه الحالة أن نطالب الثوار العرب القادمين أن يتعلموا من الانقلابات العسكرية العربية القديمة التي قامت تحت يافطات ثورية. لا بد أن يتعلموا أن أول ما فعله الجنرالات الذين وصلوا إلى السلطة في العراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها كانت السيطرة قبل كل شيء على موارد البلاد وثرواتها واقتصادها. فالاقتصاد هو عصب الحياة والسياسة في كل العالم. ومن يعتقد أن الثورة مجرد انقلاب على نظام قديم وإسقاطه دون وضع اليد فوراً على الحياة الاقتصادية فهو مغفل.
عندما وصل حزب البعث إلى السلطة في سوريا رفع فوراً شعارات اشتراكية واقتصادية لا تخطئها عين، لأنه يعرف تمام المعرفة أن الأمور لن تستتب له إلا إذا وضع يده على مقاليد السلطة الاقتصادية بعد العسكرية. وصدقوني لا قيمة للسلطة العسكرية إذا لم تهيمن فوراً على الجانب الاقتصادي في البلاد. وإذا لم تفعل ذلك، فإن حيتان الاقتصاد في أي بلد يمكن أن يُسقطوا أي نظام مهما كان متوحشاً عسكرياً وأمنياً. لهذا السبب وجدنا البعثيين في سوريا ينادون فوراً بتأميم الأراضي والمصانع والمرافق الاقتصادية الكبرى. وقد غلفوا شعاراتهم السلطوية المفضوحة بغلاف اشتراكي كي يبرروا الهيمنة على القطاع الاقتصادي وتجريد أصحاب الثروات في البلاد من قوتهم. صحيح أن آخر ما كان يهم النظام السوري تحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في سوريا، إلا أنه نجح في اللعب على وتر التوزيع العادل للثروات. وكلنا يتذكر الأغنية الشهيرة التي كانت شعاراً لبرنامج الفلاحين في الإذاعة السورية:» الأرض للي يفلح ويعمل بها، إللي حرثها بقوة زنودو». طبعاً لقد كان الهدف من هذه الشعارات تقريب الشعب من النظام وإشعاره بأن النظام جاء لينصف الناس اقتصادياً، وليحررهم من قبضة المتحكمين برقابهم اقتصادياً من إقطاعيين وأصحاب رؤوس أموال وعائلات متنفذة. وقد تطور الحكم في سوريا فيما بعد ليصبح تحالفاً بين أصحاب المال والعسكر والأمن.
وشاهدنا الأمر نفسه في مصر بعد ثورة يوليو، حيث سمعنا كثيراً عن عمليات التأميم التي لحقت بالاقتصاد المصري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ولا زالت بعض العائلات المصرية الإقطاعية والبرجوازية الشهيرة تشتم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حتى هذه اللحظة، لأنه وضع يده على ممتلكاتها، ووضعها تحت تصرف النظام الجديد. هل كان نظام البعث وعبد الناصر أن يحكما في سوريا ومصر لفترة طويلة لولا وضع الاقتصاد تحت جناح الأنظمة الجديدة؟ بالطبع لا. لقد كان الاقتصاد السلاح الأقوى في يد الانقلابيين أينما حلوا. وإذا كان الانقلابيون قد حللوا لأنفسهم السيطرة على الاقتصاد لتثبيت حكمهم، فلا بأس أبداً أن يفعل الثوار الشيء نفسه في أي ثورات قادمة، خاصة وأن النظام الحاكم الحقيقي في البلدان العربية وغيرها ليس فقط الجيش والأمن، بل حلفاؤهم أصحاب المال والثروات والممسكون بزمام الحياة الاقتصادية في البلاد.
هل شاهدتم ماذا حصل في مصر وتونس؟ انتخب الشعب نظامين جديدين. لكن الطبقة الاقتصادية في كلا البلدين شعرت بأنها مهددة، فبدأت منذ اليوم الأول للثورات تعمل على إحباطها وإفشالها وإعادة الأمور إلى المربع الأول. لاحظنا خلال المرحلة الانتقالية وخلال فترة الرئيس محمد مرسي كيف أن حيتان الاقتصاد حوّلوا البلد إلى جهنم اقتصادي، فانهار الاقتصاد، وتدهورت الحياة المعيشية، وراح الناس يتحسرون على النظام السابق بعد أن وجدوا أن حياتهم الاقتصادية أصبحت بائسة جداً دون أن يعلموا أن الانهيار الاقتصادي ليس نتيجة الانتقال إلى حكم جديد، بل لأن أرباب الاقتصاد المتحالفين مع الدولة العميقة هم من وضع العصي في عجلات النظام الجديد كي يفشله، ويجعل الناس تنقلب عليه. إنهم كانوا ساذجين جداً في ثورات الربيع العربي الأخيرة، وقد نجحوا نجاحاً باهراً في تأليب الشعب على القيادة الجديدة، لا بل إن كثيرين باركوا الانقلاب العسكري على النظام.
وقد حدث الأمر نفسه في تونس، حيث لعب هوامير الاقتصاد المتحالفون مع نظام بن علي دوراً هاماً في إحباط الحكومة الجديدة وإخراجها من السلطة تحت تأثير الفشل الاقتصادي. لم تستطع حكومة النهضة، كمثيلتها في مصر، في تحقيق أي تقدم حقيقي على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، لأن مقاليد الاقتصاد كانت كلها في أيدي الحرس القديم المتحالف من النظامين الساقطين. وكان هؤلاء يعملون على إفشال الثورة منذ البداية اقتصادياً من خلال تحويل حياة الناس إلى جحيم وجعلهم يكفرون بالثورة وبالأنظمة الجديدة. صحيح أن النظامين الجديدين في مصر وتونس اقترفا الكثير من الأخطاء، وفشلا في إدارة الكثير من الملفات، لكن يجب ألا ننسى أن حيتان الاقتصاد لعبوا دوراً مهماً في تثوير الناس وجعلهم ينقلبون على الأنظمة الجديدة. ونجحوا.
فلا تنسوا أن نابليون قال ذات يوماً: «إن الجيوش تزحف على بطونها». يعني أن معيشة الناس هي التي تحركها. وبالتالي، فإن أي نظام يستطيع أن يحرك الناس من خلال التحكم بلقمة عيشها ومعيشتها.
هل كانت الثورات في بلاد الربيع العربي أن تتعثر بهذا الشكل، وبأن يعود الفلول إلى السلطة في أكثر من مكان لو أن الثوار انتبهوا إلى الجانب الاقتصادي؟ بالطبع لا. طبعاً لا ندعو أبداً إلى تأميم الاقتصاد كما فعل البعثيون والناصريون، فهذا مستحيل في عالم الاقتصاد الحديث المربوط بالاقتصاد العالمي. لكن لا بد لأي ثورة أن تحكم سيطرتها على الوضع الاقتصادي بالطريقة التي تراها مناسبة كي لا تقع فريسة لضباع المال والأعمال. ليتعلم الثوار القادمون من تجربة أسلافهم، وليعلموا أن لا قيمة لإسقاط أي رئيس أو حتى السيطرة على الجيش والأمن قبل السيطرة على مقاليد الاقتصاد والثروة.
٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
أصبت كبد الحقيقة يا دكتور،فالإقتصاد هو عصب الحياة.فما استعباد انقلابيوا القومجية للشعوب العربية والتحكم في قوت عيشهم وبطونهم بل وحتى في رقابهم وأنفاسهم ما كان ليكون لو لم يمسكوا كل اقتصاد البلد من نفط وفلاحة واقتصاد بزمام أيديهم.كان القذافي يقول للشعب الليبي لا أسمح لأي أحد أن يكلمني عن النفط وكأنه ورثه من أبيه.لهذا فمن أسباب فشل هذه الثورات أنها لم تفكر في وضع خطة أو برنامج لما بعد زوال النظام ضنا منها أن اقتلاع النظام المتسلط على الرقاب سيحل المشكلة. ففوجئت بثورة مضادة بواسطة انقلابات عسكرية أو سياسية عن طريق المال السحت الذي اغتنت به من عرق وقوت هذه الشعوب المغلوبة على أمرها وعادت لتحكم بأزلامها ولتصفي حساباتها وثاراتها معهم وكأنها تقول لهم ها نحن قد عدنا.
ياأستاذ فيصل كلامك دقيق وجميل ولكن نحن بحاجة الى ماهو أكثر من مسك الاقتصاد بكثير نحنا بحاجة الى مذبحة تاريخية فلم تنجح الثورات يوما اللا بالدم ولم تبنى الدول اللا على اشلاء البشر وقد آن لهذه الشعوب أن تنحر جلاديها وكل مايقال عن ثورات سلمية وحضارية هاد حكي جرايد
” الثائرون ” لم يسرقوا بعد بما فيه الكفاية وخزائنهم مازالت فارغة حتى يرتقوا إلى مستوى من انقلبوا عليهم. بما أنه زمن الرداءة فالرديء هو من يكون في الريادة حسب مقياس العصر الذي قبرت فيه الأمانة وضاع فيه كل ذي قيم.
الجهل والجهل فقط هو عدونا الثوره يجب ان تطال العقول وليس الا
مع كل الاحترام للدكتور فيصل
أنا أرى أن الثورة السورية هي أعظم ثورة في التاريخ في التاريخ الحديث ضد أعتى مجرم لم يسجل في مستوى اجرامه احد
أوافق تماما ماجاء في المقال ،ولكن السؤال هي كيفية صنع رجال أعمال حملة مبادئ ويخافون على الأوطان لأن بقاء الأوطان من بقاءهم وليس رجال أعمال ينهبون المال العام مع مليشيات العسكر لإنعاش إقتصادات فرنسا وغيرها من بلدن الضفة الأخري فأعتقد أن مصيبتنا في الإنسان فمثله كمثل الذي يسرق مال أبيه ليصرفه على أصحابه القمارين والصيع ، فأصحابه ينتشون وينصرفون ويخسر هو ماله وتخرب بيته، اللهم إنا نسألك العافية بعد تدني أسعار البترول وأن تحفظ جميع بلاد الإسلام.
لن تمر مرور الكرام على المسؤولين الزنادقة بالدول العربية
الحرب الطاحنة قادمة على كافة الزنادقة المسؤولين بالدول العربية في المستقبل القريب
لا مكان للحكام الزنادقة المسؤولون وزبانيتهم بالدول العربية
مواجهة زندقتهم بالضرب على الأعناق هو الحل الملائم لهم ليعيش الباقون
ولا دين لمن لا أخلاق له ولو كان نبياً
إنهم أعداء الإنسانية على وجه الأرض ودمهم مباح كأشرار
الحلم بالسلم والسلام بوجودهم مستحيل ويبقى القرار الأخير للشعوب العربية فإن أرادوا أن يعيشوا أذلاء ويموتون أذلاء فهو خيارهم
ولا سبيل للإستثمار في وطن الأذلاء أو تقديم أي دعم لهم حتى يموتوا تحت الأنقاض أو يغرقوا في البحار
دكتور فيصل … افتقدنا غيابك في برنامج الاتجاه المعاكس .
اين انت … ارجو الرد
اثني على قول حسام الدحام
طبقة رجال الأعمال وطبقة موظفي الدولة كالقط والفأر لا يمكن أن يتعايشوا معا , ” أنظر أمريكا حيث لا تملك الدولة أى شيئ , حتي الجيش يتم تخصيصة بالتدريج ” , مايحدث في بلادنا هو العكس تماما , حيث يستحوذ الجيش وموظفي الدولة علي الإقتصاد من خلال الشركات العامة المملوكة للدولة , أى شركات ” مالها ملوش صاحب ” مثل المخابز والماء والكهرباء والغاز ووسائل النقل والمستشفيات والبنوك .. الخ , ويديرها لواءات متقاعدين , وهي شركات تمولها الدولة من أموال الضرائب ولا تعمل علي أسس إقتصادية , الهدف منها التحكم بالشعب من بطونة ورقابة , ومازالت المهزلة مستمرة .