في عيد ميلاده المئة، الذي مرّ قبل أسابيع، هذه السنة 2016؛ شاء أنصار المستشرق البريطاني ـ الأمريكي برنارد لويس، أسوة بتلامذته، اغتنام المناسبة لتكريم منجزه وإطراء أعماله، وهذا سلوك مألوف بالطبع. لكنّ بعض هؤلاء ـ خاصة أولئك الذين يمتزج إعجابهم بشخص لويس، بتصديق على آرائه الإيديولوجية ومواقفه السياسية ـ تقصدوا انتهاز الفرصة لممارسة ثلاث هوايات مزمنة: التعريض بالإسلام، تحت ذريعة «الإسلام السياسي» تحديداً؛ وامتداح نجاح لويس في الجمع بين «النزاهة» للتاريخ الإسلامي، والولاء للفكر الصهيوني؛ وثالثاً: الهجوم على المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، من زاوية نقده للاستشراق عموماً، وسقطات لويس بصفة خاصة.
نقرأ، أولاً، مارتن كريمر، رئيس كلية شاليم في القدس، والذي وقّع مؤخراً كتاباً بعنوان «الحرب على الخطأ: إسرائيل، الإسلام، والشرق الأوسط»؛ حيث يستذكر مقالة لويس «عودة الإسلام»، التي نُشرت في مجلة «كومنتري» الأمريكية سنة 1976، ويعتبرها أوّل نبوءة حول صعود «الإسلام السياسي»، حين كان هذا التعبير غير دارج، وغير وارد أيضاً في يقين كريمر. ثمة ما يُقال بصدد صفة التنبؤ، أو حتى الريادة، في تلك المقالة؛ خاصة لجهة تركيزها على جماعة الإخوان المسلمين ومراعاة الأنظمة العربية «التقدمية»، في مصر وسوريا والعراق، للدين الإسلامي والتدين الشعبي. الثابت، من جانب آخر، وعلى نقيض ما يذهب إليه كريمر، أنّ أبحاث لويس المبكرة شددت على الصراع بين الإسلام والمسيحية، في بُعدَين: الإسلام، بوصفه ديانة، «هو منافس المسيحية على قلوب البشر»؛ والإسلام، بوصفه حضارة، «هو الجار الأقرب، والغريم الأخطر، أمام الكون المسيحي». وأمّا مسوّغ الهجوم على سعيد، عند كريمر، فهو نقد الأخير لخلاصات لويس السياسية؛ من طراز قوله مثلاً إنّ إدانة إسرائيل، أو اعتبارها مخفراً للإمبريالية، أو رفض الاستيطان… بمثابة أفكار في خانة «عودة الإسلام»، دون سواها.
ثمّ نقرأ روبرت إروين، المؤرخ البريطاني، صاحب العمل الشهير «معرفة خطرة: الاستشراق ومظانّه»، 1966؛ والذي يجري مقارنة بين صواب بصيرة لويس، في المقال المشار إليه أعلاه، حول صعود الإسلام السياسي؛ وخطل، أو قصر نظر، مؤرّخ آخر، يساري، هو فرد هاليداي، الذي تنبأ بالعكس ـ في كتابه «جزيرة العرب بلا سلاطين»، 1974 ـ وأنّ العلمانية والديمقراطية سوف تكون لهما الغلبة في تلك المنطقة. ورغم انعدام النزاهة في تحميل هاليداي هذه الخلاصة، فإنّ إروين لا يستطيع تجنّب الإقرار بأنّ لويس نفسه لم يكن ذلك المتنبئ الحصيف؛ إذْ فاته، تماماً في الواقع، أي صيغة تكهنية حول الثورة الإسلامية في إيران مثلاً، مثلما سوف تفوته العواقب الوخيمة للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003. وأمّا دور سعيد، عند إروين ـ الذي لا يعدم تاريخاً طويلاً من البغضاء ضدّ نقد الاستشراق ـ فإنه يُختصر هكذا: «عجز سعيد عن التمييز بين لائحة رغباته، والنبوءة»!
