إذا التقى المسلمان بصاروخيهما!

حجم الخط
12

جاء في الحديث الشريف «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، ونستفيد من هذا الحديث الشريف أن الاحتكام إلى الاقتتال بين المسلمين لا يجوز وعواقبه خطيرة، وحذّر من خفة اتخاذ القرار بإشهار سيف المسلم في وجه أخيه.
هذا يعني أن وجود خلافات بين المسلمين أمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو الحماس للقتال، فهل سُدّت كل الطرق بين المسلمين في أزماتهم الحالية ولم يبق مفر سوى القتال والدمار والخراب؟ كيف نفهم خفة التعامل مع دماء المسلمين من قِبَل من يندب دماء الحسين وأصحابه ويقيم بيوت العزاء واللطميات منذ قرون.
وكيف نفهم تعامل دولة ترفع اسم الله ورسوله على علمها الوطني وفيها قبلة المسلمين ومحجّتهم ومن أرضها انطلقت الرسالة المحمّدية، كيف نفهم تعاملها بهذه الخفة مع دماء المسلمين؟
هل استنفدت كل الوسائل والسبل قبل الكبسة على الزر، ألم يبق أمام المسلمين من حوار سوى الصواريخ والطائرات ومحاصرة الملايين منهم وقتل عشرات آلاف المدنيين ورشهم بالمبيدات وإمراضهم وتجويعهم! ما هذا الإسلام الذي يحمله هؤلاء في صدورهم؟!
منذ ثورة آية الله الخميني الإسلامية في إيران وهي ترفع شعارات الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، بعد أربعة عقود لا نرى سوى مسلمين يقتلون بعضهم بعضا ويمثلون بجثث بعضهم ويهينون ويغتصبون بعضهم ويتعفنون في سجون بعضهم بعضا.
ثم إذا كان وحي السّلام والمحبة بين البشر نزل على النظام السعودي، وبات متحمّسا ويحث على قبول ما يسمى «صفقة القرن» مع إسرائيل ولا تثور حميته لا لمسرى الرسول، ولا للأبرياء الذين تكتظ بهم سجون الاحتلال، ولا لدماء الناس التي تسفك، فكيف نفهم هذه الحَميّة والحماس لمحاربة المسلمين وإيذائهم وما هو تفسيرها؟
لا تفسير سوى أن مصالح الحكام هي التي تقرر التوجهات والتحركات السياسية بدون أي علاقة بدين ولا بإسلام لا من قريب ولا من بعيد، لا بأهل سُنة ولا بشيعة.
أما من يظن أن إسرائيل قد تفكر يوما بأن تخوض حربا إلى جانبه وتتحالف معه وتعامله ندا لند، فهو يعيش أحلام يقظة، ولا يعرف طبيعة النظام في إسرائيل ولا كيف تدار الأمور فيها، ولا بأي ميكروسكوب يراه بيبي نتنياهو وأصحابه.
ترى القوى المتنفذة في إسرائيل بأنكم جهلة مجرمون تقومون بالواجب وزيادة تجاه بعضكم بعضا، ولهذا لن تجد غبيا واحدا في قادة إسرائيل يدفع إلى شن حرب على حزب الله أو غيره في الوقت الحالي، قد تنبّه شعوبكم من غيبوبتها فتسألكم إلى أين أنتم ذاهبون وماذا تفعلون؟ بيبي نتنياهو يسخر مما يسمى الحلف الإسرائيلي السني ضد الشيعة، وبصعوبة يمسك نفسه عن الضحك، هذا الحلف الوهمي يعتبره الإسرائيليون مسرحية كوميدية سوداء، إسرائيل تشجع وتصفق لكم على أن تستمروا بغبائكم وأن تمعنوا بوحشيتكم، وتشكر سعيكم شيعة وسنة وآل بيت وأصحاب بيت وجيران بيت ومخربي بيت. وهل بقدرة إسرائيل أن تقتل وتدمر وتشرد مثلما فعلتم؟ هل كان بوسعها أن تدمر المدن السورية ومخيمات الفلسطينيين وتشرد الملايين إلى دول الجوار وأوروبا بالشكل الذي فعله النظام وحلفاؤه و»داعش» ومن يقف وراءه من دون إراقة نقطة دم إسرائيلية واحدة؟
أي مسؤول في إسرائيل يقرر حربا الآن لن يبقى في السلطة أبدا كائنا من كان، لأنه سوف يُحاسَب على كل قتيل وجريح قد يسقط في حرب سيئة التوقيت، فهناك من يحارب بالنيابة عن إسرائيل، من دون أن يُجرح جندي صهيوني واحد، فما السيئ بهذا، حزب الله وإيران و»داعش» وغيرها يَقتُلون ويُقتَلون على الأرض السورية فلماذا تتدخل إسرائيل الآن فتشغلهم وتشغل نفسها بهم؟
عندما تقتلون بعضكم بعضا يلتزم حكام إسرائيل الصمت بأوامر صارمة، ومن ينبس بحرف يتحمل مسؤولية ويعاقب في أقرب انتخابات، والإعلام المجنّد سوف يمزّقه، لأن فتح فمه الآن قد يسبب ضررا للمصلحة الإسرائيلية العليا. إنهم يضحكون في أعبابهم ويشربون نخب وحشيتكم التي تمارسونها بحق بعضكم بعضا.
قد لا تصمد إسرائيل أمام إغراء صيد ثمين هنا وآخر هناك، كما في تفجير النفق على ناشطي الجهاد قبل أسبوعين، أو بضربة تهذيب وتأديب في العمق السوري، ثم تعلن أنها لم تقصد قتل أحد لا في غزة ولا في قاعدة ما قرب دمشق، كل ما أرادته هو تدمير نفق أو عتاد، ولكنها تلوّح برد شامل إذا ما رد أحدهم على عدوانها.
صحيح أنها نصبت نظام القبة الحديدية في الأيام الأخيرة احتياطا وحذرا من رد، ولكن من المستبعد أن تقوم حركة الجهاد الإسلامي بالرد من جبهة غزة، بطريقة الصواريخ التقليدية على الأقل في الوقت الراهن. تلقت حركة الجهاد ضربة موجعة وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وبلا شك أنها تفكر بالرد، ولكن معركتها ليست معركة ردود أفعال، ومن المستبعد أن ترد من قطاع غزة في الوقت الحالي، ولو أنها أرادت الرد لردّت مباشرة بعد هدم النفق من دون أن تلام كثيرا. الجهاد ليست لوحدها على الملعب الغزاوي، ولن تغامر بمواجهة تتهم فيها بتخريب جهود المصالحة وخلط الأوراق، وقد تجد نفسها في موقف حرج لها ولحلفائها وشركائها في السلاح.
بلا شك أن أكثر من طرف له ثقله يطالب حركة الجهاد بضبط النفس، قد يكون حماس وقد يكون الطرف إيران وحزب الله المشغولين بالدفاع عن ضريح السيدة زينب، وقد يكون السيسي الذي لا يرى مصلحة له بإشعال غزة، وقد يكون الشارع الغزّي المرهق بعد حصار طويل، وقد يكون كل هؤلاء مجتمعين، ولهذا فالحديث عن مواجهة واسعة في الأفق القريب أمر مستبعد، حتى لو ردت حركة الجهاد بصلية صاروخية، فإن إسرائيل سوف تستوعبها وترد بصورة محسوبة جدا لا تؤدي إلى توسيع المواجهة، ببساطة عندما يلتقي المسلمون والعرب بصواريخهم فالمطلوب في إسرائيل هو المحافظة على الهدوء والدعاء والعمل على أن يستمروا بعملهم القذر تجاه بعضهم بعضا.
كاتب فلسطيني

إذا التقى المسلمان بصاروخيهما!

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    1- صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بدأ بعملاء الصليبيين وأقصد الدولة الفاطمية قبل أن يستفرد بالصليبيين ويسترجع بيت المقدس
    2- لولا إنشغال العثمانيين بعملاء الصليبيين وأقصد الدولة الصفوية لكانت أوروبا كلها إسلامية وتم إسترجاع الأندلس !
    3- منذ ثورة الخميني بسنة 1979 والعرب منشغلين عن فلسطين بسبب ندائه بتصدير الثورة في بلاد العرب
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

      @كروى : يعنى ان المسلمين يخونون و يقتلون فى بعضهم منذ عشرات القرون ….الم يفهموا من اين اتت مأساتهم بعد …تحيا تونس تحيا الجمهورية

  2. يقول سوري:

    بوركت يا استاذ سهيل

    هل نفهم من الحديث الشريف بأننا كمسلمين سيكون مصيرنا جهنم لأننا نقتتل بلا رحمة ولا شفقة ولا الاخذ بالحديث الشريف
    ويتساوى الظالم والمظلوم

  3. يقول Gabriel Usa:

    الهذاالسبب انت في أوربا يا سيد دَاوُدَ أم انك هارب من بلدك كفانا تعصب

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    يبدو ان الكاتب العزيزلم يقرا تاريخ المسلمين منذ وفاة الرسول وكم تقاتل المسلمون فيما بينهم وكم مرة ضربت الكعبة وتهدمت اجزاء منها وهل نسى الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية وكيف كان الطيارون المسلمون يقصفون العراق وكيف سلم المسلمون(العرب)العراق لا مريكا وكيف دمروا سوريا ,يا سيدي العزيز لا القران ولا السنة النبوية ولا الاحاديث ستمنعهم من القتل بسبب مصالحهم وكراسيهم.علينا البدء بالطائفيين من المسلمين سنة وشيعة لنخلص الناس من شرورهم وحقدهم على انفسهم وعلى الاخرين ولكن ليس بقتلهم بل كشف طائفيتهم وفضحها امام الناس وذلك من اجل اوطاننا التي دمرتها الطائفية

  5. يقول مواطن:

    متى سيرحل بشار؟

  6. يقول ختام قيس:

    سلام مني اليك..
    فالاصل في التعامل هو خطاب السلام والنية الطيبة..
    اعتقد ان القادة يصنعون الحرب والفقراء يموتون فهي تسلية الزعماء بشعوبهم…
    انشغلوا بعيدا عنا حتى نستطيع ان نسرق المزيد من الغنائم…الحرب هي عبارة عن مجموعتين متقاتلتين من اجل مجموعة ثالثة جندتهما من اجل مطامعها..
    تحية مني اليك استاذ سهيل.

  7. يقول سامح //الأردن:

    *وضع (العرب) والمسلمين سيء وحزين
    وبصراحة اكثر (مخزي )..؟!
    *الحكام الظلمة المستبدين الشبيحة
    في واد وشعوبهم المظلومة في واد آخر .
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  8. يقول زاهي منصور فتسطين:

    دام قلمك اخ سهيل دائما تطرح الاسئله الصعبه , للاسف نحن امه غير ديمقراطيه ولا تجيد لغة الحوار , فقط القتل والالغاء والاقصاء هم الحلول عندنا, الشعوب تتحاور, تتنازل ,,وتلاقي المقامات المشتركه وتشارك بعضها,, اما نحن ففي وحل العنف والقتل والقتل المضاد
    انها القيادات المتعفنه بفكرها والمتفرده في القرارات والمستبده يشعوبها…حثالة المجتمع العربي عند كل الشعوب العربيه

  9. يقول د. سامي عبد الستار الشيخلي سويسرا:

    كتاباتك رائعة لواقع مؤلم بامتياز نعيشه كل يوم في عالمنا العربي والاسلامي والدراسات العلمية الغربية عليها مكاتب فيها كتب تنصعق من رؤيتها في كل جامعات العالم ومراكز التخطيط السياسي وما يتبعه علينا وفينا ومننا. والمطبقون لها منا وفينا وصراخاتنا تعلوا وتهبط نواحا ولعل أملا قادما يشرق!؟ العجيب أمام كثرة الاحزاب وطروحاتها وقلة الحلول الصحيحة للخروج بسلام لبناء المجتمع سليم؛ فاربع دول عربية غارقة بحروب تُبكي العاقل ويسير بها الجاهل الناسي لدينه وقيمة وجوده فيهرول مع المهرولين كمسرحية لا يعي نهاياتها المأساوية ؛ فهو جزؤها وحارسها بوعي مُستلب. صراعات دموية بلا عقل وخلق ودين. تحت أسماء شتى. سوى الركض وراء مصالح وأهداف ضبابية تداعبهم. وختام مقالك صحيح جدا: ببساطة عندما يلتقي المسلمون والعرب بصواريخهم فالمطلوب في إسرائيل هو المحافظة على الهدوء والدعاء والعمل على أن يستمروا بعملهم القذر تجاه بعضهم بعضا. وهذا حاصل منذ اندلاع ما أطلق عليه: الثورات العربية. قال لي شخص هل رأيت صراع الحيوانات البرية حول أية فريسه؟ أجبته نعم في الافلام.قال هل رأيت أنَّ كل نوع من الحيوانات لها طريقة خاصة في الانقظاظ على الفريسة بإسلوب خاص بها؟ قلت له نعم قال هذه هي سياسة الحكام ومواليهم !عليك فهمها. كم هو غبائي في فهم ألأعيب الرؤوس فهم فوؤوس على من تحتهم بصراعات كموديلات بأهداف شتى. فآليتُ الاغتراب لسوء الاسباب. والى الله عاقبة الامور فيما يخفى ويُعلن فيما بعد من خفايا الفنادق الراقية والقصور. ويبقى العالم فيما حوله يدور.

  10. يقول عفاف وتد:

    كاتبنا الفلسطيني الرائع سهيل
    كتبت حقائق لاذعة وموجوعة لكنها حقيقية وواضحة وسيكون غبيا من تخفى عليه
    اما الزعماء العرب فهم أكبر أغبياء لأنهم وبسبب تعلقهم بالسلطة والمال صاروا عميانا
    لا يرون ولا يسمعون سوى ما يكون بمصلحة فرضهم للسيادة وبقائهم على الكرسي
    بئسا وتبا يا سيدي بئسا وتبا لهم
    الله والاسلام منهم براء
    شكرا لك على طرح يضع النقاط على الحروف ويكشف الكثير أمام الانسان البسيط الذي ربما لا يعرف او يجهل هذه المعلومات وكيف تصاغ السياسة القذرة هذه …شكرا لأنك موجود الرائع سهيل كيوان

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية