الأزمة المالية العراقية 2016 وسبل معالجتها

حجم الخط
1

ودع العراقيون سنة 2015 بما فيها من مأسٍ وافراح واستقبلوا العام الجديد 2016 بأمنيات وأحلام تراوحت معظمها في طلب الأمان والتحرير وعودة النازحين وغيرها. ولكن العام الجديد هذا يحمل في طياته مخاوف كثيرة منها العسكرية والسياسية ولعل أخطرها الاقتصادية المتمثلة بالأزمة المالية التي يمر بها العراق ومن المتوقع ان تزداد شدتها في هذا العام وتثار الشكوك حول عجز الحكومة خلاله عن دفع رواتب موظفيها أو ربما افلاس العراق بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات السابقة وحتى الحالية. فقد كثر الجدل عبر وسائل الإعلام حول الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد العراقي وامكانية الخروج منها، فما هي مؤشرات الاقتصاد العراقي مطلع العام 2016؟ وما هي التحديات التي تواجه ميزانية العراق؟ وكيف يمكن الخروج من هذه المشاكل بحلول اقتصادية تصب في مصلحة البلد؟

مؤشرات الاقتصاد العراقي

كما هو معروف يمتاز الاقتصاد العراقي بخاصية انه اقتصاد ريعي مشوه وأحادي الجانب، يعتمد في تطوره على العوائد النفطية؛ أي انه يعتمد على النفط فقط لتمويل ميزانيته فأكثر من 97٪ من ايرادات الموازنة هي ايرادات نفطية ولاشيء يذكر بالنسبة للإيرادات غير النفطية. وهذه العوائد تأثرت بالركود الاقتصادي العالمي الذي نتج عن الأزمة المالية الراهنة، فقد أدى ذلك من بين أمور عديدة إلى تقليص الطلب على النفط وانخفاض أسعاره بصورة مستمرة في الأسواق العالمية منذ منتصف عام 2014 ولغاية بداية عام 2016 ومن المتوقع ان يستمر الانخفاض حتى نهاية 2017 حسب تقديرات الاوبك التي لها دور كبير في هذا الانخفاض بسبب عدم اتفاق دولها على تقليل المعروض من أجل رفع الأسعار.
وهذا الانخفاض في الأسعار ألقى بظلاله على موازنة العراق إذ ان واردات النفط وفقاً للأسعار الراهنة ومع تكاليف الإنتاج العالية التي تأخذها الشركات بسبب جولات التراخيص سيئة الصيت النفطية لم تعد كافية لتغطية نفقات الحكومة الخيالية وبدأت تتجه نحو التقشف المزعوم وهذه الواردات لا تكفي لدفع رواتب موظفي الدولة وبالتالي سيضطر العراق للاقتراض الخارجي لتغطية العجز الكبير في الموازنة العامة.

التحديات الاقتصادية
لموازنة العراق مطلع 2016

ومن مجمل ما تقدم يمكننا القول ان هناك جملة من التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي ووزارة المالية أو بالتحديد تواجه الموازنة العامة الاتحادية مطلع سنة 2016 لعل أبرزها:
انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بسبب تخمة المعروض فيها.
ارتفاع تكاليف استخراج النفط العراقي بسبب جولات التراخيص سيئة الصيت.
انعدام أو قلة الواردات غير النفطية خاصة من القطاعين الصناعي والزراعي؛ بسبب تجميد أغلب شركات وزارة الصناعة والمعادن وتحويلها من شركات عاملة إلى شركات خاسرة.
ارتفاع نفقات الدفاع وتكاليف الحرب التي تنعكس سلباً على الموازنة العامة، سيما وان هذه التكاليف لا تقتصر على الأعمال العسكرية حيث التجهيز والتدريب والتعبئة والرواتب فحسب، وإنما تشمل أيضا نفقات تعويض ذوي الشهداء وعلاج الجرحى وإعانة الأرامل والأيتام وإعادة تأهيل وصيانة ما دمرته الحرب، وهذه بمجملها تمثل نفقات إضافية تثقل كاهل الموازنة.
قلة الاحتياطي النقدي الأجنبي وتراجعه إلى نحو 54 مليار دولار فقط، وبذلك قد يرتفع عجز الموازنة إلى أكثر من 40 ٪ .
الرواتب والمخصصات المبالغ فيها للرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والوكلاء والمستشارين والمدراء العامين والدرجات الخاصة وما أكثرها في العراق اليوم، فضلاً عن كثرة الوزارات وعدد أعضاء مجلس النواب والوكلاء. فبالرغم من رواتبهم المفرطة فهم يكلفون خزينة وزارة المالية أعباء إضافية منها مخصصات بدل ايجار ومخصصات سيارات ووقودها وصيانتها ومخصصات حماية ومخصصات وقود لكهرباء بيوتهم ومخصصات قرطاسية وغيرها من لا نظير لها عالمياً والتي ثقل الموازنة الاتحادية، وبهذا فهم يمتازون عن المواطن البسيط الذي يتقاضى راتبا قليلا أو متوسطا وعليه ان يتدبر أمور معيشته بهذا الراتب وسط غلاء المعيشة فلا بدل ايجار له ولا مخصصات وقود ولا قرطاسية ولا غيرها.
نفقات إيواء ودعم النازحين في مخيمات النزوح ودفع مستحقاتهم من وزارة الهجرة والمهجرين.
الأعباء المالية الإضافية التي فرضها قرار تحويل رواتب منتسبي شركات التمويل الذاتي إلى التمويل المركزي.
ارتفاع مجموع النفقات المخصصة لشريحة (السجناء السياسيين) الذين يكلفون الخزينة مليارات الدنانير وبالأخص الذين هم في الأصل موظفون في دوائر أخرى ويتقاضون رواتب من دوائرهم الأصلية.
ارتفاع نفقات إعادة إعمار المناطق المحررة التي تضررت بسبب الأعمال العسكرية.
ارتفاع مؤشرات البطالة بين العراقيين بصورة عامة.
ايقاف الاستثمار بسبب قلة التخصيصات ومخاوف المستثمرين من الانفلات الأمني والاضطراب الاقتصادي.
الترهل الإداري في دوائر الدولة بصورة عامة وهو ما يكلف الدولة نفقات ازاء فائدة قليلة أو معدومة، ففي موازنة العراق خصص 40 ترليون دينار رواتب للموظفين، فضلاً عن 11 ترليون دينار رواتب المتقاعدين، بمجموع 51 ترليون دينار وهو ما يشكل نسبة 48.5٪ من الموازنة وهي الأكبر عالمياً.
نفقات استيراد الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء بأكثر من 5 مليار دولار .
كل هذه التحديات وغيرها مع استمرار تدني انخفاض أسعار النفط عالمياً وارتفاع تكاليف الحرب والأعمال العسكرية على الأرض وقلة الواردات غير النفطية وعجز الموازنة عن تغطية النفقات العامة للدولة واللجوء إلى الاقتراض الخارجي، كل ذلك يمثل ناقوس خطر أو انذار حقيقي للحكومة العراقية يتمثل تفاقم حدة الأزمة المالية خلال السنة المالية 2016 وربما إفلاس العراق في السنة نفسها أو سنة 2017 إن لم تسارع الحكومة لإنقاذ ما يمكن انقاذه وضغط النفقات العامة والسعي لزيادة الواردات غير النفطية من أجل تغطية وتمويل العجز المالي . فما هي أهم الخطوات التي تمكن الدولة من الخروج من هذه الأزمة المالية وانقاذ الاقتصاد العراقي وزيادة الواردات غير النفطية وتقليص النفقات؟

وسائل معالجة الأزمة المالية العراقية

ازاء كل التحديات أعلاه لابد للحكومة من اتخاذ إجراءات واتباع سياسات اقتصادية اصلاحية سريعة للخروج من الأزمة المالية الراهنة أو للتخفيف من آثارها ومن الدخول في مرحلة الكساد أو اعلان افلاس العراق، ويمكننا ان ندرج أدناه مجموعة من التوصيات أو المقترحات التي تقتضي الضرورة اتباعها لمعالجة الأزمة والتخفيف من النفقات الحكومية وزيادة الواردات غير النفطية وهي:
إعادة النظر الفوري بما يمسى عقود جولات التراخيص سيئة الصيت أو إلغائها فوراً.
استثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط وعدم حرقه والتعاون مع البنك الدولي في ذلك، فحسب وزارة النفط العراقية فأن كميات الغاز المصاحب لاستثمار النفط والذي يحرق يومياً تقدر بــ 42 مليون متر مكعب أي تقريباً 10 مليون دولار يتم حرقها يومياً، وهذا الرقم وفقاً لسعر برميل النفط بـ 40 دولارا بينما حين كان سعر البرميل بــ 100 دولار كان العراق يخسر 25 مليون دولار يومياً.
استثمار الغاز المحلي في إنتاج الكهرباء بدلاً من الغاز المستورد، الهادف لدعم الاقتصاد الإيراني.
دعم وتوسع مصافي النفط العراقية لتغطية الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية بدلاً من استيرادها من إيران وتركيا، بما في ذلك العمل على إعادة تأهيل مصفى بيجي النفطي الذي تعرض لأضرار جسيمة جراء العمليات العسكرية فضلاً عن سرقة بعض أجهزته من قبل جماعات مسلحة محسوبة على الحكومة، والتعاون مع البنك الدولي في سبيل تحقيق هذا الهدف المستقبلي.
الحد من عمليات تهريب النفط العراقي للخارج عبر كل من تركيا وإيران.
ايقاف صرف كل المخصصات والمنافع الاجتماعية للوزراء والنواب والوكلاء والمستشارين ومن هم بدرجتهم كمخصصات بدل الايجار والسيارات والوقود والحراس وصيانة السيارات والقرطاسية، ليتساوى بذلك المسؤول والمواطن.
تقسم أعضاء مجلس النواب إلى 3 مجموعات تضم مجموعتين 109 نواب وتضم الثالثة 110 نواب منح كل مجموعة اجازة اجبارية بدون راتب لمدة اربعة شهور وتدور بين المجموعات الثلاث وذلك لدعم الميزانية، وكذا الحال بالنسبة لمجالس المحافظات، أو ليتبرع كل أعضاء مجلسي النواب والوزراء بمجموع رواتبهم ومخصصاتهم لشهري فقط للموازنة ودعمها.
اتخاذ قرار مستقبلي بتقلص عدد أعضاء مجلس النواب للدورة البرلمانية القادمة إلى ما لا يزيد عن 170 نائباً بدلاً من 328 وبواقع تمثل النائب لـ 200000 نسمة، فضلاً عن تقليص الوزارات في الحكومة العراقية ودمج البعض منها بقرار يجب تنفيذه في التشكلية الحكومية المقبلة، وبهذين القرارين سيتم تخفيف عبء ثقيل عن كاهل الموازنة الاتحادية وتقليص النفقات الحكومية. إعادة هيكلة الشركات العامة في وزارة الصناعة والمعادن او منحها للاستثمار، ودعما للإنتاج والمنافسة في الاسواق وإعادة رواتب منتسبيها للتمويل الذاتي بدلاً من المركزي.
ايقاف الإفادات إلى خارج البلاد من قبل مؤسسات الدولة، وايقاف صرف مخصصات ايفاد لمديري الدوائر او موظفيها بديل الزيارات او السفرات داخل البلد أي لا ايفاد لمدير دائرة في محافظة يتوجه لزيارة الوزارة التابع لها في بغداد .
استثمار السياحة الدينية ورفع تأشيرة الدخول للعراق إلى 90 دولار على اقل تقدير.
ايقاف او تقليل عقد المؤتمرات والندوات في اغلب مؤسسات الدولة كونها تنفق الملايين دون جدوى.
تحسين كفاءة شبة الحماية الاجتماعية من خلال استبعاد غير المشمولين من الشبكة.
تصفية قاعدة المعلومات من المتقاعدين غير المؤهلين لاستلام الرواتب التقاعدية.
ايقاف صرف رواتب المشمولين بمؤسسة السجناء السياسيين أو على أقل تقدير ايقاف رواتب الموظفين منهم في دوائر اخرى ويتقاضون رواتب من دوائرهم أو هيئة التقاعد.
إعادة تأهيل منشأة التصنيع العسكري ودعمها لإنتاج ما يمكن ان يدعم المنتوج الوطني من المستلزمات العسكرية.
