«الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإرهابية تحاصرنا… ونحن نصارع العفاريت!»

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» ازدحمت صفحات الصحف الصادرة أمس الأربعاء 17 ديسمبر/كانون الأول بالكثير من الأخبار والموضوعات اللافتة، منها إعادة السفارة البريطانية العمل بشكل طبيعي بعد أن اتخذت وزارة الداخلية الإجراءات التي طلبتها لتوفير الحماية، بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة فتح الشوارع المغلقة في الدعوى التي رفعها السكان وأصحاب المحلات، كما أكدت السفارة أن السائحين البريطانيين سوف يتدفقون على مصر.
والغريب في الأمر أنه حتى أمس كان الكثير من الكتاب يحللون موقف السفارة بأنه جزء من مؤامرة بالاتفاق مع الإخوان لإظهار مصر وكأنها دولة غير آمنة، ولضرب الحركة السياحية التي بدأت تنتعش، وكذلك إفساد المؤتمر الاقتصادي العالمي في محافظة جنوب سيناء، الذي بدأت الحكومة تستعد له بالتأكيد على رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق والسكة الحديد، وإثبات قدرتها على تحقيق الإصلاح الاقتصادي أمام صندوق النقد والبنك الدوليين، والمستثمرين الأجانب وإصدار التشريعات التي تسهل عملهم.
كما أكد الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع أنه سيتم القضاء نهائيا على الإرهاب في سيناء قبل عقد المؤتمر، وأن الجيش والشرطة نجحا في القضاء على النسبة الأكبر من الإرهابيين، والباقين هربوا إلى الجحور وجار الآن إخراجهم. وأصيب شرطيان في كمين في الإسكندرية بعد إطلاق النار عليهما. واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي نائب رئيس الوزراء الروسي ومعه وفد اقتصادي لبحث الاتفاقيات التي سيتم توقيعها عند زيارة الرئيس بوتين لمصر، وأشاد السيسي بروسيا وقال إنها صديق وفي لمصر وطلب منها أن تعيد تحديث المصانع التي بنتها أثناء فترة حكم عبد الناصر.
كما نشرت الصحف نص الخطاب الذي كتبه السيسي بيده وأرسله إلى مؤسسة دار الهلال التي تحتفل بمرور تسعين سنة على صدور مجلة «المصور» في 24 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1924 وقد لاحظت قوله: «إذا كان الإعلام المصري قد أثبت أنه إعلام قوي قادر على الحشد خلف الوطن في معركة المصير التي خاضتها ثورة 1952 فثقتنا كاملة في أن إعلامنا سيثبت من جديد أنه على قدر المسؤولية».
وهذا التخصيص لثورة يوليو/تموز يعيدنا إلى ما سبق وقاله في اجتماع مع الإعلاميين، «يا بخت عبد الناصر بالإعلام» وكان يجب أن يسبقه القول يا بخت خالد الذكر ما دام في قلبه هذا الحنين. واهتمت الصحف بافتتاح رئيس الوزراء وحدة النانو تكنولوجي في جامعة زويل، التي تكلفت مئة مليون جنيه، وإعلانه أن «شركة أيادي» ستبدأ العمل فعلا لتشغيل نصف مليون شاب بدعم المشروعات الصغيرة برأسمال مليارات الجنيهات، عشرون في المائة منها مساهمة من الحكومة والباقي للقطاع الخاص. وواصلت الصحف الإشارة إلى اهتمام الأحزاب والكتل السياسية بانتخابات مجلس النواب المقبلة، وإثارة الذعر من عودة أحمد عز، رغم أنه لم يعلن دخوله الانتخابات. ووفاة المخرج السينمائي نادر جلال. وإلى بعض مما عندنا….

أسباب أزمة حزب النور

ونبدأ بمعارك حزب النور وجمعية الدعوة السلفية التي انطلق منها، حيث أشار صاحبنا أحمد حمــــدي يوم الجمــــعة في مقــال له في جريدة «الفتح» لسان حال الجمعية والحزب، التي تصــــدر كل يوم جمعة، إلى وجود أزمة داخل الحزب والجمعية وأرجع أســبابها إلى ما يلي:
محاولات التشويه الإعلامي المستمر للدعوة والحزب من الإعلام الليبرالي العلماني التابع للغرب، أو التابع لإيران أو التابع للنصارى، أو التابع لرجال الأعمال وأصحاب المصالح، أو التشويه من جانب القنوات التابعة للإخوان والإسلاميين المخالفين.
الضعف المالي الذي يؤدي إلى عدم وجود إعلام أو قناة للدعوة تقاوم حملات التشويه اليومية.
محاولات الإقصاء للدعوة في المساجد والخطابة بسبب تصرفات وزارة الأوقاف مع الدعاة.
التشويه المتعمد لبعض رموز الدعوة مثل د. ياسر برهامي، وكذلك تحريف فتاواه لهدم الدعوة في شخص د. ياسر أو شخصنه الدعوة بأنها برهامية، أو غير ذلك من الافتراءات.
حالة الفتور والإحباط والكسل والهزيمة النفسية عند بعض أبناء الدعوة، والقعود عن العمل أو الالتزام بقرارات الدعوة الذي يظهر انفصال القاعدة عن القيادة ويضر بالدعوة والحزب، أو العزوف عن دروس العلم والمعاهد، ما يؤدي إلى الضعف البنائي.
انفصال بعض القواعد والرموز في بعض المحافظات، وكذلك كثير من أبناء التيار السلفي العام لتأثرهم عاطفيا بالإعلام الإسلامي المخالف لنا.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات والمخاطر التي تمر بنا، إلا أننا لن نصاب باليأس أو القنوط، ولكن لابد من بعث الأمل والبشرى والتفاؤل والثقة واليقين في صحة منهجنا والثبات على ذلك وأن المستقبل لهذا الدين».

عوامل وأسباب سقوط الدول والحضارات تتوافر الآن

أما الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الجمعية، فقد اختار أن يتنبأ بسقوط مصر ولو بعد مئات السنين، لأن عوامل وأسباب سقوط الدول والحضارات تتوافر الآن، إذا لم يتم مواجهتها ومما قاله: «الظلم من أعظم أسباب سقوط الدول. والشرك بالله وتكذيب رسوله، فإنه أعظم أسباب انهيار الحضارات ولو بعد سنوات بل قرون. وأكثر الناس يتكلمون عن المؤامرات التي يحيكها الناس، أفرادا ودولا، لبعضهم بعضا على أنها السبب الأساسي لانهيار الدول، والذي لا شك فيه أن العوامل الداخلية هي السبب الأساسي ولا شيء أوضح من بيان القرآن والسنة في أسباب سقوط الدولة.
أول ذلك، كما درسنا، الظلم الذي يوجد في المجتمع ووسائل إعلامه، فهناك من يطعن في القرآن العظيم ويقول عنه إنه نص تاريخي يقبل النقد علنا جهارا، ثم لا تتحرك السلطة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ الدستور والقانون والنظام العام والسلام الاجتماعي، ولا السلطة القضائية التي حصر قانون الحسبة دعوى إقامتها في النيابة العامة، ولا المؤسسة الدينية التي يجب أن تبين للناس صراحة حكم هذه الرأي، فإن هذا من أعظم أسباب عقوبة الله للأمة، فإن الهلاك أقرب إلى من يسمح بذلك، ولو كان باسم الرأي والرأي الآخر، فغضبه لله يا سيادة الرئيس، وغضبه لله يا شيوخ الأزهر، وغضبه لله أيها النائب العام، حماية للدولة والمجتمع. أما من الناحية السياسية الواقعية فإن مثل هذا هو من أعظم أسباب انحراف الشباب، إما نحو الإلحاد وإما نحو التكفير للمجتمع والدولة، التي تسمح بذلك، مع أن دستورها يمنعه، إذن فأنتم تجعلون مرجعية الشريعة حبرا على ورق، ومن هنا ينشأ الصدام والعنف مع النظام بل ومع الناس كلهم….
من أعظم أسباب الهلاك والسقوط استباحة دماء وأعراض وأموال المخالفين، وهذا أعظم مظاهر الغلو وجعل الناس شيعا لا يرقب في المخالف إلا ولا ذمة، ولا حقوقا ولا عهودا ولا مواثيق دولية ولا محلية، وإرادة العلو في الأرض بذلك من أعظم أسباب السقوط، وللسبب نفسه نتوقع هلاك تنظيم «داعش» وأمثاله وسقوطه، لأنه لا يعرف حرمة من خالفه، مهما كانت ديانته، بل باسم الدين تقطع الرؤوس وتنتهك الحرمات.
الخيانة والغدر تنافسا على الدنيا، من أعظم أسباب سقوط الأمم والدول وهل سقطت الأندلس إلا بذلك، وهل سقطت بغداد قديما على يد التتار، وحديثا على يد الأمريكان إلا بالخيانة، والذين يعملون لمصلحة الأعداء ضد مصلحة أمتهم ومجتمعهم ووطنهم ولا مانع عندهم من تعريض البلاد للفوضى وسفك الدماء.
الصد عن سبيل الله والدعوة إليه تحت أي مسمى كان هذا الصد .
انتشار الفساد من الربا والرشوة والفواحش والتخريب والاعتداء على الناس ومصالحهم العامة والخاصة، والكذب والشائعات، خاصة في وسائل الإعلام وتتبع عورات الناس وفضحهم كل ذلك من أعظم أسباب سقوط الدول.

ياسر برهامي يوجه ضربة للأزهر والأوقاف

«وهكذا يكون ياسر قد وجه ضربة للنظام والأزهر والأوقاف مستغلا ما حدث في حلقة برنامج «أسرار من تحت الكوبري» الذي يقدمه في قناة «القاهرة والناس» الإعلامي اللبناني البارز طوني خليفة، الحلقة التي استضاف فيها الدكتور سيد القمني، الذي قال بشيء من العجرفة، إن القرآن نص تاريخي، لكن ياسر برهامي تعمد تجاهل أن الدكتور الشيخ سالم عبد الجليل، الأستاذ في جامعة الأزهر ووكيل وزارة الأوقاف الأسبق، كان موجودا في الحلقة وناقش القمني، ليثبت له أن القرآن من الله، وليس نصا تاريخيا، ولما وجده مصرا على رأيه وبعد أن سأله أكثر من مرة قال له «أنت كافر.. كافر».
أما ما جاء في سادسا من أسباب سقوط الدول، وهو الصد عن سبيل الله والدعوة إليه، فهو يشير إلى موقف وزارة الأوقاف من رفض صعود المنابر إلا للذين يؤمنون بفكر الأزهر الوسطي الأشعري، وضرورة دخول غيرهم امتحانا تقيمه لهم الوزارة، أي أنه استغل الموقف لصالحه».

«يا جماعة مش عاوزين نزعل ياسر برهامي حاكم ده زعله وحش»

ومرة أخرى تكرر مثل «جزاء سنمار» مع الشيخ برهامي بعدها في يوم السبت، ففي صفحة الرأي في جريدة «البوابة» اليومية الخاصة تعرض إلى هجوم مفاجئ من السيناريست عاطف بشاي «ناصري» بقوله عنه: «يواصل ياسر برهامي فتاواه الشاذة ونشاطه التكفيري الواضح، ويواصل الظلاميون إشاعة مناخ من التطرف والإرهاب والتخلف والاتجار بالدين، واستباحة الحرمات على طريقة العنتيل، وطالما أنه لم يحل حزب النور ولم تعلن الدعوة السلفية كمنظمة محظورة أو تحرض على العنف والإرهاب شأنها شأن الإخوان. إن الدولة أعلنت الحرب ضد الفاشية الدينية وعدم جواز خلط السياسة بالدين وعدم السماح بتكوين أحزاب دينية لا تمانع ولا تتورع عن التقارب والتدليل، ومحاولة التوافق والتناغم مع السلفيين، وكأن لسان حالهم يقول يا جماعة مش عاوزين نزعل ياسر برهامي حاكم ده زعله وحش».
عبد الفتاح عبد المنعم: لن نقف
صامتين أمام تطرف بعض الملحدين والعلمانيين

