عندما يتناول المراقبون الوضع الإيراني وموجة الاحتجاجات الأخيرة، عادة ما يربطون ذلك بموجة الاحتجاجات السابقة التي حدثت عقب انتخابات 2009 والتي عرفت إعلاميا بالثورة الخضراء. وربما وجد البعض ان احتجاجات اليوم هي امتدادات لما حدث سابقا وان كانت متأخرة قليلا، إذ كانت مقموعة وحين توفرت لها فرصة الانطلاق خرجت الجماهير الغاضبة للتعبير عن احتجاجها، لكن من جانب آخر يدقق بعض المختصين بالشأن الإيراني في الأمر ويثبتون الاختلافات والفروق بين الحركتين، بل ويؤكدون على ان لا علاقة بين من قام بالاحتجاجات سابقا وبين من يخرجون في تظاهرات اليوم.
فما هي الفروق بين الحركتين؟ وهل هناك رابط تنظيمي أو جماهيري بينهما؟ وهل ستضع الاحتجاجات الحالية في حسابها ما آلت إليه الحركة الاحتجاجية السابقة وتحاول ان لا تكرر الأخطاء نفسها؟
الثورة الخضراء
عندما أعلنت نتائج الانتخابات عام 2009 فوز المرشح الرئاسي المحافظ محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، وخسارة مير حسين موسوي مرشح الإصلاحيين، انطلقت مظاهرات حاشدة في العاصمة الإيرانية طهران وبعض المدن الكبرى متهمة الحكومة بتزوير الانتخابات. وقد تميزت هذه الحركة باتخاذ اللون الأخضر شعارا لها، فرفعت الرايات الخضر وأغطية الرأس النسائية الخضر، لذلك أطلق عليها إعلاميا الثورة الخضراء. وربما كان أهم ما ميز هذه الحركة انها كانت قائمة على الشريحة المتعلمة والمثقفة من الطبقة الوسطى التي تعيش في المدن الكبرى، وان مطالبها انصبت بشكل أساسي على الحريات وبعض المطالب السياسية مع هامش من مطالب اقتصادية. وقد كان لهذه الحركة الدور الريادي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك ويوتيوب في التحشيد وتنظيم المظاهرات وإدامة زخم الاحتجاجات السياسية، إذ سبقت موجة الربيع العربي في ذلك الوقت ومثلت نموذجا يحتذى في الحراك الذي شهده العالم العربي بعد سنتين.
لكن ومن خلال التدقيق في بنية احتجاجات الثورة الخضراء نكتشف هشاشة الفكر السياسي الذي كان يحركها. فبالرغم من روح الزخم الثوري الذي امتلكته، إلا انها كانت منصبة على مطلب رئيسي تمثل في إعادة فرز الأصوات الانتخابية والتعامل بشفافية مع ما يحصل في المراكز الانتخابية والتأكيد على ضرورة البقاء في الشارع حتى تحقيق هذا المطلب. كما يجب ان نشير إلى ان قيادات الحركة وتحديدا في خطها الأول المتمثلة في مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني هم شخصيات مهمة وفاعلة من داخل النظام الثيوقراطي الحاكم وقد تسنموا جميعا مناصب حساسة في الحكم والقضاء والبرلمان، لذلك كان ينظر إلى امكانية التغيير المقبل على يد الحركة الخضراء على انها مناورة أو هامش صغير في ظل نظام ولاية الفقيه المسيطر على الحياة السياسية الإيرانية.
لكن بعض المختصين بالشأن الإيراني وجدوا فيما طرحته الحركة الخضراء تحديا حقيقيا وقد يمثل بذرة تغيير سياسي قادم، وأشاروا إلى مطالبة مير حسين موسوي في مناظراته الانتخابية بزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب لتأكل من جرف صلاحيات مرشد الثورة، وربما مثلت هذه الأطروحة سابقة سياسية خطيرة تتجرأ فيها حركة سياسية علنية لأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتطرح مطالبتها بوضوح بمراجعة نظرية «ولاية الفقيه» كما وتطرح شكوكها فيها كنظرية سياسية صالحة للحكم.
