«إهانة أتاتورك».. تهمة ما زالت تجلب عقوبات وأحكام قاسية بعد 15 عاماً من حكم أردوغان

حجم الخط
0

إسطنبول- «القدس العربي»: ما زال مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك يحظى بمكانة «مقدسة» لدى شريحة واسعة من الشعب التركي، وتجلب الإساءة إليه أو لتاريخه عقوبات وأحاكما قاسية من قبل الجهات الرسمية في البلاد وذلك على الرغم من مرور قرابة 80 عاماً على وفاته، و15 عاماً على حكم حزب العدالة والتنمية المحافظ وزعيمه رجب طيب أردوغان المتهم بالسعي لتقليل «القدسية» التي يتمتع بها أتاتورك في المجتمع والدولة.
وتنظر شريحة واسعة من الشعب التركي لـ»أتاتورك» على أنه قائد وطني استثنائي تمكن بقدراته الكبيرة وهو في سن صغير من حماية تركيا وقيادة حرب الاستقلال وطرد المحتلين للأراضي التركي حتى إعلانه الجمهورية التركية الحديثة عام 1922 وتأسيس البرلمان والحصول على اعتراف دولي بحدود الدولة عقب اتفاقية لوزان، ونقل العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة.
لكن آخرين يرون فيه الشخص الذي أنهى الخلافة العثمانية وقام بسلسلة إجراءات غيرت وجه تركيا دينياً واجتماعياً وسياسياً، وذلك من خلال منع اعتمار الطربوش والعمامة وروج للباس الغربي، ومنع المدارس الدينية وإلغاء المحاكم الشرعية، وإزالة التكايا والأضرحة، وتبنى التقويم الدولي، وكتب قوانين مستوحاة من الدستور السويسري، وفي عام 1928 ألغى استخدام الحرف العربي في الكتابة وأمر باستخدام الحرف اللاتيني في محاولة لقطع ارتباط تركيا بالشرق.
وبين المؤيدين والمعارضين ضل هناك ثابتان أساسيان في الحياة الاجتماعية والسياسية التركية، وهو أن الدولة بقيت تُدار وحتى اليوم تقريباً على الأسس العلمانية التي وضعها أتاتورك، وأن قدسية ومكانة الرجل ما زالت راسخة حتى اليوم في الأوساط الرسمية والاجتماعية وتعتبر تهمة المساس بأسس العلمانية التي أرساها أو الإساءة إلى شخصه أو تاريخه من أكبر التهم في الدولة حتى اليوم.
والأربعاء، أوصى الإدعاء العام في تركيا بإيقاع عقوبة الحبس من 2.5 سنة إلى 7.5 بحق مؤرخين تركيين وجهت إليهما تهماً تتعلق بـ «إهانة ذكرى أتاتورك» فضلا عن «التحريض على الكراهية والعداوة»، حيث تم تسريع إجراءات المحاكمة بحقهم لاحتواء الغضب الشعبي الناتج عن القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام في البلاد.
وكانت مذكرات التوقيف قد صدرت بحقهم قبل أيام بعد اتهامهم بالإساءة لذكرى أتاتورك، حيث قال سليمان يوزليورت في برنامج تلفزيوني يقدمه إن ابنة اتاتورك بالتبني كانت في الواقع عشيقته، وقبل ذلك كان المؤرخ حسن اكار قال عبر مواقع التواصل الاجتماعي إن والدة مؤسس الجمهورية التركية كانت عملت في «بيت دعارة» ما يجعل من أتاتورك «طفلا غير شرعي».
كما قررت هيئة وسائل الإعلام التركية أن تفرض على قناة «تي في نت» التي تبث برنامج يوزليورت، أقصى غرامة تمثل 5 بالمائة من عائداتها من الإعلانات في نيسان/ابريل الماضي، وسط حملات شارك بها مئات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمعاقبتهم بأقصى الأحكام، فيما طالب آخرون بسحب الجنسية التركية منهم وطردهم خارج البلاد كون «من لا يحترم أتاتورك لا يستحق أن يكون تركياً»، على حد تعبيرهم.
ويتهم حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي بالدرجة الأولى حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ 15 عاماً وزعيمه أردوغان بالسعي إلى نزع مكانة أتاتورك من الدول والشارع التركي وذلك عبر سلسلة قرارات هدفت بالأساس إلى إعادة الطابع الديني للدولة وتقليل طابعها العلماني.
وعلى وقع الضغوط التي ولدتها الحادثة الأخيرة اضطر أردوغان إلى التصريح من الصين بأن المساس بمكانة والدة أتاتورك هي «حقارة وقلة أخلاق ومساس بالأمهات التركيات»، وذلك بعد أن ندد رئيس الوزراء بن علي يلدريم بالتصريحات ودعا القضاء للتحقيق في الحادثة ومعاقبتهم.
وكما يقول الأتاتوركيون يسعى أردوغان لفرض نفسه كزعيم تاريخي يحظى بمكانة تنافس مكانة أتاتورك، كونه أكثر زعيم حتى اليوم يحظى بمكانة شعبية ورمزية كبيرة بعد أتاتورك، وباتت صوره المنتشرة في كل مكان بالبلاد تنافس بالعدد والمكانة تماثيل وصور أتاتورك، وفي أبرز خطوة على هذه الطريق تمكن أردوغان قبيل أسابيع من تمرير التعديلات الدستورية التي تتضمن تحويل نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي والذي يتيح له حكم البلاد على طريقة أتاتورك.
وعاشت تركيا خلال العقود الماضية سلسلة انقلابات عسكرية قادها كبار ضباط الجيش الأتاتوركيين بحجة الحفاظ على أسس العلمانية التي أرساها أتاتورك، وهي الحجة التي تم إضافتها إلى بيان الانقلاب الأخير الذي فشل بالإطاحة بأردوغان منتصف العام الماضي، كما اعتقل أردوغان عام 2001 عدة أشهر بدعوى مساسه بأسس الدولة العلمانية عقب إلقاءه قصيدة دينية.

«إهانة أتاتورك».. تهمة ما زالت تجلب عقوبات وأحكام قاسية بعد 15 عاماً من حكم أردوغان

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية