«استعمار» سقطرى وصعود «الإمبراطورية» الإماراتية

حجم الخط
17

لفت تحقيق صحيفة «اندبندنت» البريطانية الخطير، حول ما تفعله الإمارات في جزيرة سقطرى اليمنية، الأنظار إلى تحول الإمارات إلى ظاهرة غريبة جديدة تستعيد مناهج دول الاستعمار القديمة، كبريطانيا (التي كانت أبو ظبي نفسها أحد مستعمراتها) وفرنسا واسبانيا والبرتغال، في مدّ دائرة سيطرتها ونفوذها العسكري والسياسي، وتحويل بلدان أكبر منها بكثير، إلى أتباع تدور حولها.
وكما مارست تلك البلدان الاستعمارية أشكال العسف والقمع والاضطهاد وتركت ندوباً جغرافية وتاريخية كبيرة على امتداد العالم، فإن الإمارات، التي صارت ثالث أكبر مستورد للسلاح في العالم، أخذت بفرد عضلاتها الأمنية وقواعدها في الخليج نفسه وعبر البحر الأحمر، ونشرت سجوناً مخيفة خاصة بها في اليمن، وموّلت ميليشيات محلّية يمنية تضرب بسيفها وتروّع أهل البلاد وتضعف السلطات السياسية الشرعية، كما وصلت طائراتها وغاراتها إلى ليبيا، وأموال التأثير على أجهزة الإعلام والأحزاب والاتجاهات السياسية في المشرق والمغرب العربيين، إضافة إلى تخطيطها وتنسيقها لحملات الضغط في بلدان الغرب والولايات المتحدة الأمريكية… وأقاصي البحار.
تلك البلاد الصغيرة التي كان مواطنوها هانئين بمستويات عيشهم المرتفع بعد اكتشاف النفط، والتي أصبحت منذ ستينيات القرن الماضي نقطة جذب متصاعد للسياح ورجال الأعمال، كانت، كغيرها من بلدان الخليج، ملجأ لعيش العرب الهاربين من بلدان الدكتاتورية العسكرية والفقر والفساد وأشكال البطش وخصوصا في سوريا ومصر والجزائر وليبيا واليمن، منذ نشوء تلك الدول الحديثة واستقلالها عن «الاستعمار» القديم، فإذا بها تنقلب على ذلك الإرث المريح والرخيّ والمستقرّ لتصبح في قلب العواصف السياسية للعالم، ولتتحالف مع تلك الدكتاتوريات الوحشية، وتتمثّل نموذج الكولونياليات الغربية، وتبدأ بخطّ طريق يستلهم أفكار الدولة المركزية المخابراتية العربية ويحوّل شعبها إلى سجين في قفص ذهبي، فيما تطارد قوّاتها أشكال الثورات العربية، وتحيل كل ما تلمسه إلى فساد وخراب ودمار.
يمثّل نموذج سقطرى، على ما يظهر، انتقالا من نموذج الاستعمار، على هدي الدول الغربية خلال القرنين الماضيين، إلى نموذج الاستيطان، الذي كانت فرنسا ترغب في إنجازه في الجزائر، والذي قامت إسرائيل على تأسيسه في فلسطين، وإذا كانت دول الاستعمار القديم قد بررت ممارسات الاستتباع الاقتصادي والسياسي للمحكومين وبلدانهم بأيديولوجيات «التنوير» والإخاء والمساواة ونشر العلم والثقافة الغربية وأسس الديمقراطية والمدنية، فقد اشتغلت الإمارات على مشاريع ثقافية وإعلامية وسينمائية، واستثمرت في المدن الذكية والرقمية والمهرجانات الفنية والأدبية والسياحية وأسست وزارة «للسعادة» وشغّلت طابورا كبيرا من المثقفين للترويج لمشروعها «المناهض للظلامية»!
غير أن مشاريع «التنوير» و«الحداثة» المزيفة تلك لا يمكنها أن تغطي ممارسات السجون المرعبة والاغتيالات في ربوع اليمن، وزرع القواعد العسكرية في إريتريا وجيبوتي والصومال، ودعم نموذج الرئيس عبد الفتاح السيسي، والجنرال خليفة حفتر، ومحاولة خنق الحراكات الديمقراطية في تونس والمغرب، وهدر الأموال على شيطنة قطر ومحاربتها، والتعامل مع أنواع الفساد السياسي والمالي في أنحاء العالم.
لقد فتحت حقبة الاجتياح الأمريكي للعراق، وتمدد النفوذ الإيراني، وتعفّن الأنظمة العربية، المجال واسعا لقيام الثورات العربية، وكان لأبو ظبي، لو ارادت فعلا المساهمة في نشر الديمقراطية والمدنية والحداثة، أن تدعم تلك الثورات، أو على الأقل أن تقف على الحياد، لكنّها، لأسباب خاصة بحكامها ربما، قرّرت الوقوف مع الثورات المضادة، والاستثمار في صنع امبراطورية على أشلاء الشعوب التي صنعت الحضارة العربية ـ الإسلامية، وهي مفارقة كبيرة، وثمنها التاريخي سيكون أكبر.

«استعمار» سقطرى وصعود «الإمبراطورية» الإماراتية

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد مصطفي الجزائر:

    وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ

  2. يقول خالد مصطفي الجزائر:

    قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14

  3. يقول الكروي داود:

    وماذا عن الثلاث جزر إماراتية التي تحتلها إيران ؟ أم لعل هناك تواطأ ما على تقاسم النفوذ بالمنطقة ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول Sultan:

    امبراطوريات العالم يكون لديها من الأسلحة التي تصنعها محليا بأيدي شعبها وهولا يستورد كل المواد من الخارج كيف سميتموها إمبراطورية وهي عاجزة هذه الانبراطورية ان تحرر حتى شبر واحد من جزرها من الاحتلال الإيراني كيف تسمونها إمبراطورية وهي خايفة ومرتعبة ان ترحل هندي واحد وسبق أن حاولت هذه الانبراطورية ان ترحل كم هندي فرجعتهم الهند في نفس الطائرة وقالت لعيال زايد سوف يرجعون إلى وطنهم الأصلي الامارات لحتى تاتي الإشارة بالاستيلا على الحكم . عيال زايد اشتروا كم طاءرة مقابل بيع كم برميل نفط فصدقوا حالهم بانهم امبراطورية لاكن الشعب اليمني من سوف يهرسهم ويرجعهم الى حجمهم الكرتوني الطبيعي والأيام بيننا فقط الشعب عليه ان يتعلم صناعة الصواريخ التي تصل الامارات . واذا الشعب اليمني قلب عليهم بالاعصي سوف يفرون من اليمن مثل الأرانب .

  5. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه(«استعمار» سقطرى وصعود «الإمبراطورية» الإماراتية)
    جنون عظمة محمد بن زايد وتخبطه وطيشه ، لا احد يتكهن اين سترديه. واعتقد ان طموح ابن زايد الاستعاري ليس من عندياته ولكنه-وبما له علاقات وثيقة مع اسرائيل-مدفوع وموعود بمساندة اسرائيل واذرعها الاخطبوطية الصهيوماسونبة. واسرائيل لاتزين له طموحاته الهوجاء هذه الا لاطماع تجنيها من وراء ظهره؛ واذا استتبت له الامور في جزيرة سقطرى اليمنية فان اسرائيل ستقفز اليها معه او تطرده منها وتصبح المتحكم في خلبج عدن.
    وعلى كل الاحوال ابوظبي (مش قدها) وشموخ ابن زايد الفارغ وطيشه يزين له ان كل شئ سيحصل عليه بالمليارات المكدسة في خزائنه.
    طيش وشمرخ ابن زايد ينطبق عليه هذا القول(ملأى السنابل ينحنين تواضعا…والفارغات رؤوسهن شوامخ)
    ومن تجليات ابن زايد انه ابتدع ( وزارة «للسعادة» وشغّلت طابورا كبيرا من المثقفين للترويج لمشروعها «المناهض للظلامية»!) والمتماشي -في زعمه-مع الحداثة والتنوير.
    والظلاميون عند ابن زايد هم اركان الصحوة الاسلامية وعلى رأسهم الاخوان المسلمون ، خصوصا عندما صدرتهم ثورات الربيع العربي.
    (غير أن مشاريع «التنوير» و«الحداثة» المزيفة تلك لا يمكنها أن تغطي ممارسات السجون المرعبة والاغتيالات في ربوع اليمن، وزرع القواعد العسكرية في إريتريا وجيبوتي والصومال، ودعم نموذج الرئيس عبد الفتاح السيسي، والجنرال خليفة حفتر، ومحاولة خنق الحراكات الديمقراطية في تونس والمغرب، وهدر الأموال على شيطنة قطر ومحاربتها، والتعامل مع أنواع الفساد السياسي والمالي في أنحاء العالم.)

  6. يقول سوري:

    على محمد بن زايد ان يحرر جزر الامارات الثلاث الطنبتين الكبرى والصغرى وابو موسى المحتلة من قبل ايران قبل ان يفكر في استعمار جزر اليمن…

  7. يقول سامح //الأردن:

    *سيأتي يوم تندم (الإمارات ) على
    سلوكها العدواني وتبديد (ثروة)
    البلد في مغامرات صبيانية
    غير مفهومة ومجهولة العواقب..؟؟؟!
    سلام

  8. يقول حسين/لندن:

    (لأسباب خاصة بحكامها ربما، قرّرت الوقوف مع الثورات المضادة..)
    السبب هو العداء للأسلام كدين وليس فقط للأسلام السياسي(الأخوان أو أي حزب أخر) هذا هو السبب،،دويلة الأمارات ارتضى حكامها ليكونوا رأس الحربة في الحرب المعلنة ضد الاسلام،،خوفهم على نفوذهم جعلهم يعادون أي شيء متعلق بالاسلام،،،وهاهم يجرون السعودية إلى ذلك النفق المظلم حتى لا يكونوا وحدهم و وجدوا في أبن سلمان ضالتهم وضلوا السبيل..
    الله المستعان

  9. يقول احمد خلايلي:

    كثيرا من الامور التي تحدث في البلدان العربيه وتآمر زعمائها يلخص في قول الله عز وجل .
    بسم الله الرحمن الرحيم
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
    صدق الله العظيم

  10. يقول صلاح الجزائر:

    نهاية ظلم الامارات بنهاية بن زايد
    اما شعبها فهو مغلوب عن نفسه، لكن فيه الخير ان شاء الله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية