تبدو لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل وقد عادت، وما زالت تفرض حضورها وتحكمها في مجمل مجالات الأعمال العامة والخاصة.. وما زالت كعادتها تراهن على الحلول الجاهزة والمعلبة؛ كتلك التي يبحث عنها وزير النقل المصري، وعرضت الصحف ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية وصفته في حل مشاكل النقل؛ في بلد هي الأقدم في استخدام النقل البري والنهري والبحري.. وكان منذ خمسينات القرن التاسع عشر من أول بلاد العالم اعتمادا على السكك الحديدية؛ أي أن ذلك كان منذ أكثر من مئة وستين عاما.. وكان يطمح إلى مدها من الإسكندرية على البحر الأبيض؛ إلى كيب تاون على الأطلسي في أقصى الجنوب الافريقي.
ووزير النقل يجهل ما وراءه من تاريخ ومخزون ضخم من الخبرة والطموح في استخدام السكك الحديدية وغيرها من وسائل النقل في التواصل مع محيط مصر وعمقها.. ولولا الاحتلال البريطاني لكان ذلك الطموح قد شق طريقه من زمن.. فهو الذي وضع العراقيل أمام تلك الإمكانية، التي ما زالت باقية.. وحين امتد الاحتلال من مصر إلى السودان؛ بموجب اتفاقيتي 1899.. أنشئت سكك حديد السودان بتصميمات ومقاييس مغايرة لنظيرتها المصرية.. حتى لا تسمح للقطار السوداني إذا ما وصل إلى »حلفا» من مواصلة السير في اتجاه الشمال المصري، ونفس الشيء كان القطار المصري لا يجتاز نفس المنطقة نحو الداخل السوداني أو الدخول في العمق الأفريقي.
والخلل واضح في طريقة تفكير الوزير لحل مشاكل السكك الحديدية، بعد الوهن والموات الذي أصابها في العقود الأربعة الماضية.. ومن خبرتي الشخصية؛ حين بدأت حياتي الوظيفية في أسوان كنت أسافر مسافة تزيد على 800 كيلو متر في الذهاب والعودة أثناء العطلات والأجازات والمناسبات؛ بقطار النوم، وبه عربة للأكل وتناول المشروبات.. وكان يغادر القاهرة في الثامنة مساء، ويصل أسوان في صباح اليوم التالي.. وكنت أنزل من القطار إلى عملي مباشرة دون حاجة للمرور على مسكني، وكأني قضيت الليلة في فندق من فئة النجوم الخمسة، كان هذا منذ نصف قرن.. كانت السكك الحديدية وقتها قد تخلصت من الخبراء والفنيين البريطانيين بسبب ثورة 1952..
مثل آخر حين عملت الشركة الفرنسية التي كانت تدير قناة السويس على إفشال المصريين في إدارة ذلك المرفق العملاق، وسحبت طواقم المرشدين العاملين معها، وكان قرار التأميم قد توقع هذا الأمر وأعد له عدته؛ واستفاد من رفض المرشدين القبارصة واليونانيين الانسحاب مع الإدارة الفرنسية، وبادروا بالوقوف إلى جانب المرشدين المصريين، اجتازوا معا الاختبار بنجاح وأفشلوا مخطط الإدارة الفرنسية المنسحبة..
واعتاد الوزراء والمسؤولون المصريون منذ زمن تغطية تواطئهم وفشلهم باللجوء إلى المؤسسات والشركات الأجنبية، وللدولة تجربة بائسة مع مشكلة القمامة، وإسنادها لشركات أجنبية، وتفاقمت المشكلة وتعقدت حتى صارت تلال القمامة في المدن المصرية مضرب الأمثال في العجز والفساد.. ومن المتوقع أن يحدث ما هو أكثر إذا ما تسلمت الشركات الأجنبية مسؤولية النقل والمواصلات، ولنتعرف على منطق وزير النقل من تصريحاته المنشورة على موقع صحيفة »اليوم السابع».. قال: «ممكن وانا بتكلم دلوقت (الآن) مركب أو قطر (قطار) يتقلب (ينقلب).. وماعندناش (لا نملك) منظومة سلامة»(!!)..
أما الحل »العبقري» طرحه في مداخلة مع مقدم برامج بقناة فضائية عربية غير مصرية، قال فيها: أنه يسعى لإيجاد »حل لسلامة النقل في مصر من خلال مخططات تستفيد من الخبرات الإنجليزية في قطاع السكة الحديد، والفرنسية في المترو (قطار الأنفاق)، والماليزية والكورية في مجال النقل النهري، وخبرات روسية للاستفادة منهم في تصنيع عربات السكة الحديد، وكذلك أسبانية لتصنيع القطار السريع»؛ أي أنه يحتاج إلى »أمم متحدة» لحل مشاكل مرفق قام واستمر على جهود وأكتاف المواطنين، وبمنطق الوزير نفسه فماذا يمنع الدولة أن تطلب مع »هيئة الأمم» المقترحة وزيرا »تايوانيا» بدلا من الوزير المصري، الذي لا تتحمل مرافق النقل وطأة عبقريته!!.
وقد شهدت بأم عيني المراحل الأولى لبناء السد العالي، وتحويل مجرى نهر النيل.. ورأيت الوزير الراحل المهندس صدقي سليمان خارج مكتبه وسط العاملين بالمشروع؛ بلباس العمل؛ يتفقد أصغر عامل إلى أكبر خبير؛ أناء الليل وأطراف النهار. ويبادر بحل مشاكل العاملين المهنية والشخصية؛ يشد من عزائمهم.. وخلفهم لافتة عملاقة تقول: »باقي من الزمن …».؛ تسجل تناقص الأيام يوميا وصولا إلى يوم الاكتمال.. ومن قرأ التاريخ يعرف كيف وقف الغرب كله ضد ذلك المشروع العملاق.. وحين امتلكت الدولة إرادتها تم التنفيذ!!.
وإذا ما كان الوزير بهذا المستوى من العجز أو التواطؤ فليترك موقعه للأقدر. وترك مرفق بهذا الحجم معلقا بإرادة أجنبية وغريبة يؤكد أن الوزير من العقليات التي أوصلت البلاد إلى ما هي فيه، ويُحسب على جماعات التفريط والتبديد لا التشييد والتجديد. ويبدو أنه يسير على خطى الفاسدين من رجال الأعمال، ومنهم وزير نقل أسبق؛ جاءته منحة بملياري دولار من دولة خليجية شقيقة لإنقاذ السكك الحديدية؛ اكتفى منها بشراء جرارات أمريكية عن طريق شركته، وأبقى السكك الحديدية على حالها المتردي.. والعهدة على رواة ذكروا أن شركته حصدت 800 مليون دولار مقابل وساطتها في الصفقة(!!).
أعلن وزير النقل عن تعاقده مع شركة لإدارة وتشغيل السكك الحديدية، وتحسبا لردود الفعل والاحتجاجات المتوقعة من رفع أجور النقل والمواصلات؛ أردف لموقع صحيفة »اليوم السابع» يوم الأحد الماضي أن الشركة التي وقع عليها اختياره »مسؤولة مسؤولية كاملة عن تشغيل المرفق، وتحديد أسعار الركوب، وأصدر قرارا وزاريا برقم 64 لسنة 2016 في 3 شباط/فبراير الجاري بتشكيل لجنة برئاسة مستشاره للشؤون المالية والإدارية لتنفيذ قرار التعاقد مع الشركة المختارة. وبدا كلامه متناقضا حين قال أنه كلف اللجنة بـ»إعداد كراسة شروط المناقصة العالمية التى ستطرحها وزارة النقل لاختيار إحدى الشركات المتخصصة لإدارة وتشغيل مرفق السكة الحديد، وتجهيز ما ستتضمنه العقود التي سيتم توقيعها مع الشركة التي سيتم اختيارها من خلال المناقصة التي ستطرحها الوزارة» أي أنه لم يتعاقد على شيء بعد!!.
وفي مداخلة أخرى للوزير قال: «محتاجين إدارة وخبرات عالمية فورا وسنبدأ من حيث انتهى الآخرون»، وسنأخد منهم (كوبى بست) - ولا أعرف ماذا يعني بكوبي بست.. هل هو التقليد الأعمى؟ أم ماذا؟ »والكوبي بست» هذه سيأخذها من أحسن الدول الناجحة في مجال النقل.. حسب قوله.. وأنه بصدد التعاقد مع إدارات وخبرات هولندية، مضيفا: «نعمل على نقل الخبرة البريطانية، وقابلت وزيرة النقل الإنكليزية بهذا الصدد»، مستطرداً: «هجيب (سآتي) وهننقل (وسننقل) التجربة آخر الشهر».
وسألت أليس الرئيس السيسي هو من يختار هؤلاء الوزراء والمسؤولين »العباقرة»(!!)، ويؤدون القسم أمامه؟ قيل أنه لا يتدخل.. ولما أبديت استغرابي أضاف القائل أنه يترك الأمر لأجهزة الأمن.. وكان ردي: إذن على الدولة السلام!!..
وهذا يحتاج لتفسير ورد من الرئاسة أو من الناطق الرسمي باسمها… ونحن في الانتظار!!.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
هكذا تدار مصر منذ الانقلاب،فعلى مصر السلام،
بكرة تشوفو مصر…….
أليس الرئيس السيسي هو من يختار هؤلاء الوزراء والمسؤولين »العباقرة»(!!)، ويؤدون القسم أمامه؟ قيل أنه لا يتدخل.. ولما أبديت استغرابي أضاف القائل أنه يترك الأمر لأجهزة الأمن.. وكان ردي: إذن على الدولة السلام!!..
وهذا يحتاج لتفسير ورد من الرئاسة أو من الناطق الرسمي باسمها… ونحن في الانتظار!!.
ا/دياب,هل تنحصر المشكله في وزير النقل؟!وهل يعمل بقية الوزراء كما ينبغي للوزير الكفء أن يعمل؟!المشكله في المنظومه كلها.المنظومه فاسده لإن من أتي بها هو نفسه فاسد ووصل للحكم راكباً دبابه وشاهراً بندقيته في وجه الشعب.ألا تري مايجري كل يوم من سفك للدماء بدون محاكمات أو بمحاكمات هزليه. نظام السيسي فاسد من راسه لساسه كما نقول في مصر.ولعل تردد المسؤلين في السماح بإذاعة جلسات مايسمي بمجلس الشعب هو أحد المؤشرات علي مدي إنهيار هذه المنظومه.
لا حياة لمن تنادي – حكم فاسد – مثله كحكم الأخوان و مبارك و المجلس العسكري