«إندبندنت أون صاندي»: توقعات متدنية من قمة ترامب ـ بوتين… صعوبة في الملف الأوكراني وإمكانية في سوريا

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي» : لا توقعات لدى الخبراء بحدوث تقدم دبلوماسي في قمة هلنسكي التي ستعقد اليوم بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. ويرى خبير أن مسؤولي الكرملين يعتقدون أن الرئيس ترامب «أحمق» وهي ميزة يمكن الاستفادة منها.
ويقول أوليفر كارول في تقرير نشرته صحيفة «إندبندنت اون صاندي» ان الرئيس ترامب سيصل منتعشاً بعد «غزوة» حلف الناتو في بروكسل للقاء بوتين. وينظر للقمة على أنها «حدث الصيف الدبلوماسي» مع أن قلة من المراقبين تتوقع دبلوماسية بالمعنى الطبيعي. ويقول الكاتب إن اختيار العاصمة الفنلندية لأول لقاء جوهري بين الرئيسين هو مصادفة. وبحسب المسؤولين الروس فقد كانت العاصمة النمساوية فيينا هي الخيار الأول إلا أن مسؤولي البيت الأبيض أصروا على تغيير المكان. وقدموا عدداً من الأسباب منها أمنية، وأن الحكومة الشعبوية النمساوية قد ابتعدت عن السياسة الغربية وتقاربت مع روسيا وربما جاء اختيار هلسنكي لعلاقتها التاريخية.
ففي عام 1975 أذاب الرئيس الأمريكي جيرالد فورد الجليد مع الأمين العام للحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف وتم الاتفاق على احترام حدود الدول في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد خمسة عشر عاماً التقى الرئيس جورج بوش وميخائيل غورباتشوف لتنسيق حرب العراق الأولى وفيها عرض بيل كلينتون على بوريس يلتسين عضوية مجموعة الدول السبع الكبار الاقتصادية. وبناء على هذه السوابق لا يتوقع الكثيرون نوعاً من الاتفاق التاريخي هذه المرة في قمة تعقد وسط ظلال عدم الثقة وتدهور العلاقات الثنائية على أكثر من جبهة وعقوبات اقتصادية وسياسات انتقامية وتباين وصدام في عدد من النزاعات الدولية.
وحسب المعلق بافيل بلاجينكو الذي كان مترجماً لغورباتشوف في قمة عام 1990 كانت الثقة هي العامل الذي أدى لنجاح في القمم السابقة وقال: «في عام 1990 مررنا بأكبر تجربة في أوروبا الشرقية خاصة المانيا الشرقية وكانت العلاقات هناك واستطعنا تحقيق تقدم». مضيفاً أن الصورة «اليوم مختلفة بالكامل وسيكون كافياً لو استؤنف الحوار المنطقي بطريقة أو بأخرى». وتقول الصحيفة إن القمة هي مبادرة شخصية للرئيس ترامب وتقوم على اعتقاد أن العلاقات الشخصية الخاصة كافية لتجاوز المشاكل الدولية المعقدة».

دعوة على الهاتف

وحسب عدد من الروايات فقد عرض ترامب الفكرة عندما خرج عن النص في مكالمة مع الرئيس بوتين نهاية آذار (مارس) بعد فوز الأخير في انتخابات الرئاسة. وطلب منه المسؤولون أن لا يهنئ الزعيم الروسي، فربما كان انتصاره ساحقاً ولكنه حصل عليه من خلال منع المنافسة الإنتخابية. إلا أن ترامب تجاهل النصيحة ولم يكتف بالتهنئة فقط بل دعاه لواشنطن. وساعد لاحقاً على تسهيل خروج كل من أتش أر ماكمستر، مستشار الأمن القومي وريكس تيلرسون، وزير الخارجية اللذين طالبا بالتعامل الحذر مع روسيا. وقدم الرئيس الأمريكي عدداً من المفاتحات لنظيره الروسي قبل عقد القمة، فقد مدح بوتين «الذكي جداً» وقال إنه يريد مصداقته. وقام بتقويض قوة الناتو والاتحاد الأوروبي. ورد الزعيم الروسي المديح بمثله في وقت انتقد فيه «المؤسسة الأمريكية».
ولكن في غياب الأجندة الواضحة والتي تم وضعها في الدقائق الأخيرة ولم تكتمل بعد فلا يمكن توقع ظهور اتفاق جوهري. وهناك الكثيرون في موسكو يخشون من عدم فهم ترامب لتعقيدات الموضوعات التي تحتاج لبحث رغم ما يحمله من لهجة تصالحية. ويقول أليكسي شوسنكوف، مدير منبر النقاش المرتبط بالكرملين «نادي فالاداي» «عدم القدرة على التكهن بترامب وعدم تركيز يثير قلق الكثير من الناس» مضيفاً: «المشاكل الروسية- الأمريكية ذات طبيعة جوهرية ولن تتحسن بدون تحضير جيد والتزام. وهناك شكوك بقدرة ترامب على تقديم هذا». وقبل القمة اقترح الكرملين أن نقطة البداية ستكون مناقشة «سباق التسلح الجديد» ولكن لا يعرف إن كان ترامب لديه الشهية لبحث موضوعات معقدة مثل سباق التسلح. ويعرف أن مستشاره الجديد للأمن القومي جون بولتون ليس معجباً في اتفاقيات التحكم بالتسلح. كما أن القضايا التي تضايق روسيا أكثر تقع خارج صلاحية رئاسة ترامب. فالعقوبات يتحكم بها بشكل واسع الكونغرس وتربطها القوانين الأمريكية بضم شبه جزيرة القرم ولا توجد مساحة واسعة للمناورة في موضوع أوكرانيا. فتصريحات ترامب حول مناقشات بشأن ضم القرم في القمة أثارت مخاوف كييف. ولا يوجد ما يشير لقدرة ترامب على اعتراف بضم القرم لأنه سيتصرف ضد القانون الأمريكي.

سوريا

وهناك إمكانية للتوافق في الشرق الأوسط. ففي الأول من تموز (يوليو) قال بولتون بعد لقاءات عقدها في موسكو إن موضوع القوات الإيرانية في سوريا ستكون من ضمن الموضوعات التي ستناقش في القمة. وبعد أيام نشرت صحيفة «كوميرسانت» تقريرا قالت فيه إن روسيا ستساعد في إخراج القوات الإيرانية قريباً من الحدود الإسرائيلية مقابل انسحاب الأمريكيين من المنطقة. ولم يعلق المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف على ما ورد في تقرير الصحيفة رابطاً الوعود نيابة عن دولة ثالثة بالزواج المرتب. ولن يمنع هذا الرئيس بوتين من بيع ما لا يملكه بشأن إيران كما يقول المستشار السابق للكرملين فلاديمير فرولوف: «لا يستطيع بوتين إخراج إيران بالقوة من سوريا خاصة انهم سيتسببون له بالمشاكل إن أرادوا» و»لكنه قد يدخل نفسه بين إيران والولايات المتحدة والتوسط لمنع الحرب وسيجعله شخصاً لا يمكن لترامب الإستغناء عنه ولوقت».
وقال ترامب إنه سيواجه بوتين بشأن تدخلات روسيا في الانتخابات الأمريكية مستقبلاً. وفي الأحسن سينتج عن اللقاء بيان يتطلع لبحث موضوع «المقاتلين الأجانب في سوريا» مما يعني لترامب أن روسيا ستحاول وقف الإيرانيين. وبحسب مصادر متعددة فستشمل الإتفاقية استئناف الحوار بين دوائر الحكومتين والتي جمدها الرئيس باراك أوباما عام 2014 وستكون هناك آلية جديدة بين الجيوش والمؤسسات والدبلوماسيين وغيرهم من كبار المسؤولين. وحتى هذه الخطوة الصغيرة للحوار فستكون تقدماً كبيراً حسب بلاجنيكو «هكذا عمل غورباتشوف وريغان، اتفقا أولاً على آلية نقاش مناسبة بشكل سمح بتطبيع الحوار وغيرت المناخ وتبعت بعد ذلك النتائج الأولية». وفي حالة تمت إعادة العلاقات فستكون خطوة كبيرة للكرملين الذي عانى من العزلة بسبب القرم وأكدت روسيا أنها لن تتخلى عن موقفها وانتظرت الغرب كي يقدم التنازلات. وما يمكن أن تعمله روسيا لهندسة نجاح رسمي هو خلق رواية عن النصر الدبلوماسي من خلال محاصرة ترامب ودفعه للتنازل خاصة ان الكرملين كما يقول فرولوف ينظر إليه كأحمق يمكن الاستفادة منه ومبتدئ يمكن التلاعب به. و «يريدون تقويض المؤسسات الأمنية الغربية وخلق فراغ تملأه روسيا».

«واشنطن بوست»: حلفاء أمريكا يبحثون عن حماية مصالحهم مع بوتين وليس مع واشنطن الغامضة

في تقرير أعدته كل من كارين دي يونغ وجوبي واريك قالا فيه إنه في الوقت الذي بدأ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولة تستمر ستة أيام في أوروبا تنتهي بقمة مع الرئيس الروسي بوتين، بدأ هذا الأخير جولته الخاصة من اللقاءات حيث استقبل يوم الأربعاء بنيامين نتنياهو الذي أصبح زائراً منتظماً على موسكو وقال إنه يريد لقاء الزعيم الروسي «بدون وساطات» وبعد ساعات جلس بوتين مع علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون الخارجية. وكان موضوع اللقاء هو سوريا الذي يعد على رأس أجندة لقاء ترامب – بوتين. وفي توقف له يوم الجمعة في بريطانيا قال: «بالطبع سأفتح الموضوع» مضيفاً: «أنا ذاهب بتوقعات عالية» و «نخرج بأمور مثيرة للاستغراب».
وقبل موعد القمة في هلنسكي اليوم تدفق الحلفاء والأعداء على بوتين في سعي منهم للبحث عن تفاهم حول طبيعة اللقاء والطريقة التي ستؤثر فيها نتائجه المثيرة للعجب عليهم. وبالنسبة لإيران التي تشاركت مع روسيا في دعم نظام بشار الأسد وهزيمة المعارضة التي حظيت بدعم الولايات المتحدة فالحفاظ على روسيا قريبة منها لا يحتاج لتفكير. أما حلفاء الولايات المتحدة فهناك قلق خاصة انهم لا يعرفون طبيعة الموقف الأمريكي واستعداد ترامب لمنحه كي يحقق هدفه المنشود وهو طرد الإيرانيين من سوريا. فمن بين الامور التي طرحها المسؤولون البارزون الكبار في عدد دول المنطقة فهناك إمكانية لاتفاق على انسحاب جزئي أو كامل من سوريا- وهو ما يطالب به الروس والنظام وإمكانية الإعتراف بضم شبه جزيرة القرم وحتى رفع العقوبات المفروضة على روسيا. وكان ترامب قد وقع يوم الأربعاء بيانا مع دول الناتو شدد على عدم الإعتراف «بالضم غير الشرعي واللاقانوني» للقرم. ولو اعترف بالوضع الذي خلقته روسيا فستكون آخر صفعاته للتحالف وسيضع وحدة الحلف القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مهب الريح.

تنازل كبير

وينظر لسحب 2200 جندي أمريكي من سوريا على أنه أكثر الخطوات العملية الممكنة. فمطالبته بداية العام الحالي بعودة الجنود الأمريكيين «حالاً وسريعاً» فسر على أنه في غضون ستة أشهر ولكنه لا يزال يثير تشوشاً وخلافات داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية ومخاوف الشركاء الإقليميين. ويرى العسكريون الأمريكيون أن تغير الدينامية في الجنوب السوري حيث يقوم الأسد بتقوية مواقعه على حساب المقاتلين المعارضين له غير مرتبطة بحملتهم المستمرة ضد تنظيم الدولة في شرق سوريا. ولكنهم يتعاملون معها كجزء من الواقع الجديد الذي سيظل فيه الأسد بالسلطة مدعوما من روسيا وإيران. ورغم تأكيد العسكريين يوم الجمعة أن لا خطط لديهم لسحب القوات لكنهم يحضرون أنفسهم لإمكانية حدوث هذا. وترى السعودية والأردن وإسرائيل أن الخروج سيكون كارثياً ويعني التخلي عن أهم الاوراق التي ستؤدي لحل مقبول في سوريا، وذلك حسب مسؤولين أكدوا عدم الكشف عن هويتهم بلدهم خشية المساءلة من ترامب.
وظلت روسيا تدافع عن الوجود الإيراني في سوريا أثناء التحضير للقمة وهاجمت الوجود العسكري الأمريكي واعتبرته مهزلة. وقال وزير الدفاع سيرغي شويغو لصحيفة إيطالية يوم الخميس «دعنا نذكر أنهم جعلوا هزيمة تنظيم الدولة هدفهم الرئيسي ثم أعلنوا لاحقاً عن هدف منع ولادته من جديد» والآن يقول الوزير إن هدف الأمريكي هو البقاء في سوريا لمنع «التأثير الإيراني» المفترض. وأضاف: «لو كان زملاؤنا الأمريكيون يتابعون أي مسار للتحرك في سوريا فهو متناقض لكي نطلق عليه استراتيجية». ويعبر الحلفاء الإقليميون عن موافقتهم على الهدف لكن خشيتهم تقوم على متابعة ترامب تعهدات وضمانات لا يمكن لبوتين الحفاظ عليها أو تنفيذها. ويشكك المسؤولون الأمنيون بقدرة بوتين على إجبار الإيرانيين على الخروج من سوريا. ويعلق مسؤول أمني: «الأسد مدين بكل شيء لإيران وهو يلعب لعبة بين الروس والإيرانيين» وأضاف مسؤول من المنطقة أن «الروس يجيدون لعب الشطرنج. ويمكن لبوتين التحرك بدون التفكير بالخطوات الخمس أمامه». ونظراً لعدم وضوح الموقف الأمريكي فقد حاول قادة المنطقة التواصل مع بوتين. وقال مسؤول ثالث: «هناك خيبة ومنذ سنوات من الموقف الأمريكي في المنطقة» و»بدأت الدول تقوم بحساباتها بنفسها».

عملية الجنوب

وكانت العملية الأخيرة في الجنوب مثالاً في هذا الاتجاه، فقد كانت المنطقة هادئة ومنذ عام عندما اتفق ترامب وبوتين والأردن على اتفاق خفض التوتر فيها. وفي الشهر الماضي بدأت قوات النظام مدعومة من الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية التقدم من دمشق بهدف السيطرة عليها. وفي الوقت الذي عنفت فيه الإدارة روسيا إلا أنها أخبرت حلفاءها في المنطقة قائلة إنها ليست ضد سيطرة النظام عليها وأرسلت رسالة للمعارضة ان لا تتوقع مساعدة منها. ولم تطلب واشنطن أي شيء مقابل موقفها. ومع تدفق اللاجئين على حدود الأردن وإسرائيل وحذرت منظمات الإغاثة من كارثة إنسانية بحث الأردن وإسرائيل عن موسكو لتأمين مصالحهما. وبالنسبة للأردن فقد جاءت النتيجة حالاً، حيث سافر وزير الخارجية إلى موسكو حالة سماعه الأخبار من واشنطن. ورحب الأردن الذي لم يخف دعمه للمعارضة بالنتيجة التي انتهت إليها المعركة الأخيرة ودخول القوات الروسية ووصولها الى معبر نصيب. ونقل عن الجنرال خالد المساعيد قائد المنطقة العسكرية الشمالية الأردني «أتوقع الآن موافقة معظم قادة المعارضة على الشروط ودمج البعض في مجتمعاتهم». وقال «فتح معبر نصيب ويسيطر عليه النظام» مضيفاً «أحسن للأردن لو كانت سوريا قادرة للسيطرة على حدودها».

مطالب إسرائيل

وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل مطالبتها مثل الولايات المتحدة برحيل القوات الإيرانية عن سوريا إلا أن اهتمامها الرئيسي هو إبعادها مسافة 50 ميلا عن الحدود. وسافر نتنياهو إلى موسكو وهي الثالثة خلال شهر حاملا ما أطلقت عليها الصحافة الإسرائيلية صفقة مع روسيا تقضي بإبعاد الميليشيات التابعة لإيران عن الحدود وغض النظر عن الغارات الجوية ضد أهداف إيرانية في سوريا. وقال دبلوماسي دولي: «من الواضح ان إسرائيل وروسيا تتعاونان في سوريا ويتعاون السعوديون والروس» معلقاً أن الإتصالات جيدة لأنها «ساعدت على تهدئة الوضع». ويعتبر الأمريكيون «سوريا امراً خاصاً بالروس». وكتب السناتور الجمهوري ليندزي غراهام الذي يدعم بقاء القوات الأمريكية ويشك بالروس «إلى صديقنا في إسرائيل» «لا توقع اتفاقيات مع روسيا في سوريا تضر بمصالح الولايات المتحدة. ولا أثق بقدرة الروس على حراسة الإيرانيين ولا أي طرف في سوريا».

«أوبزيرفر»: وحشية بشار فاقت قسوة والده وعلى الغرب مساعدة ضحاياه

خصصت صحيفة «أوبزيرفر» افتتاحيتها لمتابعة الوضع الذي خلفته العملية التي قام بها النظام في جنوب سوريا وجاء فيها إن من واجب الغرب التقدم ومساعدة ضحايا الأسد. وقالت:»لم يتوقع بشار الأسد يوماً أن يصبح زعيماً لسوريا ولو لم يفعل لكان جيداً لكل المهتمين. فقد كان شقيقه الأكبر باسل المفضل ليخلف والده حافظ الأسد قائد ثلاثة انقلابات ووصل إلى السلطة من خلال «الثورة التصحيحية» عام 1970 لكن باسل قتل في حادث سيارة عام 1994 واستدعي بشار الذي كان يكمل دراساته الطبية في لندن. وتمت تهيئته لأن يصبح الرئيس وفي عام 2000 بعد وفاة والده نتيجة لمرض دفع إلى السلطة في سن الـ 34 عاماً».
وقالت إن الأسد الشاب وصفه معاصروه بالشخص المهووس بالمذاكرة والخجول غير الطموح ولا يهتم بالسياسة. وكانت هناك لحظات بعد وصوله إلى السلطة أطلق عليها «ربيع دمشق» عندما زادت الآمال بتخفيف النظام من قبضته القمعية. ورأت الولايات المتحدة فرصة لكسر علاقة سوريا مع الإتحاد السوفييتي السابق أثناء الحرب الباردة ودفعها باتجاه الغرب لكن الفرصة ضاعت. وخفتت الإصلاحات وعاد الأسد إلى أسلوب الحكم المصاب بالرهاب والديكتاتوري.
وتضيف أن الأسد ترك دهشة و(فزع) المراقبين حيث أصبح شخصاً متوحشاً خالياً من الرحمة أكثر من والده المخيف. وفي عام 2005 تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والذي حمل الأسد مسؤولية قتله وأدى إلى ما يطلق عليها بثورة الأرز أدت لإنهاء الوجود السوري في لبنان. وكانت «خسارة» لبنان قوية ضد الأسد لم يكن متوقعا أن ينجو منها ولكنه نجا. وبالمضي سريعاً للحاضر لم تتغير القصة. فبعد سبعة أعوام من اندلاع الحرب الأهلية التي قتل فيها نصف مليون شخص وشردت 11 مليوناً وأرسلت هزات في معظم الشرق الأوسط وأوروبا لا يزال الأسد متمسكاً وبعناد بالسلطة. فهو لم ينج فقط ولكنه ينتصر. وسيطرت قواته الأسبوع الماضي على درعا مهد الإنتفاضة عام 2011 ورفع بطريقة رمزية علم الجمهورية العربية السورية. وانتصار الأسد – من الصعب العثور على الكلمة الصحيحة لوصف انتصار دموي ومستفز- فارغ قام على جثث مواطنيه ومدنهم المدمرة وعلى حساب الوحدة الوطنية ورفاه البلاد واستقلالها. ولكنه علامة على هزيمة الديمقراطيات الغربية التي فشلت في وقف الحرب والتقدم الكبير لروسيا التي يعتمد عليها الأسد كمتعهد للنزاع الذي لم يكن قادراً لوحده على النصر فيه.
وهو كارثة للنظام الدولي وقوانينه. وسواء كان الموضوع هو التوليفة القانونية التي صادقت عليها الامم المتحدة «المسؤولية للحماية» لتقديم المساعدة الإنسانية ومنح الصلاحية لمجلس الأمن الدولي لمنع استخدام السلاح الكيميائي فإن العالم هو الخاسر في سوريا. والخاسرون هم كل مواطن يعيش في اسطنبول وباريس ومانشستر أو نيويورك الذين يعتبرون هدفاً للجماعات الجهادية، خاصة تنظيم الدولة التي منحتها الفوضى السورية فرصة وعوناً. ولم تختف التهديدات التي يمثلها الإرهابيون المتمرسون في شمال غربي سوريا بعد مثل انتصار الأسد الذي لم يكتمل. وهناك حاجة ماسة لمساعدة 250.000 الذين فروا من الهجوم الأخير للنظام على درعا. وفي الشهر الماضي عندما كانت بوادر العملية العسكرية السورية في الجنوب الغربي قالت الولايات المتحدة إنها لن تتدخل، متخلية بهذا عن منطقة خفض التوتر التي ساعدت على رسمها العام الماضي بالتعاون مع روسيا والأردن. ومنحت بهذه الطريقة المقاتلات الروسية اليد المطلقة. وتتحمل واشنطن وحلفاؤها الآن مسؤولية حماية وإنقاذ ضحايا إهمالهم. والجبهة المقبلة ستكون في إدلب، شمال غربي سوريا وهي آخر معقل في يد المعارضة وهي موطن مؤقت لمليوني سوري فروا من بطش النظام. وإدلب ليست درعا وقد تكون الفصل النهائي، وكما في السنوات الماضية فقد ينجو الأسد في هذه الخاتمة الفظيعة، لكن ماذا عن الذين لا يستطيعون؟

«إندبندنت أون صاندي»: توقعات متدنية من قمة ترامب ـ بوتين… صعوبة في الملف الأوكراني وإمكانية في سوريا

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية