■ اعلن اوباما انه لم يستكمل بعد استراتيجيته للتدخل في سوريا. السبب انهماكه في استكمال ما هو أهم وأشمل: استراتيجية اقليمية لمواجهة «الدولة الإسلامية ـ داعش» و… قوى المقاومة العربية. رداً على سؤال اجاب: «إن كسر شوكة الدولة الإسلامية على المدى الطويل يتطلّب استراتيجية اقليمية بالتعاون مع السنّة في العراق وسوريا». لهذا الغرض طلب من وزير دفاعه تشاك هيغل إعداد مجموعة من الخيارات، كما طلب من وزير خارجيته جون كيري التوجّه الى الشرق الاوسط للمساعدة في بناء تحالف عريض ضد «داعش».
لا يبدو اوباما بصدد وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، بل ترميم الاستراتيجية الحاليّة، بعد بزوغ تحدٍ اضافي للولايات المتحدة وحلفائها اسمه «داعش» ومباشرته تهديد مصالحها في العراق.
الاهداف النهائية لاستراتيجية امريكا لن تُعرف قبل الفراغ من عملية ترميمها، لكن الكتاب يُقرأ من عنوانه.. اوباما ذكر في مؤتمره الصحافي الاخير بعضها وحليفه فرنسوا اولاند بعضها الآخر. من مجمل ما ذكره الرئيسان الامريكي والفرنسي او لمحّا اليه، يمكن استخلاص المعاني والأغراض الآتية:
اولاً، ليس الشركاء في التحالف المنشود ضد الإرهاب دولاً بالضرورة، انهم طوائف بالدرجة الاولى، ربما لأن معظم الدول الاقليمية متحالف مع هذه الطائفة او تلك على امتداد مشرق العرب. اوباما قالها بصراحة: «كسر شوكة الدولة الإسلامية يتطلّب استراتيجية اقليمية بالتعاون مع السنّة في العراق وسوريا». لم يدعُ الى التعاون مع الدولة في كلٍّ من العراق وسوريا، بل مع طائفة بعينها. التعاون مع السنّة في هذين البلدين لا يعني عدم التنسيق مع حكومتيهما او، في الاقل، مع اجهزة الاستخبارات لديهما، لكن الشريك الاصيل في التحالف المنشود يبقى مكوّنا او كيانا بعينه: اهل السنّة. ذلك يشي بحقيقة لا سبيل الى نكرانها هي ان الولايات المتحدة تنظر الى منطقة الشرق الاوسط كمساحة جغرافية وديمغرافية مكوّنة ظاهراً من دول، وواقعاً من متحدات اولية primary groups اي طوائف ومذاهب وقبائل واثنيات متمايزة واحياناً متصارعة، وتتعامل معها على هذا الاساس. لعلها تبنّت ايضاً استراتيجية «اسرائيل» الهادفة الى احاطـة نفسها، على مستوى بلاد الشام وبلاد الرافدين، بمجموعـة من جمهوريات الموز، اي دويلات هزيلة وهزلية وغير قادرة تالياً على اقامة تحالف قومي في ما بينهما لمواجهة اعدائها. وفي معرض تبريره استبعاد دولة سوريا عن التحالف الاقليمي ضد الإرهاب، زعم اوباما ان «الاسد لا يملك القدرة على الدخول الى مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، لذلك ليس علينا ان نختار بين الاسد والدولة الإسلامية». ولا يتأخر اوباما في تحديد خياره: «علينا التحدث مع العشائر السنية». ألا يؤشر هذا الخيار الى اعتزامه إحياء مخطط «الصحوات العشائرية» الذي كانت طبقته امريكا في العراق عشية اضطرارها الى الانسحاب منه اواخرَ عام 2011؟
ثانياً، اذ يستبعد اوباما، كما اولاند، الاسد كشريك في تحالف مكافحة «داعش» واخوته في اطار استراتيجية اقليمية لمكافحة الإرهاب، يشدد ايضاً على مواصلة «دعمنا المعارضة المعتدلة، لأنه يجب ان نعطي الناس خياراً بديلاً من داعش والاسد». لتبرير هذه السياسة المعتمدة بعد اندلاع اضطرابات «الربيع العربي» المزعوم، يقول اوباما: «لا ارى سيناريو يمكن الاسد ان يكون قادراً فيه على تحقيق السلام والاستقرار في منطقة ذات غالبية سنيّة، وهو الذي لم يُظهر حتى الآن اي رغبة في تقاسم السلطة معهم». بصرف النظر عن قدرة الاسد او عدم قدرته على تحقيق السلام والاستقرار، او على التوصّل او عدم التوصل الى تفاهم مع معارضيه على تقاسـم السلطة، فإنه من الواضح ان مواصلة الولايات المتحدة دعم «المعارضة المعتدلة» يعني، في الواقع، استئناف تسليح فصائلها التي «تحارب» الاسد و»داعش» في آن. فهل يعتقد اوباما فعلاً ان تسليح «المعارضة المعتدلة» سيمكّنها من الانتصار على الاسـد وعلى «داعش» ويمنح سـوريا «خياراً بديـلاً»، كما يتخيّل؟ ألا يعني دعـم المعارضـة المعتدلة (وكان وصفها بـِ»فانتازيا») رغم سيطرة «داعش» على معظم مواقعها في شمال سوريا وشرقها، صبّاً للزيت على نار الحرب بغية تأجيجها وتدويمها اطول مدة ممكنة بغية استغلالها لتنفيذ مخطط تقسيم سوريا الى مجموعة من جمهوريات الموز؟
ثالثاً، يتضح من تصريحات اوباما الاخيرة ان ادارته تنوي التمسك بسياسة استعداء سوريا ونظامها، وان ذلك يعني، في الواقع، استعداء حلفائها المشاركين معها في مواجهة «داعش» واخوته داخل البلاد وفي لبنان والعراق وفلسطين. فالولايات المتحدة تعتبر حزب الله اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية و»عصائب اهل الحق» العراقية تنظيمات ارهابية وتحاربها بأشكال متعددة قبل دخول، او إدخال، «داعش» واخوته على خط الازمة في سوريا والعراق ولبنان وبعده. ألا يعني ذلك انه من الممكن، بل من الثابت، ان تكون غاية استراتيجية امريكا الجاري ترميمها استهداف قوى المقاومة العربية في لبنان والعراق وفلسطين وربما في ساحات اخرى ايضا؟
اذ يتضح من مجمل المعطيات والاحتمالات المار ذكرها، ان استراتيجية امريكا الجاري ترميمها لن تكون على مستوى اقليمي شامل، كونها تستبعد اطرافاً فاعلة منخرطة في الصراع ضد الإرهاب عموماً وضد «داعش» خصوصاً، فإنها تنطوي ايضاً على احتمالات الاحتكاك مع قوى اقليمية متمايزة عن او متعارضة مع سياسة الولايات المتحدة في مشرق العرب، كما تؤشر الى امكانية استخدامها في سياق مخططات اخرى قيد التنفيذ معادية لسوريا ولبنان والعراق وفلسطين. اجل، «اسرائيل» لن تتوانى عن استغلال الظروف المستجدة والاحتمالات الماثلة لتعميق الصراعات الطائفية في سوريا ولبنان والعراق، ولدعم انشطة الجماعات التقسيمية فيها العاملة لحساب مصالحها الفئوية الضيقة او لحساب قوى خارجية نافذة. كما لن تتوانى «اسرائيل» واطراف اقليمية اخرى ايضا عن استغلال استراتيجية اوباما المنقّحة للجم التعاون القائم حالياً بين بعض فصائل المقاومة الفلسطينية وايران.
كل هذه الاحتمالات والتحديات قد تحمل اطراف محور الممانعة والمقاومة (سوريا وايران وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي) على اقامة تحالف موازٍ للتحالف الامريكي – الاقليمي من اجل ضمان تركيز تعاون دول المنطقة في هذه المرحلة على هدف مركزي اول هو محاربة «داعش» واخوته. ولعل التفاعل بين الاستراتيجية الامريكية المرممة واستراتيجية الممانعة والمقاومة المعدلة يُفضي الى تلاقٍ على نقاط تفاهمٍ محددة وساحات عمل مشتركة واهداف متماثلة في الزمن الصعب الذي يعيشه مشرق العرب حاليّاً، فيتعاون المحوران مجتمعَين على احتواء «داعش» في مرحلة اولى ويتولى محور الممانعة والمقاومة منفرداً مهمة استئصاله في مرحلة لاحقة.
٭ كاتب لبناني
د. عصام نعمان
أعتقد يا دكتور نعمان أن داعش تمددت بفضل الأمريكان
لأنهم لم يساعدوا الجيش الحر ولم يسمحوا لأتباعهم بمساعدته
الغرب مستفيد من داعش لتشويه الاسلام الوسطي
ولا حول ولا قوة الا بالله
* الدكتور عصام نعمان مساء الخير فانا اليوم اقرا مقالتك في وقت متاخر جدا لكنني مقتنعة ان ان الايام حوامل وان الكل اثم عدا اصحاب البنادق التي لم تغير بوصلتها من القدس الى حارات الاقليم المفعمة بالعواصف النارية التي تتاجج وتبتلع كل الاطراف وعدا اصحاب الخنادق الذين طووا على حب فلسطين شغاف قلوبهم ولم يغرقوا في رمل الاقليم ووحوله المتحركة وما بدلوا تبديلا