■ تحتل الأزمة المتصاعدة بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية محل الصدارة من حيث الاهتمام على المستويين العالمي والمحلي، عن استحقاقٍ بكل تأكيد.
كلٌ لأسبابه الخاصة ومصالحه وإن تشابكت هذه نظراً لما تمليه الجغرافيا السياسية من محورية هذه البقعة من العالم وثرواتها، وعلى رأسها النفط، وما ترتب على ذلك من اعتباراتٍ تاريخية.
والشاهد أنه بينما أكتب هذا المقال فإن هذه الأزمة تتصاعد، وقد عبر أحد الصحافيين المرموقين عن رأيه في جريدة «الشروق» المصرية في أن الدول الكبرى، وهو بهذا يعني في المقام الأول الولايات المتحدة وروسيا ومن ثم الصين وأوروبا، لن تسمح لذلك التوتر المتصاعد، أو بمعنى أدق لدفقة السخونة تلك في صراعٍ ممتدٍ لعقود بين الدولتين اللتين تتنازعان على صدارة العالم الإسلامي، من عرقلة تفاهماتٍ لم تعد سراً بينها على وضع حدٍ للمأساة السورية الدامية البائسة الممتدة، ليس حرصاً على أرواح السوريين، وإنما لتصفية أزمة اللاجئين، التي باتت تشكل عبئاً على عدة دولٍ أوروبية من الناحية الديموغرافية، وهاجساً أمنياً من جهةٍ أخرى، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخاوف من الإرهاب والحرب عليه. وقد رأى الكاتب أن خطوطاً حمراء ستوضع، وأن الطرفين سيجبران على الالتزام بها، لأن اللاعبين الكبار لن يقبلوا بأن تضار مصالحهم لما يرونها ترهاتٍ ومكايداتٍ بين القوتين الإقليميتين. وقد أكد جون كيري كلامه في تصريحٍ يحمل المضمون نفسه، بيد أن ولي ولي العهد السعودي خرج علينا هو الآخر بتصريحٍ ألطف وأظرف عما يراه من تراجعٍ للدور الأمريكي في المنطقة، وانصرافٍ أو عزوفٍ عنها وكأنها شكوى مقَّنعة عاتبة وغير مصدقة لذلك الهجر؛ نسخته الخاصة من «ما يصحش كده» تلك الكلمة التي أضحت من مأثورات الرئيس السيسي.
قناعتي الشخصية أن التطورات الأخيرة والتصريحات التي ذكرت تحمل في ثناياها المفتاح لفهم الكثير ( إن لم يكن كل) المتغيرات التي شهدتها منطقتنا طيلة السنوات الماضية، الحافلة بالآمال والآلام والإحباطات والأحلام المسروقة والفرحة المحبطة، وما يشهده العالم المتغير من حولنا، ومن أجل ذلك ينبغي لنا أن نزيل من على أعيننا غشاوة المؤامرات الكونية، فنعود للواقع بحقائقه ومصالحه ونؤمن عوضاً عن ذلك بالتفاعلات.
لقد شهدت بلداننا ثوراتٍ وحراكاتٍ شعبية حقيقية طال استحقاقها نتيجة فشل بنى وهياكل الدول والأنظمة التي حكمت منطقتنا بعد التحرر من الاستعمار، وفق خرائط وتقسيماتٍ خلفها لنا؛ لن أخوض هنا في شأن هذه الثورات ومآلاتها التي تغلب عليها التعاسة، وإنما يعنيني أن ذلك تزامن مع متغيراتٍ عميقةٍ في توازنات القوى العالمية، فأمريكا المرهقة من جموحها وورطاتها في حربها على الإرهاب (لاحظ تكرار هذه الكلمة في كل ديباجة) باتت تدرك تعاظم الدور الصيني وتطلعات رجل الكرملين القوي، لاستعادة دورٍ لروسيا كوريثٍ شرعي للاتحاد السوفييتي محمولاً على موجة ثراءٍ من النفط والغاز، ومن ثم أدركت أيضاً وفق منظورٍ واقعي حاجتها لتوجيه طاقاتها صوب تطويق وتحجيم ذلك الصعود الصيني، بما يعني عدم مقدرتها، وفق ذلك المنطلق الواقعي أيضاً، الاستمرار في النهج نفسه من التورط في خلافات الشرق الأوسط؛ فثمة تطورٌ آخر يلعب دوراً فاصلاً في هذا السياق، هو تلك الوثبات في سوق الطاقة التي أحرزتها أمريكا نتيجة تطوير آليات وتقنيات استخراج الغاز بالتكسير تحت الضغط من طبقات الأرض العميقة، الأمر الذي يعني من الناحية العملية تضاؤل حاجة الولايات المتحدة للنفط العربي وربما الاستغناء عنه في المستقبل.
يفسر ذلك الصفقة مع إيران، ذلك البلد الأهم والأصعب مراساً في الخليج والمنطقة الذي أثبت أحقيته وحرفيته كلاعبٍ سياسي خرج رابحاً من حماقات الآخرين، لقد أدركت أمريكا أن التحرش بإيران مبهظٌ للغاية وقليل المردود، في ضوء قلة الاحتياج للطاقة التي أسلفنا، وربما كان من الأحكم كسر حدة وشراسة وجموح النظام الإيراني باحتوائه في السوق الرأسمالي بما يفتح ذلك من فرصٍ للاستثمار الغربي أيضاً. أجل إن منطقة الشرق الأوسط تشهد ذوباناً يوازي تغيراتٍ سياسية واجتماعية داخل الكتل السكانية التي تعمرها وتعكس نهاية نظامٍ عالمي بأشمله.
لقد شعرت السعودية وسائر مشيخات الخليج بأن الاتفاق مع إيران يأتي على حسابهم، وهو كذلك بالفعل. وبعد أن يئسوا من إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن رأيها، فقد قرروا المضي وحدهم، خاصةً في ضوء ما يرونه من تمددٍ إيراني في كل مكان حتى ليحيط بهم.
المفارقة المحزنة والمضحكة في آنٍ معاً هو كون الطرفين يلعبان على أرضية صراع الهويات الدينية، تلك التي استخدمتها المملكة السعودية في ستينيات القرن الماضي في استراتيجيةٍ منسقةٍ مع الولايات المتحدة لاحتواء المد الناصري، حتى جاءت الثورة الإيرانية لتزايد عليها في هذا المجال، وتضيف مفهوم تصدير الثورة، فانقلب السحر على الساحر. والمقولة نفسها تنطبق على بن لادن والتفجيرات التي هزت المملكة ممن زايدوا على الأسرة المالكة والنظام بالكفر.
صراعاتٌ عبثية أخرجتنا من التاريخ، من السذاجة تصديق أن إحراق القنصلية السعودية في مشهد محض رد فعلٍ شعبي أيضاً. الطرفان يحاولان إثبات صلابتهما ورباطة جأشهما، ولكنهما يغرقاننا أكثر في ذلك المستنقع، ذلك الكابوس الذي يمثل أبشع ارتكاسٍ لكل محاولات النهوض بما يعنيه من معانٍ حديثةٍ طال استحقاقها من المساواة وحقوق المواطنة التي تتخطى الطائفة والعرق واللون.
٭ كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
من مصلحة الشرق والغرب المحافظة على قوة إيران لعدة أسباب
أهمها إشغال العرب عن الصهاينة و تحطيم قوة إيمانهم بدينهم
فإيران تطبع كتبا تشكك بالصحابة و بالتالي التشكيك بالقرآن
أليس الصحابة الكرام من حفظوا ونقلوا كلام الله ورسوله
ولا حول ولا قوة الا بالله