لكن برهامي تلقى في يوم السبت نفسه دعما غير مباشر وغير مقصود بالمرة في «اليوم السابع» من زميلنا عبد الفتاح عبد المنعم، لصمت الأزهر عن التصدي لما قاله الدكتور سيد القمني عن القرآن الكريم فقال وقد تملكه الغضب: «إذا كنا نحارب الفكر الديني المتطرف فإننا لن نقف صامتين أمام تطرف بعض الملحدين والعلمانيين، الذين ينشرون أفكارا ستؤدي في النهاية إلى ظهور جماعات دينية متطرفة، تستخدم القتل لوقف ممارسات بعض هؤلاء الملحدين، الذين يستغلون بعض القنوات الفضائية لنشر أفكارهم الشاذة، وإذ كنا يوميا نذبح بالقلم كل قيادات وأعضاء التنظيمات المتطرفة من الإخوان حتى «داعش» و»القاعدة» التي تخالف سماحة ديننا العظيم، فإننا سوف نستخدم هذا القلم لقطع لسان من يحاول النيل من ديننا الحنيف، وإذا كنا نرفض فتاوى مشايخ التطرف والإرهاب مثل فتاوى النصاب أبو بكر البغدادي أو الإخواني يوسف القرضاوي فإننا نرفض تخاريف المدعو سيد القمني، الذي لا يظهر إلا مع كل انحدار فكري وتطرف ديني، لأن أمثال هذا الملحد سيد القمني يرتدون ثوب التطرف العلماني الذي يصل أحيانا إلى أن يكون كافرا كما وصفه الشيخ سالم عبد الجليل».
وللتذكرة فإن نظام مبارك كان منذ أكثر من عشر سنوات قد أتاح للدكتور سيد القمني نشر أفكاره في مقالات متتابعة في مجلة «روز اليوسف» ولاحظت أنه يهاجم بضراوة ثورة يوليو/تموز وخالد الذكر والقومية العربية، التي تبناها. وهاجم العرب وتعريب مصر بعد الإسلام ووصفهم بأوصاف شنعاء، وقد أحسست أنه يراهن، والله أعلم، على نيل جائزة دولية، لأن موضة انتشرت وقتها للتقرب من الأوروبيين والأمريكان والمنظمات المانحة للجوائز، وهي أن الطريق إليها هو مهاجمة ثورة يوليو وخالد الذكر والقومية العربية. وعلى العموم فقد نال القمني جائزة الدولة أيام مبارك من وزارة الثقافة، وقدرها مئتا ألف جنيه، وانقلبت الدنيا رأسا على عقب وقام البعض برفع قضايا ضد الوزارة والمطالبة بسحب الجائزة والأموال.

لا فرق بين من يذبح بالسكين ومن يغتال معنويا وفكريا

وإلى المعارك والردود وهي لن تكون بعيدة عما سبق ففي يوم الأحد دافع زميلنا في «الوفد» كامل عبد الفتاح عن القمني وهاجم الدكتور الشيخ سالم عبد الجليل لوصفه القمني بأنه كافر فقال: «إذن نحن أمام مقاصل أزهرية ومحاكم تفتيش علا صوت قضاتها وجلاديها، وإذا كنا اليوم نواجه فكرا «داعشيا» أسود يقتل ويذبح باسم الدين كل من يشتبه في اختلافه مع فكر الدواعش، فما الفارق بين من يذبح بالسكين وبين من يغتال مفكرا اغتيالا معنويا وفكريا ونفسيا على الهواء مباشرة، كتمهيد طبيعي وتلقائي لكل من بعقله مرض خبيث، أن يغتال ويصفي بدنيا الدكتور سيد القمني في وضح النهار، ويهلل الله اكبر، مثلما كان مصير الدكتور فرج فودة، ومثلما وقع من محاولة اغتيال قبيحة لأستاذنا نجيب محفوظ، ورحم الله أيضا الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي كوفئ على بحوثه وجهده العقلي الجبار بتطليق زوجته منه، ونفيه خارج مصر، سواء كان ذلك خوفا عليه أو كسبا لرضا مؤسسة دينية».

الاستعانة بوعاظ الأزهر في الأردن!

