يطربني رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة عندما أسمعه وهو يتحدث بإصرار وإلحاح عن «مأسسة العمل البرلماني» وعن هيبة مجلس النواب.
أسمع كغيري وباهتمام وباحترام لأي متحدث حريص على هيبة مؤسسة مجلس النواب حتى عندما تفرط المؤسسة نفسها بهيبتها على نحو لا نفهمه في الكثير من الأحيان خصوصا في إطار علاقتها بالسلطة التنفيذية التي «تسطو» على النواب وقرارهم في الكثير من الأحيان.
لا غبار على «تهديد» طراونة الأخير بخصوص اللجوء للقضاء ضد أي محاولة لتوجيه تجريح أو شتائم بحق النواب.
اللجوء للقضاء سلوك حضاري بامتياز. ولايمكن الموافقة على أي سلوك شتائمي أو خارج عن أدب ولياقة الحديث والتخاطب خصوصا عندما يتعلق الأمر بممثلي الشعب والأمة الذين تمترس بعض من يهتفون ضدهم اليوم في الشارع في مقراتهم وخيمهم الانتخابية. الضعيف فقط ومن لا يملك الحجة هو الذي يلجأ للشتم والتجريح لأن الوسيلة القانونية والحضارية تعوزه في الرد وقواعد الاشتباك.
ثمة سلوك حضاري وديمقراطي تآلفت عليه البشرية عندما يتعلق الأمر بممثل برلماني خذل مواطنيه، السلوك الوحيد المقبول هو «معاقبة» هذا الممثل عبر صندوق الانتخابات وحرمانه من الأصوات في المرة المقبلة وهو ما نعرف مسبقا أنه لن يحصل في حالة عشرات النواب الحاليين في الأردن تفاعلا مع حالة الفصام الاجتماعي المستقرة اليوم في عقل الجميع.
لكن ممثل مؤسسة رئاسة النواب المحترم وعلى أهمية ما يطرحه من مطالبات حضارية وتخاصم ديمقراطي يبذل جهدا كبيرا في الدفاع عن هيبة مؤسسة لا يحترم هيبتها بعض رموزها.
كنت أتأمل أن اقرأ من الأخ الطراونة تصريحا او بيانا يعلق فيه على السلوكيات غير القانونية لبعض النواب باعتباره يمثل سلطة الشعب الأردني.
الكثير من الأحداث المؤسفة مؤخرا حصلت وساهمت في المساس بهيبة مؤسسة النواب مؤخرا دون أن نسمع من عضو برلماني أنه «اعتذر» للشعب والناس عن «أخطاء سلوكية» ملموسة ولا يمكن نكرانها.
ودون بطبيعة الحال أن نقرأ توضيحا او رأيا يمثل مؤسسة النواب.
مصداقية خطاب الحفاظ على هيبة النواب يمكن أن تتعزز أكثر إذا ما تملكت المؤسسة التي تمثل سلطة البرلمان الجرأة السياسية اللازمة لتقديم «اعتذارات او توضيحات» للرأي العام عن مشاعر تجريح وطني أو مساس بكرامة مواطنين حصلت مؤخرا بعدما تحول بعض نواب الأمة إلى عبء على الدولة والنظام والقيادة وليس على الشارع والمواطن والمجتمع فقط.
يريد الأخ العزيز طراونة محاكمة أي شخص يسيء للنواب، نحن معه ونؤيده لكنه لا يخبرنا كمواطنين ما إذا كانت مؤسسة المجلس النيابي قادرة على إنصاف المواطن في حال استثمر عضو في مجلس النواب صلاحياته للاعتداء على الناس.
بعض النواب كانوا أبطالا لحالات اعتداء واضحة المعالم على مواطنين بعينهم وخارج القانون وأدبيات تمثيل المجتمع (على الأقل هذا ما تقوله وسائل التواصل وأجهزة الاعلام)، هؤلاء لم يعتذر أحد عنهم ولم يتقدم مجلس النواب نفسه بأي خطوة توحي بأنه سيحاسبهم او حتى يراجعهم.
تترصد رئاسة المجلس أي سلوك أو لفظ أو تعبير شائن يمكن أن يمس هيبة النواب ونحن نصفق لها ومعها في مثل هذا الموقف لكنها تتجاهل تماما حتى التعليق على أحداث متعددة كان بطلها أعضاء في المجلس وفي بعض الأحيان تتغاضى لجنة السلوك البرلماني عن تلك الاعتداءات وكأنها لم تحصل.
يعلم الجميع أن كبار النواب يبادرون لحماية زملائهم والتغطية على أخطائهم حتى لا نقول خطاياهم السياسية، لا يعتذر أحد للأردني عن ذلك ولا يتواصل المجلس بمؤسساته ولجانه مع الضحايا للسؤال أو الاستفسار لا بل ليس سرا أن التدخل يحصل في بعض حالات لصالح إخفاء معالم الإعتداء.
طبعا لا يمكن الموافقة على أي محاولة للشتم او الإساءة او التجاوز تطال نواب الأمة والبرلمان، فهذا سلوك شائن ومقيت بالإضافة إلى أنه غير مفيد وغير منتج.
لكن بالمقابل أملنا كبير في أن يجد المواطن الأردن من المكتب الدائم لمجلس النواب قدرة على رصد «إساءات» بعض النواب على ندرتها على مواطنين افراد وإن كانت التصرفات الفردية هنا لا يمكن سحبها على مؤسسة المجلس ولا نقبل أن يزعم اي طرف أنها تمثل مؤسسة المجلس.
نقول ذلك لأننا انتظرنا توضيحا او تعليقا من مؤسسات مجلس النواب على قصص وحكايات محددة لكن الانتظار طال.
شاهدنا كأردنيين نائبا في البرلمان «يتنمر» على قانون السير في الشارع العام ويعتدي على حق المواطن في الرصيف ويناكف مواطنا بسيطا يرتزق ويسمح لموظفين يعملون عنده بإرهاب مواطن أعزل من العامة.
شاهدنا عضو برلمان في السابق يدفع بيديه رجل شرطة وآخر يوزع فتات الخبز على المحتجين ويشتمهم، وكل المواطنين شاهدوا شريط الفيديو الذي صورته عضو منتخب في بلدية العاصمة اثناء محاولة منعها من القيام بعمل لا يقع أصلا ضمن واجبها بطريقة «أفلام العصابات» من قبل اتباع أحد النواب.
سمعنا عضوا في مجلس النواب يفتري على رجل أعمال علنا ولم يوضح لنا رئيس المجلس ما هي الاجراءات التي اتخذت وقرأنا عن انصار برلماني ضربوا عجوزا وحفيده.
ورصدنا بألم الكثير من التجاوزات الفردية من قبل السادة النواب، نعلم أنها فردية ولها علاقة بالطبيعة البشرية ونعلم أن هيبة مؤسسة النواب من هيبة الوطن لكن معالجة مثل هذه المخالفات بطريقة ذكية وضمن لوائح ونصوص النظام الداخلي ومقتضيات السلوك خطوة أيضا ذكية ومنتجة لو اتخذت من شأنها تحويل «هيبة المجلس» إلى ثقافة وليس مجرد كلمة تقال عندما يتعلق الأمر بحقوق النواب الشخصية فقط.
دون ذلك وتطبيق القانون على الجميع ينضم النواب إلى ذلك الشعار الذي رفعه أحد المثقفين يوما عندما قال: «الحكومة تريد إسقاط الشعب».
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين