ميلياغروس الجداري: «إنْ كنت سورياً.. سلام!»
ترجمة: عادل الديري
مراجعة وتعليق: تيسير خلف
هذه مجموعة قصائد في الحب والموت، كما يقول عنوان الكتاب الفرعي، للشاعر السوري الهلنستي ميلياغروس، ابن مدينة جداريا، الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، ويعدّ أحد أهم الرموز الشعرية التي أثرت في الغرب اليوناني واللاتيني، والأوروبي فيما بعد. فعلى الرغم من أنه كان يستخدم اليونانية في كتابة قصائده، إلا أن انتماءه لروح وطنه الأول ظل حاضراً على الدوام في شعره، وظلت نزعته الإنسانية التي تلقاها في أكاديمية مدينته، دليله الذي لم يحد عنه طوال حياته؛ كما يكتب تيسير خلف في المقدمة. تلك النزعة ميّزت، أيضاً، شاعراً آخر، مواطناً له، أطلق على نفسه اسم «فيلوديموس»، محبّ الإنسان. وهذه النزعة نابعة من طبيعة الحضارة السورية الضاربة في العمق والمنفتحة على الآخر، والتي عبّر عنها خير تعبير شاعر جداري آخر سبق ميلياغروس بنحو قرنين من الزمان، هو الفيلسوف الساخر مينيبوس. فقد حفرت فلسفة الأخير وسخريته عميقاً في روح شاعرنا، الذي أعلن أكثر من مرة انتماءه إلى ذلك الفيلسوف ومنهجه في الحياة.
وجدارا كانت مدينة تشرف على بحيرة طبرية من سفح جبل، هلنستية الثقافة، سورية الهوى. وعلى الرغم من أنها لم تكن محورية من الجانب السياسي، فقد كانت بمثابة أثينا السورية كما يقول الشاعر، امتدت حضارتها إلى الحقبة المسيحية في المنطقة، وكانت نبعاً لا ينضب من الشعراء والأدباء والفلاسفة المجددين. ويشير خلف إلى أنّ الصور في قصائد ميلياغروس ما تزال «حقيقة نابضة» في مواقع راهنة مثل أم قيس الأردنية، والحمّة السورية؛ خاصة وأنّ جدارا كانت أشبه بواسطة العقد في اتحاد المدن السورية العشر، «ديكابوليس»، التي كانت تبدأ جنوباً من عمّان (فيلادلفيا)، وتنتهي شمالاً في دمشق (دماسكوس).
دار التكوين، دمشق 2016؛ 175 ص.
أرماندو سالفاتوري: «سوسيولوجيا الإسلام: المعرفة والسلطة والمدنية»
ترجمة: ربيع وهبة
تشكل سوسيولوجيا الإسلام مجالاً استراتيجياً جديداً من مجالات البحث، والتعليم، والجدل الواقع في تقاطع دقيق بين تنوع من التخصصات المعرفية، من بينها علم الاجتماع، والتاريخ، والدراسات الإسلامية، والأنثروبولوجيا، والديانات المقارنة، والتحليلات الحضارية المقارنة.
لذلك تعد تغطية هذا المجال من الدراسة مشروعاً طويل الأمد، سعى من خلاله أرماندو سالفاتوري إلى تقديم تحليل لمدى احتياج سوسيولوجيا الإسلام كمجال ومشروع إلى بحث وتحقيق في مقاربة إسلامية متميزة لبناء أنماط من سلوكيات الحياة والأنشطة الاجتماعية التي يمكن أن تندرج تحت عنوان «المدنية». وذلك عبر إطار مقارن حافل برؤى عن التشابكات والتفاعلات الكثيفة والعوالم الحضارية الأخرى. ولا تقع هذه العملية بمعزل عن مؤسسات الحكم المتغيرة إلى حد كبير والمرنة في الغالب. من هنا جاء مجال هذا الكتاب معنياً بعرض مسار التطورات التي تجلت في التاريخ والمجتمع الإسلاميين، عن معادلة المعرفة – السلطة الحضارية بطرائق أصلية ومرنة في أغلبها. تلك التطورات التي انبثقت عن تنوع من تفاعل العوام والنخب في الأوساط الحضرية والزراعية والبدوية.
جدير بالذكر أنّ سالفاتوري هو أستاذ الدراسات الدينية العالمية في جامعة ماكجيل، مونتريال؛ وأستاذ في مركز الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الوطنية الأسترالية، كانبيرا. وأبحاثه، في ميدان العلوم الاجتماعية، تركز على المقارنات الدينية المناطقية، وتستكشف مسارات الإسلام الاجتماعية. ومن مؤلفاته: «الإسلام والخطاب السياسي للحداثة»، «الإسلام الشعبي والصالح العام»، و»الإسلام والحداثة: مسائل وسجالات أساسية».
الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2017؛ 342 ص.
وليد علاء الدين: «ابن القبطية»
جاء المؤلف إلى الرواية من بوابة الشعر (له تردّني لغتي إليّ، وتفسّر أعضاءها للوقت)، والمسرح (عمله «العصفور» نال جائزة الشارقة للإبداع العربي، كما نال «72 ساعة عفو» جائزة ساويرس لأفضل نصّ مسرحي). وعن روايته هذه، كتب الناقد المغربي سعيد يقطين: «بين لغة الراوي ولغو الشخصية تتشكل عوالم رواية ابن القبطية. وبما أن الراوي هو الشخصية تتأكد أمامنا خصوصية العلاقة بين اللغة واللغو في تقديم رواية أبدع وليد علاء الدين في تقديم واقع اشكالي من خلالها. ابن القبطية من أب مسلم وأمّ مسيحية، تختاره راحيل اليهودية لتنجب منه بنتاً تجمع بين الديانات الثلاث. رواية تضرب في واقع متناقض، يؤدي ثمنه يوسف الراوي ـ الشخصية، بحثاً عن صفاء وجودي من مرض اسمه الواقع. ابن القبطية رواية عميقة، كتبت بلغة صافية رقراقة وجميلة، ومبنية بطريقة متقنة، وباقتصاد سردي مكثف».
هنا مستهلّ من فصل بعنوان «الشيخ ضباب»: «يقول العارفون الثقاة إن الشيخ ضباب كان رجلاً غير عادي، يخرج مع طلعة الصباح، يغوص بقدميه الحافيتين في طين الشوارع، التي لم تكن قد عرفت الإسفلت بعد. يحمل على كتفه جوالاً، قابضاً على عصا غليظة صنعها من فروع الأشجار. لم يذكر أحد قط أنه قد رأى الشيخ ضباب في النهار الواحد، في مكان واحد، أكثر من مرة، فقد كان على دراية بالسكك القديمة التي لا يعرفها أحد غيره، يجوب المدينة كلها ولا يترك مكاناً لا يطرقه. ويزيدون، فيقولون إنه قبل أن يقع ما وقع، كان الشيخ أسمر البشرة نحيفاً، لكنه مع ذلك وللوهلة الأولى، يترك إحساساً بأنه غير مؤهل للتعامل مع البشر، أو أن البشر غير مؤهلين للتعامل معه، ربما للنظرة المختلفة في عينيه، اللتين لا تنظران ولكنهما تحلقان في أجواء لا يستطيع أحد أن يتخيل ماذا يحدث فيها، وربما لأسباب أخرى، ولكن الجميع اتفقوا على أن الرجل غير عادي».
الكتب خانة للنشر والتوزيع، القاهرة 2016؛ 184 ص.
Florence Bergeaud-Blackler : « Le Marché halal ou l’invention d’une tradition «
«سوق الحلال، أو اختراع تقليد»، كتاب الأنثروبولوجية الفرنسية فلورانس بيرجو ـ بلاكلر، هو العمل الأوّل الجامع، واللامع حقاً، حول ظاهرة «الحلال»، أو ما يعتقد المسلمون في المهاجر عامة، وفي الغرب تحديداً، أنها موادّ مطابقة للشريعة الإسلامية. ومن طقس بسيط حول أصول ذبح الأنعام، تطوّر مفهوم «الحلال» ليشمل ما هو أبعد من الذبائح بكثير: من اللحوم والدواجن والمأكولات والأطعمة المحفوظة، إلى الأدوية والسياحة والصيرفة. وكانت حرية تأويل النصوص، التي تمتعت بها سلطات الإفتاء الدينية على الدوام، قد أفسحت المجال تدريجياً أمام «فضاء معياري» لم يعد يترك للمؤمنين خياراً آخر سوى البحث عن «الحلال» وتجنب سواه. كذلك فإنّ الرقابة على المنتجات المطابقة للشريعة، والتي تمارسها جهات وسيطة شبه تجارية وشبه دينية معاً، صارت بدورها تتطابق مع سلوك الشاري ومتطلباته في الالتزام بـ»الحلال».
ما الذي أتاح هذا التوسّع الهائل لـ»منظومة الحلال»، حسب تعبير الكاتبة، بحيث صار المسلم المؤمن مستهلكاً، والأمّة قوّة اقتصادية؟ من قلب مذابح اللحوم، وصولاً إلى لجان التصنيف المعياري حيث تتقرّر سياسات اقتصادية كاملة بصدد «الحلال»، يناقش هذا الكتاب ـ الممتع في الواقع، رغم صرامته الأكاديمية ـ ذلك اللقاء غير المتوقع بين نظامين من اليوتوبيا في نهاية القرن العشرين: الأصولية الإسلامية، والليبرالية الجديدة. وإذْ تبرهن المؤلفة أنّ اختراع سوق «الحلال» المعاصرة لم يكن ممكناً لو أنّ مصالح السوق لم تُقدّم على الواقع الطبيعي للدولة وللحرية الدينية؛ فإنّ بيرجو ـ بلاكلر تفكك أيضاً التحديات والسجالات التي تشطر الرأي العام في بلد مثل فرنسا.
ويبقى أنّ المؤلفة، أستاذة الأنثروبولوجيا في المركز الوطني للأبحاث العلمية وفي جامعة إكس ـ مرسيليا، تعمل على موضوع «الحلال» منذ 20 عاماً، وهي سلطة علمية وبحثية بارزة في هذا المضمار.
Seuil, Paris 2017; 272 p.