نبكي القدس والأندلس، ونبكي أمجاد الدولة العثمانية على أساس أنها دولة إسلامية بسطت نفوذها على ثلث الكرة الأرضية، نبكي الخسارات التي لحقت بنا منذ مطلع الإسلام إلى يومنا هذا، لا تمر بنا هزيمة وإلا وأرخنا لها بدموعنا ووثّقنا لها بكثير من النصوص من شعر ومسرح ورواية وقصة. تحضر خساراتنا في ثرثرات المقاهي، وأحاديث البيوت ونقاشات التلفزيون وتسكن ذاكرتنا، كما تبرز بقصد أو بدون قصد في قاموسنا اللغوي.
لم نهتم كثيرا بالخسارات العلمية إلاّ لاحقا، لكن المكسب العسكري الذي حققته الغزوات الإسلامية ظلّ نصب أعيننا، وحين انكسرنا وخسرنا تلك المكاسب لم نتمسّك بمنتوجنا الفكري والعلمي (هذا إن كان فعلا منتوجنا الشخصي وليس منتوج الحركة العلمية والفكرية التي تطورت وأثمرت في تلك الحقبة لتلاقي أسباب عدة أدت إليه). لماذا لم نعط أهمية لذلك المنتوج وقمنا بحمايته؟ سؤال يجب أن نجيب عنه بصراحة ونحن نبحث في الأسباب التي دمرت العقل عندنا، وهو تدمير لم يأت من الجناح الغالب لنا، بل من الداخل المستقر آنذاك. أما تصرفنا بعد الحروب الصليبية وما تلاها من انتكاسات فلم يختلف عن تصرف المغلوبين على أمرهم حين أحنوا رؤوسهم أمام الغالب. فالمغلوب يتبع الغالب وينصاع له، حسب نظرية ابن خلدون القديمة الصالحة لكل مكان وزمان.
تخلينا عن منتوجنا العلمي والفكري من تلقاء أنفسنا، بل إننا تعاملنا معه بعدوانية غير مفهومة أحيانا، فتاريخ ثمانية قرون من الغلبة العسكرية لم يكن كافيا لجعل ذلك المنتوج يفرد أجنحته على العالم ويحقق ما حققته حضارات مشابهة.
واليوم أمام ما حدث في كتالونيا من اعتداءات تبنتها جهات متطرفة إسلامية، وما حدث في مسجد في غرناطة من طرف متطرفين إسبان أشياء مخيفة، حدوثها لا ينبئ بخير مقبل بقدر ما ينبئ بتغيرات لن تكون مُرضِية لكل الأطراف حتى المسالمة منها.
تطفو على السطح لغة الحسرة التي تنادي بـ»الأندلس التي كانت لنا» وأسماء كثيرا ما قرأناها في كتب التاريخ مثل، طارق بن زياد وموسى بن نصير. وكلام صادم وطائش، ومفرغ من كل عقلانية. بالمختصر هناك تشفٍّ مبطن في ردات فعل العرب على شبكات التواصل الاجتماعي أمام أفعال إرهابية. وهذا يعني أننا في دوّامة غياب العقل، لم نعد نفرّق بين لغة الإرهاب ولغة الحوار، وأن ما حدث ويحدث من تفجيرات في الغرب لا يخرج عن مفهوم الجريمة، ولا شيء يبرر له، لا سقوط الأندلس في أيدي الصليبيين ولا كون الأندلس كانت لنا.
يجب قراءة أخطاء الملوك كما هي، ومعرفة حقيقة كل غزو على هذه البسيطة، فلكل حرب غطاء، وغطاء الغزوات العربية الإسلامية كان الدين، تماما كما كان غطاء الحروب الصليبية، أمّا المكاسب والخسارات فلم تتعلّق أبدا بنصرة الحق، ولا بنشر الدين الذي منبعه واحد، لأن المسيحية أيضا ابنة هذا الشرق، ولو أنها بقيت في كنف العقل هي والإسلام، ولم يستول عليها ملوك وأباطرة ورجال حرّكتهم غرائز وأطماع مادية، لشهد العالم نهضة كبرى. فلماذا هذا الخطاب المتطرِّف اليوم؟ ومن يحرّكه؟ وما أهدافه؟
صحيح أن الأدب العربي بكى الأندلس ولا يزال، ولكنه كان وظلّ أدبا، أمّا اليوم فما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي هو «قلة أدب» وتحريض ودعوات للتكفير والقتل.
فما الذي أوصلنا إلى هذا الحضيض؟ نطرح السؤال لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت واجهة لنا، وأزاحت وسائل الإعلام بكل أنواعها إلى هامش بعيد عن حقل الرؤية. ولأن هذا الجيل «الإلكتروني» ناقم على كل شيء، ويعتقد أن المعلومات القليلة والسطحية التي تعلّمها منذ نعومة أظفاره من البرامج المدرسية كلها صحيحة وكافية لدخوله سجالات كبيرة وعميقة، فإنّه من الصّعب تصحيح طريقة تفكيره، خاصة بعد أن ضخمت شبكات التواصل حجم الـ» أنا» عنده ووجد في سحر هذا التواصل ما يمكنه من قول ما يريد حول ما يريد، مدركا أنه من الصعب اليوم تكميم فمه، وهو يمتلك زمام هذه التكنولوجيا غير المراقبة، إن صحّ التعبير، وأن أي تطاول على غيره يبقيه محميا. وهذه المعطيات التي يتسلح بها أي «نكرة» وهو يوجه خطابه العبثي – الشبيه بالضجيج أكثر منه بالكلام المفهوم المنطقي – للمثقف أدخل هذا الأخير في غرفة معزولة، هي غرفة « اللاتأثير». إنه انتصار الغوغاء وكل محاولة اليوم للسيطرة على ما يحدث ستجعل الكثيرين يجرفهم السيل. إذ ليس من حقنا أن نكمم أفواه الناس، كمثقفين وأقلام تدافع عن الحريات وحقوق الإنسان كاملة، لكن وقوفنا أمام خطورة انتشار الكراهية عبر هذه اللغة الإلكترونية التي بإمكانها أن تخترق الحدود وتجند شبان من كل الجنسيات والديانات، وترمي بهم في تنظيمات إرهابية فإن الأمر في غاية الخطورة. إنه ليس «حلما لاسترجاع ما كان لنا» ولا «تصفية حسابات مع الاستعمار القديم» إنه في الحقيقة غياب كامل لمعرفة الحقيقة، وانتحار بطيء لشعوب لا تملك شيئا وتقف في مواجهة ترسانة من الأسلحة العسكرية والعلمية والاقتصادية.
نحن مجانين إن اعتقدنا أن إرهاب الدول التي تعيش في النعيم الذي حُرمنا منه بجرائم متفرّقة قد يعيد لنا توازننا، وكل تفسير يصبُّ في خانة «تدمير الآخر نصرة لنا» تفسير يزيد من تركيز حقنة الكراهية التي أصبح المدمنون عليها يبيعونها بثمن بخس، لتوسيع دائرة انتشارها، ويبدو أن «الأرباح المادية» التي تتحقق بسبب الدمار وسحق شعوبنا من تلقاء نفسها يخدم جهات لا تخرج أبدا للنور.
هل الظرف مناسب للتعبير عن مشاعرنا التملكية التي تفيض بالكراهية؟ أليست هذه الكراهية تبريرا جيدا على أنّ كل عمل إرهابي هو إسلامي بالضرورة؟ ما لم يخطر على بال أحد في تفجيرات مدريد 2004 مثلا، التي أودت بمئتي شخص تقريبا؟
تغيٌّرُ الخطاب الذي أصبح في متناول شبكة التواصل الاجتماعي وأغلب التحليلات المبنية عليها مع معطيات هذه المرحلة أخذ منحى فاصلا بين الجريمة والإرهاب، واضعا القانون على هامش ما يحدث، ومطلقا العنان لمزيد من الأحقاد المسببة بشكل رئيسي لكل أنواع الجريمة، هذا إن استثنينا الأمراض النفسية وردات الفعل السريعة المؤدية لجرائم معيّنة.
الخلاصة أن هذا الخطاب انبعث من وقائع تاريخية مغلوطة، فالغزو له مفهوم واحد سواء نحن من قمنا به أو غيرنا، وعلى هذا الأساس فالأندلس ليست لنا، وما وصلنا من تاريخها الناصع أخفى الكثير من الصراعات والاغتيالات والجرائم، لهذا قبل أن ننصاع عاطفيا خلف « المعلومة الوهمية» التي خدّرتنا طيلة قرون علينا تصحيحها حتى لا نظلم أجيالا جديدة تذهب في الطريق نفسه. أما من يحرك الخطاب ويدلق الزيت على النار؟ فهي نفسها الأطماع البشرية القديمة، لا جديد في تاريخ الإنسان، فأخطاؤه هي نفسها وغرائزه إن لم تُهَذّب فإنها ستكرر التاريخ بحذافيره وما سيختلف هو الوسيلة لا غير.
على هذا الأساس إن أعدنا قراءة قصيدة نزار قباني التي تغزّل فيها بفتاة إسبانية ورأى فيها أجفان بلقيس وجيد سعاد، وحين عانقها شـــــعر بأنه يعانق طارق بن زياد، علينا أن نفـــرّق بين الشعر والواقعة التاريخية المحزنة، فبلقيس قتلت بتفجير في بيروت بأيدٍ عربية، وطارق بن زياد كوفئ على انتصاراته بعزله فمات معدما في شوارع دمشق، أمّا سعاد فتعيش في شجارات دائمة مع رجلها، لا هدنة ولا سلام من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا.طبعا هذا الرّجل نفسه هو الذي يحلم باسترجاع الأندلس وأمجاد الماضي ويكتب كلاما بذيئا على تويتر وفيسبوك بعد أن اقتنى «كومبيوترا» وأصبح بإمكانه أن يتواصل مع العالم بكبسة زر.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
اضن اننا نبالغ كثيرا في التفكير بالفتوحات او الغزوات الاسلامية والفرق بين الغزو و الفتح هو اي مكان دخله المسلمين و انسحبوا اطلق عليه غزو ك غزوات الرسول ص و الفتح هو ما استقر فيه المسلمين ك العراق و الشام المهم اننا تخلفنا كثيرا في ميدان العلم والثقافة وهذا أدى الى التخلف الشامل حتى في ثقافة التسامح و قبول الاخر واهم تخلف يعانيه العرب و المسلمين ب شكل عام هو تداول السلطة اما نحن فا أصبحنا اسرى لهذا الماضي الذي لحد هذه الساعة لا يدرس الاكبطولات و أساطير احيانا دون أخذ الدروس منها لمعالجة هذا التخلف المقيت و شكرا للعزيزة بروين الحبيب
انا لاارى موجبا للخلط بين الاندلس والقدس! كل تأريخ الامم به فترات مضيئة ولامعة وفترات مظلمة ولمادا ننسى مافعله الاسبان بالمسلمين/ العرب واليهود في محاكم التفتيش هناك؟ وهل فعل المسلمون بهم مثل دلك في تاريخا الاسلامي/العربي.
انا ارى ان انسانيتنا اكبر.
جميل جدا. لم يذكر أحدا طرد المسلمين من الاندلس ولا محاكم التفتيش. هذه اسبانيا والبرتغال تتأسف لاسرائيل عن محكام النفتيش وكأن تاريخ الاندلس كان لليهود وليس للعرب.
انه الاستعمار سيدتي العزيزة.
نحن ضحاياه.
لسنا الفاعلون.
ما لا يذكره التاريخ أنه في العصر الذهبي للخليفة فلان أو السلطان فلان كان هنالك فقر وفقراء
يغزون بلاد اخرى تحت غطاء الدين ويملئون خزائنهم ويشبعون تعطشم للسلطة والمجد على حساب دماء البسطاء
هل من الدين أن نغزو بلد ونأخذ نساءه سبايا ورجاله عبيد
كل الطغاة متشابهون !
