عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين: الجهة الحكومية التي أغلقت مقر حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني المعارض في مدينة إربد شمال البلاد تعرف تماماً ما الذي تفعله سياسياً، برغم وجود خلفية قضائية لإغلاق المقر لها علاقة بالانشقاق الفاشل الذي قاده على جماعة الإخوان المسلمين مراقبها العام الأسبق الشيخ عبد المجيد ذنيبات.
التيار الإسلامي، بعد إغلاق مقر إربد، بدا مشوشاً في التقاط الرسالة لأن سياسة إغلاق المقرات انتهت عملياً بعد انتخابات عام 2016 التي شارك فيها الحزب التابع لجماعة الإخوان المسلمين الأم بصورة إيجابية منهيا برنامج المقاطعة. فقد حظي حزب الإخوان هنا عبر المشاركة في انتخابات البرلمان والبلديات بالشرعية تحت قبة البرلمان على أمل أن يخفف ذلك من تراث التوتر والتأزيم بين الحركة الإخوانية والسلطة. لذا فإن إغلاق المقر في إربد خطوة حمالة أوجه محتاجة إلى تفسير.
الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ محمد الزيود اعتبر الخطوة تصعيدية وتمثل اعتداء على الدستور والحريات ونكوصاً ضدَّ القانون والشرعية، لأن المقر المغلق بالشمع الأحمر هنا هو مقر لحزب مرخص وليس لجماعة الإخوان. ولم يصدر عن حزب التيار الإسلامي الأبرز ما هو أكثر من بيانات مستنكرة لما حصل، الأمر الذي يوحي ضمنًا بأن المطبخ النافذ في جماعة الإخوان المسلمين يخطط لاحتواء المسألة أو على الأقل منع الخطوة المشار إليها من التحول إلى قضية صدامية مع الحكومة. ورغم ذلك؛ بدا العنف غير مبرر لأن الحاكم الإداري لمدينة إربد اقتحم المقر مع قوة أمنية قسراً وأخرج من فيه بصورة أسهمت في زيادة رقعة التشويش على السكون التكتيكي بين الإسلاميين والسلطة.
الرسالة التي وصلت إلى أقطاب حزب جبهة العمل الإسلامي من قبل السلطة تتحدث عن إجراء إداري في إطار القانون فقط ومن دون دلالات سياسية. الفكرة هنا أن المقر الذي تم إغلاقه متنازع عليه بين الحزب الذي يقول إنه استأجره بعقد قانوني وجمعية الإخوان المرخصة التي دعمت في الماضي على أساس أنها تمثل انشقاقاً أفقياً داخل الجماعة أخفق في تحديد أهدافه.
يبدو في السياق أن الخلاف في جانبه القانوني حيث سجلت مجموعة ذنيبات دعوى قضائية للسيطرة على المقر المغلق قد يكون السبب المرجح لميل حزب جبهة العمل الإسلامي وفي إربد تحديدا لتصعيد واحتجاج خفيفين على الإجراء الحكومي الموصوف بالتعسف.
ما تعلمه «القدس العربي» من خلال أطر قيادية في مطبخ جبهة العمل الإسلامي ذراع الإخوان المسلمين الحزبية أن قيادة المطبخ قررت الحرص على سحب أية ذرائع يمكن أن تقود إلى تأزيم جديد مع الدولة والسلطة أملاً في بناء أساس لمصالحة أعمق مستقبلاً.
يتحدث قادة الإخوان والحزب عن أجواء قد لا تكون إيجابية مع السلطة، بمعنى أنها ستقود لمصالحة فعلًا، بل هي أقل سلبية من المعتاد، ويمكن استثمارها بعد أن شارك الإسلاميون في الانتخابات وحظي حزبهم بشرعية البرلمان، كما شارك في انتخابات البلديات واللامركزية، الأمر الذي افترض بعض المحللين أنه سيمنع السلطة من الاستمرار في تقديم خدمات تدعم ما سمي بالانشقاق المرخص بقيادة الذنيبات.
الجانب الإداري في مسألة إغلاق المقر فيه رسالة سياسية تصعيدية بنسبة خفيفة لأن ملف المقر حسب جبهة العمل الإسلامي لا زال قيد التحقيق، ولأن النزاع على أحقية الوجود في المقر لم يحسمه القضاء بعد بطريقة قطعية.
جهة ما في إدارة الحكومة لا تريد للإخوان المسلمين الاسترخاء مطولاً، وتحاول بصورة عامة تذكيرهم بأن التصعيد بأية لغة يمكن أن يدفع السلطة لتصعيد مقابل، خصوصاً أن الحاكم الإداري لمدينة إربد تحرك بقوة الأمن وأغلق المقر تماماً بعد توقيع جبهة العمل الإسلامي بياناً شديد اللهجة مع 13 حزباً سياسياً ضد مشروع السياسة الضريبية الجديد للحكومة.
يبدو أن لغة البيان لم تعجب بعض مراكز القوى. ويبدو أن توقيع جبهة العمل الإسلامي أثقل وأكبر أحزاب المعارضة على بيان من هذا النوع هو المحطة التي أقلقت أكثر من بقية الأحزاب لأن لعبة الشارع لازالت بـأيدي الإخـوان المسـلمين.
ولأن – وهذا الأهم – اتجاهات الحكومة واضحة وحتمية فيما يتعلق بمشروع قانون الضريبة الجديد المثير للجدل الذي تم إبلاغ الإسلاميين وقيادات في البرلمان بأنه ينبغي أن يمر ومن دون ضجيج أو لعب بورقة الشارع بسبب حساسية الظرف الاقتصادي والمالي والاجتماعي وبسبب المناخ الإقليمي الحساس.
أي قراءة سياسية لقرار إغلاق المقر ينبغي أن تبرز في ظل الانتباه لبيان أحزاب المعارضة سالف الذكر. دون ذلك قرار الإغلاق اتخذ وسعى الحزب للاحتواء او للاحتجاج والتصعيد بقدر محسوب ومعتدل ملموس. والفكرة في النهاية أن جس النبض بدأ بين الحكومة وأكبر تيار حزبي وشعبي في البلاد والخلاف الأساسي هو ملف الضريبة الحساس.