اختيار القائمين عليها لاعتبارات سياسية وحزبية: وزارات الثقافة العربية… الأدب في خدمة السُلطة

ليبيا ـ «القدس العربي»: ماذا قدمت لك وزارة الثقافة في بلدك وللثقافة عامة؟ كيف ترى اختيار وزراء الثقافة في الدول العربية؟ هل تلبي وزارة الثقافة رغبة وطموح المبدع العربي في تقديم إبداعاته ومشاريعه؟ أسئلة طرحناها على مثقفين وكتّاب عرب من بلدان مختلفة بشرطها السياسي والفكري والاجتماعي، بعضهم تحسّر وبعضهم سخر والبعض الآخر لم يجب عن أسئلتنا لأنه يأس حتى من الكلام عن المشكلة، وهناك من لا يعترف بها أصلاً. صرخ من هو مهمش أو غير مستفيد وصمت عن الكلام من هو مستفيد وغارق في عسل وزارته الكريمة.

تونس: لم تزل الوزارة بعيدة عن أحلام الثوّار

يصف الشاعر التونسي نجم الدين حمدوني وضع وزارة الثقافة التونسيّة بأنها: (لم ترتقِ لأحلام الذين ثاروا على ثقافة الزمن السابق المُهجنة، ثقافة تخدم الحكام وسياساتهم).
ويُضيف: (لا أعتقد أنّ أغلب وزارات الثقافة في العالم العربي تخدم المثقف وأحلامه ومشاريعه، لكون هذه الوزارات جزء من حكومات لا تخدم من لا يخدمها، وهو ما يتعارض مع حرية الإبداع. نحاول اليوم في تونس اختيار وزير ثقافة من الميدان الثقافي، فاختيار الوزراء على أسّس سياسيّة وليس بحسب الكفاءة لا يخدّم الثقافة، لكن امكانيات هذا الوزير تبقى محدودة نظراً لتدخّل السياسة في العمل الثقافي، ولكون الوزير يعمل ضمن حكومة مؤقتة.
بعد التغييرات في المنطقة، انتظر المثقف فرصته الجديدة للإبداع، ومنهم المغيبون لسنوات طويلة، لكنهم صدموا بواقع ثورتهم. خاصة في غياب الدعم المالي الذي تقلّص بشكلٍ ملفت للانتباه، وصعود من تخيفهم الشعوب المُثقفة التي تحد من أهدافهم الظلامية).
ويقول الشاعر التونسي محمد ناصر المولهي: (أعجبتني تسمية كانت تطلق من قبل على المؤسسات الفرعية التابعة لوزارة الثقافة في تونس إذ كانت تسمى «دار الشعب» ، لكن الأمر وقف عند التسمية فقط).
أعتقد بشكلٍ راسخ أنّ الثقافة ملك الشعب وخصوصيته الحضارية والتاريخية، ومنتجه الفني الخاص، ولذلك لا يمكن لنظام سياسي أيّاً كان أن يبسط سيطرته على مفصل الثقافة، بل عليه فقط توفير الإمكانيات والوسائل له. لكن لطالما عُرِفَت وزارة الثقافة التونسيّة بكونها أحد أذرع السلطة الحاكمة، وليس للمثقف مكانا فيها، فالقرار الثقافي يُتخَذ ويؤسّس عبر بعض إداريين إن جمعتهم لن تجد فيهم من فتح كتابا في حياته.
للأسف، تكاد المؤسسة الثقافية أن تكون بمعزل عن طرفين مهمين جداً هما أساس الفعل الثقافي الوطني، المثقف المبدع والشعب، وذلك لانعزال مؤسسات الوزارة عن المشهد الإبداعي والشعبي، وعملها على إنتاج مشهد أقرب إلى التلميع منه إلى تأسيس ثقافة. فيتم اختيار وزراء الثقافة حسب الولاء، مع استغلال بعض الرموز الثقافية التي يلقون بها في مناصب وزراء للثقافة، لكنهم وزراء محاطون بأذرع النظام التي تجعل منهم مجرد واجهات لمشاريع تلميعية وسلطوية تخوضها السلطة.
من جهة ثانية، لا ننفي بعض المجهودات التي تقوم بها وزارة الثقافة التونسيّة مثلاً، لكن للأسف يظل يحاصرني دائماً شبح التصحّر الثقافي، وأحمّل مسؤولياته كاملة إلى الهياكل المعنية بالدولة، أقتبس هنا قولا للمفكر المغربي مهدي منجرة: (الدول المُتخلفة هي التي لها فنانوها، وتعيش بدون فن). حقيقة نكاد نكون دون فن رغم وجود الطاقات المبدعة التي تصطدم بواقع تتجاهلها فيه الوزارة المعنية وتهمشها إلا إذا احتاجت إليها في غاية سياسية ما، فالوزارة من نافذة رؤيتها السلطوية البحتة تبجّل مُبدعاً موالياً وتهمّش آخر، هذا ما يجعل المنتج الثقافي مُختلاً جداً ودون قيمة في أغلبه. إضافة إلى أنّ أغلب وزارات الثقافة العربية تهمّش الشباب وتجعلهم في آخر اهتماماتها رغم طاقتهم.
في النهاية أكاد أقول أنّ وزارة الثقافة يجب تحويل اسمها إلى «وزارة السخافة» ربما كان الوصف قاسيا لكنه ليس أقسى مما يعيشه المثقف العربي من تنكيل وحرمان وتغييب والقائمة تطول.

