استنساخ الريبورتاجات على إيقاع ثغاء الخرفان… وقنوات عالمية تربط بين المغرب والإرهاب!

 

لمدة أسبوع، لا صوت كان يعلو على ثغاء الخرفان في نشرات الأخبار المغربية، إذ ظلت القنوات التلفزيونية تتنافس من أجل تحقيق «سبق صحافي» في موضوع مرتبط بسيرة الأكباش التي تتهيأ لعيد الأضحى المبارك:
ـ فهذا صحافي يتزاحم مع الباعة والمشترين المفترضين في الأسواق، برفقة زميله «الكاميرامان»، لأخذ لقطات «مميزة» للقطعان، والسؤال عن أثمان الأضاحي ونوعية الخرفان ومسقط رأسها.
ـ وثانٍ يستطلع المهن الموسمية المرتبطة بعيد الأضحى والاستعداد له، كمهنة بيع السكاكين وأدوات الطهي والأكياس البلاستيكية والفحم وغيرها…
ـ وثالث يحاول رصد حركات تنقل الناس عبر محطات الحافلات والقطارات والطرق السيارة، سعيًا لصلة الرحم والاحتفال بالعيد رفقة الأقارب.
وهكذا تتشابه الريبورتاجات التلفزيونية أفقيًا وعموديًا: تتشابه من قناة لأخرى على مستوى المَشاهد الملتقطة والتعبيرات اللغوية الجاهزة، وتتشابه أيضا على امتداد السنين، إذ يكفي ـ مثلا ـ الرجوع إلى ريبورتاج بُثّ قبل سنتين أو أربع سنوات، لتجد شبيها له مبثوثا على الشاشة منذ يومين أو ثلاثة. فلماذا تُتعب الأطقم التلفزيونية نفسها في إنجاز ريبورتاجات جديدة (وهي ليس لها من الجدة غير الاسم)، والحال أنه كان يكفي إعادة بث نظيراتها القديمة؟ بمعنى أن هذه المواد التلفزيونية لا تتضمن معطيات جديدة تصلح لأن تقدم للمشاهدين كأخبار. وكما تقول القاعدة الكلاسيكية التي يتلقاها طلاب معاهد الصحافة في أولى دروسهم: إن قولك «عض كلب رجلا» ليس خبرا، فمن عادة الكلاب أن تعضّ الناس، ولكن الخبر يكون حينما يعضّ رجل كلبا. وقس على ذلك حال الناس مع الأكباش!
والواقع أن هذه «البدعة» الصحافية تتكرر باستمرار في التلفزيونات المغربية، إذ تُملأ نشرات الأخبار بتقارير متكررة عن ارتياد الناس للشواطئ، واستعداد آباء وأولياء التلاميذ للموسم الدراسي الجديد، ووفرة المواد الغذائية خلال شهر رمضان… وهلم جرا من الموضوعات المجترة على امتداد العام.
إذنْ، هل يتعلق الأمر بحالة استسهال تلفزيوني، تجعل بعض الإعلاميين يميلون إلى الموضوعات السهلة التي لا يمكن أن تسبب وجع الدماغ؟
أم يتعلق بسياسة ممنهجة ومقصودة من أجل تحويل مهمة الإعلام العمومي من «التغطية» إلى «التعمية»، لصرف النظر عن قضايا المواطنين ومشكلاتهم اليومية. وما أكثر مواطن الخلل والتقصير التي تطبع عمل مؤسسات عمومية ومنتخبة، والتي يغض الإعلام العمومي الطرف عنها!

المغرب يصدر الطماطم وليس الإرهابيين!

يقول المثل المغربي العامّي: «اللي حرثو الجمل.. دكو»، بمعنى أن كل الجهد الذي بُذل في الحرث عن طريق الجَمل، قام هذا الأخير بردمه بواسطة قدميه. مَثل بليغ ينطبق على الجهود التي يبذلها المغرب من أجل تأكيد صورته كبلد للسلم والتعايش وفضاء مناسب للسياحة والاستجمام. فمع كل عملية إرهابية تقع في أوربا، تبرز (تقريبا) أسماء متهمين منتمين إلى المغرب، كما لو أن هذا البلد صار مصدرا للإرهاب بجانب تصدير الأسماك والفوسفات والطماطم وغيرها من المنتجات، حسب قول تعليقات تلفزيونية أجنبية.
وتحرص عدد من القنوات العالمية على تصيّد مثل تلك الوقائع المفجعة، لتقوم بالغمز واللمز إزاء المملكة المغربية. واللافت للانتباه أن تلك القنوات لا تكتشف البلدات النائية في المغرب، إلا حين يقع عمل إرهابي ما؛ فعوض أن تزور القنوات العالمية تلك المناطق وتبرز جمالها وثراءها الطبيعي أو تكشف عن معاناة سكانها مع التهميش الاجتماعي والسياسي، تستغل مناسبة عمل إرهابي ما لزيارة أسرة الشخص المتهم ذي الأصول المغربية والذي ينحدر من قرية معينة، مثلما وقع ـ مثلا ـ مع قناة «سكاي نيوز» التي انتقل طاقمها إلى بلدة «تاكوزالت» الواقعة بين أحضان جبال الأطلس، بهدف زيارة أسرة شخصين متهمين بالمشاركة في تفجيرات برشلونة الأخيرة.
الحمد لله أن هناك باحثين جادّين يسعون إلى توضيح الصورة كلما أتيحت لهم الفرصة للمشاركة في برامج إحدى المؤسسات الإعلامية. الدكتور إدريس الكنبوري واحد من هؤلاء. قبل أيام، كان ضيفا على برنامج في إذاعة BBC البريطانية، سأله المذيع نفس السؤال الذي سمعه ـ قبلئذ ـ من صحافيين في قناة «الغد العربي» و«دوتشه فيله» الألمانية: هل يصدر المغرب الإرهابيين إلى أوروبا؟ فأجاب الكنبوري بعبارات قوية ارتأى أن يسجلها أيضا في تدوينته: «ما أعرفه أن المغرب يصدر إلى أوروبا الطماطم.
أوروبا تلعب لعبة خطرة في الإسلام فوق أراضيها وتدفع الثمن لكنها تلوم الآخرين. الإرهاب مسؤولية مشتركة بين الجميع، والهجرة ملتقى المسؤوليات كما أنها ملتقى الأجناس. لا يمكن تحميل بلد بمفرده مسؤولية كل ما يقع. على سبيل المثال: فرنسا طردت إمامين مغربيين بتهمة التطرف بعد أقل من أسبوع على هجمات برشلونة. هل يعقل أنها جمعت المعلومات عنهما في ثلاثة أيام وقررت طردهما في اليوم الرابع؟
هذا يعني أن هناك تقارير كانت موجودة. أوروبا تعرف جميع المساجد التي تقام في كراجات، وتعرف أئمتها الذين يعملون بها، وهي تمنح التراخيص لتلك المساجد. والإمام الذي مات في برشلونة لم يكن تابعا لوزارة الأوقاف المغربية، وهذا يعني أن هناك حالات أخرى تعرفها السلطات ولا تتحرك. علينا أن ندرك أن المسؤوليات مشتركة بين الجميع. نحن في زمن العولمة والعولمة ليست عولمة البضائع فقط بل عولمة الإرهاب أيضا».

شباط والتجاهل التلفزيوني!

الناطق الرسمي باسم «حزب الاستقلال»، عادل بنحمزة، غاضب هذه الأيام، وسبب غضبه ـ كما عبر عنه في صفحته «الفيسبوكية»، راجع إلى كون الذين يتحكمون في وسائل الإعلام العمومية في المغرب يصرون على إقحام أحداث إنسانية خالصة في «الحملة» التي قال إنها تستهدف الحزب المذكور وبصفة خاصة أمينه العام حميد شباط. يكتب: «في كل مرة، يظهر أن هناك تصريفا لأحقاد صغيرة يعجز الإنسان عن تفهمها أو القبول بها.. بل إن المرء يتساءل إذا ما كانت هناك مبالغة في تنفيذ ما هو مطلوب من المسؤولين عن تدبير الإعلام العمومي…» ويضيف قائلا: «إن الجنائز لم يتم توقيرها، حدث ذلك في جنازة الراحل امحمد بوستة وتكرر الأمر في جنازة الأديب عبد الكريم غلاب، حيث يتم عمدا تجاوز الأمين العام للحزب والتركيز على عضو في المجلس الوطني للحزب أعلن ترشيحه للأمانة العامة.» يعلق بنحمزة: «هم يعتقدون أنهم يقدمون له خدمة ، لكنهم في الواقع لا يقومون سوى بالإساءة إليه والإمعان في عدم ترك ترشيحه أمرا عاديا في إطار التدافع الذي يعرفه الحزب».

كاتب من المغرب

استنساخ الريبورتاجات على إيقاع ثغاء الخرفان… وقنوات عالمية تربط بين المغرب والإرهاب!

الطاهر الطويل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    وماذا عن العيد في الريف المغربي المظلوم من الجميع ؟
    أم لعلهم إصبحوا الأضحية في هذا العيد ؟
    ماذا عن أحكام السجن الجائرة ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول مواطن:

    اخي الكاتب ، الخرفان هم المواطنون العاديون البسطاء الذين غلبوا على امرهم من زمرة خدام الدولة الذين أكلوا الأخضر و اليابس هذا برلماني و هذا وزير و هذا مدير و هذا و هذا و المصيبة انهم لم يرضوا بكل هذا ، فهذا يعين ولده كاتباً عاماً و الاخر ابنته سفيرة في افريقيا و الشعب له الله ، مشكلة المغرب انه لا يريد محاسبة الخونة الفعليّون الذين تحصلوا على المقالع و المناجم و المناصب و المأذونين و تراخيص الصيد في أعالي البحار و القروض الظخمة و و و …، في كل مرة عفى الله عما سلف . هذا هو المشكل الحقيقي للمغرب .
    كل عيد و انت بخير اخي الكاتب

  3. يقول lahcen espana:

    المغاربة اهل الخير والكرم المغاربة شعب حي شعب يتحرك شعب يحب العمل ،نتمنى المزيد من التقدم والازدهار ل إخواننا المغاربة خارج الوطن وداخله

إشترك في قائمتنا البريدية