ثالث الأنصار، والتلامذة، هو إيتمار رابينوفتش، رئيس «معهد إسرائيل»، وسفيرها لدى أمريكا خلال سنوات 1993ـ1996، وصاحب مؤلفات عديدة حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي. مساهمته في إطراء لويس حملت هذا العنوان/ التساؤل: «هل يمكن للمرء أن يكون، في آن معاً، صهيونياً ومؤرخاً كبيراً للإسلام؟»؛ وجواب رابينوفتش هو الـ«نعم»، بالطبع، عالية وصاخبة: «لا أحد، عادة، يسأل ما إذا كان في وسع باحث أمريكي بروتستانتي، يعيش في أمريكا خلال زمن الحرب الباردة، أن يكون مؤرخاً كبيراً لروسيا وخبيراً بالسياسة الخارجية السوفييتية»! هكذا ببساطة، إذن: الصهيونية نظيرة البروتستانتية، والإسلام نظير القضية الفلسطينية، وبالتالي في وسع لويس أن يؤرّخ للملفّين معاً وبلا حرج أو طعن في المصداقية. «إنه أولاً وأساساً باحث، ومؤرّخ قدّس المعايير المهنية. وهو شديد الاهتمام بالسياسة، وقد أسهم كمثقف عمومي في كثير من النقاشات حول الشرق الأوسط. كما أنه يهودي فخور، وداعم ملتزم للدولة اليهودية»، يتابع رابينوفتش. ومن الذي يمكن أن يساجل ضدّ هذا الافتراض التبسيطي؟ لا أحد، في يقين الأكاديمي/ السفير السابق، أشرس من إدوارد سعيد!
فلنتذكر، بادىء ذي بدء، أنّ لويس، «بطريرك الاستشراق» في أنسب ألقابه، حمل في سنة 1971 رسالة من الرئيس المصري القتيل أنور السادات، إلى رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مئير، عبر الدبلوماسي المصري تحسين بشير؛ وأنه لم يعمل بالمبدأ الشهير، ما على الرسول إلا البلاغ، أغلب الظنّ، لأنّ جملة آرائه ـ يومذاك، كحالها هذه الأيام أيضاً ـ كانت تذهب عكس السعي إلى السلام، مع شعوب يتملكها الإسلام! هذه أمم لا تُرجى فائدة من محاولات إصلاحها أو مصالحتها مع قِيَم الغرب، ونبوءته الرهيبة للأقدار التي ستواجه العرب تسير هكذا: «إذا واصلت شعوب الشرق الأوسط السير على طريقها الراهن، فإنّ صورة الانتحاري يمكن أن تصبح استعارة تمثّل المنطقة بأسرها، ولن يكون هنالك مفرّ من الانحدار نحو الكراهية والحقد، والغضب وكره الذات، والفقر والقمع».
وذات يوم، حين توقّف لويس عند بيان أسامة بن لادن الداعي إلى إعلان الجهاد ضد القوّات الأمريكية المتواجدة في الجزيرة العربية، فإنه لم يفعل ذلك إلا لكي يلقي على أبناء الولايات المتحدة، وعلى أبناء الثقافة اليهودية ـ المسيحية أجمعين في الواقع، درساً في كيفية ردّ دوافع الإرهاب الإسلامي إلى أصولها التاريخية والفقهية. لقد انتظر سنة كاملة لكي يربط بين هذا البيان، وبين لجوء الخليفة عمر بن الخطاب إلى طرد يهود خيبر ومسيحيي نجران من جزيرة العرب، تنفيذاً لوصيّة النبيّ محمد كما كتب! ولقد رأى، طيلة ستة عقود على الأقلّ، أنّ الشرق الأوسط سرمدي جامد ثابت، ولن يتغيّر إلا على نحو أسوأ، على يد الأصوليات والأصوليين.
وذات يوم، غير بعيد أبداً، كان لويس يسخر من «المستشرقين الهواة» الذين يعقدون مقارنات زائفة بين التراث الإسلامي والتراث اليهودي ـ المسيحي، فيقولون مثلاً إن القرآن الكريم هو «توراة المسلمين». الأخطر من هذا، يتابع لويس، أن نقرن كلمات من نوع «ثورة» بالإسلام ونحن نعرف أن هذه المفردة لا تستدعي في ذهن القارئ الغربي سوى الثورة الأمريكية أو الفرنسية أو الروسية. ولسوف ينتظر المستشرق الهمام سبع سنوات فقط لكي يتحدث، في العام 1993، عن «الثورة الإسلامية»، ويقارنها بالثورتين الفرنسية والروسية، بل ويكشف النقاب عن وجود «يعاقبة» و»بلاشفة» مسلمين، وأطوار نابليونية وستالينة!
وذات يوم آخر، أيضاً وأيضاً، صرّح لصحيفة «دي فيلت» الألمانية بأنّ «أوروبا ستكون جزءاً من المغرب العربي»، وليس العكس.
لماذا؟ لأنّ «التوجهات الحالية تظهر أنّ أوروبا ستشهد أغلبية مسلمة في نهاية القرن الواحد والعشرين على أقصى تقدير»، إذْ فضلاً عن الأعداد المتزايدة من المهاجرين العرب والمسلمين، فإنّ الأوروبيين يتأخرون في سنّ الزواج ولا ينجبون سوى عدد قليل من الأطفال، بعكس مسلمي أوروبا الذين يتزوجون في سنّ مبكرة وينجبون عدداً أكبر من الأطفال. وخلال واحدة من زياراته المتكررة إلى إسرائيل،، أعرب عن أسفه لأنه آمن ذات يوم بإمكانية أن تسفر اتفاقيات أوسلو عن سلام فلسطيني ـ إسرائيلي؛ واعتبر أنّ السماح لياسر عرفات بالمجيء من تونس إلى فلسطين المحتلة، كان خطأ قاتلاً.
أمثال كريمر وإروين ورابينوفتش لا يتوقفون عند هذه الحيثيات، بالطبع، وكفى بهم سعادة بأنّ آراء «المعلّم» وتعاليمه على كل شفة ولسان، هنا وهناك في أمريكا والغرب عموماً. إنه البطريرك، حتى في ذروة مئة عام من عزلة عزل الإسلام عن التاريخ!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
لا استطيع الا انحني اجلالا لروعة ما كتبت … يا الله يا استاذ حديدي لالف عالم وعالم اخذتني ..لالف مقنع ومقنع مسكون بالاستعلاء الحضاري ..وهو يخطب في العالم عن التسامح كم اعجبت …. قل بل ذهلت لعمق وقوة النقد الصاعق لهذه الحفنة المتصهينة ان هؤلاء يابسون قلنسوات صهيونية لا يشاهدها من تبهره بذلاتهم التي تعبر عن اشخاص لا يحملون انتماء دينيا … وعنصرية يمينية مقززة تنمط وتستغل كل شيء سيد حديدي … شعرت انا ان من كتب هذه المقالة رجل استقراءي موسوعي مسن جدا … شكرا لانك اخذتني في مقالة واحدة الى عالم اخر يمثل فلسفة الدوافع ..حين نتساءل عن سر امغمار شرقنا بالمدافع وحين يكونون… اسياد الحرب المتطرفة الصهيونية ويقفون وانيابهم تقطر دما وهم يحاضرون عن عالمهم الحر نسي هؤلاء ان هناك من يراهم من خارج القطيعية الثقافية المزرية فيبصر بوضوح تللك القلنسوة ويؤمن بلا حرج بنظرية المؤامرة وحين يحلل يسكت كل من سخر منه شكرا لقلمك ااذي الفه بالف حرير .. لا تغب .. سيد حديدي .. فهنا الف الف غرير ينتظر التنوير وكل الشكر لادارة القدس التي وهبتنا نافذتك الراءعة .. لا اعرف ماذا اقول … لا يوجد.في قاموسي كلمة واحدة تعبر عن مدى اعجابي بما كتبته كالصواعق المرسلات بسخرية الواثق وشجاعة ضمير من لا يخجل من نعيق من امامه عن نظرية المؤامرة …اه انا كقارءة اشبه ابنة مخيم باءس ذهبت الى الملاهي لاول يوم في حياتها وبهتتها الوان البالونات واستغربت من عبقرية الالات التي يتنزه بها الاطفال هذا هو حجم صدمتي شكرا لك استاذي الكريم وانا في لهفة للمزيد من السفر والمزيد من النوافذ والمزيد من النواظير الليلية التي تكشف الاشياء حتى في الظلام وتراها على حقيقتها وهي تحرس حدود الثقافة الانسانية من العنصرة والمؤامرات وتبييض الانا الحمد لله ان هناك كاتبا مثلك جمعة طيبة لك والف شكر على قلمك الباهر
قارءتك المحبة غاااادة
و هو ــ برنارد لويس ــ بالمناسبة لم تطأ له قدم أي من أوطان العرب و المسلمين عدا تركيا على ما يذكر إدوارد سعيد .
أدرك أن الإنسان أسير قراءاته و ليس حتى بيئته، غير أني لا أفهم كيف تتناسق قراءة هذا المستشرق للإسلام ، و هي
قراءة تكفيك صهيونيته لتدرك تعسفها و مصلحته منها، مع قراءة بعض من يدعون الإنتساب لهذا الإسلام نفسه مع أنها
تصب في مصب ذلك الصهيوني ذاته .. بل يمكنني ، مقارنة بموروث برنارد لويس و مواقفه من الإسلام ، الزعم بأنه
كان أنزه و أقل فجاجة في تعاطيه مع موضوع الإسلام من كتائب أقلام عربية تسخرت للطعن الصريح في هذا الدين
و تشويهه بكثير من التزييف و التزوير .. فإدوارد سعيد ، على مسيحيته و يساريته و علمانيته و أمريكيته، أدرك مبكرا
موضع تخندقه حتى عُدّ و وصف من قبل إعلام صهيون الأمريكي بدكتور الإرهاب ، في إحالة لتعاطيه الداعم لحركة
حماس الإسلامية .
و أذكر في حوار له حينما ذكر له الصحفي أن كامو لم يكن يرى للجزائر أمة بالمعنى التاريخي ، كيف إستاء و هو يرد
بالقول : ” لم يكن كامو محايدا ، كان أديبا كولونياليا .. ” و هو فعلا كذلك إذ كان يرى الجزائر قوميات شتى آخرها
أشتات المستوطنين الأروبيين و من هنا يبدأ التأريخ للأمة عنده في إتساق تام مع نظرة الإستعمار.
فبارنارد لويس لم تدعه صهيونيته ليتجرد للعلم وحده في تناوله قضايا الإسلام ، و هو ما يمكن إلى حد ما تفهمه ، غير
أن سؤالي لـ ” تلامذته العرب ” : ماذا سيتحصل لكم من كعكته ؟
تحياتي لك و تقديري أستاذ صبحي .
تحياتي لقلمك الحديدي البصير…لا يستحق برنارد لويس هذا المقدارمن الكلمات العربية…يكفيه أنه قاريء فنجان مثقوب الجدران كالغربال.
أمثاله صنعوا ( مجدهم ) على قراءة التراث العربيّ ؛ لكن بالمقلوب ؛ فتراهم يمشون كالغراب ؛ فقد أضاعوا بلغوهم المترجم الشرق والغرب.
I would like to get in touch with Mr. Hadidi. I would greatly appreciate giving him my e-mail address to contact me. I have many things to discuss with him. Thank you very much for your help.
كتابة على وعى بما يدور حولنا لكاتب سورى مواقفه تشهد له دوما بالنزاهة والجراة في وجه الطغاة ومن يمهدون الطريق لهم وما كتبه هنا عن ثلاثة ممن يحتفلون بمئوية برنارد لويس يقدم معرفة وتحليلا ساخرا ليس فى متناول اغلب ابناء جلدتنا لكنني ارى الاخطر من هؤلاء الثلاثة ابناء واحفاد برنارد لويس من الباحثين العرب والذين اطلقت عليهم في بدايات الثمانينات من القرن الماضي تسمية المستشرقين العرب الذين يخربون بنى وهياكل الثقافة العربية والاسلامية من داخلهاوالحديث هنا حديث شجون ينضاف الى ما نعيشه من كوارث تجاوزت خطايا لويس واحفاده ..نحن نعيش هذه الايام تراجيديا حقيقية من صنع حكام المنطقة وتوابعهم بيحيث تصبح خطايا لويس وتحليلاته مجرد مزحة سمجة يمكن النظر اليها بسخرية وتجاوزها بهدوء والتوجه نحو تصفية الحساب مع واقعنا المؤلم..تحية تقدير لصبحي الحديدي لمواقفه وكتاباته التي تبعث الامل والانتصار للانسان العربي القادم
انا لست متخصصا بارث برنارد لويبس ولكن باعتراف احد المختصين الصهاينه فان برنارد لويس لم يقدم سوى منجز واحد مهم وهو حول تاريخ تركيا الحديثه. واخر مؤلف مهم له كان قبل 30 سنه. وما عدا ذلك تدخل بالسياسه.