قبل سنوات وعندما كان وزير التخطيط الحالي في الحكومة الأردنية الدكتور عماد الفاخوري وزيرا لتطوير القطاع العام جمعتني به محادثة هادفة أتصور اليوم أنها شكلت بداية تفكير عقل الدولة والمطبخ السياسي بمعادلة جديدة في البلاد على صعيد ملف الضريبة.
آنذاك بدا الفاخوري متحمسا جدا للانتقال بالأردن والأردنيين إلى ما وصفه بخطوة حضارية تعالج الخلل في ميزان الضريبة حيث أشار وقتها إلى أن المبلغ الذي تحصل عليه الخزينة بسبب عوائد ضريبية تدفعها أقلية من المواطنين يساوي الرواتب التي تدفعها الخزينة لغالبية من الموظفين.
وجهة نظر الطاقم الاقتصادي في ذلك الوقت كانت تتحدث عن مشهد ضريبي مختل تماما.
الأهم هو المفاجأة التي أعجبتني عندما تحدث الرجل عن ضرورة الاستعداد للانتقال إلى تلك القاعدة البسيطة التي اخترعتها كل الشعوب المتحضرة والديمقراطية وقوامها «الضريبة مقابل الخدمة».
ليس سرا أن خبراء المعزوفات المالية يتحدثون عندما يتعلق الأمر بدفع الضريبة عن نوعين من الخدمات ينبغي أن تقدمها الدولة لدافع كل ضريبة الأول هو الخدمات العامة المعروفة حيث الأمن والبنية التحتية والصحة والتعليم والماء والكهرباء، والثاني هو خدمات الرفاه الاجتماعي التي يمكن القول إن من بينها رواتب التقاعد ومخصصات بدل بطالة.
لا يمكن إلا التصفيق لهذا المنطق لكن ما حصل أن تلك الأفكار ذابت تماما واختفت من الخطاب السياسي الأردني طوال السنوات العشر الماضية فيما لم يعد الوزير الفاخوري او غيره من المسؤولين يذكرونها على اي نحو.
كما حصل تماما عندما تعلق الأمر بالإصلاح السياسي الذي تم ترويج الحلقة الاولى فيه ثم وضعت بقية الحلقات في المتحف.
أعجب ما في المعركة التي تشنها حكومة الرئيس هاني الملقي اليوم على جيوب الأردنيين هي جرعة الجرأة الغريبة في الحديث عن تصعيد ضريبي وشيك دون ادنى اشارة او تلميح للخدمة التي يمكن أن يحصل عليها او ينبغي أن يحصل عليها من يدفع الضريبة.
القانون المعدل الجديد للضريبة هو بمثابة اعلان حرب على بقايا الطبقة الوسطى بصنفيها البشري والاستثماري. ويبدو أن الحكومة تريد اقناع المواطن أن هذه الحرب هي لمصلحته الحصرية خصوصا وأنها ستشن بعد حفلة رفع الأسعار والتصعيد الضريبي وعدة مرات.
لافت جدا أن خطاب الحكومة ورموزها وبينهم الفاخوري وغيره لا يخلو فقط من أي صنف من الخدمات التي ستقدم لمن يدفع الضريبة بل يخلو وهذا الأغرب من أي وعود يمكن أن تضمن لدافع الضريبة المواطن حقه بالحد الأدنى في الحصول على نفس الخدمة التي كان يحصل عليها جده او والده قبل اربعين عاما من القطاع العام.
القصد أن نوعية الخدمات أيام القطاع العام والطبقة البيروقراطية الوطنية المسؤولة كانت قليلة لكنها محترفة وتنسجم مع امكانات البلاد البسيطة وهذه الخدمات كان الاجداد والآباء لا يشتكون منها بل يحتفلون بها دون أن تخضع رواتبهم ودخولهم لأي تصعيد ضريبي باستثناء ضريبة الدخل البسيطة المقدور عليها من الجميع.
اليوم لا تنكر الحكومة ويلاحظ الجميع أن اداء وخدمات مؤسسات القطاع العام في حالة تراجع شديد بدلالة سلسلة من التقارير والتوصيات والوثائق التي صاغتها لجان ملكية واستشارية وحكومية واعلنت عدة مرات وهي تقارير ترؤس اللجان التي انتجها بعض الوزراء الحاليين في الحكومة ومن بينهم الفاخوري نفسه ووزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز.
ما يحصل في السياق مغرق في الوحشية البيروقراطية ودون سبب واضح او تفسير منطقي ووسط توقف الانكار الرسمي عن الاقرار بتراجع مرعب في خدمات القطاع العام وبالتالي ستلتهم الضريبة الجديدة دخول الأردنيين البائسة اصلا وسط حالة ركود اقتصادي وتضخم معيشي ليس فقط دون خدمات رفاه اجتماعي من أي صنف.
