اشارات سياسية وإعلامية على أن السيسي في «مأزق» أقرب إلى المنعطف الخطير

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» لم تهتم الصحف الصادرة أمس الاثنين 4 مايو/أيار بذكرى ميلاد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وبلوغه السابعة والثمانين، باستثناء صحيفة «الأخبار» القومية التي نشرت تحقيقا لزميلنا عمرو جلال قال فيه: إن هذا اليوم يوافق أيضا عيد ميلاد خيرت الشاطر الخامس والستين، النائب الأول لمرشد الإخوان، الذي يحاكم في عدة قضايا وهو موجود في السجن، بينما مبارك موجود في مستشفى المعادي العسكري». وذكر عمرو بما كان يحدث من الإعلام عندما كان مبارك رئيسا من تطبيل له وأضاف:
« قالت مصادر لـ«الأخبار» إن سوزان مبارك أحضرت الحلاق الخاص للرئيس المخلوع أمس الأحد، حيث قام بحلاقة شعره وصبغه لاستقبال محبيه، وإن إدارة المستشفى تلقت بالأمس عشرات الطلبات من شخصيات عامة وفنانين لزيارة مبارك وتم إعداد قائمة بالضيوف، الذين سيسمح لهم بزيارته، وأعلنت جماعة «آسفين يا ريس» تجهيزها التورتة للاحتفال بعيد ميلاد مبارك، وأوضحت المصادر أن مبارك هو من طلب من ابنه جمال زيارة الأهرامات لتلبية رغبة حفيدته فريدة. وأكدت مصادر طبية أن مبارك بصحة جيدة ومعنويات مرتفعة، أما عن حالته النفسية فقالت د. رحاب العوضي استشارية علم النفس، إن مبارك رجل جامد الأحاسيس والمشاعر، ويتضح من أحاديثه مؤخرا لوسائل الإعلام أنه لم يتأثر بما حدث ولا يشعر بأي ذنب. واهتمت الصحف بقرار مجلس الدفاع الوطني تجديد عمل القوات المصرية المشاركة في عملية «عاصفة الحزم» مدة ثلاثة أشهر أخرى، والمعروف أنها قوات بحرية وجوية. وكذلك اجتماع الرئيس السيسي مع وزير الزراعة لبحث خطة زراعة المليون فدان والمجتمعات العمرانية التي ستقام عليها. أما الاجتماع الأهم فكان مع وزير التموين لبحث خطة الوزارة لتوفير السلع في شهر رمضان بجودة عالية وأسعار مناسبة، كما طلب الرئيس. كما أكدت الحكومة أن حالة الكهرباء ستكون جيدة إن شاء الله.
واستمرت الغالبية في الاهتمام بمباريات كرة القدم وفوز الزمالك على الفتح المغربي في مباريات الكونفدرالية الأفريقية، واستغناء النادي الأهلي عن جاريدو مدرب الفريق الأول وببعض الحوادث المثيرة مثل تقرير الطب الشرعي، الذي أكد أن ياسمين بطلة العالم لألعاب القوى في أولمبياد أثينا للمعاقين، التي تعرضت للاغتصاب في بورسعيد من جانب ثلاثة من الأوغاد لا تزال بكرا، لأن الاعتداء كان ظاهريا.
وتواصل الاهتمام بامتحانات المدارس، وأشارت الصحف إلى آخر التطورات في حزب الوفد، والحزب العلماني الملحد الجديد والصراعات على رئاسة الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
وقد أخبرنا أمس زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب في «المصري اليوم» عمرو سليم، أنه أثناء سيره في أحد الشوارع شاهد منظرا عجبا، الفأر ميكي ـ ماوس يسأل بطوط لماذا يجري وهو متضايق فرد عليه بغضب:
– طبعا لازم أتضايق إزاي يشبهوا الأحزاب بينا ويقولوا عنها إنها كارتونية.
كذلك واصلت الصحف الاهتمام بالتغيرات التي حدثت في المملكة العربية السعودية، ومدى تأثيرها على العلاقات مع مصر، وقيام الجيش في شمال سيناء بقتل ستة عشر إرهابيا قبل مهاجمتهم موقع كرم القواديس. ومهاجمة الشرطة في الإسماعيلية بؤرة إجرامية في منطقة اسمها «السحر والجمال» وقتل ستة من تجار الهيروين.
وإلى بعض مما عندنا….

كيف نتخلص من النفاق الديني؟

وإلى المعارك والردود وأولها ستكون لزميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة «المقال» وهجومه يوم الأحد على المنافقين الدينيين بقوله عنهم في تقديمه لنصائح التخلص منهم: «أول ما نفعله كي نتخلص من النفاق الديني وننسفه نسفا، أننا ما نعملش فيها متدينين، بل نتعامل مع بعض على أننا ناس أخلاق مش ناس مصلية، لأن المصلي إذا لم يكن أخلاقيا محترما فصلاته مع ربنا، لكن أخلاقه معايا أنا. النفاق هو المعطل لتحرير العقول، ومن ثم القدرة على النهوض بالبلد، سياسيا واقتصاديا وتنمويا. أبقوا قابلوني طول ما أنتم متصورين أن الست المحجبة خير من الست غير المحجبة بحجابها وليس بعملها».
وقول إبراهيم «أبقوا قابلوني» ذكرني بنكتة قديمة عمرها حوالي خمسين سنة عن خطيب مسجد يوم الجمعة، أخذ يتحدث عن النفاق والمنافقين مخاطبا الحاضرين للصلاة وراءه، أتأمرون بالمعروف وتنسون أنفسكم وعايزين تدخلوا الجنة؟ أبقوا قابلوني أقم الصلاة.

هشام عوف: لسنا حركة تمردية وسنكون في صف النظام

وإلى «الوطن» في يوم الأحد نفسه ونشرها حديثا على صفحة كاملة مع الداعي لتأسيس الحزب العلماني هشام عوف، المتهم بأنه حزب الملحدين، وأجرت الحديث معه على صفحة كاملة زميلتنا الجميلة إسراء طلعت، واشتمل على عشرين سؤالا كان الحادي عشر منها عن رأيه في قول إيناس الدغيدي بأنه لا مشكلة في ممارسة الجنس قبل الزواج، وهل سيسمح الحزب العلماني بمثل هذه الدعوات والأفكار فقال لها: «إيناس الدغيدي تتحدث عن نفسها، والأزهر هو من له حق الرد والتوضيح، ولكن لن يحدث هذا في الحزب العلماني، ولو حدث والأيام بيننا، حاسبوني. أي حد يفعل ذلك سيحال إلى مجلس تأديب. وأنا لم يلفت انتباهي في كلامه إلا إجابته على السؤال رقم ستة عشر ونصه:
ما موقفكم من النظام الحالي للدولة؟
فكان نص إجابته: نحن لسنا حركة تمردية أو كحركة 6 إبريل خلقنا للمعارضة، وإنما نحب الدولة والنظام وسنكون في صفه، وسنطبق تعبير الشباب الدارج في أننا سنكون «حزب دولجي» تابعا للدولة والنظام.
وفي سؤال عن استعدادهم لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ قال:
– نسعى بكل جهدنا لجمع التوكيلات ومطابقة الشروط للحصول على الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب، بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن، حتى نستطيع اللحاق بالانتخابات البرلمانية المقبلة، والمنافسة فيها، وإذا لم يسعفنا الوقت، خاصة أننا لم نعرف موعداً محدداً للانتخابات البرلمانية حتى الآن، فإذا تم تحديد موعد الانتخابات قبل إنهاء أوراق الحزب والحصول على الموافقة، ستدخل مجموعة من الأفراد المؤسسين للحزب بشكل فردي، أو سنشكل قائمة تحمل اسم الحزب، ولن ندخل في تحالفات مشتركة، إلى أن يستعد الحزب، لينافس في الانتخابات التالية، خاصة أن غالبية أعضاء الحزب من الشباب، وسنحاول الدفع بهم في المقدمة.
وحين وجهت له إسراء سؤالا عن حصولهم على الضوء الأخضر من الدولة لمعرفة مدى قبول الحزب؟ كان رده: لا تعليق».
والشيء المؤكد أنه لا علاقة للدولة أو للنظام بهذه المجموعة لأنها ستسيء إليهما ويستخدمها أنصار الإسلام السياسي حجة لمهاجمتها واتهامها بتشجيع محاربة الإسلام، بل ومن الممكن أن تثير غضب الكنيسة أيضا وبالتالي يصبح السؤال هل من الممكن أن تكون هذه المجموعة مدفوعة من الإسلام السياسي للإقدام على هذه الخطوة والادعاء بأنها مؤيدة للدولة لتحقيق هذا الهدف؟ الله أعلم ورسوله والمؤمنون.