تشريع قوانين لدعم المستثمر الأجنبي وحمايته ومنح أغلب مشروعات الدولة المتأخرة للمستثمرين.
دعم المنتج الوطني وتشجيعه للمنافسة وحمايات الصناعات الوطنية الناشئة من الصناعات الأجنبية العرقية، من خلال فرض رسوم التعريفة الجمركية على استيراد السلع التي يتم إنتاج مثلها محلياً، إذ إنه يمكن لتشغيل معمل أو عدة معامل رابحة ان تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني ونموه.
إعادة النازحين الفورية إلى مناطقهم المحررة للتخفيف من معاناتهم والتخلص من أعبائهم المالية.
استيفاء اجور الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات من المواطنين لدعم ايرادات الموازنة.
تعديل قانون التقاعد الموحد وخفض سن التقاعد فيه من 63 سنة إلى 60 سنة وهو ما يمكن من احالة نسبة كبيرة من الموظفين كبار السن ممن يتقاضون مرتبات عالية نظير خدمتهم الطويلة، وبالتالي توفير درجات وظيفية شاغرة وفقاً لحركة الملاك وهو ما يمكن من تعيين أعداد كبيرة من الخريجين الشباب وبالتالي تقليل البطالة. ويمكن للدولة بذلك الموافقة على شرط البنك المركزي القاضي بإيقاف التعيين لثلاث سنوات؛ فهذه التعيينات ستكون على حركة الملاك وليس تخصيص جديد.
انشاء شركة اتصالات حكومية منافسة للشركات الأهلية للاستفادة من ايراداتها في دعم الميزانية، و فرض رسوم حقيقية على شركات الاتصالات وعدم تحميلها للمواطنين.
تكيف الجهود الدبلوماسية لإعادة الأموال المسروقة من الخارج، والتنسيق مع الانتربول لإعادة المسؤولين العراقيين المطلوبين للقضاء بتهم الفساد والحجز على أملاكهم.
مفاتحة الدول المانحة من أجل دعم العراق اقتصادياً ومالياً وتخصيص صندوق لدعم العراق للخروج من أزمته المالية.
العمل الفعلي بمبدأ من أين لك هذا ومساءلة كل المسؤولين عن ممتلكاتهم وأرصدتهم ومطالبتهم بتقديم كشوف مالية لممتلكاتهم قبل توليهم المناصب ومقارنتها ومصادرة كل الأموال والممتلكات التي جمعت من جراء استغلال المنصب أو التلاعب بالعقود وغيرها واستثمار دعم المرجعية والشعب لهذا الإجراء.
اصدار أمر بتوجيه مبالغ جباية كل الوزارات والدوائر والمنافذ الحدودية لخزينة الدولة العامة بدلاً من توجه البعض منها لخزينة وزارات معينة.
طرح جزء من السندات الحكومية للاكتتاب المصرفي وبيعها للقطاع الخاص من أجل تغطية عجز الموازنة.
تحسين البيئة التنافسية بين البنوك الحكومية والبنوك الخاصة في النظام المصرفي.
وختاما فإن البنود اعلاه المدرجة تحت عنوان خطة الانقاذ أو وسائل معالجة الأزمة المالية قد اشتملت على مجموعة من السياسات الاقتصادية الآنية منها والمتوسطة المدة والبعيدة المدة، فضلاً عن شمولها لقرارات سياسية أو ربما تشريعات قد تحتاج إلى تعديل بعض بنود الدستور أو بعض القوانين النافذة، وكان هدفنا من كل ذلك هو اصلاح الاقتصاد العراقي والسعي لنموه وتطوره ومواجهة الأزمة المالية الراهنة ولا ندعي الكمال فقد يشوب دراستنا بعض القصور والنقص لكنا سَعَينا ولكل مجتهد نصيب.

همام عبدالله علي السليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حيدر علي الامارات:

    رحم الله ايام صدام حسين الشريف الامين .
    كان العراق محاصرا و مدمراً و لم يكن يصدر النفط الا بموجب اتفاق الامم المتحدة ومع ذلك كان جميع سكان العراق (بما فيهم غير العراقيين ) ينعمون بالامن و الامان و يستلمون المعونات الغذائية بما يكفيهم و يزيد .
    و لكن منذ الاحتلال الامريكي جاءت طغمة من اللصوص و الفاسدين و استولت على مقدرات العراق و نهبتها ابتداء من بريمير و الجلبي الى المالكي و اتباعه و جعلته خرابا و غير امن و مفلسا رغم مليارات الدولارات التي دخلت العراق من بيع النفط باسعار مرتفعة .

إشترك في قائمتنا البريدية