الرباط ـ «القدس العربي»: تعدّ «الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية» التي أعدّتها الهيئة العربية للمسرح وتبنّـاها المؤتمر الأخير لوزراء الثقافة العرب في الرياض، بمثابة خريطة طريق للنهوض بأب الفنون في الوطن العربي. كما تسعى «شبكة العلوم النظرية المسرحية» التي أطلقتها الهيئة المذكورة بمثابة إطار فكري يروم المساهمة في إثراء حركة البحث والنقد الموازي للإبداع المسرحي العربي.
ذلك ما أكد عليه الكاتب الإماراتي إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، في حوار أجرته معه «القدس العربي»، حيث استقصت نظرته للمسرح المغربي وتقييمه للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي في الرباط.
■ ما هي القيمة المضافة التي حققتها الهيئة العربية للمسرح للمشهد المسرحي العربي، إنْ على مستوى الإبداع أو النقد أو التنظير أو غير ذلك؟
□ من الصعب أن أجيب شخصياً على هذا السؤال، الذي يُفترض أن يوجّه إلى المسرحيين العرب لمعرفة تقييمهم لعمل الهيئة. ومع ذلك، أقول إن الهيئة العربية للمسرح قامت على فلسفة واضحة وعلى رسالة سامية من رجل عاشق للمسرح، هو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، الذي أراد أن يكون للمسرحيين العرب بيت يستظلون تحت ظلاله الوارفة، ويتحاورون ويضعون رؤى واستراتيجيات، حتى يتحقق لهم من خلاله الكثير مما يفتقدونه؛ خصوصا أن الشيخ القاسمي استشعر بأن المسرح العربي يمرّ بكبوة كبيرة وتعترضه تحديات صعبة، ومن ثم، تأسست هذه الهيئة حاملةً معها العديد من الآمال والأحلام، من أجل تحقيق قفزة نوعية للمسرح العربي في ظل المتغيرات الجديدة.
لقد أنجزنا برامج ومشاريع عمل، يعرفها جيّداً الراصد لعمل الهيئة؛ ولكن، إلى أي مدى أثّرت في المشهد المسرحي العربي؟ نحن نرى ـ بكل تواضع ـ أنها حرّكت بعض المياه الراكدة.
■ نظمتم خلال كانون الثاني/يناير المنصرم الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي في المملكة المغربية، ما هي العوامل الموضوعية التي جعلتكم تستقرون في الرأي على تنظيم هذه التظاهرة في هذا البلد؟
□ أتصور أننا تأخّرنا في تنظيم واحدة من الدورات السابقة في المغرب، فهذا البلد كان مؤهلا لاستضافة المهرجان قبل الموعد الأخير، بالنظر إلى ما يتوفر عليه من إرث حضاري مهم على كافة الأصعدة، ومن ضمنها المسرح، ممّا جعلنا نعوّل كثيرا على أن نخطو بهذا المهرجان خطوة كبيرة، بعدما كرّس بعض التقاليد الجميلة. وفعلاً، شكّلت دورة المغرب فاصلاً جديداً وطفرة جديدة في مسيرة المهرجان، من شأنها أن تأخذه إلى آفاق أوسع وأرحب مما هي عليه الآن، لما تضمنته دورة المغرب من احتفاء عظيم جدا، لم يكن بالمقدور أن نوفّره في الدورات السابقة؛ لاسيما وأن المغرب يتوفر على بنى تحتية مهمة، تتمثل في أكثر من 120 صالة عرض على امتداد التراب المغربي، وهناك مراكز ثقافية قارة ولها برامجها المؤثرة ولها جمهورها الذي يتواصل معها، وهذا العدد غير متوفر في الأقطار العربية الأخرى؛ وقد وُظّفت تلك البنى الثقافية من أجل إنجاح الدورة السابعة، فكانت البلاد كلها تعيش حالة مسرح. إنه حلم كنّا نطمح إليه دائما، ولم يتحقق لنا إلا في المغرب. عندما قُدّم أكثر من سبعين عرضا مسرحيا في كل التراب المغربي، فهذه حالة فريدة من نوعها، وأخشى ألاّ تتكرر في دورات لاحقة، لاسيما وأننا نبني المهرجان على النجاحات التي تتحقق في دوراته المتعاقبة.
■ من ضمن الفقرات المهمة التي اشتمل عليها برنامج المهرجان في دورته الأخيرة، الاحتفاء بمئوية المسرح المغربي، نودّ أن نسألكم ما هو الصدى الذي يصلكم في المشرق عن المسرح المغربي؟
□ لا يعتقد أي مغاربي أنه بعيد عن المسرح في المشرق، والدليل على ذلك أننا نحرص حرصا شديدا في كل دورات مهرجان المسرح العربي على أن يكون المغرب حاضرا بمسرحييه ومبدعيه ونقاده، سواء في الندوات الفكرية أو في لجان التحكيم أو في الورش التطبيقية. فنحن نحترم هذا الإرث المسرحي المغربي، ونحترم هذه المعرفة المسرحية عند المغاربة؛ ولذلك، لا يخلو مهرجان مسرحي يُنظّم في المشرق من مبدع أو ناقد أو باحث مسرحي مغربي. وهذا دليل على اعترافنا بالريادة للمسرح المغربي. وقد اندرجت فقرة الاحتفاء بمئوية المسرح المغربي في إطار ردّ شيء من الجميل لهذا المسرح الذي قدّم الشيء الكثير لنا ونقلنا إلى عوالم مختلفة تماماً، فقد أبهر الفنان الطيب الصديقي الكثيرين في بقاع عديدة بعروضه التي كانت مغايرة للسائد، حيث جاب بعروضه تلك بلدانا عدة في المشرق العربي، إنْ في إطار مهرجانات أو بناء على دعوات رسمية، فنقل إلى المشارقة تجربة اعتُبرت مدهشة لاحتوائها على الفرجة والخيال الفني الساحر. ومن ثم، توالت العروض المسرحية المغاربية، سواء من المغرب أو من تونس والجزائر وغيرها من البلدان. كما أننا، من خلال حضور مهرجانات مسرحية تُقام في هذه البلدان، وجدنا تجارب مختلفة تماماً وجديرة بالاحترام وقد استفدنا منها كثيرا، وأثّرت فينا بشكل واضح.
■ طيّب؛ يشتكي العديد من المسرحيين العرب من ضعف المواكبة النقدية الرصينة لعروضهم، إلى أي حد يساهم هذا المهرجان وكافة الفعاليات التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح في تطوير الحركة النقدية المسرحية العربية؟
□ إذا أردنا تحريك المياه الراكدة واستنهاض المسرح من كبوته، لا بد من خريطة طريق واضحة المعالم نسير وفقها، حتى نحقق آمالنا وطموحاتنا. لذلك، عملنا على مدى عام كامل، على وضع «الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية» التي شارك في إعدادها أكثر من ثلاثمئة مسرحي على امتداد الوطن العربي، من خلال عدة ملتقيات، إلى أن وصلنا إلى هذه الخلاصة، وأصدرنا هذه الاستراتيجية التي أقرّها وزراء الثقافة العرب خلال مؤتمرهم الأخير المنعقد في الرياض في المملكة العربية السعودية، أواسط يناير المنصرم.
واحدة من أهم ما نصت عليه هذه الاستراتجية في خططها: كيف يمكن أن تواكب الحركة النقدية العمل الإبداعي المسرحي؟ لذلك، أطلقنا «شبكة العلوم النظرية المسرحية» التي نطمح لأن تكون مظلّة للنقاد المسرحيين في كل الوطن العربي، من خلالها نستطيع أن نُعيد للنقد بريقه ومكانته من جديد، وأن نضعه على السكة الصحيحة، حتّى يمكنه السير بشكل متواز مع حركة الإبداع. ومن خلال تلك الشبكة، سننطلق لإنجاز الكثير من المشاريع التي تساعدنا على أن نوفر للإبداع المسرحي العربي حركة نقدية تواكبه بطريقة علمية.
■ الأستاذ اسماعيل، بالإضافة إلى مسؤوليتك أميناً عاماً للهيئة العربية للمسرح، أنت معروف مبدعاً في مجال التأليف المسرحي. إلى أي مدى تؤثر مسؤوليتك الإدارية على عطائك المسرحي؟
□ لا أخفي عليكم، أن عملي الإداري أضرّ كثيرا بمشروعي الشخصي، ولكنني أؤمن بمسألة أساسية: ما دام هناك عمل يحقق هذه الفائدة الجمْعية فلا بأس في أن يتوارى المشروع الشخصي. لذلك، لست حزيناً على التوقّف المؤقت لمشروعي الشخصي، لأنّ هناك مهمة أكبر تقع على عاتقنا جميعاً كإدارة للهيئة، ولست وحدي فأنا لا أعمل بمفردي. يجب أن يتوقف المشروع الشخصي مؤقتاً، من أجل أن نرسم مشروعنا الجماعي الذي نمضي به قُدماً من أجل أن يبقى المسرح يتنفس. كلّي أمل في أن تحقق الهيئة الكثير من الأحلام العربية في مجال أب الفنون.
الطاهر الطويل