عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين: مسألتان لا يمكن إسقاطهما من الحساب السياسي، عندما يتعلق الأمر بمشروع تفكيك وإعادة تركيب حكومة الرئيس هاني الملقي في الأردن، عبر تعديل وزاري مثير للجدل، لم تتضح ملامحه بعد، وكشف النقاب عن مطبات ونقاط تَحوُّل تستوجب التأمل والتحليل.
في المسألة الأولى تمكن المنشغلون بالعمل العام والسياسي من تفكيك اللغز الذي نتج عن مغادرة أربعة من نواب الموالاة المعروفين لقاعة التصويت تحت قبة البرلمان عندما عقدت الجلسة الشهيرة التي أعادت تفويض وزارة الملقي بثقة ثانية أسهمت بدورها في تعميق الأزمة مع الشارع.
النواب الأربعة وبينهم رئيس لجنة فلسطين يحيى السعود لم يكن في حسابات الأصوات ثمة اي احتمال لحجب ثقتهم عن الحكومة. لكن هذا تحديداً ما حصل عند مغادرتهم وبقائهم خارج القبة وعودتهم بالحجب وتحديدًا عندما وصلت أصوات منح الثقة إلى 67 صوتاً من أصل 122 .
تفسير الأمر واضح وله علاقة بمراكز عميقة في القرار أرادت تمكين حكومة الملقي من العبور في امتحان الثقة الجديد برغم هتافات الشارع لإسقاط الوزارة، وبالوقت نفسه لملمة ما تيسر من هيبة مجلس النواب والإيحاء بأن الحكومة في وضعها الحالي حصلت على ثقة دستورية وقانونية ولكن من دون تفويض سياسي شامل، الأمر الذي يفسر حجب أربعة من نواب الموالاة المعروفين للثقة عن الملقي وفي اللحظة الأخيرة. في المسألة الثانية لا بد من إعادة قراءة فكرة غير مألوفة برلمانيا وسياسيا قوامها التعديل الوزاري بعد الثقة وليس قبلها.
وضع غير اعتيادي
بالعادة يتقدم رئيس الوزراء نحو الثقة متحزماً بتعديل وزاري مستجد لتجديد الدماء في طاقمه.. ما فعله الملقي ببساطة العكس تماماً حيث وصل المشهد إلى أن رئيس الوزراء يتجه نحو إخراج عدد كبير من أفراد الطاقم الوزاري الذي حصل على الثقة بوجوده وهو وضع غير اعتيادي وغير مألوف يؤشر على أن مبرر التعديل الوزاري أصلاً لا يزال غامضاً.
المؤشر الأعمق للمعادلة العكسية في إخراج وزراء حصلت الحكومة على الثقة مجددًا بوجودهم، هو أن ورقة التعديل الوزاري أيضا مثل ملف الاصلاح الاقتصادي والأسعار ليست منطلقة من حيث الشكل والمضمون من حاجة الرئيس الملقي للتعديل او من اجتهاداته الذاتية. بمعنى آخر ليس الملقي هو الذي يريد التعديل الوزاري لأن هذا التعديل يغير ملامح طاقم وزاري حظي للتو بثقة البرلمان. وذلك يعني أن مراكز عميقة في القرار هي التي تقترح التعديل الوزاري الوشيك والمتوقع ظهر بعد غد الأحد ولأسباب هي الأخرى لا تزال غير مفهومة على الأقل على المستوى العلني.
ورقة التعديل الوزاري بهذا المعنى لا تنطلق من أفكار وأحضان رئيس الوزراء وإن كان المبرر المستخدم لإعادة فك وتركيب الطاقم الوزاري هو مرض الرئيس وحالته الصحية حيث يتلقى العلاج وقد يحتاج لفترات من العلاج والاسترخاء الطبي قد تمنـعه من ممـارسة الـعمل.
زوار الملقي والمقربون منه يلمسون شغفا منه بالاستمرار في العمل وسعيا لعزل تأثيرات العلاج .. بالتالي قد لا يكون الغرض من التعديل هو ذلك السيناريو الذي يتم تسويقه بعنوان الحاجة لشخصية او شخصيات قوية في الحكومة تملأ الفراغ إذا ما تطلبت الظروف غياباً لرئيس الوزراء الذي يتم التعامل معه داخل مؤسسة القرار باحترام وتقدير. بسبب جرأته في اتخاذ التدابير الاقتصادية الخشنة وصعوبة سيناريو التغيير نفسه لأسباب متعددة.
لافت جداً في السياق أن الحكومة في ظل معطيات تقدير المؤسسة لشخص الملقي لا تحتاج عملياً لشخصية او شخصيات قوية في موقع «الرجل الثاني» والسبب هو إشغال هذا الموقع طوال الوقت من لاعب سياسي ووطني ثقيل الوزن هو الدكتور ممدوح العبادي الذي أدار الأمور وفي كل المحطات بخبرة منهجية عتيقة لا توحي بأن الحاجة ملحة فعلاً لأي شخصية محورية أخرى خصوصا وأن العبادي عمليا ملأ فراغا كان يشغله ثلاثة من نواب رئيس الوزراء عندما دخل الحكومة أصلاً في أبرز محطات تعديل سابق.
بكل حال أظهر الملقي نفسه إيمانه بتقدير دور العبادي عندما امتدحه علنا في مجلس الوزراء وأمام جميع الزملاء مثنيا على الدور الذي قام به في تأمين ثقة الحكومة وسط صخب الشارع عندما ترأس خلية الأزمة التي أدارت محاورات ونقاشات ثقة البرلمان.
فكرة غير مبررة
يعني ذلك بالمدلول السياسي أن فكرة مرض الرئيس والحاجة لشخصية قوية اذا ما تطلب العلاج فترات طويلة مستقبلاً «مبتدعة أصلاً» وغير مبررة إلا اذا كان المقصود منها هو إخراج لاعب من وزن العبادي من المعادلة أو تكريس دور قوى الظل في قيادة الوزارة. كما يعني بالمدلول نفسه أن المنطلقات الباطنية التي تستخدم في إطار تبـرير عمـلية إعـادة تفـكيك وتركيب الوزارة من الداخل ليـست هي تـلك التي تقال علناً بقصد الترويج والتسـويق لأن التعديل الوزاري نفسه يبدو مستغرباً بعد حـصول الحـكومة على الثـقة وليس قبـلها.
بكل حال أبلغ الملقي كل من زاره او قابله بعد تجديد الثقة بأنه يتجه نحو التعديل حتى وان تأخر وبصورة تثير ضجر الشارع والنخب والوزراء أنفسهم ومن دون مبرر أيضاً، الأمر الذي نتجت عنه هشاشة داخل التركيبة الحالية للوزارة من المرجح ان الحكومة لا تحتاجها ويمكن الاستغناء عنها .
برغم ذلك بدأ الملقي يجري اتصالاته ومشاوراته وثمة مراكز قوى خارج الحكومة هي التي تحمل بصمة أساسية تحاول التأثير في الأمور. ثمة مشكلات جوهرية أدت فيما يبدو لتأخير استحقاق التعديل الوزاري أهمها أن الملقي الذي يتميز ببعض العناد السياسي لا يريد المجازفة بصورة حكومة يتم تعديلها خارج مكتب الرئيس. وأهمها أن العديد من الشخصيات المحورية وليس التكنوقراطية لا ترغب بالالتحاق بعملية الفك وإعادة التركيب التي تجري ولأسباب متباينة فيما لا ترتاح النخب المستوزرة بالعادة لفكرة تعـديل وزاري يطهـى على نيـران غامضـة.
يواجه الملقي صعوبات في استقطاب شخصيات من الوزن الثقيل ويواجه بالتوازي مراكز قوى نافذة تريد التدخل. ويواجه ضمن خفايا وأسرار التعديل استحقاقا نادرا هذه المرة له علاقة بالمحاصصة المناطقية والعشائرية خصوصا وأن بؤر الاحتجاج الملتهبة تحديدا في مدينتي السلط والكرك تؤثران في مؤشرات التعديل الوزاري .