الناصرة – «القدس العربي»: منذ قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني قبل 66 عاما عرفّت إسرائيل ذاتها كـ «دولة يهودية وديمقراطية « وحاولت جاهدة إقناع العالم بصحة هذا التعريف الذي يعتبره فلسطينيو الداخل عبثيا وغير ممكن ومتناقضا. ومنذ عدة سنوات أقدمت إسرائيل وبمبادرة وزيرة القضاء الحالية تسيبي لفني على مطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط في المفاوضات والتسوية المحتملة، لكن الفلسطينيين أجمعوا على رفض مثل هذا الاعتراف لأنه يوصد الباب أمام حق عودة اللاجئين ويحولّ فلسطينيي الداخل لضيوف في وطنهم. ليفني المبادرة لهذه الفكرة فقدت السيطرة عليها ومن وقتها يلوح اليمين في إسرائيل بهذه الفكرة ليختبئ خلف رفضها من قبل الفلسطينيين ويلقي الكرة في ملعبهم في إطار التهرب من التسوية والمضي بإستراتيجية إدارة الصراع لا تسويته والمحافظة على «الوضع الراهن».
في الأسبوع المنصرم تمادت إسرائيل أكثر من ذلك بتبني رئيس حكومتها مشروع قانون خاص قدماه نائبان (عضو الكنيست زئيف إلكين من حزب الليكود وأييلت شكيد من حزب البيت اليهودي) يخفف الطابع الديمقراطي ويعزز الطابع اليهودي في تعريفها وهو قانون يعرّف إسرائيل كـ «دولة الشعب اليهودي» .
بعدما أثار مشروع قانون تعريف إسرائيل كـ «دولة الشعب اليهودي» ضجة واسعة وخلافات حتى داخل الإئتلاف الحاكم تم إرجاء طرحه للمصادقة عليه بالقراءة الأولى في البرلمان الإسرائيلي(الكنيست) ليوم الأربعاء المقبل.
الصهيونية عنصرية
مشروع القانون الجديد يذكّر بالقرار الأممي عام 1974 ويعتبر الصهيونية عنصرية وهو يوضح اختلاف إسرائيل 2014 عنها في القرن الماضي. فالعنصرية فيها باتت سافرة وفظة ورسمية بعدما كانت مستترة ومبطنة. وهناك من يعزو تزايد التطرف القومي والديني في إسرائيل اليوم لتغيرات عميقة يشهدها الإسرائيليون بعد تغيير خريطتها الديموغرافية جراء ازدياد عدد المتدينين اليهود الأصوليين وقدوم مليون مهاجر روسي يزاودون على المحليين لإثبات ولائهم إضافة لتغيير مناهج التعليم منذ صعود الليكود واليمين للحكم للمرة الأولى في 1977 لعدة أسباب منها نتائج حرب 1973 الصادمة للإسرائيليين.
وهناك من يرى مشروع القانون الجديد نتيجة طبيعية للفكر الصهيوني الذي تتأصل فيه العنصرية وليس وليد رغبة لدى نتنياهو وزبانيته لحصد مكاسب سياسية شخصية وحزبية داخل حزب الليكود حيث يتعرض لمزاودات من قبل زملاء له أو من خارجية على يد أحزاب يمينية أكثر تطرفا كحزب المستوطنين «البيت اليهودي» الذي ينافسه على ثقة الأوساط اليمينية.
وبخلاف معلقين إسرائيليين كثر ممن يشيرون للدوافع الشعبوية والأطماع الفئوية من خلف مشروع القانون الجديد تعتبره جهات فلسطينية كعضو الكنيست حنين زعبي تجليا حقيقيا للفكر البنيوي الصهيوني العنصري.
ليس تكتيكا
وتوضح حنين زعبي لـ «القدس العربي» إن «قانون القومية ليس تكتيكا انتخابيا وإنما هو فكر عنصري مجنون وغير ديمقراطي وبنيوي» مشددة على أن برلمانا يبعد أعضاءه لا يحق له أن يدعي الديمقراطية. وتعتبر الخطوة بأنها معادية للجمهور العربي الذي يدعمها، ولكل ديمقراطي في البلاد وتميط اللثام عن زيف النظام الديمقراطي في إسرائيل الذي يعتبر إسرائيل ديمقراطية لليهود ويقدمها كيهودية للعرب فيها والبالغة نسبتهم 17٪.
ولذا فإن زميلها النائب د. باسل غطاس يعتبر أن ما يربط فلسطينيي الداخل بالبلاد والبقاء فيها هو كونهم أصحاب الأرض وليس المواطنة في إسرائيل. مؤكدا في خطابه الأخير في الكنيست على أن مشروع الدولة اليهودية الذي يعمل نتنياهو جاهدا كي يسنه كقانون أساس موجود منذ اليوم الأول بعد احتلال فلسطين وطرد الفلسطينيين. قائلا إن «هذه هي الدولة اليهودية التي نعيش جورها وظلمها هنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن الفلسطينية الساحلية».
