عمان ـ «القدس العربي»: عشرات المرات، وخلال الأيام الخمسة الماضية، طرح على رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة السؤال التالي: هل التصريح العلني بخصوص إعفاء القصر الملكي من «حرج» المشاورات البرلمانية «اجتهاد شخصي» أم موقف منسق مع المرجعيات ينطوي على تكليف؟
جواب الطراونة الذي لم يعرف بالاجتهادات المثيرة كان دوما يتمثل في عدم وجود جواب مباشر بالنفي أو الإثبات، رغم انه شغل جميع النواب والوسطين السياسي والإعلامي عندما اقترح إلغاء تقليد المشاورات البرلمانية لاختيار رئيس الوزراء الذي قرره القصر فقط في تجربة الرئيس الدكتور عبدالله النسور.
عمليا عدم وجود جواب مباشر من برلماني، مثل الطراونة، هو بحد ذاته جواب والوسط البرلماني السياسي دخل في حالة هوسية، ليس دفاعا عن آلية المشاورات أو تنصلا منها ولكن لاستبيان المفصل الأدق ومعرفة العلاقة بين إعفاء القصر من حرج المشاورات وبين مصير حكومة الرئيس النسور.
الأهم ان العلاقة طيبة وتحالفية أصلا مع الطراونة، وأنه ليس بصدد المناكفة والشغب على حليفه النسور، ما ينتج الانطباع بأن تعليق الأخير قد يكون رسالة مباشرة لإعادة النظر بجزئية المشاورات البرلمانية والعودة، كما يطالب رئيس النواب لصيغة الصلاحيات الملكية الأساسية باختيار الحكومة ورئيسها.
النسور نفسه يبعث برسائل تشير إلى ان حكومته ما زالت «باقية وتتمدد» ويظهر ميلا للتفاعل الإيجابي مع تكهنات التغيير والتعديل والإطاحة بحكومته على أساس ان علاقاته تحالفية وإيجابية بثلاثة مراكز قوية في الدولة، لها دور افتراضي في تقرير مصير وشأن الحكومة.
آخر رسالة في السياق تمثلت في مغادرة النسور برفقة وزير المياه والري المقرب منه حازم الناصر إلى مؤتمر دولي للمياه في ستوكهولم، بالعادة لا يشارك رؤساء الحكومة في مؤتمرات خارجية فنية من هذا النوع في أوقات الشدة والعصبية السياسية.
لكن النسور يفعلها لسبب على الأرجح هو الإيحاء بأن أمور وزارته مع المؤسسات المرجعية في حالة متقدمة.
قبل ذلك احتوى النسور الوزراء النافذين في حكومته وتجنب إعاقتهم ولم يزاحم الوزيرين الأبرز، وهما ناصر جودة في الخارجية وسلامة حماد في الداخلية، لكنه اتخذ موقفا غامضا في دعم مشروع قانون اللامركزية، خلافا للاتجاه العام في الدولة، قبل ان يعزل حكومته تماما عن المساحات الإقليمية الملتهبة ويترك التفاعل معها للمؤسسات السيادية في الجيش والأمن.
على هذا الأساس بقي النسور طوال الوقت ضمن مساحة «البقاء الأطول» حتى أربك تصريح الطراونة حول المشاورات البرلمانية النخب التي لا تملك معلومات أصلا وخلط الأوراق منتجا الإيحاء بأن حكومة النسور المتمددة قد تكون آيلة للسقوط.
المعزز لمستويات الغرابة والغموض كان الركن الثاني في السلطة التشريعية رئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة الذي يتباين عن الطراونة، وهويثير التساؤلات في مجالسات خاصة ومغلقة عن مبررات المشاورات إياها.
عندما سئل الروابدة خلف الستارة مرتين على الأقل عن سر صمود حكومة النسور كان يشير لآلية المشاورات البرلمانية باعتبارها «عائقا محتملا» لتغيير وزاري سريع.
معنى الكلام ان أركان السلطة التشريعية يتصورون ان حكومة النسور باقية أصلا وتصمد إزاء التحرشات بسبب التزام مؤسسة القصر بآلية المشاورات البرلمانية.
وهو بكل الأحوال التزام أدبي لا ينص عليه الدستور ودخل من بوابة التقاليد الديمقراطية التي يدعمها الملك شخصيا.
الالتزام نفسه يتسبب في ترويج المقولة التي تعيد سر بقاء وصمود وزارة النسور إلى عاملين: الأول دعمها وإسنادها الدائم مع البرلمان من مراكز ثقل قوية في الدولة، وهو رأي شخصيات مخضرمة في البرلمان من طراز عبدالكريم الدغمي وخليل عطية.
والثانية: عدم وجود «بديل جاهز» يمكنه ان يكون أفضل ويعبر من آلية المشاورات البرلمانية في هذه المرحلة الصعبة.
بسام البدارين