الناصرة ـ «القدس العربي»: قبيل صدور تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة شنت إسرائيل هجوما على المجلس ورمته بالتهمة التقليدية، اللاسامية والانحياز للجانب الفلسطيني وبمعاداتها دون أن تتطرق لمضمونه ومواجهة وقائعه. هذا الرد الذي وصفه رفيف دروكر المعلق السياسي للقناة الإسرائيلية «العاشرة» بالانفعالي الفارغ يتعرض لانتقادات من جهات إسرائيلية غير رسمية. ويستخف الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند بالردود الإسرائيلية على التقرير الخاص بعدوان «الجرف الصامد» على غزة بالقول إنه لا يكفي أن تكون محقا وعلى إسرائيل أن تكون حكيمة أيضا. ويتفهم آيلاند رد الفعل الغاضب في إسرائيل على تقرير يوازي بينها وبين «منظمة إرهابية» لكنه يؤكد أن الشعور بالإهانة ينطوي على توجه خاطئ. ويقول إن العكس هو الصحيح والمتمثل في المطالبة بمعايير متساوية معتبرا غزة دولة فعلية على أرض الواقع. وفي معرض استخفافه بالردود الإسرائيلية الرسمية يقول آيلاند في حديث للإذاعة العامة إن إسرائيل تستخدم شروحا لا تقنع أحدا سواها كالقول إن مجلس حقوق الإنسان معادي لها. ويتابع «ينبغي أن تكون هذه الحقيقة هي الاستنتاج المطلوب للتقرير ولتفنيده مهنيا الإدعاء ذاته ولابد أن نعمل بموضوعية قبالة جهات دولية كالمؤسسات الأمنية في دول غربية أو الكونغرس الأمريكي. هذا نوع أصعب لكنه ضروري».
وهو يتفق مع مراقبين إسرائيليين كثر بأن التقرير الأممي الأخير أقل سوءا مما كان متوقعا وبالمقارنة مع تقرير ريتشارد غولديستون لكنه يحذر من الاستخفاف به وبتوقيته. كما يؤكد آيلاند أن التقرير المضاد الذي أعدته إسرائيل ويستند على تحقيقات الجيش مع ذاته لا يساهم بشيء بل يلحق ضررا بها. ويشير إلى أن كثرة المديح الذاتي في التحقيق الإسرائيلي حول حرب «الجرف الصامد» يفقده مصداقيته في نظر العالم حتى لو تضمن حقائق. ويقول إنه يفضل انتظار التقرير الكامل من إعداد جنرالات دول غربية حول هذه الحرب. وعلى المستوى العمل يقترح آيلاند مهاجمة نقاط ضعف التقرير الجوهرية بدلا من تكرار الاتهام بأنه سياسي ومنحاز وسطحي وغير مهني. ويدعو للتنبيه على سبيل المثال أن معدي التقرير لم يبادروا لفحص عمليات عسكرية قامت بها دول أخرى في مناطق مأهولة بالسكان كالعراق وأفغانستان. كذلك يدعو للتنبيه إلى أن المنظمات الفلسطيني قاتلت من خلال الأحياء المأهولة، وفي محاولة لتحميلها مسؤولية قتل وإصابة عدد كبير من المدنيين.
وهذا ما يدعو له الكاتب الصحافي بن درور يميني الذي لا يدعو لاستحضار مشاهد الدمار الشامل في طوكيو ودريسدن خلال الحرب العالمية الثانية لأن هذه باتت قصة تاريخية. لكنه أيضا يدعو إسرائيل للتطرق لإضطرار دول غربية في العقدين الأخيرين الحرب في مناطق مأهولة نجم عنها إصابات كثيرة بصفوف المدنيين. ويقدم أمثلة كحرب روسيا في الشيشان والولايات المتحدة وبريطانيا في العراق وسيريلانكا ضد التاميل الخ. مطالبا توجيه إسرائيل السؤال للمجتمع الدولي لماذا تقدم ضد إسرائيل فقط تقارير واتهامات قاسية؟ في معرض تبريره لجرائم إسرائيل في غزة من خلال اتهام الآخرين بارتكاب جرائم مشابهة يستذكر يميني أن الجيشين الأمريكي والبريطاني قتلا في العراق 100 ألف عراقي منهم 46٪ مدنيون. وهو الآخر يدعو إسرائيل لتجهيز ذخائر دعائية بدلا من الاكتفاء باتهام مجلس حقوق الإنسان بالعداء والانحياز والنفاق فقط.
ويبدو أن الردود الانفعالية في إسرائيل مردها ليس فقط اتهام التقرير الأممي لها بارتكاب جرائم حرب في غزة فحسب، بل بسبب تزامنه مع تصاعد حملة مقاطعة لها في العالم ومع اتجاه العالم الغربي للاتفاق مع إيران حول منشآتها النووية علاوة على صدور تقرير حقوق إسرائيلي عن منظمة «يكسرون الصمت» الذي اتهم قبل نحو الشهر جيش الاحتلال بارتكاب جرائم في غزة.
وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ملحقها الأسبوعي الأخير أن جدلا صاخبا يدور في إسرائيل بين المستوى السياسي وبين الطواقم المهنية التي تفرض عليها أنماط عمل عقيمة لمواجهة الانتقادات والضغوط على إسرائيل في العالم. وتوضح أن الطواقم المهنية مثلا لا ترى في قرار الحكومة تجاهل تقارير ناقدة لإسرائيل أو مواصلة رفضها التعاون مع منظمات حقوقية إسرائيلية. وتنقل الصحيفة عن مصدر في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية قولها إن أعداء إسرائيل في العالم يتلقون هدية ثمينة عندما تبقى الطواقم المهنية معطلة.
تقرير أمريكي
بعد تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتقرير المنظمة الإسرائيلية «يكسرون الصمت» يؤكد تقرير أمريكي جديد أن الاحتلال ينتهك حقوق الفلسطينيين بشكل فظ.
ويذكر التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العالم أن إسرائيل تستخدم قوة مفرطة ضد مدنيين، تتورط في قتلهم وتمثّل بالأسرى خلال الاعتقال والأسر علاوة على اعتداءات المستوطنين. وينقل التقرير عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري انتقاده إسرائيل لاستخدامها شروط أسر قاسية وإدارتها سجونا مزدحمة جدا واستمرارها بالاعتقالات الإدارية وهدم منازل الفلسطينيين، وتقييد حركتهم ومصادرة أملاكهم. التقرير الأمريكي الذي يعتمد لهجة مخففة يشدد على أن عدوانية المستوطنين تجاه المدنيين الفلسطينيين تواصل «خلق إشكال» مثلها مثل العقوبات غير المنتظمة من قبل السلطات الإسرائيلية. وبشأن غزة يؤكد التقرير الحقوقي أن جيش الاحتلال يواصل فرض قيود على حركة سكانها منها ولها بشكل واسع في حالات إنسانية أو بعض فعاليات تجارية معينة. ويوجه التقرير انتقادات لحركة حماس في غزة ويتهمها بانتهاك حقوق الإنسان تبلغ حد القتل وملاحقة منافسين سياسيين بقسوة علاوة على إطلاق صواريخ نحو مراكز سكانية في إسرائيل. كما يوجه التقرير الأمريكي اتهامات للصين، روسيا، إيران.
ومن الأصوات القليلة الخارجة عن التيار الصهيوني المركزي في إسرائيل منظمة «بتسيلم» التي تؤكد أن المشكلة كامنة في الاحتلال وفي عقلية الحروب لا في الدعاية. وتحمل «بتسيلم» المستوى السياسي في إسرائيل مسؤولية صدور تقرير قاس عن الأمم المتحدة بشأن الحرب على غزة مجددا. وتنبه إلى أن التقرير الأممي يوجه انتقادات مباشرة للمستوى السياسي محملة إياه مسؤولية قتل عدد مرعب من المدنيين في غزة وتنتقد تجاهل الحكومة ورئيسها ذلك. في بيانها تذكّر «بتسيلم» أنها حذرت خلال العدوان على غزة من مغبة العمليات الهجومية ضد المنازل الفلسطينية ومن نتائجها المهولة. وتقول إن نتائج مثل هذه العمليات كانت معروفة سلفا لصناع القرار في إسرائيل ومع ذلك أمروا باستمرار تنفيذ السياسات القاتلة.
وتمضي في انتقادها: «لا يمكن التسليم بالواقع الراهن وفيه يكون الرد الوحيد على التقرير الأممي التنكر له وتحمل الطرف الآخر المسؤولية في جهد دعائي عقيم أو الاعتماد على تحقيقات ذاتية هدفها الوحيد طمس الحقيقة وتجميلها بدلا من تحمل المسؤولية. إن مجتمعا معافى يواجه بجدية مثل هذا النقد ومعاينة حقيقية للمزاعم بانتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني».
جهود إسرائيلية لتفادي محكمة الجنايات الدولية
رغم هذه الانتقادات الداخلية تواصل إسرائيل الرسمية شن حملة قاسية على الأمم المتحدة. ويقود رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو عملية الانتقال من الدفاع للهجوم على مجلس حقوق الإنسان الأممي ويكرر اتهاماته له بالانحياز .
ويلتقى اليمين واليسار والمستويان السياسي والعسكري بهذا الهجوم على الأمم المتحدة فقال وزير الأمن موشيه يعلون أيضا إن التقرير منحاز ومنافق واتهم مجلس حقوق الإنسان «بتشويه صورة إسرائيل وصب الزيت على نار نزع شرعيتها».
من جهته وصف وزير التعليم نفتالي بينت التقرير في صفحته في فيسبوك بأنه «ملطخ بالدماء» متهما الأمم المتحدة بالانحطاط ودعاها للخجل.
وذهب رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان لحد اتهام مجلس حقوق الإنسان بارتكاب جرائم ضد البشرية. وتساوقت عضو الكنيست تسيبي ليفني (المعسكر الصهيوني) مع الحكومة وقالت في الكنيست إن التقرير «ولد بالخطيئة « من قبل لجنة تهاجم إسرائيل بشكل منهجي ومنظم.
ليفني التي تعلن دائما رغبتها في تسوية الصراع مع الفلسطينيين دعت العالم لعدم التحقيق مع جنود الجيش لأن «إسرائيل ديمقراطية تفحص ذاتها من خلال جهاز قضائي قوي».
ويبدو أن هذا هو توجه عام للحكومة حيث كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» المقربة من نتنياهو أن إسرائيل تنوي التوضيح لمجلس حقوق الإنسان بأنها تفحص ذاتها بشأن الملاحظات التي تقلق المجتمع الدولي. وتتفق «يسرائيل هيوم» مع بقية الصحف على أن قرار نتنياهو تقديم رد على التقرير للجنة التحقيق علاوة على المضي في التحقيق الذاتي هو محاولة لمنع الفلسطينيين من تقديمه للمحكمة في لاهاي، كدليل يبرر فتح تحقيق ضد إسرائيل.
رهان إسرائيلي
وتوضح أن فحص شكاوى الفلسطينيين للمحكمة ما زال في مرحلة «الفحص التمهيدي» و»إسرائيل تتخوف من استغلال تقرير اللجنة الدولية للانتقال للتحقيق الفعلي ضدها».
ويشير المحلل السياسي آريه شفيط إلى تقديرات إسرائيل بأن التقرير الحالي لا يوفر مواد كافية لفتح التحقيق وأنه يمكن وقف التدابير الفلسطينية من خلال إقناع المحكمة بأنها قادرة على التحقيق مع ذاتها.
وردا على سؤال القناة «الثانية» يوضح أن هناك حالة ارتباك في إسرائيل التي ترى التقرير الأممي إشكاليا لكنه لا يقدم للفلسطينيين ما توقعوه كي يتمكنوا من التوجه للاهاي.
ويقول إن المستويات المهنية في إسرائيل تراهن على أن التقرير لا يحدد بشكل مطلق حدوث جرائم حرب. ويتابع «كما تعول على أنه لا يتضمن أي تصريح بأن الجهاز القضائي في إسرائيل لا يؤدي مهامه ولكن بصرف النظر عما سيحدث فان إسرائيل خسرت كثيرا من ناحية الوعي والرأي العام في العالم».
وديع عواودة