ولكن ايضا دون ضمانات بوقف انهيار خدمات القطاع العام ومعالجة الخلل في تراجع الخدمات.
ودون أي ضمانات أن يحصل الأردني الذي سيدفع ضريبة مضاعفة اليوم حتى على تلك الخدمة التراثية التي كانت تقدمها الدولة للناس قبل أربعين عاما.
تلك مفارقة عجيبة فالخطاب الذي يحاول تسريب نوايا الحكومة بعنوان الضريبة لا يظهر أي نمط من الخجل من معادلة مبتكرة وتبرز فقط في الحالة الأردنية قوامها التوسع في الشرائح الضريبية دون التوسع في تقديم خدمات بالمقابل او حتى دون تلميح لأن الدولة مقابل الضريبة معنية وبجدية بحماية دافع الضريبة.
تلك وصفة من الصعب قراءتها بعمق خصوصا وأن تسريبات الحكومة تتحدث عمليا عن وحش ضريبي سيلاحق الناس وليس عن معادلة مسؤولة ومنطقية في اطار القانون حيث أن لغة وزير المالية الحالي عمر ملحس تقول للأردنيين وبكل اللهجات إن الضريبة ستزيد عليهم وإن جهازا خاصا سيدخل على أملاكهم وحساباتهم وسيلاحقهم وإن غرامات عقابية كبيرة في الطريق وكذلك من بينهم عقوبات قد تصل إلى السجن لعشر سنوات.
كل مؤشرات التخويف الحكومي هذه تلعب دورها في إثارة هلع عام في الأردن بدلا من أن تزعج الحكومة نفسها بالقليل من التأمل.
فرض وحش ضريبي من هذا النوع كان يتطلب جهدا خاصا في معالجة القناعات وإظهار الفوائد والمكاسب التي ستعود على من سيدفع الضريبة بدلا من إرهابه.
وقبل ذلك تشريع قانون من الصنف الذي تم تسريبه كان يتطلب صخبا اقل ونقاشات وحوارات هادئة مع اصحاب الاختصاص وكان يتطلب فكرة غابت تماما عن أفق الحكومة مثل تثقيف الناس وتوعيتهم قبل التفنن في ابتداع وسائل مراقبتهم واخضاعهم ماليا.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
المهم هو عدم سرقة الأموال المتحصلة من الضرائب المفروضة .
*(اردوغان ) وحزبه قعد 3 سنوات
يحارب الفساد والفاسدين وبعدها
نهضت تركيا.
*أين مشروع محاربة الفساد ف الأردن؟!
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.
سلام
الخلل واضح. انظر موازنة الاردن لعام 2018. النفقات العسكرية و الامنية في ميزانية الاردن لعام 2018 هي 2534 مليون دينار بينما تبلغ النفقات المدنية 2040 مليون دينار. اي ان ما ينفق على الجهاز المدني ومن ضمنه التعليم و الصحة و..و.. اقل بكثير مما ينفق على الجيش و الامن مع ان البلد ليست في حالة حرب رسمية. و ان المنح الخارجية لعام 2018 تقدر ب 700 مليون دينار فقط اي نحو ربع الانفاق العسكري و المدني
Bravo انه الارهاب بعينه
“لا تنكر الحكومة ويلاحظ الجميع أن اداء وخدمات مؤسسات القطاع العام في حالة تراجع” والأمر لا يقتصر علىعلى وزارة التربية وغيرها من الوزارات الخدماتية بطبيعتها بل يمتد الى وزارات سيادية عريقة تلتهم جزء لا باس منه من موازنة الدولة وتحديدا وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بما تديره من سفارات وسفراء ودبلوماسيين تكلف الموازنة الدولة اعباء كبيرة، دون مرافقة هذا نتائج ملموسة لهذه البعثات والسفراء ودون وجود استراتيجية واضحة محددة باهداف قابلة للقياس بما يتعلق بالسياسة الخارجية الأردنية و جهود جذب الاستثمار وغيرها.
واصبحت مؤخرا مجرد فرص عمل(برستيج) لابناء الذوات وللانتقال الى عواصم (الغلامور)من اجل اكمال التحصيل العلمي والادخار المالي او لمجرد امتلاك ذويهم منازلا في تلك العواصم وخاصة مدينة الضباب(لندن)، ووصل الامر بايفاد موظفات الى الولايات المتحدة وتحديدا الى نيويورك لاستكمال فترة حصولهن على الهجرة(الجرين كارد) وهن بصفة دبلوماسية وهو شيء لا يصدقه عاقل في انظمة وزارات الخارجية عدا عن وجود اكثر من 6 من ابناء الخالات موظفون دبلوماسيون يتقاسمون شواغر السفارات بينهم… والمخفي أعظم.اللهم اصلح حالنا…وهل الضرائب الجديدة لتمويل هؤلاء!!!