من يقرأ عن لندن في عز العهد الفكتوري الذهبي سيجد البؤس والشقاء بينما خزائن النخبة تمتلئ بخيرات البلدان المستعمرة
تاريخ الانسان عبارة عن تاريخ الاسياد والعبيد والباقي تفاصيل
شكرا ست بروين على شجاعتك !!!
السيد طه مصطفى النمسا. تاريخ العالم كله مليء بالقتل والدماء . ليوبولد الثاني ملك بلجيكا كتب اسمه بحروف من الدماء بعد ارتكابه جرائم شنيعة بحق شعب الكونغو، بعد نجاح مخططه الخبيث في امتلاك الكونغو واستعباد شعبها، وعلى الرغم من قيام ليوبولد بقتل أكثر من أ0 ملايين انسان في الكونغو إلا أن التاريخ لا يذكر جرائمه كثيرا مثلما يذكر العديد من الطغاة من أمثال هتلر وموسوليني وصدام حسين.
استطاع ليوبولد خلال فترة حكمه للمملكة البلجيكية بين عامي أ88خ وأص0ص من السيطرة على الكونغو بعد محاولات استعمارية فاشلة في أفريقيا وآسيا، وكانت مساحة الكونغو تبلغ آنذاك ضعف مساحة بلجيكا حء مرة، ولم يكن سكان القبائل فيها يستطيعون القراءة والكتابة، خدعهم ليوبولد ليوقعوا عقودا تنازل عن اراضيهم.وتم الاستعباد والاذلال والتجويع والقتل.
الحديث عن ” الغزو الاسلامي” و ” عدم أصالة الابداع العلمي” و تجاهل دورالاشعاع والتنوير الحضاري والانساني الراقي الذي شهد له مثقفو الغرب ومنصفوه وحتى قادته وملوكه حين كان يرسلون بكتب التودد لخلفاء المسلمين في الاندلس وغيرها لإفساح المجال امام أبنائهم للتعلم في جامعات ومعاهد المسلمين، ..وغير ذلك هو ليس تجاهل لم يستطعه حتى غلاة المستشرقين، وانما هو جهل بالتاريخ، وبأصالة الحضارة الاسلامية ، ورسالة الاسلام أساسا! محاكمة حضارة سادت بافعال فردية لن تكتب لها النجاح، لا بل فضلا عن تشويهها للحقائق الموضوعية ، فانها تخدم أعداء العرب والمتربصين بهم والذين لا يفوتون فرصة للنيل من العرب والمسلمين الا واقتنصوها بالعدوان المباشر او بالملاحقة والسعي لاخراجهم وازاحتهم من التاريخ وتشويه صورتهم، خدمة لمقولات سابقة ومعاصرة أنتجت من بين ما انتجت: افكارا متطرفة كتلك التي تهاجمها الكاتبة على الورق ( بكبسة قلم)، وبخلط للاوراق، لكنها تنميها وتمدها بأسباب إنعاشية !
رحمك الله يا شاعنا محمود درويش عندما قال ندعو لاندلس اذا حوصرت حلب. خلينا في بلادنا ومأسيها قبل الاندلس.
لماذا هذه الدائرة وهذه المراحل في حياة الدول؟ والناس والمجتمعات؟
والجواب جاء جزء منه في آيات آل عمران: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ….فحسب رأي آرنولد توينبي مرَّ العالم ب 23 حضارة فأنتِ وانا ونحن الأن نعيش الحضارة الغربية الشاملة وقد سبقتها الحضارة العربية الاسلامية الشاملة الغاربة وما زالت بقاياها شامخة رغم انحسارها منذ 6 قرون وتريدين ان تبقى أبد الدهر كأُغنية فقوانين الكون في تبدل, والاؤمنيات تُدغدغ المشاعر. اما الصراعات فهي باقية كجزء من وجودنا المادي والمعنوي أما السلوكيات (فكل نفسٍ بما كسبت رهينة) يبقى الصراخ نسمعه كل يوم منك ومن غيرك.تحياتي لحروفك بمعناها ومُتغيراتها.