أما المعركة الثانية فستكون في يوم الاثنين من «التحرير» التي أشار فيها صاحبنا محمد طعيمة إلى الأزهر، واستعانة الأردن بعلمائه لمواجهة الإخوان المسلمين، قال عن زيارة الرئيس السيسي السريعة للأردن ولقائه مع ملكها عبدالله الثاني: «شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني على محورية دور الأزهر الشريف في محاربة التطرف، باعتباره منارة فكر الإسلام المعتدل، وأهمية توفير سبل الدعم والمساندة له ليتمكن من أداء رسالته على الوجه الأكمل وفق بيان الديوان الملكي الأردني عقب لقائهما في عمان الخميس الماضي.
ليست عبارة بروتوكولية، فهي تأتي بموازاة حرب شرسة تعرض لها الجامع ـ الجامعة المنسوبة إلى فاطمة الزهراء، مستمرة منذ أعلنت الأوقاف الأردنية الاستعانة بمئات الوعاظ المصريين، ولم يختلق جمال عبد الناصر مكانة الأزهر، لكنه سعى لتعزيزها خدمة لوطنه، ومن بعد لإيمانه بالإسلام، ففتح أمامه المجال لترسيخ تأثيره الروحي عالميا، وضاعف قدراته مرات بالتوازي مع ضبط إيقاعه كمؤسسة دولة، تماما كما تعامل مع كنيسته الوطنية «عاوزها اكبر كاتدرائية في المنطقة وأفريقيا»، قال لأبونا كيرلس السادس حين أخبره بمشروع بنائها، ذراعان ناعمان للوطن هكذا أراهما.
وأشار طعيمة إلى غضب الإخوان في الأردن من قرار وزارة الأوقاف الاستعانة بوعاظ الأزهر، ورسالة الإخواني حمزة منصور إلى رئيس الوزراء عبد الله النسور الذي حذره فيها من أنهم مؤيدون للانقلاب أضاف طعيمة. بينما أرجعها مراسل «القدس العربي» حينها لتواصل إقصاء الإخوان أكثر عن المساجد، ناقلا عن بعضهم أن قرار الأوقاف يبعد خطباء الإخوان عن المنابر».

كل شيء مستباح الآن في الإعلام

وإلى معارك أخرى مختلفة، فمن منابر المساجد في الأردن إلى الإعلام المصري وقول زميلنا في «الوطن» علاء الغطريفي يوم الاثنين أيضا: «يمكنك أن تفعل أي شيء في الإعلام، ففي دنيا الفوضى كل شيء مستباح، فلا وازع عن لياقة أو تقاليد أو دين أو أخلاق أو غيرها، فالرسالة المعلنة شاهد الإثارة والتصق بكرسيك، تجلس أمامهم وتخشى أن تسمع تصريحا أو تلميحا تخجل منه أمام أفراد أسرتك، تتحسس الريموت حتى لا تفاجأ بخطاب تحريضي أو ترويج للكراهية أو طعن في الشرف والسمعة أو الاغتيال المعنوي، بلا أي دليل… وهذا سبيل ينافسه سبيل الأمنجية والمؤلفة قلوبهم على فلول مبارك وبينهما شذوذ وعقوق ومس قضائي أصاب الصناعة بتهم لا تقل عن تهم طماع وجشع في دنيا زائلة منحطة حقيرة، وإذا سألت أحد الفضائحيين عنها لقال لك الجمهور عايز كده والجمهور هنا ليس جمهور المنازل فقط بل هو جمهور الملاك وأصحاب الامتيازات الإعلانية».

تسلسل المواضيع المطلوب طرحها

وتشاء الصدف أن يكون كاريكاتير زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب عمرو سليم في العدد ذاته عن يد لمسؤول يمسك ورقة يحدد فيها المواضيع المطلوب طرحها في الإعلام، وهي حسب الترتيب «الديمقراطية، الجن والعفاريت، الشذوذ، الإلحاد»، وقد شطب بالقلم الأحمر على الديمقراطية وأبقى على المواضيع الثلاثة الأخرى.

طبق الفضائيات الذي يقدم للناس لا يدفعهم للتفاؤل

وعن الإعلام الذي أطلق عليه محمد فتحي في «المصري اليوم» عدد أمس الأربعاء لقب إعلام العفاريت نقرأ: «استضاف عمرو الليثي شابا يريد أن يتحول لفتاة، فرد وائل إبراشي بآخر، وقرر معتز الدمرداش الابتعاد عن تشابه الأفكار فاستضاف فتاة عاشرها أبوها، فيما لا تزال ريهام سعيد تسير على خطى ثابتة في إنجاح منظومة إعلامية محترفة تخدم مصالح الناس «الملبوسة» بالجن والعفاريت. تلك الحقبة الزمنية في الحلقات لم تتجاوز الشهرين على الأكثر في تتابع كأنه ممنهج، ليعود بنا الجدل مرة أخرى، هل يلبس الإنسان جنا أم يلبس الجن إنسانا، وهل التحول الجنسي حلال أم حرام وهل دخول الحمام زي خروجه أم لا؟ تلك هي قضايانا يا سادة، التي بحثوا عنها ولها، وتلك هي أزماتنا، التي نسعى لحلها، مصر الآن تصارع العفاريت!
لم يسأل إعلاميونا الأسبوع الماضي لماذا افتتح رئيس الوزراء إبراهيم محلب مشروعات افتتحها من قبله مبارك في سوهاج، لماذا 86٪ من الباحثين المصريين يرون أن المناخ التشريعي والمؤسسي في مصر لا يساعد على الابتكار والبحث، كيف منح المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية 858 براءة اختراع للمملكة العربية السعودية في 2014، ولم تمنح مصر مثلها، لتحتل المملكة المرتبة 29 على مستوى العالم، ونحن مازلنا نبحث عن «العفريت». لم تبحث القنوات الفضائية عن مصطفى عثمان، أصغر عالم مصري في النانوتكنولوجي كيف سيفيد مصر، كذلك لم يسألوا محافظ القاهرة على أي أساس أغلقت مقهى «الملحدين»، وهل لنا بالأساس الحق في حساب الناس على ما يعتقدون من ديانات في بلد حرية الرأي والتعبير والقانون؟
بعد 30 يونيو/حزيران عام 2013 أغُلقت القنوات الدينية لاتهامات بنشر معلومات مضللة والتحريض على العنف، ووصفت الحكومة وقتها القرار بالاستثنائي لظروف البلاد الاستثنائية هي الأخرى، وقال حسام عيسى، وزير التعليم العالي ونائب رئيس الوزراء آنذاك، «بعض وسائل الإعلام تحولت للأسف للدعوة إلى الاقتتال، وهذا بالطبع أمر غير طبيعي وكان لابد من تصحيحه، خاصة نحن نعيش مرحلة استثنائية تستوعب القرارات الاستثنائية، بل تستوجبها كضرورة للحفاظ على الإنسانية»! ويبدو أننا لا نتذكر الإنسانية إلا ونحن نتكلم عن مصالحنا الذاتية.
في 2007 تم إيقاف برنامج هالة سرحان بعد قيامها ببث حلقة من قناة روتانا عن «بائعات الهوى في مصر»، لأسباب تتعلق أيضا بالتضليل والاتفاق مع أشخاص للتمثيل بأنهم فتيات ليل، وتأتي إلينا الفضائيات الآن بالتسريبات وتجار المخدرات وأخيرًا في حلقة الموسم «الملبوسين» . التسلسل الزمني أقرب للممنهج يدفعنا للتساؤل هل هناك ما يجبر الفضائيات على تناول موضوعات بعينها أم أنهم أجاودا بالبعد عن السياسة فخابوا. طبق الفضائيات الذي يقدم للناس لا يدفعهم للتفاؤل سيدي الرئيس ولا لحب الوطن أو العمل من أجله، لا يعطي لهم حلولا ولا أملا يدفعهم ببلع مُر الحياة اليومية، بل يقدم لهم ما يجلب الهَم والحَزن بقصص خيالية ومفبركة».

من سلط «داعش» علينا؟

وننتقل إلى جريدة «الشروق» عدد يوم الأربعاء نفسه لنقرأ بماذا يرد الكاتب فهمي هويدي على تساؤله عمن سلط «داعش» علينا يقول: « من سلط «داعش» على الإسلام والمسلمين؟ هذا السؤال أصبح يلح عليّ كل صباح كلما وقعت على شيء مما تتناقله الصحف ووكالات الأنباء عما ينسب إلى ممارساته وبلاويه، التي تجاوزت حدود سوريا والعراق ووصلت إلى أوروبا، ولم تستثنِ أستراليا… صحيح أن البعض يدعي أن بعض ما ينسب إلى «داعش» مبالغ فيه أو مغلوط، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يقبل كتبرير لسوء سمعته، ذلك أنه «لا يوجد دخان بغير نار وراءه»، كما يقول المثل العامي. لذلك فما كانت سمعة «داعش» لتسوء إلى تلك الدرجة المزرية والمنفرة لولا أن ممارساته على أرض الواقع هي التي أوحت بذلك. وهي الممارسات التي لطخت سمعة الدولة الإسلامية وأهانت الخلافة وابتذلت شعار «لا إله إلا الله» حتى حولته إلى راية تثير الخوف والرعب وتمهد لقطع الرؤوس وسبي النساء وسحق المخالفين. وبسبب «داعش» شوهت صورة المقاومة، وأصبح الطرف الإسلامي موصوما بكل ما يشينه…
منذ وقت مبكر أشرت في كتابات منشورة إلى احتمال أن يكون لأبالسة النظام السوري يد في انطلاق «داعش» والنفخ فيه لإخافة الجميع من البديل الذي يمكن أن يحكم سوريا لو قدر للثورة الراهنة على نظام الأسد أن تنجح. وكان تقديري أن الرسالة التي أريد توصيلها من وراء ذلك تعلن على الملأ أنه إذا كانت للنظام السوري سوءاته، فإن الطرف الذي يرشح نفسه بديلا له أسوأ وأضل سبيلا.
كان ما قلته مجرد استنتاج لا دليل عندي عليه، إلا أنني وجدت في التقرير الذي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية يوم الجمعة الماضي (12/12) قرينة تؤيد ما ذهبت إليه. ذلك أن التقرير الذي كتبه مارتن جولوف أحد الخبراء المعينين بالشرق الأوسط، اعتمد على معلومات من مصدر داخل قيادة «داعش»، كانت تربطه به علاقة وثيقة منذ وقت مبكر. مما ذكره الكاتب نقلا عن مصدره العراقي، أن المخابرات السورية لم تكن بعيدة عن أنشطة «داعش». وأن الذي توسط في العلاقة بين الطرفين كان الضباط البعثيون في جيش صدام حسين، الذين تعرفوا عليهم وتفاعلوا معهم حين جمعتهم الزمالة أثناء الاعتقال في سجن «بوكا» جنوب العراق. وهؤلاء الضباط هم الذين رتبوا للجماعة لقاءاتهم مع أقرانهم من الضباط البعثيين في سوريا.
تحدث القيادي في داعش الذي انتحل له اسم أبو أحمد عن اجتماعين سريين عقدا في منطقة الزبداني قرب دمشق في ربيع عام 2009، حضره قادة بعثيون عراقيون سابقون لجأوا إلى سوريا، وممثلون عن المخابرات السورية، إلى جانب شخصيات مهمة من عناصر «القاعدة» في العراق (التي تطورت بعد ذلك وأصبحت تحمل اسم «داعش»). وكان هذان الاجتماعان من بين حلقات التعاون بين المخابرات السورية والتنظيم داخل العراق، الذي كان ينشط ضد الاحتلال وضد حكومة نوري المالكي، لكنه أدى إلى جانب ذلك، وبمضي الوقت إلى ممارسة ضغط قوي على حكومة المالكي. والأهم من ذلك أنه أسهم في تضخيم صورة تنظيم «القاعدة» وتوسيع نطاق عملياتها، ومن ثم صرف الانتباه عن حكومة بشار الأسد في سوريا. وهو مسلسل تتابعت حلقاته على النحو الذي نعرف، وانتهى بنجاح مخطط أبالسة النظام البعثي في سوريا، الذين استطاعوا الإبقاء عليه. ولم يبالوا بالكوارث والخرائب التي حلت بالمنطقة جراء ذلك».

خطورة توزيع الغنائم قبل حسم المعركة

ونبقى في «الشروق» عدد اليوم نفسه ومع مقال رئيس التحرير عماد الدين حسين عن أزمة الأحزاب وصراعاتها يقول: «أرجو أن يسأل السياسيون والإعلاميون المصريون أنفسهم سؤالا بسيطا وهو: هل هذا هو وقت الصراعات المستعرة بينهم، وهل هذا هو وقت توزيع الغنائم؟
من حسن الحظ أننا عدلنا خريطة الطريق وجعلنا الانتخابات الرئاسية تسبق النيابية. تخيلوا لو استمر الوضع كما كان مخططا له أن يكون؟ تخيلوا لو أن الأحزاب المصرية خاضت الانتخابات بالمنطق نفسه الذي تتصارع به الآن؟ كان مؤكدا أن حدة الصراع ستزيد في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية وكان متوقعا أن تنتهي المعارك الانتخابية بين الفرقاء والحلفاء إلى «حفلات تقطيع هدوم» تحول الجميع إلى أشلاء سياسية تحت قبة البرلمان. معسكر 30 يونيو/حزيران يكاد يلفظ أنفاسه، الصراعات بين أطرافه صارت علنية، والتناقضات مستعرة، في حين أن المعركة الجوهرية مع الإرهاب والتطرف لم تحسم بعد، بل إن الإرهابيين يفاجئون الجميع بأنهم أكثر قوة واستعدادا مما كنا نظن.
هل يعقل أن تفشل الأحزاب الرئيسية في التوصل إلى برنامج الحد الأدنى من التنسيق الانتخابي حتى لا تفاجئها بعض القوى المتطرفة بالتسلل بمجموعات إلى البرلمان؟
هل يعقل أن نرى صراعات وخناقات ومشادات «وفرش ملاية» بين أحزاب يفترض أنها تنتمي إلى تيار سياسى واحد، في اليمين واليسار على حد سواء؟
هل يعقل أن هذه الأحزاب الكبرى لا تدرك حتى هذه اللحظة أن هناك خطرا حقيقيا يحيط بالبلاد، وأن الإرهاب لايزال قويا، وأن أي تساهل أو تهاون أو تقاعس سيصيب الجميع في مقتل؟
من حق الأحزاب بطبيعة الحال أن تتصارع سياسيا بالبرامج والخطط، ومن حقها أن تتنافس في الانتخابات، وبعدها تقيم التحالفات، لكن نحن لسوء الحظ لسنا في واقع طبيعي مستقر يتيح لنا هذا الترف المتمثل في غرق كثير من الأحزاب في صراعات معظمها عبثي للأسف الشديد.
ومن السياسيين إلى الإعلاميين.. فإن السؤال نفسه يتكرر: هل من المنطقي أن يدخل كبار الصحافيين في معارك متفرقة حول قضايا فئوية أو حتى شخصية، في وقت تواصل فيه القوى الإرهابية ممارسة أوسع عملية غسيل أدمغة للكثير من البسطاء.
هل سأل الإعلاميون أنفسهم سؤالا بسيطا هو: من المستفيد من هذه المعارك العبثية المجانية؟
فى موقعة «أحد» انشغل المسلمون بتقسيم الغنائم وظنوا أن النصر حليفهم وأن المعركة قد انتهت تماما، لكن المشركين استغلوا هذا الخطأ القاتل وعادوا مرة أخرى وتمكنوا من إلحاق الهزيمة بجيش المسلمين، وكان درسا قاسيا خلاصته أنه لا ينبغي ان تفكر في الغنائم إلا بعد أن تتأكد مليون في المئة أن المعركة انتهت.
أخشى ما أخشاه أن نرتكب الخطأ الكارثي نفسه في الكثير من مجالات حياتنا الآن. نتصرف باعتبارنا منتصرين، في حين أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإرهابية تحاصرنا من كل جانب….
السؤال هو: لماذا لا يتحرك العقلاء في كل مجال لكي يوقفوا هذا الاندفاع المحموم نحو الكارثة؟

حسنين كروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية