بوصفي قارئا مواظبا في المقام الأول، وأزعم أنني من الذين يتابعون الإصدارات الجديدة، واختيارات القراء من الكتب والترويج لها في كل عام، فقد انسقت وراء عدد من تلك الاختيارات، وبالتالي قرأت روايتين للأفغاني خالد حسيني، هما «عداء الطائرة الورقية»، و»ألف شمس مشرقة»، كانت نشرتهما بلومزبري قطر بالعربية بالتتابع. وكنت أشاهد بعيني في رحلات خارجية، حين أزور المكتبات، كيف أن الناس يتقاتلون على شراء ما أسميته: ماركة خالد حسيني، بغض النظر إن كان قد أجاد في الكتابة أم لا؟ أو إن كانت أعماله تستحق بالفعل أن يشارك أحدهم في التدافع من أجل الحصول عليها؟
بالنسبة لـ»عداء الطائرة الورقية»، فهي القصة التي ينبغي أن يكتبها مهاجر أفغاني خرج أهله من بلد انتهت صلاحيته في الإيواء كوطن يسع الجميع، حين سيطر عليه حزب الطالبان، وفرض شروط الوطنية التي لن تنطبق على أي فرد آخر بخلاف أفراد الطالبان. قصة محكمة ومربكة، وشديدة الإيحاء وهي تمسك بالأزمة من قبل بداياتها، وتسعى وراء أي حل ممكن. الأفغاني الأمريكي الحر، لا يظل أسير حريته في البلاد البعيدة، لكنه يعود لإنقاذ طفل تركه صديقه، وبالتالي هو يعود ليصف بلاده بعد أن زالت ظلالها وبساتينها، وشوارعها، وأحضان أمهاتها، وكل تلك العلامات الكبيرة التي كانت تجعلها بلادا. القارئ يبدأ مع الراوي حين بدأ طفلا، يستمر معه في أيام الرعب، وسنوات الحلم البعيد، ويعود معه راكبا أيام الخطر وهو يبحث عن الطفل الذي تركه عداء الطائرة الورقية. ولعل التقاط هذه الرواية من قبل السينما وتحويلها إلى شريط سينمائي ناجح، جعل قراءتها تزداد، وكنت كتبت رأيا من قبل ذكرت فيه إن السينما أداة مطلوبة للترويج للرواية.
«ألف شمس مشرقة»، عمل آخر مهم لحسيني كونه يلتقط الهم الوطني نفسه، مع التركيز على المجتمع أكثر، فترى قصصا متشابكة، تؤدي إلى قصص متشابكة، ولكن يأتي الإمتاع في النهاية.
اختيار القراء هنا، ومع كاتب مثل خالد حسيني، يبدو لي جيدا وصادقا وليس نابعا من انسياق وراء شهرة، فالعملان الروائيان اللذان ذكرتهما، فيهما مجهود كبير، من ناحية صناعة الفكرة، وصناعة حيلها، واللغة المستخدمة، التي كانت سهلة، وخالية من التعقيد. إنها عدة الكاتب الجيد، لكنها ليست عدة الكاتب الظاهرة، وقد أصبح حسيني ظاهرة بلا شك، هنا مع الإجادة، تتدخل عوامل كثيرة، تنتقي كاتبا جيدا من وسط كتاب آخرين جيدين، لترسمه في ملايين المخيلات، وتحوله إلى ظاهرة، وربما تأتي عوامل أخرى أشد بطشا وسطوة لتنتقي كاتبا غير جيد بالمرة، وترسمه في ملايين المخيلات أيضا، محولة إياه إلى ظاهرة.
لن أتحدث عن تلك العوامل ذات السطوة، لأنني لا أعرفها حقيقة، فقط أقول بكل ارتياح، إنني أسعد كثيرا حين أرى كاتبا جيدا أصبح ظاهرة، وبذلك سعدت بكتابات خالد حسيني، والياباني هاروكي موراكامي، والآن أقرأ ما تكتبه التركية إليف شافاق، لأرى إن كان تحويلها إلى ظاهرة، كان إيجابيا أم لا؟
روائي سوداني
أمير تاج السر