بإعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي النصر النهائي على تنظيم «داعش» يكون قد وضع نقطة في آخر سطر المعارك الحربية الطاحنة ضد التنظيم في العراق، لينهي جملة حرب وليبتدأ في اللحظة نفسها جملة جديدة يمكن ان تكون فاتحة لمعارك ضارية مقبلة، معارك ضد الفساد وضد الشركاء والخصوم في العملية السياسية التي نخرتها عمليات المحاصصة والتخادم بين الكتل السياسية حتى أغرقت البلاد والعباد في حالة كارثية من سوء الخدمات وفقدان الأمن والافتقاد للحد الأدنى من متطلبات العيش الطبيعي الذي ينعم به الإنسان في أي بلد من بلدان العالم، بالإضافة إلى التخوف من انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، واحتمالية تغول فصائل الحشد المسلحة التي يبدو انها مصرة على دخول المعركة الانتخابية المقبلة مستندة إلى ما حــقــقته من مشاركة فاعلة على الأرض ومن تضحيات كبيرة قدمتها في المعارك التي خاضتها ضد الإرهاب.
موقف الكتل السنية
بعض الفرقاء السياسيين من الكتل السنية يسعون لتأجيل الانتخابات دون ان يقترحوا موعدا بديلا لذلك، والحجة الرئيسية التي يطرحونها في مناقشاتهم السياسية هي عدم جاهزية مدنهم التي غدت أكواما من ركام وخرائب وهي النتيجة الطبيعة، لان مدنهم كانت الساحة الرئيسية لمواجهة «داعش» والمعارك المدمرة التي خاضتها القوات العسكرية ضد أشرس التنظيمات الإرهابية في العالم. كذلك ترى بعض الكتل السنية استحالة إجراء الانتخابات في مدنها التي كانت تحت سيطرة «داعش» وتحررت بسبب الهجرات المليونية لسكان هذه المدن.
ان هذه الكتل تعتبر محافظات شمال وغرب العراق شارعها ومحيطها السياسي الذي تتحرك فيه، وانها ترى ان من المستحيل على الساسة إقناع الناخب الذي يعيش في مخيمات اللجوء ويعاني من تدمير مدنه ويفتقد لأبسط الخدمات ان يتفاعل مع العملية السياسية ويقبل على الانتخابات. كما ترى أغلب الكتل السنية اليوم صعوبة بالغة في التحرك على شارعها الذي عانى من ساسته إبان أزمة سيطرة التنظيم الإرهابي على مدنه، حيث هربت الطبقة السياسية السنية لتعيش متنعمة في كردستان أو دول الجوار الإقليمي ولم يشارك في معارك تحرير المدن باستثناء شريحة قليلة، تركت الخلافات مع الفرقاء السياسيين وراء ظهرها وانتظمت مع الجهد الحكومي سواء في فصائل الحشد العشائري أو ألوية الشرطة المحلية أو القوات المسلحة، كما مدت يد العون لناخبيها الذين شكلوا حوالي نصف سكان هذه المحافظات الذين كانوا يعيشون في مخيمات الإيواء، هذه الشريحة الصغيرة من الكتلة السياسية السنية، هي التي تطالب اليوم وبقوة بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها لانها تطمح إلى جني ما بذلته من جهود في المرحلة السابقة، لكن حتى الرافضين أو المطالبين بالتأجيل نجدهم اليوم يعيدون حساباتهم وتكتلهم في قوائم انتخابية جديدة تحت أهم شعار يمكن ان يجذب الناخب في مدنهم في هذه المرحلة وهو إعادة المهجرين إلى مدنهم بعد إطلاق الوعود بإعمارها وإعادة تأهيلها.