جلال دويدار: أحمد شفيق لا علاقة له بـ«موقعة الجمل»

ويوم الأحد أيضا شن زميلنا وصديقنا في «الأخبار» رئيس تحريرها الأسبق جلال دويدار في عموده اليومي «خواطر» هجوما عنيفا على موقع «المصري اليوم» بسبب ما كتبه عن الفريق أحمد شفيق وقال عنه وهو غاضب جدا: «الشيء المؤسف هو سقوط هذا الموقع الإخباري، الذي من المفروض أن يكون محترما وملتزما بالأمانة والمصداقية، وليس باللجوء إلى تشويه الحقائق، اتهم التعليق الذي بثه الموقع، الفريق أحمد شفيق لأنه من رجال حكم مبارك، رغم أنه لم يثبت عليه أي تهمة بشأن مشاركته في مفاسد هذا الحكم، وأنه سخر حياته وجهوده من أجل خدمة مصر.
تعمد الموقع عدم الإشارة إلى تبرئة القضاء المصري له من معظم القضايا التي تم تلفيقها باتهامات باطلة إبان الحكم الإخواني، وأنه تمت أيضا تبرئته من باقي القضايا بعد ثورة 30 يونيو/حزيران، وتناسي هذا الموقع ما قدمه شفيق لبلده أثناء خدمته المشرفة في القوات المسلحة، حتى أصبح قائدا للقوات الجوية، وكذلك خدمته المدنية في مجالات العمل الوطني العام، التي تعد مفخرة لمصر. هذه الإنجازات كانت وراء المطالبات الشعبية التي انطلقت إبان حكم مبارك، رغم معارضة بطانة الابن جمال بأنه الأصلح لتولي مسؤولية رئاسة الوزراء لإصلاح حال هذا البلد. تحامل الموقع بغير وجه حق على هذا الرجل متهما إياه بالمسؤولية عما يسمى «موقعة الجمل»، التي ثبت أن لا علاقة له بها».

الإمارات تحمي شفيق وتمنحه الحصانة

وعن الموضوع نفسه نقرأ مقال الكاتب ورئيس تحرير «المصريون» التنفيذي محمود سلطان الذي يقول فيه: «يوم 1/5/2015، انتشرت ملصقات على عدد من الأبنية في القاهرة، نُسبت إلى حركة تسمى «أنت رئيسي».. طالبت بعودة الفريق أحمد شفيق. الملصقات تأتي بالتوازي، مع دلالات سياسية وإعلامية وصحافية، تشير إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي في «مأزق» أقرب إلى المنعطف الخطير، فيما يتعلق بمستقبله في السلطة. فالأخطاء لا تتوقف.. وحاضنته الشعبية تتآكل، «والتخبيط» بين أذرعته الإعلامية، يشير إلى انقسام حاد داخل حاضنته الأمنية.. والأخطر الإحساس بتراجع البناء على نظامه، داخل الحافظة المالية الخليجية الداعمة له.. خاصة القوى الأكبر والأهم «السعودية».. والصمت «المراوغ» داخل دولة الهامش الخطيرة «الإمارات». وفي هذا السياق، يظل سؤال شفيق هو الأولى بالحضور في صدارة جدلية «السيسي والسلطة»: فالإمارات تحتفظ به وتفرض عليه حماية وحصانة، عصمته ـ حتى الآن ـ من أي طلب رسمي مصري بتسليمه لسلطات التحقيق.. فيما لا تجرؤ أي جهة، على التقدم بمثل هذا الطلب، أيًا كانت منزلتها ومستواها السيادي. مسألة قد تكون محيرة.. ولكن في أجواء المراجعة التي تشهدها مصر حاليًا، بشأن جردة حساب السيسي، قد تساعد على تفكيك طلاسم الموقف الإماراتي المتماسك والصلب بشأن حماية شفيق ووضعه كورقة في جيب دبي.. ريثما تنضج شروط إعادته إلى واجهة البدائل المحتملة. والسؤال: لماذا شفيق بالذات؟ بالتأكيد فإن شفيق ـ بمنطق الحسابات العقلية ـ بضاعة مضمونة، خضعت لاختبار «متانة» رشحته كبديل مستقبلي، فهو يمثل تيارًا مدنيًّا مناوئًا للإسلاميين، الذين خرجوا من السلطة، حين حصل على ما يقرب من 13 مليون صوت في انتخابات الرئاسة عام 2012 أمام مرسي. وحشد أمام المنصة ـ عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات ـ مليونين من مؤيديه، في مشهد احتفالي ـ لا يخلو من التحدي واستعراض القوة ـ ترك انطباعًا بأنه المرشح الفائز. الأيام المقبلة.. قد لا تكون حبلى بالمفاجآت، لأن «المقدمات» التي نراها الآن، ستفضي إلى «نتائج» متوقعة.. ولكن يبدو لي أن شفيق، ربما يكون هو مفاجأة هذا المخاض المتوقع في مصر.. وربما يتضح الدور الإماراتي ويتخلى عن المراوغة والتخفي والحذر في المستقبل القريب.. وهي مسألة تقديرية، سيقررها ما يسمى بنضج الشروط في القاهرة. وهي شروط لن تتوقف عند فشل النظام في إنجاز أجندة وعوده.. وإنما أيضًا ستتوقف على ما إذا كان «رحم» دولة مبارك، بات مهيئًا بشكل مضمون، لاستقبال «النطفة» القادمة من مياه الخليج الصاخبة.. خاصة أن كل الإرهاصات تتحدث عن أن أكثر من 60٪ من مفاصل الدولة، ستكون قريبًا تحت سيطرة رجال مبارك التاريخيين».

يحيى قدري: لن يحكم إرادتنا الغني

والمعروف أن شفيق يترأس حزب الحركة الوطنية، أما آخر المعارك اليوم فستكون عن انتخابات مجلس النواب المقبلة، بعد شهر رمضان، وكثرة التأكيدات على أنها تخضع للمال السياسي ولرجال الأعمال، وقد نشرت «أهرام» الأحد تحقيقا لزميلنا أحمد إمام عن هذه القضية جاء فيه: «أكد المستشار يحيى قدري النائب الأول لرئيس حزب الحركة الوطنية، وعضو المجلس الرئاسي للجبهة المصرية، على أنه بلا شك أننا ندين وبشدة استخدام المال في أي عملية انتخابية أو حزبية، بأي صورة من الصور، وبشكل غير مشروع، وعلى نحو يتعارض وأحكام القانون، وهو ما يطلق عليه المال السياسي، لأنه لا يمكن بعد أن قام شعبنا بثورتين، وبعد أن اختار رئيسه في انتخابات حرة نزيهة، أن نقبل أن تكون إرادتنا يحكمها الغني أو يتحكم فيها الأكثر ثراء، وهو ما قد يؤدي إلى أن يكون مجلسنا قد ألم به العطب، وهو أمر لن نقبله جميعا ونرفضه شكلا وموضوعا. ونهيب بالجهات الأمنية أن تقوم بكل ما يلزم نحو ضبط مستخدمي هذا المال، سواء من يسدده أو من يتلقاه، ومعاقبة كل من تورط في مثل هذه الأعمال المشبوهة.
ويقول الدكتور رفعت السعيد زعيم حزب التجمع، إن العمل السياسي مكفول للجميع وبالتالي لا يستطيع أحد أن يمنع أي شخص من ممارسة دوره السياسي، لكن لب المشكلة الرئيسية يكمن في أن الرأسمالية المصرية لم تعتد تأسيس الأحزاب بأموالها، فبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، انفتحت شهية بعض رجال الأعمال وبدأوا في تأسيس الصحف والفضائيات، وانضموا إلى الأحزاب وسيطر بعضهم عليها، فجعلوا الأحزاب والبرلمان المقبل على مقاسهم، فهم يريدون أن يستولوا على التشريعات المصرية داخل البرلمان لخدمة مصالحهم الشخصية.
بينما قال حزب الكرامة على لسان أمين التنظيم عبد العزيز الحسيني في أوروبا، الأحزاب تمولها الدولة وليس رجال الأعمال، أو أي تمويل خارجي من أي منظمة، لكن الواقع المصري عكس ذلك، فرجال المال هم المتحكمون في الأحزاب فهم يدعمون المرشحين للبرلمان، فتجد رجل أعمال مثلا يقف خلف خمسة مرشحين ويتحمل نفقات الحملة الانتخابية كاملة والدعاية وغيرها، حتى ينجحوا ويصبحوا أعضاء في المجلس وبالتالي يكون انتماؤهم لهذا الرجل ويدافعون عن مصالحه وسيحمونها بكل قوة».

مقارنة بين السيسي وعبد الناصر

وإلى الرئيس السيسي واستمرار عقد المقارنات بينه وبين خالد الذكر، رغم تغير الزمان والظروف إلا أن الجوهر واحد. وبدأ القضية الإعلامي حمدي الكنيسي «ناصري» يوم الثلاثاء الماضي في مقاله الأسبوعي في جريدة «الأخبار» القومية وقوله: «ترددت الأقوال داخل وخارج مصر بأنه « ناصر الجديد» خاصة الكاريزما الواضحة التي جمعت بينهما، والمواقف التي سرعان ما جسدت استقلالية الإرادة والقرار، والاعتزاز بالكرامة والاهتمام بالبعد العربي والأفريقي والدولي، ثم قيل إنه أقرب إلى السادات من حيث الدهاء وجرأة القرارات، إلا أن قراراته ومواقفه كشفت وتكشف عن نقاط التقاء واضحة مع عبد الناصر، فها هو ذا يستعيد لمصر مكانها ومكانتها على الساحة العربية، ويشارك في إحياء مفهوم القومية العربية في إطار الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية، وها هو ذا يستعيد لمصر مكانها ومكانتها على الساحة الأفريقية، التي غابت عنها مصر وأهدرت رصيدها الهائل في القارة السمراء، الذي حققه عبد الناصر حتى التقت القارة بمصر وعشقت رئيسها ناصر، ثم ها هو ذا السيسي ينقذ مصر من سياسة الانبطاح تحت أقدام الولايات المتحدة «صاحبة ألـ 99٪ من أوراق الحل»، وبسرعة محسوبة أعاد لمصر توازن علاقاتها الخارجية، فرحبت به وأقبلت عليه روسيا والصين واليابان والهند وحتى فرنسا وإيطاليا.
ثم ما رأيكم دام فضلكم في أحدث ملمح من ملامح التشابه بين الاثنين كما نراه على الأرض، مركز شباب الجزيرة الذي يرجع الفضل في إنشائه إلى الزعيم الخالد عبد الناصر عندما أمر باستقطاع مساحة سبعة وتسعين فدانا من نادي الجزيرة ليقام عليها مركز شباب كمتنفس للشباب والبسطاء من المصريين، الذين لا يستطيعون دخول الأندية الكبرى التي كانت مقصورة على أولاد الذوات، لكن هذا المركز الشبابي الذي صار رمزا للعدالة الاجتماعية تعرض للإهمال الشنيع، بل كادت مرحلة التزاوج بين السلطة والمال تقضي عليه وتعيد أرضه لنادي الجزيرة والفروسية.
وها هو ذا عبد الناصر يطل علينا مرة أخرى من خلال شخصية السيسي الذي قرر إنقاذ المركز واحدث ثورة إنشائية فيه، ليعود كما كان متنفسا للشباب والبسطاء، ويفتتحه وزير الشباب والرياضة النشيط خالد عبد العزيز في حفل يليق بالمناسبة الرائعة، وقد يحضره الرئيس عبد الناصر «أقصد السيسي» والمؤكد أن السيسي بذكائه وثقافته يستوعب جيدا الدروس المستفادة من تجربة عبد الناصر وما حققته وما تعرضت له».

السيسي يرجو الشعب أن يتحمل ويشد الحزام ويصبر

اييه.. اييه.. وهكذا ذكرني حمدي بارك لنا الله فيه، فقد ذكرنا ببعض ما كان يا ما كان في سالف العصر والأوان من عهد خالد الذكر وانحيازه للفقراء والمساكين، والذي قال عنه يوم الأربعاء زميلنا وصديقنا في مجلة «المصور» حمدي رزق «ناصري»: «كلنا بنحب الرئيس، ولكن الطريقة تختلف، هناك من يراه زعيما يعيد ذكرى خالد الذكر جمال عبد الناصر هواه ناصري، وهناك من يراه داهية على طريقة الداهية أنور السادات هواه ساداتي، وبالضرورة يتحاشى الكل كلية مبارك في سياق الحديث عن السيسي ولهم في هذا مآرب أخرى.
الكل يحب السيسي على هواه ويرفضون أن يحب البعض الرئيس باعتباره مسؤولا يجري عليه الحساب، وأن يحاسبوه على كل كلمة وكل مشروع، وأن يعاملوه بالجدوى السياسية والجدوى الاقتصادية والجدوى الاجتماعية، السيسي حالة رئاسية نبتت من قحل سياسي وإفلاس اقتصادي واحتراب أهلي.
السيسي مدرك جيدا أن هذا الشعب قادر على التغيير ويتحسب للشعب احتراما، وفي كل وقت يسترضيه ويخاطبه من القلب للقلب، ويرجوه أن يتحمل ويشد الحزام ويصبر. ما أخشاه على الرئيس جوقة العزف الجماعي على طريقة اخترناه وتخت اللحن السلطوي اسم الله عليه اسم الله عليه، والمتزلفة المتسلفة أصحاب دعاوي السلف في تأليه الرئيس. لا أخشي على الرئيس من معارض أو حاقد أو ناقد أو رافض، اخشى عليه من متزلف طامع مجامل متسلق، هؤلاء لا يحبون الرئيس يحبون صورة أنفسهم جوار الرئيس».

عبد الناصر وقع في أخطاء أجهضت مشروعه في النهاية

وفي يوم الأربعاء نفسه كتب زميلنا في «الأهرام» صلاح سالم مقالا في «التحرير» عن الموضوع نفسه قال فيه: «يقوم كل نظام حكم على تحالفٍ ما، سواء كان خفيا أو ظاهرا، رسميا أو ضمنيا، فمثلا قام حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على تحالف «قوى الشعب العامل»، أي الطبقات المصرية الأكثر فقرًا من العمال والفلاحين، الذين اعتبرهم ناصر بمثابة التجسيد الموضوعي لـ«الشخصية المصرية» عند منتصف القرن العشرين، تلك الشخصية التي تم قهرها بفعل مراحل متوالية من الاستعمار المملوكي العثماني الغربي، بينما نظر ولو بشكل خفي إلى الطبقات الأعلى باعتبارها موالية لهذا الاستعمار، سواء كان ولاء عرقيا، حيث الأصول التركية والشركسية والأرمينية والألبانية لبعض عناصر النخبة، أو عقليا وثقافيا لنمط الحياة الأوروبي لدى عناصر أخرى. وفي المقابل نظر هو إلى نفسه كبطل إغريقي واجبه أن يتحدى الآلهة المتسلطة لصالح البشر الضعفاء، كما فعل بروميثيوس سارق النار في الأسطورة الإغريقية.
وقع جمال عبد الناصر في أخطاء عدة أجهضت مشروعه في النهاية، غير أنه امتلك دومًا ميزة الصدق مع النفس، ولذا صدقه الناس وساروا خلفه من دون تساؤلات تذكر عن الوجهة التي يقودهم إليها، كما أحبوه بعمق لا يزال يعبر عن نفسه في كل مناسبة يتجلى فيها احتياجهم إلى قائد يثقون به. ولعل هذا هو سر تعلقهم بالمشير السيسي منذ تبدى لهم رجلا قادرًا على إزاحة الإخوان من حكم توهموا قدرتهم على فرضه بالقوة، وإدامته إلى زمن غير محدد، وقد فعل ذلك رغم ضغوط خارجية أمريكية تشبه الضغوط التي أفرزتها بريطانيا ضد ناصر قبل ستة عقود، ولأن كليهما، ناصر والسيسي، قد رفض ضغوط القوة العالمية المهيمنة في وقته وعلى طريقته، فقد جلس سريعًا على عرش البطل الذي يقود شعبه في طريق مستقل، ملهمًا ومحفزًا.
غير أن السياق الذى جاء فيه الرجلان يبدو مختلفًا بين حقبة تحرر قومي تبدى ناصر فرزًا طبيعيا لها، كانت الديمقراطية فيها فكرة رجعية، بينما الشمولية (الاشتراكية والشيوعية) هي الصيغة الأكثر تقدمية في أربعة أنحاء العالم. كما كانت صور تشي جيفارا وفيدل كاسترو هي الأكثر حضورًا على صدور شباب هذا الزمان. وكذلك كان عموم المصريين الخارجين من عباءة الحكم الملكي، ومن ربقة السيطرة الاستعمارية سلسي القيادة، ولم يكن المطلب الديمقراطي همًّا حقيقيًّا لهم. ولعل المشكلة الكبرى في مصر اليوم لا تكمن في حجم الاقتباس، بل في سوء الاقتباس، أو بالأدق اقتباس الجانب الأسوأ في تجربة عبد الناصر الواسعة والكبيرة، حيث يتم تغييب أو تأجيل قيمة العدالة الاجتماعية، الركيزة الأكثر عمقًا وإيجابية للمشروع الناصري، بينما يتم استدعاء النزعة الشعبوية، وهو الأمر الأكثر سوءًا في التجربة الناصرية، حيث يتم توظيف الكاريزما الشخصية، والتأييد الواسع للرئيس فى إضعاف النخبة السياسية، وحصار البناء الحزبي، وتعويق التعددية السياسية والتحول الديمقراطي، تعويلًا على العلاقة الخاصة مع الجماهير»..

جماعات الزفة والتطبيل تصنع الفرعون

وإلى يوم الخميس وجريدة «المقال» التي نشرت مقالا لصديقنا القيادي الناصري في حزب الكرامة أمين إسكندر، دائم الهجوم على السيسي وقوله عن كلمته في عيد العمال في أكاديمية الشرطة: «داخل مجمع الاحتفالات الكبرى في أكاديمية الشرطة احتفل الرئيس بعيد العمال، ونحمد الله أنه لم يحتفل به في أماكن احتجاز المتهمين، أو في سجون التحقيقات، وقد جاءت تعبيرات القيادات النقابية العمالية متناغمة مع مكان الاحتفال، وتطوع رئيس اتحاد عمال مصر السيد جبالي المراغي بقوله: «يا ريس أنت رجعت كرامة مصر وسط العالم العربي والعالم أجمع» إلا أن الرئيس قاطعه قائلا: «اللي رجع كرامة مصر هو أنتم وكل الشعب المصري وليس أنا». هكذا نصنع الفرعون وهي وظيفة تجيدها كل جماعات الزفة والتطبيل ولم يسأل السيد الجبالي نفسه عن دوره وآخرين مثله في صناعة الفرعون مبارك، ولماذا لم يدافعوا عن مصالحهم عندما تم بيع بعض أصول القطاع العام الذي بناه جمال عبد الناصر من كدح وعرق الشعب المصري.
المتأمل لسياق مؤتمرات العمال التي كانت تعقد في أول مايو/أيار من كل عام كنا نجدها وسط مواقع العمال، سواء في حلوان أو شبرا الخيمة أو المحلة، وكان ذلك في زمن عبد الناصر. وفي زمن مبارك انعقدت الاحتفالات في الأماكن المغلقة مثل قاعة المؤتمرات التي لا تتسع إلا لممثلي العمال بعيدا عن صدق تمثيلهم».

لقاء أم كلثوم بعبد الناصر أول مرة

وإلى الحكايات والروايات وستكون لكوكب الشرق المرحومة أم كلثوم، حيث نشرت لها «الأخبار» يوم الأربعاء مقالا كانت قد كتبته في عدد سبتمبر/أيلول سنة 1971 في مجلة «الهلال» الشهرية، عن خالد الذكر، في بابها الأسبوعي «كنوز» الذي يشرف عليه بكفاءة زميلنا محمد شعير قالت: «لا أزال أذكر البداية المرة الأولى التي رأيت فيها جمال عبد الناصر كان ذلك في عام المأساة الكبرى في تاريخ الأمة العربية، مأساة فلسطين سنة 1948، حين هبت مصر للذود عن الأرض السليبة، وذهب الجيش إلى هناك وكان على أبواب النصر.. كنت أتتبع أنباء أخوتي وأبنائي أبطال الفالوجا يوما بيوم وساعة بساعة وقلبي معهم يخفق لهم في كل لحظة ويضرع إلى الله أن يؤيدهم في صمودهم العظيم، إلى أن يردهم إلينا سالمين، واستجاب الله الدعاء وعاد أبطال الفالوجا إلى القاهرة، وعلى رأسهم قائدهم البطل المرحوم السيد طه، الذي اشتهر يومئذ باسم «الضبع الأسود» ودعوتهم جميعا، جنودا وضباطا، إلى حفلة شاي في بيتي ووجهت الدعوة كذلك إلى وزير الحربية في ذلك الحين، الذي اتصل بي معتذرا عن عدم استطاعته تلبية الدعوة، وأضاف انه لا يرى ضرورة لدعوة الجنود والضباط أيضا، واستغربت منطقه وقلت له: لقد وجهت إليهم الدعوة وانتهيت وسأكون سعيدة بهذا اللقاء بهم، فإذا شرفتنا بالحضور فأهلا وسهلا، وإذا لم تستطيع فهذا شأنك. وجاء الأبطال إلى بيتي واستقبلتهم بدموع المصرية الفخورة بأبناء مصر، وجلست بينهم وأنا أشعر بأنهم أسرتي صميم أسرتي أخوتي وأبنائي.
وأذكر يومئذ أنني أقمت لهم في حديقة البيت محطة إذاعة صغيرة تذيع عليهم ما يطلبون من أغنياتي، وقدم لي «الضبع الأسود» ضباطه وجنوده واحدا واحدا، وحدثني عن أصحاب البطولات الكبيرة منهم، وكان في مقدمة أصحاب البطولات الضابط الشاب جمال عبد الناصر، وشددت على يده وأنا أصافحه وأتأمل ما يتألق في عينيه من بريق الوطنية وحدة العزم وعمق الإيمان، وكان هذا أول لقاء لي بالبطل قبل أن يلعب دوره التاريخي في حياة مصر بعد أربع سنوات».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية