الأردن: من الذي يريد «إسقاط البرلمان»؟

يمكن الانتباه للمعارض الأردني ليث شبيلات وهو يتحدث للمرة الألف عن غياب الجدوى وعبث التعطيل للركن الثاني من اركان نظام الدولة والحكم والادارة بموجب الدستور وهو الركن البرلماني.
لست شغوفا بآراء الاستاذ شبيلات في الكثير من المفاصل ونختلف معه في بعضها لكن واجبنا يحتم أن نشهد له أنه قد يكون المعارض الوحيد الذي يحرص ومنذ عدة سنوات على التحذير من التأثير السلبي لتعطيل الركن البرلماني على مؤسسة العرش وهوية النظام.
هنا حصريا يبدو شبيلات وغيره من الشخصيات الوطنية في مستوى المسؤولية عندما تظهر للعيان تلك التداعيات والنتائج الكارثية لحالة الاصرار العبثي على تحييد البرلمان وسلطته بالمعنى الجوهري العميق وليس بالمعنى الشكلي.
ما حصل مؤخرا بحاجة إلى وقفة تأملية عريضة خصوصا عندما ولدت وبشكل صدم الجميع في الدولة والشارع ظاهرة الحراك المدني المسيس حيث اسقطت اعتصامات الدوار الرابع ليس فقط حكومة الرئيس هاني الملقي لكنها اسقطت معها وهذا الاهم تلك النظرية المعلبة التي تعتبر اسقاط الحكومات تحت ضغط الشارع من المحرمات والامور المحظورة.
عندما تعلق الأمر بأحداث الدوار الرابع الاخيرة بدا واضحا مستوى الارتباك في ادارة المؤسسات الرئيسية حيث برز التلاوم وانفلتت مؤشرات التحكم والسيطرة وظهرت بصورة جلية تلك الملامح التي تقول بما يمكن ان يحصل عندما تقرر بعض مستويات القرار التنفيذي المجازفة بسمعة وهيبة مؤسسة مجلس النواب.
لحظتها كان المشهد غامضا وثمة من اعتقد في مستوى القرار المركزي أن بعض القوى الخارجية بدأت توجه الصفعة للأردن وعلى طريقة الربيع العربي. لم يكن من الممكن اخفاء صدمة دوائر القرار وعناصر المباغتة التي سجلت عندما نجح الاضراب الاول الذي سبق بساعات المسيرة الاولى للدوار الرابع.
ولم يكن من الممكن اخفاء الضغوط والتهديدات التي تعرض لها قادة النقابات جراء ولادة قوة غامضة في الشارع منطقية ومنظمة لا تهتف ضد النظام ولديها هدف واحد محدد ولا يمكن اتهامها بالمعارضة او بانها تمثل الاخوان المسلمين بصفتهم العنصر الأكثر تنظيما في الشارع الأردني.
عندما ارتكبت حكومة الملقي في اليوم التالي للإضراب حماقة رفع اسعار المحروقات تجمع آلاف من الاردنيين في الشارع لأن الحكومة لم تكن بصدد وجود فلتر سياسي يدير الامور على أساس منطقي.
خلف الستارة خطط رئيس الوزراء الجديد الدكتور عمر الرزاز لإعلان سحب القانون الذي اثار الاحتجاجات عبر بيع الخطوة والقرار للنقابات المهنية حتى اضطر الامر الدكتور فايز الطراونة لأن يصيح في احد الاجتماعات مطالبا بترتيب هذه الخطوة لصالح البرلمان وليس النقابات المهنية حفاظا على التوازن.
قبل ذلك استهدفت مؤسسة النواب على نحو مغرق في البؤس والسقم السياسي وبطريقة غير مفهومة حتى ان الملفات والقضايا التي كان رئيس الوزراء السابق يريد تمريرها بضغط شديد على مجلس النواب وبدون منحه اي هامش من الحركة كان هو الاسلوب الذي يضطر كبار النواب للوقوف عاجزين عن التصرف بحيث تبدأ التسريبات والهمهمات والايحاءات بان المرجعيات وليس الحكومة هي التي تريد تمرير التشريع العلاني او القانون او القرار الفلاني.
الضغوط كانت جدية طوال الوقت على النواب خوفا من اتهامهم بإعاقة مصالح الدولة.
ومورست هذه الضغوط طوال الوقت ايضا من قبل مراكز القوى النافذة مرة في المستوى الامني ومرات عبر الحكومة او طاقم المستشارين او التنفيذيين في الديوان الملكي.
وحصل ذلك رغم ان رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة حذر الحكومة بكل اللغات سرا وعلنا من فخ قانون الضريبة الجديد كما تعرض برنامجه في المحافظة على مؤسسة مجلس النواب وهيبتها في اكثر من مرة إلى اعاقة او تجاهل والى استعصاء بنفس الوقت.
وهو استعصاء من النوع الذي سيندم الجميع عليه آجلا او عاجلا.
قوانين الفيزياء السياسية في الحالة الاردنية تقول إن الضرب الشديد على الاخوان المسلمين بقصد اقصائهم وعلى مجلس النواب بقصد اخضاعه دائما وتركه بلا هامش وعمليا بلا دور او هيبة انتهى بأفضلية واضحة لصالح قوة مدنية شابة وديناميكية جديدة يضطر الجسم النقابي لسقفها.
الواقع يقول اليوم بان القوة التي بصمت على احداث الدوار الرابع واسقطت حكومة لا بل ساهمت في تشكيل اخرى هي محصلة طبيعية ومربكة لمسلسل تغييب وتجاهل واستهداف دور النواب وبالتالي اقصاء المكون الثاني الذي ينص عليه الدستور في هوية النظام.
هذه القوة الشابة منظمة فيما يبدو ولديها وعي سياسي مختلف لا علاقة لها باليسار الكلاسيكي ولا باليمين المجرب وبدأت تفرض ايقاعها وتقنع الرأي العام بانها منتجة عمليا فقد اسقطت حكومة مدللة وأحد أهم تشريعاتها في ظل ازمة اقتصادية وشخصوها ورموزها وديناميكية عملها خارج التوقع والحسابات التقليدية.
وهذه القوى المدنية لا يمكن اتهامها اليوم ولا أمطارها بمعلبات الاتهام الموسمية السطحية.
وبكل تأكيد لا يمكن مجاراتها اعلاميا واجتماعيا بعدما اخفق تماما النظام الاعلامي الرسمي وبعدما اخرج مجلس النواب من سكة التأثير بهلامية كتله والملاحقة الدائمة لعناصره وافراده.
مسؤول كبير برؤية استراتيجية وعميقة وضع في اذني الهمسة التالية وهي حساسة وخطيرة عندما قال : ادوات الدولة اليوم لم تعد مؤثرة كما كان في الماضي بعد اعتزال الاخوان المسلمين وتدمير هيبة النواب وما كنا نفعله مع الشارع ببساطة عبر الاعلام الرسمي لم يعد من الممكن ان نفعله اليوم الا بقرار ينتج عن ضغط الشارع.. اضم صوتي لهذا الاستنتاج المهم وهنا يكمن سر احداث الدوار الرابع.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

الأردن: من الذي يريد «إسقاط البرلمان»؟

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جمال المصري:

    مقال سياسي بامتياز، يستحق التفكر والقراءة بحيادية متمعنه. رغم اني اتفق مع التشخيص للاعجاب الا أن الكاتب لم يتطرق او يناقش لماذا يتم اضعاف واقصاء دور المؤسسة البرلمانية، الذي وصفه الكاتب بالعمل المنظم، في هذا التوقيت، وابتعاد الاخوان المسلمين عن المشهد وما هي المرامي والاهداف من وراء ذلك.
    هل من صلة لسيناريوهات وتداعيات ما بعد “صفقة القرن” بذلك؟؟؟؟
    الأيام والاسابيع القادمة كفيلة بالاجابة…

إشترك في قائمتنا البريدية