ونتيجة التفاف الحركة حول رموز وقيادات واضحة، بالرغم من وجود قيادات ميدانية شعبية، إلا ان ضربة الحكومة التي وجهت إلى قيادات الحراك وعزلهم عبر فرض الإقامة الجبرية عليهم، واستخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين، بعد ان أطلقت ضدهم حملة إعلامية شرسة متهمة أياهم بالخيانة والعمالة للمؤامرة الصهيونية الأمريكية التي تحاول أسقاط النظام الإسلامي، كلهل هذه أدت إلى القضاء على الحركة الخضراء مع نهاية عام الانتخابات 2009 ولم يبق منها سوى بعض الحنين الثوري وآثار جراح في روح الشباب الذي أنشغل بمصارعة ظروفه الاقتصادية والاجتماعية التي بات يرزح تحتها.
ثورة الخبز
ما يميز موجة الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي في أكثر من 20 مدينة، انها مظاهرات خبز بشكل جلي، وانها حراك انطلق أساسا رفضا لحال اقتصادي مترد لم يعد يحتمل. فقد تمثلت محركات الاحتجاج في بعض إجراءات حكومة روحاني التي كان لها وقع كارثي على حياة محدودي الدخل من الشعب الإيراني، وهذا ما ذكره النائب عن مدينة نيسابور في البرلمان حميد جارمابي لوكالة «فارس» شبه الرسمية، حين قال؛ إن هناك أزمة كبيرة في مشهد سببتها المؤسسات المالية غير القانونية التي عملت على انتشار واسع لما عرف بـ «القروض المالية غير القانونية» في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وقد عملت حكومة روحاني منذ 2013 جاهدة على تطهير القطاع المالي، وأغلقت ثلاث مؤسسات قروض كبيرة، وهي ميزان، وفرشتيغان وثمن الحجاج، وأمر البنك المركزي بتعويض ودائع المستثمرين، وهذا ما لم يتم لحد الآن، وقد خسر المودعون أموالهم نتيجة إغلاق هذه المؤسسات. كما كانت مدينة مشهد، التي تحضى بقدسية خاصة لدى الشيعة نتيجة وجود مقام الإمام الشيعي الثامن «علي بن موسى الرضا» فيها من بين المدن الأكثر تضررا من إغلاق مؤسسة ميزان التي كانت تدير نحو مليون حساب بنكي، وأدى إغلاقها إلى العديد من المظاهرات في عام 2015 حسب وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا»، كما تعرضت المدينة إلى ضربة موجعة أخرى بعد فشل مشروع ضخم عام 2015 لبناء مدينة جديدة قرب مشهد، وأدى هذا الفشل إلى خسارة 10 آلاف مستثمر لأموالهم، كل ذلك جعل شرارة ثورة الخبز تنطلق من هذه المدينة تحديدا لتمتد إلى مختلف المحافظات الإيرانية، لكن الناشطين هذه المرة كانوا من الطبقات الدنيا التي سحقها تردي الوضع الاقتصادي.
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها السياسية
ومع ان الدوافع الأولية التي أخرجت المتظاهرين منذ 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي كانت اقتصادية، إلا انها سرعان ما تحولت ورفع سقفها وباتت شعارات سياسية تهاجم النظام ورموزه بشكل مباشر، مثل الموت لروحاني والموت للديكتاتور، وربما كان هناك شعار عابر من احتجاجات الثورة الخضراء وصل إلى احتجاجات الخبز وهو؛ «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران» والذي نجح في جذب فئات مهمة كطلاب الجامعات وبعض النخب العلمية والفكرية والاقتصادية. ومع الفرق بين المرحلتين، إذ كان الشعار في 2009 يحمل مضامين سياسية تركز على حل مشكلات الحرية والرخاء في إيران وترفض تبديد الجهود في السياسات الخارجة التي تستنزف البلد، إلا انه اليوم بات مطلبا حياتيا، إذ تهدد التدخلات الإيرانية الخارجية الاقتصاد المتعثر، فما تصرفه إيران على دعم الحلفاء الإقليميين في سوريا ولبنان والعراق واليمن، يراه رجل الشارع الإيراني تبديدا لثروات هو أحق بها.
كما ان الميزانية الخفية لتطوير قدرات تسليح الحرس الثوري الذي بات القوة الإولى إقليميا بما يمتلكه من قدرات صاروخية يجعل المواطن الإيراني يناشد حكومته الكف عن الاندفاع في الصراعات الإقليمية وان تركز جهودها على معالجة مشاكل الوضع الداخلي.
حراك بلا رأس
وأخيرا تجدر الإشارة إلى ان حراك ثورة الخبز الذي تشهده المدن الإيرانية اليوم لم يفرز قياداته حتى الآن، ويرى البعض في ذلك نقطة قوة، إذ لا تستطيع الحكومة ان تنقض على القيادات وتشل الحراك كما فعلت عام 2009، بينما يرى آخرون ان هذه المسألة تمثل نقطة ضعف وتشوش وعدم وضوح في الرؤى السياسية التي تحرك الاحتجاج.
كما ان عددا من القوى الخارجية تحاول منذ انطلاق الحراك ان تتحدث باسم الاحتجاجات رغم بعدها أو غيابها عن الشارع الإيراني، فتجد تصريحات مريم رجوي زعيمة حركة مجاهدي خلق المعارضة أو عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية موسى أفشار، بل حتى رضا بهلوي ابن شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، قد غطوا بتصريحاتهم الفضاء الإعلامي الغربي وكأنهم يطرحون أنفسهم كمتحدثين باسم المحتجين، بينما الجميع يعلم ان جميع حركات المعارضة السياسية بعيدة عما يجري من حراك في المدن الإيرانية، ولا وجود لتنسيق جهود بين المعارضة والاحتجاجات، بل تجد الكثير من التعليقات والتصريحات من محتجين على وسائل التواصل الاجتماعي يرفضون فيها ما يعتبره البعض «دعما» سواء من المعارضة الإيرانية أو من الغرب أو من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد صرح بعض المحتجين على فيسبوك بالقول؛ ان ذلك سيؤدي إلى عدم تعاطف الشارع مع الاحتجاجات وسيوفر فرصا ذهبية للحكومة لاتهام المحتجين بالخيانة والعمالة وهو ما يضر بالحركة وهي ما تزال في بداية انطلاقها.
الرأي العالمي والإقليمي
هنالك فرق واضح في المواقف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة الإيرانية، فبينما نجد أعلى الأصوات إقليميا تنطلق من السعودية والإمارات المتحدة، حيث تركز وسائل إعلامهما على الاحتجاجات محاولة تصويرها وكأن النظام الإيراني يتهاوى، نجد تركيا تحاول ان تعبر عن تضامنها مع الحكومة الإيرانية. بينما نجد في الموقف الدولي ان أعلى الأصوات شجبا وهجوما على الحكومة الإيرانية منطلقة من الولايات المتحدة، إذ تدعم إدارة ترامب التغيير في إيران عبر دعم الحراك الداخلي على أمل الوصول إلى إطاحة النظام أو على الأقل تحجيمه إقليميا، وهذا ما يصب في مصلحة إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأمريكا. وهذا ما صرحت به شخصيات رسمية أمريكية وإسرائيلية عديدة، بينما تنظر الآراء الأوروبية بحذر إلى الأزمة الإيرانية، وتؤكد على حقوق الإنسان ومنع استعمال القوة المفرطة تجاه المحتجين، لكنها ترى ان الدعم الأمريكي للاحتجاجات سيصب في صالح تولي المتشددين للأمور في إيران مما سيؤثر بشكل خطير على الاتفاق الذي عقدوه في شأن الملف النووي، والذي ساعدهم على إنجاح سيطرة الإصلاحيين على الحكومة الإيرانية، لذلك تحاول أطراف أوروبية عديدة في ألمانيا وفرنسا تقديم ما يمكن دعم لاخراج الاقتصاد الإيراني من أزمته.
صادق الطائي
يجب ان نقول الحقيقة سواء كنا نحب النظام الايراني او لا نحبة (لم استخدم كلمة نكرهه كمضاد لكلمةلا لنحبه) فالمظاهرات انتهت وخرجت بعدها مظاهرات مؤيدة للنظام ,الان السؤال اين ذهبوا المحتجين ولماذا لم يستمروا اسئلة كثيرة يجب ان تطرح هل ليس لهم دعم كافي ليستمروا وبالتالي يمكن ان نقول انهم وطنيين فعلا ولم يكونوا من الذين ارتبطوا بالخارج الايراني ويستطيعوا مستقبلا ان يكونوا اكثر قوة بالاعتماد على انفسهم وهذا ما لم نجده في المعارضات العربية او الربيع العربي وقبلهم العراق بلدي فالذين وصلوا للسلطة وصلوا بقوة امريكا رغم ان نظام صدام وحزبه كانوا سبب فشل العراق وتدميره
الأخ سلام
لماذا أمريكا جيدة في العراق ، و سيئة في إيران ؟
ليس هناك دليل أكثر قوة على إنتهازية و وصولية النظام الإيراني من تعاملة مع نتائج الغزو الإجرامي للعراق ….كان أحمد نجادي أول رئيس دولة يزور بغداد ، و بحماية جنود “الشيطان الأكبر”!