الناصرة – « القدس العربي»: كرر جيش الاحتلال تهديداته بالتصعيد ضد غزة وحماس، وبالتزامن برر وزير الأمن أفيغدور ليبرمان قتل الصحافي ياسر المرتجى في غزة خلال تغطيته مسيرة العودة يوم الجمعة الفائت، فيما دعت نقابة الصحافيين الإسرائيليين للتحقيق في قتل الصحافي المرتجى. واستهتر الوزير ليبرمان بقتل الصحافي الفلسطيني بنيران الجيش الإسرائيلي، وإصابة خمسة صحافيين آخرين في غزة بالزعم «لا أعرف من هو، سواء كان مصورا، أو ليس مصورا، من يقوم بتفعيل مروحية (صغيرة للتصوير) فوق جنود الجيش يجب أن يعرف بأنه يخاطر بحياته». ليبرمان الذي أرسل جنوده المستعربين قبل شهرين منتحلين شخصيات صحافيين لاعتقال طالب في جامعة بير زيت مضى في تبريره القتل بالقول «طالما قام مخربون بالتنكر بزي صحافيين. شاهدنا عشرات الحالات التي يستخدم فيها المخربون سيارات الإسعاف، أي أنهم يتقمصون هوية رجال الهلال الأحمر، أو يتقمصون هويات الصحافيين. لن نخاطر هنا وهناك. أعتقد أنه من الواضح للجميع أن جيشنا هو الأكثر أخلاقية في العالم. عندما ننظر إلى المنطقة كلها، حيث قتل نصف مليون في سوريا ومئات الآلاف يقتلون في السودان وليبيا والعراق. لا أحد يتأثر». وتقاطع معه وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان الذي قال مبررا قتل الصحافي إن المرتجى قام بـ « أعمال تخريبية «، متجاهلا إطلاق النار على مئات المدنيين وإصابة خمسة صحافيين.
ياسر المرتجى
يشار إلى أن الصحافي ياسر مرتجى، يظهر في الصور، التي التقطت له بعد إصابته، وهو يرتدي سترة واقية كتب عليها كلمة Press، وكان مصورا اعتاد التقاط صور جوية بواسطة كاميرا مرتبطة بمروحية صغيرة. وانضم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مساء لتبرير المجزرة زاعما أن المتظاهرين في غزة يتظاهرون بالتحدث باسم حقوق الإنسان في الوقت الذي يحملون «العلم النازي»، وذلك في إشارة إلى صورة نشرت في إسرائيل يظهر فيها العلم الفلسطيني، الذي رفع في قطاع غزة وإلى جانبه الصليب المعقوف. وقال نتنياهو في حفل خاص بعيد الميمونة الذي يحييه يهود المغرب: «هذه هي الحقيقة العارية، إنهم يتحدثون عن حقوق الإنسان، ولكنهم في الواقع يريدون دوس دولة اليهود. لن نسمح لهم، سنقف صامدين. سنحافظ على البلاد، سنواصل بناءها».
اتحاد الصحافيين الإسرائيليين
إلى ذلك، توجهت رابطة الصحافيين الإسرائيليين إلى رئيس الأركان غادي أيزنكوت في أعقاب قتل مرتجى مطالبة، عبر حسابه على «تويتر» «بتوضيحات حول إطلاق النار على الصحافيين والأوامر التي صدرت للجنود على حدود غزة في كل ما يتعلق بالتعامل مع طواقم الإعلام».
وقالت رابطة الصحافيين الفلسطينيين إن ياسر مرتجى كان يقف على مسافة 350 مترا من السياج. وادعى الناطق العسكري أن «الجيش لا يوجه نيرانه إلى الصحافيين، وأن ملابسات إصابة الصحافيين بنيران الجيش ليست معروفة ويجري فحصها». وقالت رابطة الصحافيين الفلسطينيين إن كل الصحافيين كانوا يرتدون دروعا واقية تبين هويتهم الصحافية. واتهمت الرابطة إسرائيل بإطلاق النار عمدا على الصحافيين بهدف منعهم من تغطية الأحداث. وطالبت «التنظيمات الدولية بالعمل فورا للتصدي لإسرائيل ومنع استهداف الصحافيين الفلسطينيين».
الجيش يهدد
وواصل جيش الاحتلال أمس التهديد بشن غارات جوية على أهداف عسكرية لحركة حماس، إذا تواصلت محاولات «تخريب السياج الحدودي»، في إشارة لاستمرار فعاليات مسيرة العودة على حدود غزة. في المقابل نقلت صحيفة «هآرتس» عن ضباط كبار قولهم إنهم يشعرون بالقلق إزاء إمكانية تطور شبه حرب استنزاف على حدود غزة في ظل المظاهرات الحاشدة. كما تخشى أوساط إسرائيلية من ارتفاع عدد الإصابات في الجانب الفلسطيني لأن من شأنه أن يخرج المجتمع الدولي من عدم اكتراثه بما يحدث وتجديد الضغط الدبلوماسي على إسرائيل. ونقلت «هآرتس» عنهم أيضا إن القيادة السياسية الإسرائيلية ليست مهتمة بتصعيد القتال في قطاع غزة، سواء بسبب الثمن المتوقع للنزاع أو بسبب التطورات ضد إسرائيل على الجبهة الشمالية، حيث توطد إيران من وجودها في سوريا، بموافقة روسيا. ويبرر الجيش الإسرائيلي الاستخدام الواسع، نسبياً، للذخيرة الحية بالخوف من الاختراق الحاشد للسياج القديم جدا، والذي يصعب صيانته ويمكن أن يتم اختراقه بسهولة.
حماس تحافظ على لهيب المواجهة
وانقسم المعلقون الإسرائيليون في تحليلهم ورؤيتهم لما يتعلق بمجمل قضايا غزة بين تبني الرواية الرسمية التي تزعم أن مسيرة العودة ليست سلمية وتهديدا إستراتيجيا وأن ما يقوم به الجيش هو دفاع عن النفس وبين من يوجه انتقادات للحكومة والجيش ويأخذ عليها تبني منطق القوة المفرطة وكسر إرادة الفلسطينيين بالنار وسط تجاهل الأوضاع الكارثية في غزة محذرين من تحولها لمحنة إسرائيلية أيضا.
ويعتبر المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أن تقلص القتلى والمصابين هو نتيجة تغيير أسلوب العمل في الجانبين. وقال إنه بالمقارنة مع يوم الجمعة الأسبق، شارك هذه المرة عدد أقل من الفلسطينيين في المظاهرات وبدا وأن إطلاق النار كان أقل، أيضا. ويرى أن الاحتجاج ولد ذرة أمل بوجود مخرج ما والتظاهرات وكثرة عدد القتلى بنيران القناصة، أعادت إلى حد ما، طرح الموضوع الفلسطيني على جدول الأعمال الدولي، محذرا من أنه إذا تواصلت الاحتجاجات، فمن شأنها أن تولد ضغطاً على إسرائيل، رغم الدعم الجارف لها من قبل الإدارة الأمريكية.
الضفة الغربية
ويتطابق المعلق البارز في « يديعوت أحرونوت « نحوم برنيع مع هارئيل في الإشارة إلى مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن اقتحام الحشود باتجاه البلدات الإسرائيلية القريبة من السياج، كان سيؤدي إلى قتل عدد أكبر في الجانبين. وكان يمكن أن يتداعى إلى مواجهة عسكرية أخرى على غرار الجرف الصامد في 2014. ويتشاطر برتيع وهارئيل الاعتقاد أنه في ظل العدد المرتفع للإصابات في الجانب الفلسطيني يبرز الفشل الإسرائيلي المتواصل في تطوير وسائل لتفريق المظاهرات تكون فاعلة أيضا من مسافات بعيدة نسبيا. كما يتنبهان إلى أنه رغم العدد الكبير من المصابين الفلسطينيين، فإنه لم يتم إطلاق أي صاروخ من القطاع باتجاه النقب. ويعتبران ذلك دلالة على أن حماس لا تريد ذلك، وأنها هي التي تحدد ما إذا سيتم إطلاق صواريخ. كما أشارا إلى أنه في هذه الأثناء، لم تشعل أعمال القتل احتجاجا ملموسا في الضفة الغربية.
ويخلص المعلقان إلى الادعاء بوجود عدم رغبة الطرفين بالوصول إلى مواجهة شاملة، يمكن أن تكون مدمرة بشكل خاص لغزة. كما يعتبران أن محنة غزة هي الأهم وأنه في ظل غياب حل في الأفق، يبدو أن الصدامات الأسبوعية على طول السياج ستتواصل لفترة زمنية أخرى على الأقل.
حل استراتيجي
ويرى المعلق العسكري يوآب ليمور، في «يسرائيل هيوم»، أن حماس حققت نجاحا كبيرا على الساحة الدولية، مقابل نجاح محدود جدا على الساحة الفلسطينية. لكنه يضيف محذرا «من المشكوك فيه أن الضفة ستقف على الحياد لفترة طويلة، فالأحداث المقبلة ستلامس بشكل مباشر سكان الضفة الغربية، مع التركيز على يوم الأسير، وذكرى النكبة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس». كما يحذر من تزامن أكثر خطورة نتيجة تفجر أزمة أمنية في شمال البلاد في الوقت الذي تتواصل الاحتجاجات في غزة وتنتقل للضفة الغربية. ويخلص للقول كزميليه برنياع وهارئيل» يجب أن تكون هذه مهمة القيادة السياسية، التي يجب أن تجد السبل لتهدئة حماس. وهذا يتطلب نشاطًا سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وهو غير قائم في هذه المرحلة. من الأفضل أن يخصص مجلس الوزراء وقتًا لهذا الموضوع هذا الأسبوع – ليس للحلول التكتيكية كما في الاجتماع الأخير، ولكن لمناقشات استراتيجية حقيقية – قبل أن تخرج الأحداث عن السيطرة وتجر الأطراف إلى تصعيد غير مرغوب فيه».