الحشد الشعبي وخطر السلاح
بعد إعلان النصر أصبح موضوع فصائل الحشد الشعبي من المواضيع المهمة والمحرجة، فبينما يرى الطرف المدافع عن بقاء هيئة الحشد على ما هي عليه، أي اعتبارها هيئة عسكرية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، وان بصورة شكلية، إذ تحركها فعليا قيادات ميدانية أثبتت وجودها على الأرض، وهذا ما يذكر المراقب بتجارب إقليمية تثير الخوف لدى الحلفاء قبل الأعداء، فالنظر إلى هيئة الحشد اليوم ومستقبلها في العراق يذكر بمؤسسة الحرس الثوري الإيراني الذي أصبح منذ تأسيسه مؤسسة منافسة للجيش تقوم على بناء عقائدي مرتبط بالولي الفقيه، وتتحكم بمؤسسات وثروات وذات هيكلة تكاد تمثل دولة داخل الدولة. كذلك يذكر موضوع هيئة الحشد الشعبي بالحال مع تجربة حزب الله اللبناني وسلاح المقاومة الخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية، حزب الله الذي تحرك باستقلالية قادت الدولة اللبنانية إلى صراعات مصيرية في بعض الأحيان كما حدث في حرب تموز/يوليو 2006 مع إسرائيل أو التدخل الكبير وغير المسبوق في الحرب الأهلية السورية دفاعا عن النظام.
ان اندفاع بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي في صراعات إقليمية مثل عصائب أهل الحق ولواء ابو الفضل العباس وكتائب حركة النجباء وحزب الله العراقي، يمثل تهديدا حقيقيا للعبة السياسية العراقية، من طرف كون هذه الفصائل خضعت صوريا لهيئة الحشد الشعبي بينما واقع حالها يؤكد انها مرتبطة عقائديا بمرجعية السيد الخامنئي في إيران وتتلقى التوجيه والدعم من فيلق القدس الإيراني، ونحن اليوم إزاء حالة غير مسبوقة بتحول هذه الفصائل عبر واجهات سياسية جديدة إلى كتل وأحزاب ستخوض المعركة الانتخابية المقبلة مدعومة بتأيد قطاع واسع من الشارع الشيعي الذي يرى فيها بديلا عن النخبة الشيعية الفاسدة التي لم تقدم أي شيء خلال 14 عاما من العملية السياسية، وبالتالي فان الشارع المؤيد لدخول هذه الفصائل اللعبة السياسية يجد فيها بديلا سيقضي على الفساد ولا يجد ضيرا في تماهيها العقائدي مع إيران، بل ان البعض يجد في ذلك قوة يمكنها ان تفرض خططها على الشركاء في محاولة رسم صورة لحكومة قوية حتى وان كانت متخيلة أو غير حقيقية.
هموم الأكراد
بعد ما جرى من تداعيات الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان والزلزال الذي ضرب الحياة السياسية في الإقليم، أصبحت هناك حالة من الانكفاء الواضح لدى الكتل الكردستانية سواء على مستوى الحزبين الكبيرين أو على مستوى الشارع الكردي، وقد انتبه عدد من المتابعين ان رئيس الوزراء حيدر العبادي نسي أو تناسى ذكر قوات البيشمركه الكردية في بيان النصر الذي ألقاه عندما عدد القوات التي شاركت في حرب تحرير مدن العراق من التنظيم الإرهابي، مما دفع مكتب رئيس الحكومة إلى إضافة ذكر قوات البيشمركه الكردية عندما رفعت البيان على الموقع الالكتروني الرسمي لرئاسة الوزراء في محاولة لمعالجة الحرج مما حصل.
ان موقف الكتلة الكردستانية اليوم بعد ان انتهى تهديد تنظيم «داعش» لمدن الإقليم أصبح منصبا على الخروج من الأزمة الدستورية في الإقليم التي خلقت فراغا ترك منصب رئيس الإقليم معلقا أو فارغا بعد استقالة الرئيس مسعود بارزاني بينما ما يزال برلمان الإقليم يعاني من تلكؤ واضح في أدائه نتيجة صراع الكتل السياسية الكردية على خلفية الفساد الذي نخر الحياة الاقتصادية والسياسية وأوصل حياة المواطن الكردي إلى أسوأ حالة يمر بها منذ 1991 عندما خرج الإقليم عن سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.
هناك ضائقة مالية تمسك بخناق المواطن الكردي وتجعل الحديث عن المستقبل السياسي والانتخابات نوعا من الترف الذي لا يمتلكه الباحث عن لقمة العيش اليومية وهو يعاني موجات الثلج دون ان يستطيع توفير الوقود لأطفاله في موسم الشتاء في مدن تنخفض درجات الحارة فيها تحت الصفر وفي بلد يرقد على أكبر احتياطي عالمي من البترول.
من جانب آخر يبدو تأثير تسونامي الاستفتاء الذي ضرب كردستان قد أودى بالفاعلية التي كانت تمتلكها الكتل الكردية والتي كانت تبني على أساسها تحالفاتها وتشارك بشكل لافت في رسم سياسة بغداد، بل ان حكومات بغداد طالما تم الاتفاق على تشكيلها في أربيل، بينما نشهد اليوم انزواء هذا الدور وتراجعه بشكل لافت، فهل ستعيد الانتخابات المقبلة بعض الفاعلية للدور الكردي؟ يرى المراقبون ان ذلك مستبعد اليوم في ظل ما يشهده الإقليم من تداعي الأزمات التي يمر بها.
احتمالية تجدد خطر «داعش»
ما زال بعض المراقبين يؤكدون على بعض المحاور التي تحاول ان تضع النقاط على الحروف وعلى طرح الأسئلة التي يجب ان تواجهها حكومة العبادي والحكومة المقبلة بشجاعة ووضوح وشفافية. ان تنظيم «داعش» لم يأت من فراغ بل يمكننا ان نعزي ذلك ولو في جانب منه إلى السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات السابقة، ويجب ان نعترف بشجاعة اننا لم ندرس ظاهرة «داعش» والتنظيمات الإرهابية المشابهة بطريقة علمية موضوعية تضع المصلحة الوطنية كأولوية قبل كل شيء، وما نزال نفتقر لتحديد أسباب ظاهرة التطرف بطريقة موضوعية وعلمية لنتعرف على الأسباب، ولنتمكن من وضع حلول ناجعة لها.
ويبقى السؤال هل هناك امكانية لعودة ظاهرة التنظيمات المتطرفة كالقاعدة و«داعش» ثانية؟ والإجابة ستكون معتمدة على ما ستتخذه الحكومات المقبلة من إجراءات، وهل ستجرؤ على فتح ملفات الفساد التي تسببت في تردي حال المؤسسة العسكرية والتأشير بوضوح ومسؤولية عمن تسبب في كارثة انهيار الجيش واحتلال المدن بشكل مخز؟ هل يستطيع رئيس الوزراء العبادي ان ينسلخ عن حزبه وعن كتلته السياسية التي رشحته للمنصب ليخوض غمار الصراع المقبل وهو متحرر من القيود الحزبية ومن تخادم الكتل وبالتالي يستطيع اتخاذ القرارات بشجاعة؟ هذا ما يتمناه الشارع العراقي بناء على ما تحقق من نصر عسكري لكن الأمر يبقى مجرد أمنية تنتظر ما ستسفر عنه الأيام الآتية.
صادق الطائي
يجب أن تنتهي كافة الميليشيات بالعراق كالحشد التابع للولي الفقيه والبشمركة التابعة للبرزاني
أما إدماجهم بأجهزة الدولة فيجب أن يكون من خلال دورات تثقيفية عن حقوق الإنسان والولاء من بعد الله للعراق
ولكن : لماذا لم يتم إدماج الصحوات السُنة الذين حاربوا القاعدة منذ 9 سنوات وكذلك الحشد العشائري السُني الذي يحارب داعش ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله