«اذا بتشرب قهوة شجّع مصدرها»

حجم الخط
0

بيروت «القدس العربي»: يكاد لبنان يكون البلد العربي الوحيد الذي يشارك في كل المونديالات السابقة واللاحقة. فلبنان دائم الحضور في هذا المشهد والحدث الرياضي العالمي. وقد يكون هذا الوصف غير دقيق ويخالف الحقيقة للكثير من المتابعين والذين يعرفون ادق التفاصيل عن الدول المشاركة والمتأهلة خاصة في مونديال البرازيل.
إلا ان الواقع على الارض يوحي بان لبنان، تلك البقعة الصغيرة عالميا تتجسد فيه وتتمثل كل الدول المشاركة في هذا المونديال، بالأخص تلك الدول ذات العيار الثقيل والمرشحة دائماً للقب بطل العالم مثل البرازيل والمانيا والارجنتين وايطاليا واسبانيا وفرنسا المنتخبات الاوفر حظاً في تحقيقه.
لا يمكن بالتحديد فهم هذه الظاهرة الغريبة ومتى بدأت، وهذا الهوس الرياضي الذي تجعل من المواطن يتابع ويشجع ويناقش ويحلل ويبرر لدرجة الاستعداد والاستعداء حتى الموت للفريق والمنتخب البرازيلي ومثيله الايطالي وكذلك الالماني الى آخر اللائحة.
ففي فهم هذه الظاهرة تتشارك الافكار والاهواء الميول والاتجاهات، فهي هنا غير مبينة على اساس مواقف سياسية بل هي رياضية محضة، وهي تعبر عن العلاقة باللاعبين الكبار والمشهورين والمهارات في بطولات الاندية الاوروبية بالذات.
ففي جولة ميدانية تم رصد حالات كثيرة من العشق والحب والهوى الاعمى للفريق والمنتخب الساحر البرازيل والماكينة الالمانية.
فعند سعيد ابو رامي البرازيلي فالأمر لا يقف عنده، بل وعائلته ايضاً صرحوا بانهم يعشقون المنتخب البرازيلي ويلقبونه بالساحر، وكبقية المحبين لا يحلو المونديال بدون اللمسة السحرية هذه. وكيف يشرح مجريات المباراة ويعطيك أدق التفاصيل وكيف يتفاعل مع مجرياتها بانفعال شديد ويصل الامر باطلاق النعوت والصفات والسباب لحكم أو لاعب لا يعجبه او أخطأ في التسديد أو كان عليه ان يفعل كذا…
وعندما تسأل ابو فريد إبراهيم صاحب مقهى فيقول انه يعشق الفريق الالماني ويحب أداءه وقدرته على تخطي الحواجز والديناميكية المعروف بها، فهو كما يقول يتمتع «بروح رياضية» عالية، لكن لا يمكنه السماح بانتقاص هذا الفريق، حيث لا يسمح لغير مشجعي المانيا بالجلوس في المقهى. فهو مؤقتا مع كل من هو ضد البرازيل، فهو ليس عنصريا ويشبه نفسه بالمنتخب الذي يضم اللاعب من اصول تركية اوزيل، ولمسنا تصدر لأعلى نسبة وتمايز، ويمكن القول ان الغلبة في أعداد المناصرين والمحبين والمهووسين للمنتخب الالماني. وكذلك الحال بالنسبة الى المنتخب الايطالي، فيقول فواز ابو وردة أن الدوري الايطالي كان له الفضل في تشجيع المنتخب الايطالي الذي يتمتع بالقوة والحيوية وكذلك قربه من الشرق الاوسط، فايطاليا كما أسر بعضهم لها حب أخلاقي ومناطقي، فهي الدول القريبة من العادات والتقاليد وحتى الاشكال.
ويتصدر حضور النجم ميسي مناصري المنتخب الارجنتيني لكثير من الاعجاب به ويعولوا عليه للحظي باللقب. وهم بالتأكيد من ألد الخصوم للمنتخب البرازيلي، فلهم الكثير من الثارات والتحديات. ولسنا هنا في صدد تحليل المواقف والاتجاهات، فكل له ميوله وتجربته مع هذا المنتخب او ذلك. لكن في لبنان على عكس باقي دول العالم فكل شيء ممكن، حتى ان هناك امكانية لنضوج اية فكرة في اللحظات الاخيرة، وكذالك التغير من الاتجاه الرياضي، فهو بلد المفاجآت والانتماءات والتجاذبات الرياضية غير بعيدة في هذا المضمار.
لا مجال لتبديل العشق والهوى الفرنسي بالنسبة لبائع الاحذيه توفيق ابو جراد، فأنه تابع وصول فرنسا يوماً بيوم وتأهلها للمونديال وكيف كان شعوره لا يوصف وكيف قام يرقص مع محبي ومشجعي فرنسا في مونديال 1998.
أما ابو الويس صاحب محل للخلوي والذي يعتبر من اشهر مشجعي المنتخب البرازيلي في حيه، وهو المعروف بإطلاق النكات والتعليقات الساخرة والمتميزة بروح الفكاهة والمحبوبة حتى من مشجعي المنتخبات الاخرى، يقول ان حبه للبرازيل لا يتحول ولا يتبدل ولا مكان للسقوط، وان أدى ذلك الى خسارة بعض زبائنه من مشجعي المنتخبات الاخرى. فهو يستطيع جذبهم بعد المونديال بطريقته الخاصة فلا غنى عنه. ودائماً يطلق الركلات والتصويبات والكرات النارية عبر صفحته على الفيس بوك، وكتب أخيرا عبر صفحته «اذا بتشرب قهوة شجّع مصدرها”، او “اشرب قهوة برازيلية وشجع».
ويظهر كثير من الاهتمام والتشجيع بين مناصري المنتخب الاسباني جليا، من خلال قوة الدوري الاسباني واعداد اللاعبين الكبار والعمالقة. والمفاجأة السابقة وكونها بطلة العالم، ما زاد في أعداد المشجعين.
وتنشر كثير من المواقع والحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية، فلا تخلو منطقة او حي في لبنان الا ويشهد انطلاق حسابات مخصصة لهذا الهدف. وهذه الحسابات آخدة بالصعود وقد تصل الى المئات مع البداية وخلال المونديال. إلا انه في المقابل ترى وتسمع العجب من القصص والروايات والاحداث ويكاد بعضها يكون أليماً، ففي هذه الجولة السريعة والتي تسبق المونديال بأيام قليلة ترى هذه الأجواء التي بدأت تترسم في كل مكان ويفصح الجميع عن موقعه وموقفه، عبر الاعلام والروايات التي تخفق عالياً. فكيفما تدور ترى الاعلام والرايات.
فأحياناً يُخيل لك انك في احدى ضواحي البرازيل، وفجأة يتغير المشهد لتعتقد انك تعيش في احدى ضواحي برلين او بون، وتارة تتداخل المدن الاوروبية مع بعضها لتدرك أنك في دول السوق الاوروبية باريس او برشلونة او روما. هنا يرتفع علم البرازيل من اعلى المبنى الى أسفله، وهنا يتفق سكان او احد مشجعي المنتخب الالماني مع جاره وتأخذهما الحماسة والحب والعشق لهذا البلد لنشر العلم الالماني عبر البنايتين.
وهناك يرتفع من أعلى السطح العلم الايطالي معلناً أن جميع السكان ذات توجه واحد وقد يختلف المشهد في داخل البيت الواحد فترى الاختلاف واضحاً وجلياً في التوجه والانتماء، فالأخ الاكبر مع المنتخب الايطالي والأوسط يدافع عن مكانة ورمزية وسحر البرازيل، بينما الصغير والذي يتجاوز العشر سنوات يعلق آماله على المنتخب الفرنسي. وتصبح السيارات والدراجات النارية وكل وسائل النقل أحد أهم وسائل التعبير عن الميول والإتجاه الرياضي. فترى الاعلام بجميع الاحجام تزين السيارات.
هذه الاجواء اللطيفة نسبياً الى حد ما الان والتي عادة ما تسبق المونديال، قد لا تكون كذلك للأسف في بداية الصافرة الاولى، فهي قد تتحول الى اجواء مشحونة بكل الاحساسيس والانفعالات والأفعال و”التزريكات” حسب المسمى اللبناني لها، وتسجيل المواقف والنكات والتهكمات. وتصل الى حد القيام بأعمال عدائية بين جميع الاطراف والمشجعين الذين لا يستبعدون اللجوء الى ما هو ممنوع وغير مقبول رياضيا واخلاقيا، فمن اطلاق النار والمفرقعات بالهواء وحتى تقصد اطلاقها بإتجاه الخصوم، ما يثير ردود فعل عدوانية وكذلك بإطلاق أبواق السيارات والدراجات النارية والمسيرات الليلية بإتجاه الخصوم، الامر الذي يؤدي في كثير من الأحيان الى حالات مطاردة وإشكالات بالأيدي وبالعصي وبما هو متوافر وتطاله الايدي.
والى حين بداية وسماع الصافرة الأولى ما زال اللبنانيون بانتظار ما سينتج عنه من لقاءات ومشاورات ومفاوضات مع أصحاب النقل الحصري للمباريات وموزعي القنوات عبر الكابلات والوزارات المعنية والآلية التي ستتم عبرها مشاهدة احداث المونديال.

رياض نجيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية