«إسرائيل تمهل المهاجرين غير الشرعيين 60 يوما للمغادرة» عنوان تقرير مصور لـ «سي أن أن» يخفي أكثر مما يظهر، بل رغم محاولته تقديم وجهة نظر مهاجرين قيد الترحيل، بالإضافة إلى وجهتي نظر إسرائيليتين، فهو يبدو كأنما يدعم صورة إسرائيل كبلد للجوء، وأنه مثله مثل كل بلدان اللجوء في العالم، يقدم، على ما ينقل عن نتنياهو، اللجوء للّاجئين الحقيقيين فيما يرحّل المهاجرين غير الشرعيين، وأنه يحتوي على وجهات نظر ونقاش حول الموضوع.
يبقى في بال مشاهد التقرير أن آلاف الأفارقة، من أريتيريين وسودانيين خصوصاً، يشقّون كل تلك المسافة والعذاب للوصول إلى ذلك البلد، الذي يقول عنه مهاجر رسمَ الطريقُ الصعب خريطتَه على جسده، بجرح عميق هنا، وضربة سلك شائك هناك، إنه «ينتمي إلى هنا».
صحيح أن التقرير قال إن إسرائيل قبلت، على مدار العقد الفائت، فقط أقل من واحد في المئة من طالبي اللجوء، وعرض قول ناشطة: «إن هذا الشعب الذي أنشأه اللاجئون اليهود لا يمكنه رفض لاجئين آخرين. وأن ذلك ذلك ضد قيمنا كدولة يهودية تكوّنت من اللاجـئين»، لكنها مجرد وجهة نظر، تؤكد «قيم» تلك الدولة. تماماً كما في التعليق الختامي للمراسل «صحيح أنها أرض الميعاد، ولكنهم غير موعودين بها».
لم يقل التقرير إنه سيجبر طالبي اللجوء على المغادرة خلافاً للاتفاقيات بخصوص اللاجئين، وإن البلد الثالث المقترح هو رواندا، التي يبدو أنها نفت بدورها اتفاقاً مع إسرائيل حول استقبالهم.
لكن ما لم يقله تقرير «سي أن أن»، ولا يمكن لها أن تقوله أساساً، إن بلد القيم ذاك، هو قائم على تشريد ملايين اللاجئين حول العالم، والتسبب بأكبر مأساة للاجئين في التاريخ.
«بيت القصيد» بالبدلة العسكرية
ترقبتُ، إثر إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وبشوق كبير، سماع تلك العبارة الذهبية التي تليق بأحداث من هذا النوع «إن ما بعد هذا الحدث لن يكون كما قبله». المفاجأة كانت أن العبارة جاءت محمولة على مقدمة برنامج ثقافي تلفزيوني لا في تحليل سياسي. جاءت مع متعلقات أخرى لا تقلّ رنيناً وفرقعة، كعبارات من قبيل «يوم مفصلي وتاريخي في المواجهة المفتوحة»، «تحوّل استراتيجي في الفعل المقاوم»، «المتصهينون العرب»، «إعلاء شأن الثقافة الملتزمة في مواجهة ثقافة التطبيع والتضليل وتبرير الخيانة».
كل ذلك أتى على لسان زاهي وهبي، مقدم برنامج «بيت القصيد» على تلفزيون «الميادين»، بعد أن ارتدى بدلته العسكرية، وأجّل حلقة تلفزيونية كانت معدة سلفاً للبث، واستدعى عل عجل كاتبين هما اللبناني عبيدو باشا في الاستديو، ومن حيفا عبر الأقمار عبد عنبتاوي. للحديث في الأمر الجلل.
لم نفهم من سياق الحلقة لماذا اختار وهبي هذين الكاتبين، فالبرنامج الثقافي لم يناقش معهما شأنا ثقافياً أو إبداعياً ما، كما لا يُعرف عنهما اختصاص في التحليل السياسي، وهما لم يدّعيا ذلك على أي حال، ثم، وهذا هو الأهم، من هما هذان الكاتبان؟ في أي خندق عثر عليهما، هل يمثلان حقاً ثقافة المقاومة؟ وبالنسبة للكتابة والصحافة والنقد، هل يمثلان تميزاً ثقافياً ما؟
سياق الحلقة لم يثبت شيئاً من ذلك، ولم تكن الحلقة سوى ثرثرة في مقهى لمحتفلين كل همّهم أن يغيظوا زملاءهم الذين لطالما سخروا من صمت النظام السوري إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة باستعمال عبارات شهيرة مثل «ضبط النفس»و«الاحتفاظ بحق الرد».
لكن يا زاهي، ويا «ميادين»، ألا يعني هذا الاحتفال الاستثنائي أن الحدث استثنائي هو الآخر؟ إنه «الاستثناء الذي يثبت القاعدة»، هذه التي تؤكد أيضاً أن ليس من السهل تكرار المواجهة الفريدة من نوعها خلال أكثر من ثلاثة عقود ليس من السهل تكرارها.
هناك أمر آخر يثبته احتفال حلقة «بيت القصيد»، أن هذه العدة الحربية، موجهة إلى من يسميهم زاهبي وهبي «المتصهينين العرب»، إنها محاولة مبكرة لصرف «شيك» إسقاط الطائرة برصاص موجّه إلى صدر المواطن العربي.
كم وددت أن أفرح لإسقاط الطائرة الإسرائيلية، لكن سرعان ما ذكّرني الإعلام الممانع بأن ذلك الحدث لن يصرف إلا لمزيد من إذلال المواطن العربي، على جبهات القتال الداخلية، في الغوطة الشرقية، في الشارع، على الحواجز، في فروع الأمن، وفي «بيت القصيد».
علم الاستعراض العسكري
عرض فيديو لـ «بي بي سي» يقول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب من وزارة الدفاع تنظيم عرض عسكري كبير بعد حضوره عرضاً عسكرياً في فرنسا العام الماضي. الفيديو حدّد مكونات الاستعراض العسكري: مسيرة العسكريين، الأسلحة، موسيقى حماسية تلهب المشاعر، تشكيلات بشرية معبرة، الوقوف في مركبة متحركة، الحيوانات.
قسمَ الفيديو الشاشة إلى أربع، قدمت فيها استعراضات عديدة من بلدان مثل روسيا وإيران وزيمبابوي كوريا الشمالية والصين سريلانكا وأخيراً فرنسا وبريطانيا.
الفيديو كان جدياً للغاية، لكن في العمق لا يخلو من سخرية أن الدولة الأقوى في العالم، عدة وعتاداً بدت جاهلة في «علم» الاستعراض العسكري، أنها ما زالت تتهجأ حروفها الأولى. كما لا يخلو من معنى أن الكفة هذه المرة ترجّح كوريا الشمالية وروسيا.
سكتت منال
يصعب أن يأخذ المرء على محمل الجد تصريحات منسوبة للمغنية العشرينية الشابة منال ابتسام، المشتركة الفرنسية من أصل عربي التي سحرت محكّمي برنامج المواهب «ذا فويس» أخيراً.
من يشغل باله بالتدقيق بتغريدات قديمة لفتاة تبلغ من العمر الآن اثنين وعشرين عاماً، إلا إذا كان يحمل عداء مستحكماً وأصيلاً لكل ما يعبر، أو ما يعتقد أنه يمثل الثقافة العربية والإسلامية؟
لقد تعرضت البنت، السورية الأصل، الفرنسية الجنسية والإقامة، لأسوأ حملة دفعت بها للانسحاب من البرنامج. جن جنون الجمهور لمجرد ظهورها بغطاء للرأس، حتى أنه ليس حجاباً تقليدياً بالمرة. لم يشفع لها نصف الحجاب ذاك، ولا غناؤها على منصة «ذا فويس»، علماً أن الغناء والموسيقى يعارضان في الجوهر كل أشكال التطرف.
هدأ الجمهور الآن. هدأت الحملة الهوجاء، وسكت الصوت الملائكي، في انتظار ضحية جديدة تشفي الغليل!
كاتب فلسطيني سوري
راشد عيسى
مقال جميل ومُنوع
ولا حول ولا قوة الا بالله
مع الشكر الحزيل أخي راشد عيسى. لا أستطيع أن أترك يوم الثلاثاء يمر دون قراءة مقالك (ومقال الأخ الياس خوري). أما بالنسبة لبيت القصيد حيث تم (ومرة أخرى) إثبات حقيقة واضحة أن النظام السوري يقاوم ويمانع فقط أو فقط بمقدار ما يضمن له أن يتمكن ويحافظ على سلطته وتسلطه. لكن والحق يقال يستطيع الفلسطينيين أن يأملوا بتحرير فلسطين حالما يتم تحرير الجولان, وتستمر المقاومة والممانعة!
مرحبا راشد. تعليق من متابع محب لكتاباتك أرجو أن تتقبله: إن في قصة منيل “السورية” كثيراً من التفاصيل ويدور الحديث حولها منذ أيام وتدخلت في الكتابة عن القضية عشرات الأقلام في فرنسا. لا أعرف مدى اطلاعك على كل ذلك. لكني أقدر أنه ليس كبيراً بما يكفي، وذلك مثلاً حين تقرر أن الجمهور “جن جنونه” لمجرد ظهورها بغطاء للرأس” أو إقامتك لتمييز إيجابي بين الحجاب و”الحجاب الذي ليس تقليدياً بالمرة” التي تضعه منيل دون أن تكون على دراية، ربما، بمدى حماوة النقاش اليوم حول هذا الـ”Turban” باعتباره آخر ما توصلت إليه الأخوات المسلمات ومنظماتهن “النسوية” وجمعياتهن “الخيرية”… الخ. لم يدر الحديث مطلقاً عن “حجاب” السيدة حتى ممن تفترض أنهم يحملون “عداء مستحكماً وأصيلاً… الخ” (أفترض أنك تتكلم عن فاعلين عموميين: صحافيين وسياسيين… الخ. فمن هم بالمناسبة؟) إلا حين اكتشفت “التغريدات القديمة” التي يبدو من أسلوبك مرة أخرى أنك تقلل من أهميتها إلى أقصى حد وتغمز كذلك من قناة صغر السن الذي يرفع كل مسؤولة عن الأفعال.
مجدداًَ، أنا محب لكتاباتك ومتابع لك منذ أيام السفير الثقافي وإن كان لي أن أنصح، بكل محبة، يمكنني القول: اكتب كما عودتنا عما تعرف تماماً وفعلياً وتمكنت، بسبب من المعرفة التامة والفعلية، من تكوين رأيك الخاص حوله.
محبتي وإلى الأمام
هو بالفعل الاستثناء الذي لن يلغي القاعدة.
ولن يخفي حقيقة ان سوريا أصبحت مستوحاة لكل من هب وذب من قوى عظمى
وصغرى،صديقة،ومعادية.وذلك بفضل حكمة
القائد الرمز السيد بشار الأسد.
هو بالفعل الاستثناء الذي لن يلغي القاعدة
ولن يخفي حقيقة ان سوريا اصبحت مستباحة.لكل من هب، وذب، من قوى عظمى، وصغرى، صديقة، ومعادية. وذلك بفضل حكمة القائد الرمز السيد بشار الأسد.