إذا أردت القضاء على ثورة شعبية ألبسها ثوبا إسلاميا

لا شك أنكم سمعتم أبواق النظام السوري في الأيام الأولى للثورة وهي تصور المتظاهرين وكل أنواع النشاطات الثورية السلمية على أنها أعمال إرهابية إسلامية. أول من وصم الثورة السورية بالإرهاب هو إعلام النظام. ولم يكن ذلك عبثاً، بل كان بداية لتنفيذ الخطة الموضوعة لشيطنة الثورة وإلباسها ثوباً إسلامياً منذ انطلاقتها لتأليب العالم عليها. لا بل إن أجهزة المخابرات السورية دفعت ببعض عملائها إلى ارتداء ثوب ديني في مناطق كثيرة ليخطبوا أمام المتظاهرين، ويدعوا إلى إقامة نظام إسلامي في سوريا. وقد شاهدت بأم عيني أحد رجال الدين وهو يقف على شرفة إحدى البلديات ويصرخ بأعلى صوته أمام المتظاهرين داعياً إلى أسلمة البلاد. وقد تساءلت في تلك اللحظات قبل حوالي خمس سنوات: كيف تجرأ ذلك الشيخ على ذلك الفعل، دون أن أدري أنه لم يكن شيخاً بقدر ما كان عميلاً للمخابرات هدفه إلباس الثورة ثوباً دينياً يسهّل على النظام وصمه بالإرهاب والتطرف لاحقاً بسهولة فائقة ودفع الغرب إلى مواجهته بدل التعاطف مع الثورة.
وبعد أسابيع فقط سارع النظام إلى إعلان عفو عام في سوريا. وقد ظن بعض المغفلين وقتها أنه يريد أن يرطب الأجواء مع الشعب الثائر، بينما كان الهدف من العفو ليس إطلاق المساجين والمتظاهرين السلميين، بل إطلاق الإسلاميين المتشددين، وعددهم بعشرات الألوف، بحيث يؤكد النظام لاحقاً نظريته التي أطلقها بأنه لا يواجه ثورة، بل إسلاميين إرهابيين.
وحسب لبنانيين مقربين من نظام الأسد، فقد ترك النظام الورقة الإسلامية حتى المرحلة الأخيرة. كيف لا وهو ماهر جداً في التلاعب بها، فقد اعترف اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، حسب وثائق ويكيليكس، بأن المخابرات السورية كانت قد أخبرت الاستخبارات الأمريكية بأنها قادرة على اختراق كل الجماعات الإسلامية وتسييرها حسب المُراد. وبينما كانت الثورة السورية على وشك أن تضع النظام في الزاوية، راح يركز بشكل مكثف على تضخيم الجانب الإسلامي «الإرهابي» بين قوسين في الثورة، وهو بعبع لا يضاهيه أي بعبع آخر في تخويف الداخل والخارج على حد سواء. وبينما كان الجميع يتحدث عن ثورة شعب، كان النظام وحلفاؤه يتحدثون عن جماعات إسلامية إرهابية في سوريا.
وعندما وافق النظام على التفاوض مع المعارضين في مؤتمر جنيف الأول، رفض مناقشة أي شيء باستثناء موضوع الإرهاب. وقد قال ممثله في الأمم المتحدة وقتها إن مشكلة سوريا تتمثل أولاً وأخيراً في قضية الإرهاب. ولا يمكن حل أي مسألة دون مكافحة الإرهاب أولاً. ومن الواضح أن رسالته بدأت منذ مؤتمر جنيف الأول تصل إلى العالم، وخاصة الغرب. وقد لاحظنا أن الإعلام الغربي بدأ شيئاً فشيئاً ينسى شيئاً اسمه ثورة شعب في سوريا، وراح يتحدث فقط عن جماعات إرهابية، خاصة بعد أن بدأ اسم داعش يلمع بقوة في سوريا والعراق. وقد استفاد النظام السوري كثيراً من سيطرة داعش على مدينة الرقة في سوريا وعلى الموصل في العراق، بحيث أصبحت المهمة أسهل بالنسبة له عندما يريد إقناع العالم بإسلامية الثورة.
واليوم بعد أن أنهت الثورة السورية عامها الخامس، نستطيع القول إن النظام نجح نجاحاً باهراً في إقناع العالم بأنه يواجه إرهاباً إسلامياً وليس ثورة شعبية. وقد لاحظنا منذ أشهر كيف بدأ الكبار يتحدثون سراً وعلناً عن ضرورة إشراك الجيش السوري في عملية مكافحة الإرهاب في المنطقة متناسينً كل ما فعله ذلك الجيش الفاشي بالسوريين. لقد أصبحت الجماعات الإسلامية ممثلة بداعش وغيرها الشغل الشاغل للعالم، بينما غدا النظام السوري شريكاً في مكافحة الإرهاب المزعوم. ولم يعد ينظر الإعلام الغربي إلى الرئيس السوري كمجرم تاريخي، بل كضحية للإرهاب الإسلامي، وراح يصوره شريكاً استراتيجياً في التصدي للإرهابيين الإسلاميين الذين أخذوا بدورهم يهاجمون العواصم الغربية كباريس وغيرها.
لماذا بعد خمس سنوات توجهت أنظار العالم إلى داعش والجماعات الإسلامية الأخرى ونسيت أصل البلاء؟ لماذا يركزون على تنظيمات إسلامية لم تقتل من السوريين بضع مئات، بينما قتل النظام مئات الألوف وهجّر الملايين، ودمر ثلاثة أرباع البلاد؟ أيها العالم الأعور، فلتذهب داعش وأخواتها في ستين ألف داهية، لكنها ليست أساس المشكلة السورية، فلماذا أصبح بعبع الإسلاميين الشغل الشاغل في وسائل إعلامكم، بينما تتسابق التلفزيونات الغربية على إجراء مقابلات مع بشار الأسد بهدف التلميع والترويج، مع العلم أنه رأس الكارثة في سوريا؟
لا نقول أبداً إن الثورات يجب أن لا ترفع شعارات إسلامية. لا أبداً، فمعظم الثورات العربية ضد الاستعمار قادها إسلاميون، وقد كانوا على الدوام مقاتلين صناديد أشداء في ساحات الوغى. لكن بعد أن شيطن الإعلام الغربي وحتى العربي كل ما هو إسلامي، فقد أصبحت أسهل طريقة للقضاء على أي ثورة شعبية إلباسها ثوباً إسلامياً. ما على الطواغيت إلا أن يربطوا أي حركة شعبية بالإسلام والإسلاميين، فيهرع العالم الحقير أجمع لمساعدتهم في القضاء عليها، حتى لو كانت مشروعة مائة بالمائة.

٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هيثم بلجيكا:

    هذه المقولة الشهيرة هي لعلي شريعتي : وللامانة كان يجب عليك ذكر اسمه

  2. يقول خليل ابورزق:

    لا داعش و لا مخابرات سوريا و لا ذكاء و لا خبث .
    انها الاستراتيجية الغربية و التي هي ابقاء الشرق ضعيفا تحت السيطرة.
    العدو الاكبر و الخطر الاعظم على الغرب، كما رأوه منذ بداية القرن العشرين على الاقل، هو تمكين الشعوب من ارادتها الحرة لانها ستنفض بالتأكيد ضد مستعبديها و تغير كل المعادلات
    و لو لم تكن داعش لوجدوا غيرها..انها ببساطة تغذية اي خلافات او حتى زرع اسباب الخلافات او عدم الاستقرار. و افضلها و اكثرها فعالية هو هذه الانظمة الاستبدادية مهما كانت لغتها او مبادئها. و يكملها القاعدة المتقدمة المسماه اسرائيل.
    الم يفعلوا ذلك باللعب على خلافات السعوديين و الهاشميين. ثم القوميين و الشيوعيين (اليمن الجنوبي مثال واضح). ثم الرجعية و التقدمية. ثم نظام البعث ضد البعث ثم البعث ضد الثورة الاسلامية في ايران. و لا ننسى مغامرات القذافي في افريقيا و نزيفه في الصحراء. وانقلاب مصر. و النزيف الليبي بعد القذافي. وتمزيق السودان الخ..

  3. يقول جزائرية:

    أقول للأخ الكروي أن ما حصل في الجزائر منذ 25 سنة ليس كما حصل في سوريا لأن في الجزائر كان فيها مضاهرات كبيرة جدا وعفوية وعنيفة من طرف الشعب لأن الأحوال الاقتصادية كانت صعبة ولم يرفعوا شعارات سياسية لكن الرئيس أنذاك قرر فتح المجال السياسي لكل الأحزاب وزعيم الحزب الاسلامي كان معروف لمعارضته للسلطة وجاء للجزائر وبدأت الناس تنظم لحزبه حبا في التغيير لكن صدقني أنها كانت مرحلة وكل شيء جميل ذهب لما جاء هذا الحزب!!العقلية تغيرت ومنذ ذلك الوقت والجزائري يردد هذا حرام استغفر الله لما يمر أمام فتاة أو امرأة لكن مع الوقت الجزائريين فهموا أن من يأتي بثوب اسلامي لا فائدة منه

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله أختي الجزائرية وأقول كفاك ظلماً وحيا الله الجميع
      لولا وقف الجيش للإنتخابات لما حصلت العشرية السوداء؟
      ومن أعطاه هذا الحق أليس إحترام أصوات الناخبين أحق؟
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول Moussalim Ali:

    .
    – الإخوة المعقبين والمتصفحين ..
    .
    – تصوروا أن عند العرب ، كل من يهرب من عدالة بلاده ، يعتبر ” قدوة ” .
    ومازال حرا طليقا ،” حيُّ ، يرزق ” (…).
    .
    – شأنه شأن علي عبد الله العفاش المخلوع ، وبن علي زين الهاربين ، وحسني مبارك ، والقذافي ، والهارب القابع وراء جدران قصر ” الشعب ” في دمشق . الشعب ، يعني ، الشبيحة ، وأجهزة المخابرات والقمع والإستعلامات ، ومرتزقة حزب الآت ، ومجرمي الحرس الثوري الإرهابي ، وصناع مسرحية دموية عنوانها ، ISIL.
    .

  5. يقول ربى:

    شكرا جزيلا دكتور (فيصل) على المقال القيم الذي نحتاجه للرد على كل من يحاول إسقاط صفة الثورة عن الحراك السوري.
    المجتمع الدولي للأسف الشديد نجح إعلاميا بإيهام الشعوب الغربية أن ما يحدث في سوريا عبارة عن صراع بين جماعات (إسلامية) متعشطة لسفك الدماء وقطع الرؤوس ومتناسيا عمدا جرائم طاغية الشام بحق الشعب السوري الذي يطالب فقط بالكرامة والحرية خدمة لأجندته السياسية والإقتصادية.

  6. يقول محمد قطيفان / شرق المتوسط:

    – ” إذا أُريد للإسلام أن يعمل ، فلا بدّ للإسلام أن يحكم ، فما جاء هذا الدين لينزوي في الصوامع والمعابد ، أو يستكن في القلوب والضمائر ”
    هذا الكلام للشهيد سيد قطب رحمه الله ، ولاحظوا أن كل من يحمل هذه الفكرة اليوم ، محارب ومضيق عليه من كل مكان
    .
    – الإعلامي والكاتب د. فيصل القاسم .. نُفاخر بك إعلام العالم كله

  7. يقول غادة الشاويش المنفى:

    *يطيب لي ان اثني على دقة المقال وموضوعيته ونزاهته السياسية والفكرية
    *الغرب لا يهمه حقوق انسان ولا شيء من هذه الشعارات وتوجيه الخطاب الاخلاقي للغرب ليس عملا موفقا في رايي يا د فيصل قاسم فهل تطلب انصاف الضحية من مجتمع الجزارين وناهبي الثروات الم يكن الامريكيون نسخة عن الارهاب الايراني وارهاب النظام السوري في القصف الجوي والتجويع والحصار وفي الانتهاكات الامنية (ابو غريب نموذجا )
    *فزاعة الارهاب الاسلامي تستخدم بمهارة ايضا من قبل قيادات الغرب اولا تجاه شعوبها لتقنعها بدعم الحروب الغير اخلاقية خارج الحدود بدعوى العداء الحضاري وبقية البهارات المعروفة لوصفة شيطنة حركات التحرر في الدول التي تنتفض على جلاديها الولايات المتحدة واطفال العراق وسجن ابو غريب كلها قصص تحتم علينا نحن العرب والمسلمين التخلي عن الصراخ الذي لا قيمة له في وجه هؤلاء فانا اجزم لك لو كانت الثورات التي يمكن ان لا تتفاهم مع الطموحات الغربية في الحفاظ على مصالحها في البلاد ابمنتفضة شيوعية وملحدة لاسلمتها امريكا والغرب لان ما يسمى الارهاب الاسلامي اصبح بقرة حلوب في السياسة الولايات المتحدة نفسها سكتت عن الجهاد الافغاني وسمحت بتمرير بعض مضادات الطيران ايام الحرب الباردة مع الدب الروسي الم يكن قادة الثورة الافغانية الباسلة اسلاميون اقحاح !
    *في رايي ان القوة على الارض هي التي تفرض التفاهمات والادارة الاعلامية الجيدة التي لا تتجاوب مع تبرير كون المقاومة او الثورة اسلامية الطابع
    لو كان هناك عقول جيدة غربا لعلموا انهم على اعتاب مرحلة جديدة هي مرحلة مد اسلامي وان اي محاولة لالباس البلاد طربوشا على راسها لا ينسجم مع جسمها الشعبي لن يصنع الاستقرار ولن يحفظ مصالح اي دولة ولن يثبت اي من الدمى كما قد يدفع باتجاه حرب حضارات يكون الغرب اول ضحاياها الحل الوحيد هو في وضع الارجل في السفينة القادمة للرسو وليس في سفن الدكتاتوريات الغارقة ولا في دعم القوى الطاءفية التي ستواجه حربا هي الاخرى تحيا ثورة الشعب الابي بكل اطيافه التي انتفضت على الظلم من اول مجاهد اسلامي الى اخر مناضل مسيحي خر وعلوى ويا د فيصل ولو امريكا لا تعلم ان الاسد وطهران متحالفان مع داعش وامريكا نفسها والغرب عبر المقاتلين الاجانب لم يخترقو داعش والى الان لم يحزروا ان الاسد وطهران يبعث عليهم هجمات داعش على دقات ساعة النظام وطعران في الزمان والمكان المناسبين لابتزازهم سياسيا انهم يعرفون ويطنشون ويتعاملون مع رب داعش النظام السوري وطهران لضمان مصالحهم في السفينة الغارقة وليلم النظام وطهران عنهما سلاحهما اعني داعش تقبل تحيتي

  8. يقول م . حسن .:

    إسقاط الديكتاتوريات بأشكالها , وإحترام حقوق الإنسان والمنهج العلمي وقوانين الطبيعة وتحكيم العقل والعمل الجاد .. هي الإستراتيجية الوحيدة للحاق بركب الحضارة العالمية .

  9. يقول بوفلجة نكاز الجزائر:

    السلام عليكم..يا أخي داوود لو لم يقف في وجه المتأسلمين لصرنا أقبح من أفغانستان..ألى تعلم بأنه بمجرد حصولهم على الأكثرية في الإنتخابات البلدية حت أصبحوا يحللونو يحرمون ما يحلو لهم..لو عشت تلك المرحلة كما شناهالأعطيتنا الحق..و لكن البعيد عن المعركة يعتبر نفسه بطل..أما عن حصولهم على أغلبية أصوات الشعب فكان انتقاما من النظام الذي جوعهم بعد هبوط أسعار النفط و تسريح العمال بالآلاف..لا خير في من يستعمل الدين من أجل السياسة..عل فكر حتى نظام هتلر النازي حصل على الأغلبية و النتيجة كما تعلم..سلام

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي بوفلجة وحيا الله الجميع
      هؤلاء الذين فازوا بالإنتخابات لم يحكموا حتى نحكم عليهم يا أخي الحبيب
      ولا حول ولا قوة الا بالله

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية