عمان – «القدس العربي» حديث سياسي أردني مخضرم من وزن رئيس مجلس الأعيان والوزراء الأسبق طاهر المصري عن تراجع «الإدارة البيروقراطية» في الدول العربية لصالح تنامي نفوذ «الإدارة الأمنية» بسبب مرحلة الربيع العربي يلامس مشكلة حساسة يجتهد القرار السياسي الأردني في تلافيها.
يحصل ذلك في ظل الإجماع على أن السلطة البيروقراطية تتراجع تماما في الأداء والنفوذ والمقاومة المعاكسة مقابل الأجندات الأمنية والعسكرية التي تفرضها مرحلة ما بعد موجات الربيع العربي.
الأحداث الدامية المتنامية في سوريا والعراق تفاقم أزمة الإدارة على المستوى العربي ومن غير المرجح ان لا تتأثر الإدارة الأردنية بهذه المعطيات والمستجدات.
المصري يقر على هامش مناقشة سريعة لهذا الملف مع «القدس العربي» بأن هذه الإشكالية ليست «أردنية» بل عربية في ظل الواقع الموضوعي معبرا عن قلقه بكل الأحوال لإن نظام الخدمات البيروقراطية في النظام العربي يتراجع وهو وضع يقدر عضو البرلمان الأردني محمد حجوج بأنه يمكن ان يشكل «ذريعة» لقوى التطرف والتشدد إذا ما تواصل مسلسل نقص الخدمات البيروقراطية.
بالنسبة للحجوج ولزملاء له في البرلمان مستوى الأداء العام للإدارة دون طموحات البرلمان وحتى دون الخطط والمشاريع والتوجيهات المنبعثة من الرؤية الملكية لإتجاهات الإصلاح والتغيير.
بالنسبة للحالة الأردنية تحديدا حظيت الحكومة الحالية بقيادة بيروقراطي مخضرم من وزن الدكتور عبدالله النسور بقوة إسناد خلفية متباينة حسب مسؤولين في القصر الملكي في إطار التفاعل مع الإشكالية التي تتوسع وتتغذى على مشاهد العنف في الجوار العربي برمته .
برز في هذا السياق جهد ملموس لإبعاد دور المؤسسات السيادية على الأقل عن مسرح أحداث الحكومة ولتدعيم دورها وحضورها في الحياة العامة خصوصا في مواجهة برلمان مزعج ومرهق.
حسب مسؤول بارز سابق كان لابد من العمل وبطريقة ذكية على مسارات تحاول تغيير الصورة الإدارية التي يظهر فيها المسؤولون دوما وكأنهم يختطفون الكرة ثم يسارعون منفردين لتسجيل الأهداف بصورة فردية وبدون روح جماعية.
على هذا الأساس يحذر سياسيون وإستراتيجيون من الإخلال بقواعد الإنتاج الإداري عبر السماح بالمزيد من الإقصاء لدور البيروقراطيين الذي كان لاعبا أساسيا طوال عقود في بناء الدولة الأردنية وليس إدارتها فقط.
في المسرح الإعلامي والسياسي الأردني يتكثف الحوار في الغرف المغلقة حول معادلة التوازن في الفارق بين الإحتياجات الأمنية التي تصعد للسطح دوما وبين متطلبات بقاء الإدارة العامة منتجة وفعالة.
لكن مثل هذا الحوار يصعد على سطح الأحداث في بعض الأحيان كلما برزت ملفات متعثرة على الصعيد الإداري خصوصا في ظل تعثر وتعطل مسارات الإصلاح الإداري أكثر من مرة وبدون تعزيز مسارات الإصلاح السياسي.
حتى من قبل الناقدين للحكومة والسلطة في الحالة الإردنية يتم التحدث علنا عن «هشاشة « الوضع الإداري وتراجع دور ونفوذ النخبة البـــيروقـــراطية التي كانت تدير كل شئون الدولة بالعادة ويتحدث الأخوان المسلمون تحديدا بصورة متكررة عن هشاشة الوضع الإقليمي والوضع الإداري الداخلي في محاولة للفت نظر مؤسسة القرار لضرورة المسارعة في إصلاحات شاملة في الوقت الذي إنتقد فيه الحراكيون مرارا وتكرارا وجود «حكومات ظل» وراء الكواليس تخصم من حصة القرار عند حكومات الولاية الدستورية الحقيقية.
والبيروقراطي الأردني ومعه العربي وفقا للخبير الإداري يونس جمار أقصي تماما في المقابل وإبتعد عن مسارات الإنتاجية وخضع لعملية تهميش مقصودة مارستها المؤسسات الأمنية وهي تقتنص اللحظات التاريخية.
ويرى الجمار أن ذلك حصل في مصر وقبله إنهارت الإدارة في سوريا والعراق ولاحقا في ليبيا وتترنح في دول مثل السودان وتونس والجزائر ولم تعد قائمة تماما في دولة مثل اليمن.
التصور الذي يتحدث عنه باحثون متعددون بالسياق يؤشر على أوضاع ليست أفضل في دول الخليج وإن كانت إنهيارات المنظومة الإدارية في منظومة الخليجي أقل إبهارا في الإعلام وعرضة للنقد على أساس ان غالبية الملفات السيادية تدار في الواقع من قبل»خلايا أزمة» وحكومات ظل تعمل وراء الستارة وليس أمامها.
الإنتاجية فعالة وعابرة للحكومات والوزراء في دول عربية وخليجية متعددة عندما يتعلق الأمر بفرق ظل تقود العمل الحقيقي ولا تراقب أو تظهر أمام الصحافة والبرلمانات.
وهي فرق تعمل بكل الأحوال على ملفات متعددة من بينها الصفقات والتسويات الأمنية والإقتصادية الثنائية والترتيبات المتعلقة بالإتصالات الدولية وفي غالبية الأحيان تحدد مسارات القرار السياسي خلافا للأمني كما ترسم حدود الإستثمار في مجال المال السياسي.
في أكثر من إجتماع بيروقراطي على المستوى العربي نوقشت تلك التحديات التي قادت لها موجات الربيع العربي التي أخافت وأقلقت الأنظمة ودفعتها فورا للأجندة البوليسية وتلك كانت برأي القيادي البارز في الإخوان المسلمين الشيخ مراد عضايلة أجندة متوترة وموتورة في بعض الأحيان بحجة «هشاشة» الوضع الإجتماعي وهي ذريعة إستعملت ويمكن ان تستعمل للإنقضاض على الحريات الفردية ونظام حقوق الإنسان في التعبير والكرامة.
في رأي المصري مشكلة من هذا النوع لا يمكن تجاهلها ببساطة ومن المرجح حسب خبراء محايدين ان برامج التطوير الإداري والبيروقراطي في مختلف الدول العربية تراجعت لحساب المصالح والإعتبارات الأمنية بوضوح.
بسام البدارين
لماذا القضاء والثقافة رديئة في دولنا؟