الأردن: عمل الوزارة توظيفيّ لا ثقافي

يعرض الكاتب الأردني صبحي القمحاوي لواقع وزارة الثقافة الأردنية، التي يرى أنّها تقوم بعمل توظيفي لا علاقة له بالثقافة. (هناك مواطنون يبحثون عن وظيفة- وهذا حقهم- فيأتي حظهم بالوظيفة في وزارة الثقافة، وبناءً على وظائفهم يفصلون مشاركاتهم للسفر وتقديم أوراقهم إلى المؤتمرات العربية والعالمية ويعقدون الاجتماعات لبحث التخصّص بإدارة الندوات المحلية، رغم أنهم- والحق يقال- لا يمانعون في ترك بعض الفتات للمثقفين والكتاب الحقيقيين).
حول آليّة اختيار وزراء الثقافة في الدول العربية أجاب القمحاوي:
دعني أعود لما كتبه زكريا تامر- حول هذا الموضوع بعنوان» السيدة وزيرة السخافة والإرشاد القومي» ونُشِرَ في «القدس العربي» في الأول من تموز/يوليو العام المنصرم، عن السيدة كريمة الحوت الساخرة من واقعها بكافة مستوياته، فهي تجبر زوجها على تبديل اسم عائلته المُضحك «الزرزور» وتطلب منه أن يشكرها عوضاً عن امتعاضه لأّنّ الزرزور صار حوتاً. بذات الروحيّة تدرك كريمة حين طلب رئيس الوزراء الاجتماع بها أنّها لا يمكن أن تتسلم منصب وزيرة الصحّة وهي طبيبة، وفي حال سلّموها وزارة الخارجية تردّ على تساؤل زوجها: سأبادر في اليوم الأول إلى إلغاء الجيش، فهو تبديد للثروة القومية، فإذا احتاج البلد إلى جيش، فجيوش حلفائنا موجودة بكثرة، وتتنزه في برنا وبحرنا وجونا، وتقدم خدماتها لمن يحتاج إليها ولمن لا يحتاج إليها مجاناً أو بالتقسيط المريح. كريمة الحوت غدت وزيرةً للثقافة، أو بحسب قولها وزارة السخافة، فبالنسبة لها: العظم في هذه الأيام كاللحم، ولا فرق البتة بين الثقافة والسخافة.
يختم الكاتب السوري زكريا تامر حكايته بأنّ كريمة الحوت نشطّت نشاطاً جعل السخافة وإخواتها يعقدن اجتماعاً عاجلاً مناشدات ألا يحظى الجهل وحده بالتقدير والترويج، فلم تكترث الوزيرة لمطالبهن، وتابعت عملها متنقلة من نصر إلى نصر.

مصر: احتكار الفرص

تتحدّت الشاعرة المصريّة شادية الملاح عن أزمة وزارة الثقافة المصريّة التي يُفترض (أنّها المنبر الشرعي للأبداع، ولكن ما يحدث هو احتكار المجال على بضع أشخاص هم من يشاركون في المؤتمرات والتمثيل الثقافي خارج مصر، ممّا يترتب عليه قتل المواهب المتنوّعة التي تستحق الفرصة بأخذ مساحتها.
يرتبط هذا الاحتكار لفرص العمل بكون القائمين على الثقافة، وبالتحديد الوزير، يختار للاحاطة به أشخاصاً من غير المبدعين، وربما أشخاصاً مُتسلقين لا علاقة علاقة لهم بالأدب والثقافة).
يوافق الشاعر والكاتب مصطفى الجارحي هذا الرأي ويقترح المعاملة بالمثل، فيقول: (أنظر إلى وزارة الثقافة في بلدي باعتبارها شيئًا غير موجود، على الأقل بالنسبة لي.
شخصيًا لم تقدم لي الوزارة بهيئاتها الكثيرة أي شيء يُذكر، كطباعة أي من أعمالي الشعرية مثلاً، أو منح التفرّغ التي توزّع لأسماء بعينها منذ سنوات، أو التمثيل في مؤتمرات أو فعاليات دولية، باختصار أنا خارج هذه المؤسسة بقرار قديم اتخذته وأنا في بداياتي، منذ أكثر من ثلاثين عامًا، طالما أنّ المؤسسة لم تنظر لإبداعاتي بعين الاعتبار.
في حين تلعب دور النشر الخاصة والمستقلة دوراً مهمًا، بل أكثر أهمية، من الوزارة نفسها بالرغم من إمكانيّات الوزارة المتنوّعة التي تتيح لها الطباعة والتوزيع والتسويق بأقل الأسعار، لكن دور النشر المستقلة تظل أكثر تميّزاً وحضورًا بفضل العقليات المثقفة التي تديرها في مقابل العقليات المنغلقة لأشباه مثقفين يديرون مواقع مهمة في الوزارة.
ربما يكون رأيي صادمًا لكنه نابع من تجربة شخصية، وأنا لا أعترف بمؤسسة ثقافية تعطي أحقية المنح والمنع كأنها تعاقب المبدعين الحقيقيين بدل الوقوف بجانبهم).

العراق: تعمل الوزارة برغم كلّ ظروف الحرب

(على المستوى الشخصي لم تقدّم لي وزارة الثقافة العراقية شيئاً يُذكر) هذا قول الكاتب العراقي علي السباعي، ويُضيف: (والوزارة وإنّ كانت لا تلبي أبداً طموحات المثقفين، لكنها على جسامة ما نعيشة قدمت الكثير لعموم مفاصل الثقافة).
أمّا بشأن اختيار وزراء الثقافة فإنّ هذا يستند إلى (الأسس الحزبيّة «الايديولوجية»، فولاء الوزير للحاكم لا لبناء عقول الناس).
من جهته يرى الكاتب العراقي أنمار رحمة الله أنّ: (لوزارة الثقافة دور قد يصل إلى الأساسي في بلداننا المدمنة على الدعم الحكومي، وليس كما نرى في العالم الغربي حيث تتعدّد المؤسسات المرتبطة بدور النشر مّما يساعد الكاتب على الإفلات من هيمنة أدلجة الدولة ومساراتها السياسية المفروضة مسبقاً ثمناً للدعم، بل يستطيع الكتابة بحرية كبيرة معبراً عن رؤاه وأفكاره بلا رقيب. لكن يبقى الدعم بشكل أساسي في خانة الدعم (اللوجستي) فقط.
منذ أحداث عام 2003، وتغييّر النظام الذي كانت في عهده الوزارة لساناً للحزب الواحد، تبدلت الرؤية الشاملة في سير العمل التنظيمي، وتأسّس في كل مدينة بيت للثقافة يكون جهده مقتصرا على تنظيم المهرجانات والملتقيات وجمع المبدعين. بالرغم من أنّ القائمين على هذه البيوت هم موظفون في الوزارة، بعيدون عن الجانب الإبداعي وقريبون للتوجه الإداري. ففي مشروع «بغداد عاصمة الثقافة العربية» مثلاً تحركت الوزارة بميزانية ضخمة لطبع كتب الأدباء والمبدعين، لكن الكتب لم تخضع للتمحيص الفني فنتجت أكوام من الكتب الفائضة عن الحاجة، وبقيت أعمال رائعة حبيسة الأدراج بلا طبع. في النهاية أستطيع الجزم أنّ عمل الوزارة المتعثر تأثّر بارتباك المناخ السياسي الأمني).

السعودية: الوزارة غير مؤمنة بمثقفيها

يؤيد الشاعر السعودي خالد الغامدي فكرة (أنّ الثقافة مسؤوليّة شعب وليست مسؤوليّة حكومة)، ولكن إذا نظرنا إلى عمل وزارة الثقافة السعودية، فإنّها (عاجزة عن تقديم أي دعم إيجابي لعدم إيمانها بمقاصد المثقفين والمبدعين. الأمر بالنسبة للوزارة أشبه بمراهنة غير محسوبة في دعم غايات ثقافية بعيدة المدى، ومجهولة بالنسبة لطبيعة المدخلات والمخرجات، لذلك لم يُنتج الدعم المادي شيئاً يُذكر طالما أنّه الدعم الوحيد المُقدّم).
لدى سؤال الغامدي عن آليّة اختيار وزراء الثقافة، أجاب: (كل بلد له طبيعته، إلاّ أن الحكومات تتفق على مبدأ أن الوزير يمثل واجهة لنظام سياسي لا أكثر. وبعيداً عن الوزارة فإنني أعتقد أنّ المثقف لا ينبغي أن يقبل بصفة تطغى على أفكاره وهويته).
ختاماً صرّح الغامدي باللا، وبأعلى ما يُمكن حول إن كانت هل وزارة الثقافة تلبي رغبة وطموح المبدع العربي في تقديم ابداعاته ومشاريعه؟ لا، كون المثقف في أسفل القائمة بعد عدة اعتبارات قومية وسياسية.
الشاعر السعودي أمين العصري لا يُنكر جهود وزارة الثقافة والإعلام في خدمة الثقافة بشكل عام، فهي في رأيّه: (تقيم وتنظّم الملتقيات والندوات ومعارض الكتب، وتؤدي الدور الاعتيادي الذي تقوم به أي وزارة للإعلام في أي دولة من دول العالم). لكنه يُفضّل (اختيار وزراء الثقافة من المثقفين والأدباء والفنانين الحقيقيين وليس الرسميين، وهذا نادر جداً في دولنا العربية).
علماً أنّ العصري لا يعتقد أنّ وزارة الثقافة تلبي رغبة وطموح المبدع العربي في تقديم ابداعاته ومشاريعه؟ بل على العكس تماماً، (فكثيرا ما يواجه المبدع العربي التضييق من قبل الوزارات خصوصاً المضايقات الرقابيّة، وكذلك فإنّ مفهوم التفرّغ للكتابة والإبداع شبه معدوم في دولنا العربية لذلك نجد أن أغلب المشاريع الإبداعية العربية غير مكتملة ولا ترقى لطموح صاحبها).

محمد القذافي مسعود

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول R. Ali:

    في مصر بالذات والدول العربية الأدب في خدمة السلطة ، الأعلام في خدمة السلطة ، القضاء في خدمة السلطة ، رجال الدين والمشايخ في خدمة السلطة ، الفنانين والممثلين في خدمة السلطة ، المؤسسات الحكومية كالجامعات في خدمة السلطة ، الشرطة والجيش في خدمة السلطة ، القتلة والمجرمين والمأجورين الشبيحة و مروجي الفوضى والمفسدين في خدمة السلطة! والجميع في خدمة السيسي وحاشيته!

  2. يقول صوفيا:

    نتمنى لك التوفيق
    محمد شاعر وصحفي وكاتب متألق
    تحياتي

إشترك في قائمتنا البريدية