آخر الأقنعة
وأسهب غطاس في حديثة حول موبقات يهودية الدولة والقانون الجديد الذي يسيء إلى أوضاع المواطنين العرب فيها مشددا على إزالته آخر قناع من وجه الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة ويقونن طبيعة الدولة العنصرية ونظام الأبرتايد.
وحول جدلية القومية والمواطنة يقول غطاس لـ «القدس العربي» إن ما يربط فلسطينيي الداخل بوطنهم كونهم سكانه الأصليين وليس المواطنة المفترضة التي فرضت عليهم في الدولة اليهودية.
وتابع «من جهتنا لن نعطيها شرعية إلا بعد التوصل لسلام عادل مع شعبنا ينهي الاحتلال في إطار مصالحة تاريخية ويضع حدا لنظام الأبرتايد ويصلح الغبن التاريخي الذي كان ضحيته الشعب العربي الفلسطيني عندها وعندها فقط سنقبل المواطنة في دولة ديمقراطية لكل المواطنين وليس لليهود فقط».
كما شن رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة محمد بركة هجوما على مشروع القانون في كلمة قدمها في الكنيست فخاطب فيها نتنياهو بالقول «بدعمك سلسلة من القوانين، ثبتّ إسرائيل مكان جنوب أفريقيا، في زمن الأبرتايد، بل تسعى لانفجار إقليمي، وتحول الإسرائيليين رهينة لسياستك من جميع النواحي».
واستذكر بركة بأن قانون الدولة اليهودية يأتي حلقة في مسلسل تشريعات غير ديمقراطية مثل قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، الذي يتم تمديده سنويا، وقانون «لجان القبول» لمنع سكن العرب في بلدات يهودية صغيرة، وقانون يهدف إلى منع المواطنين العرب من إحياء ذكرى النكبة، والذي عُرف باسم «قانون النكبة»، وإجراءات سحب الهوية من أهالي القدس الفلسطينيين، ومصادرة أراضي العرب خاصة في النقب، من أجل اقامة مزارع لليهود فقط، وقانون معسكر اعتقال المهاجرين الأفارقة.
وحتى عضو محكمة العدل العليا العربي الوحيد القاضي سليم جبران يعتبر أن المساواة للعرب في إسرائيل غير موجودة على أرض الواقع. في محاضرة له قدمها في مؤتمر حقوقي في مدينة إيلات أوضح جبران أن إسرائيل لم تطبق التوصيات التي وضعتها لجنة أور للتحقيق بأحداث هبة القدس والأقصى في تشرين الأول/اكتوبر 2000 مشيرا إلى أن مكانة فلسطينيي الداخل المدنية قد تغيرت للأسوأ. وأن التمييز ضد العرب في إسرائيل يطال مختلف نواحي الحياة.
وهذه رؤية تقّر بها بعض جهات يهودية غير صهيونية وأوساط صهيونية يسارية منذ سنوات من أبرزها وزيرة التعليم السابقة مؤسسة حزب «ميرتس» شولميت ألوني التي حملت بشدة على النظام الديمقراطي في إسرائيل مدة طويلة ووصفته في كتابها الأخير بـ «إثنوقراطية» أي ديمقراطية لليهود فقط.
وربما هذا هو السبب الذي دفع أوساطا صهيونية ليبرالية وأكثر مسؤولية أو ذكاء لمناهضة مشروع القانون الجديد وتحذر من خطورته على إسرائيل مكانتها، صورتها وفضح عنصريتها بسهولة ومنها رئيس إسرائيل، وزيرة القضاء، المستشار القضائي لحكومتها، وزير الأمن السابق وحزبا «العمل» و «ميرتس» المعارضين. ويوجه رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين انتقادات لمشروع القانون ويقول إنه لن يعزز طابعها اليهودي.
ويتساءل ريفلين ألا يدفعنا مشروع القانون الجديد للبحث عن تناقض بين الطابع اليهودي لإسرائيل وبين طابعها الديمقراطي وبالتالي تقديم خدمة لخصومنا؟
مؤكدا في محاضرة له قدمها في مؤتمر اقتصادي- اجتماعي في مدينة سديروت أن تفضيل الهوية اليهودية على الديمقراطية تعني عدم فهم عمق وعظمة «وثيقة الاستقلال» التي ربطت بين اليهودية والديمقراطية في تعريف إسرائيل عند تأسيسها عام 48 على قدم المساواة زاعما أن هذه التوليفة غير متناقضة بل هي روح الدولة. ويشير لحكمة معدي «وثيقة الاستقلال» من آباء الصهيونية الذين اهتموا بأن لا يشعر المجتمع العربي كبقية المجتمعات كما شعر اليهود في الشتات. ويتابع «لذا لم تكتف وثيقة الاستقلال بمساواة الحقوق الاجتماعية لكل المواطنين في إسرائيل بل حددت حقوقا للمجموعات فيها كالدين، اللغة، التربية والثقافة «. ريفلين المعارض لتسوية الدولتين لكونه من أنصار « أرض إسرائيل الكاملة « ويعرف بتوجهاته الليبرالية توجه للنواب ولكل المواطنين في إسرائيل داعيا إياهم لعدم الانشغال بالفاصلة التي تميز بين مركبي التعريف «يهودية» و «ديمقراطية» وللتركيز على الإثراء المتبادل المتمثل باللقاء بينهما. وزيرة القضاء ورئيسة حزب «الحركة» تسيبي ليفني انقضت على تصريحات ريفلين لتوظيفها في معارضتها القوية لمشروع القانون وما انفكت تقول: ريفلين ليكودي وصهيوني ابن صهيوني ومتزمت أفصح عن حقيقته وحقيقتنا فالقانون الجديد يفوت فرصة عمق وعظمة «وثيقة الاستقلال». وبلغت الانتقادات الإسرائيلية لمشروع القانون الذي يهدد بتفكيك الحكومة أوجها بسهام أطلقها رئيس إسرائيل السابق وأحد مؤسسيها شيمون بيريز الذي حمل عليه بشدة. بيريز المعروف بهندسته دبلوماسية الحرير وارتداء لبوس الحمل والاكتفاء بالتمييز المبطن غير السافر يعتبر قانون الدولة اليهودية يتناقض مع منظومتها القيمية ويضر بصورتها في العالم.
علاقات خارجية
واعتبر وزير الأمن السابق بروفسور موشيه أرنس أن مشروع القانون «زائد ومضر» مشيرا إلى أن إسرائيل قامت 66 سنة كدولة يهودية دون حاجة لمثل هذا القانون. في مقال رأي نشرته «هآرتس» أمس تساءل أرنس(الليكود)عن الحاجة لمشروع القانون ويخدم من؟ وقال إنه ليست هناك ضرورة لقانون كهذا لتحويل إسرائيل لدولة يهودية لافتا لكونها يهودية نظرا لأغلبية سكانها من اليهود ولصدور معظم الكتب فيها بالعبرية ولأن قصائدها عبرية ونشيدها القومي هو «هتكفا» ورايتها زرقاء- بيضاء وتابع «هي يهودية بالأساس بفضل قانون حق العودة لليهود».
حسابات شخصية
وحذرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها مرتين من أن المصادقة على مشروع القانون بنصه المقترح يعني إخراج إسرائيل من دائرة الدول الديمقراطية وتمنح مكانا محترما في قائمة الدول الظلامية التي تلاحق فيها الأقليات. لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تكتفيان حتى الآن بانتقادات مبطنة لمشروع القانون العنصري وعبر عن الموقف الأمريكي الناطق بلسان الخارجية الأمريكية بالقول إن واشنطن تتوقع محافظة إسرائيل على التزامها بالقيم الديمقراطية.
مذكرة للسفارات
بالمقابل تلحظ المؤسسة العربية لحقوق الإنسان من مقرها في مدينة الناصرة أن قانون «يهودية الدولية» لا يتعرض لانتقادات كافية من قبل دول العالم ومؤسساتها رغم خطـــورته وتشكــــيله يعني مخــــالفة واضحة لقواعد حقوق الإنسان العالمية وحلقة أخرى لتشريع التمييز والعنصرية. ويوضح مدير المؤسسة محمد زيدان لـ «القدس العربي» أن المؤسسة توجهت بمذكرات رسمية للسفارات الأجنبية في تل أبيب ومن خلالها لحكومات العالم لتحمل مسؤولــياتها والعمل من أجل منع إقرار هذا القانون العنصري.
وديع عواودة
اليهود أقلية في العالم كلة , وسط الديانات البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام , وجميها تؤمن في النهاية بالخالق الواحد , وإن تعددت مظاهر العبادات . فمن المسؤول عن قضية الأقلية ؟ عندما يمارس اليهود الإضطهاد العنصري الديني البغيض , الذى عانوا منه في بقاع الأرض , ويشتكون منه لطوب الأرض ليل نهار , ويخلطونه أحيانا بمعاداة السامية . إنه تفكير الجيتو المسيطر , والبارانويا أو الخوف المرضي من الديمقراطية الكاملة والمساواة وحقوق الإنسان ؟