الإدارة الأردنية «العليا» تتغير ببطء ولكن «بعمق»

عمان ـ «القدس العربي»: يؤشر السفير والمستشار في وزارة الخارجية الأردنية الدكتور نواف التل على مساحة إدارية عبثية وهو يتجول بين نخبة من كبار الكتاب الصحافيين لإقناعهم بأن ملف العلاقات مع السعودية «عاد» إلى وزارة الخارجية وكأن احدا ينافس الوزارة أصلا في القيام بواجباتها.
بعد جولة من هذا الصنف بين أصحاب أقلام معروفة ولدت مقالات لا تعكس الحقيقة بعنوان «ملف السعودية إلى الخارجية» ورغم أن خبرا من هذا النوع لا يستحق النشر ببساطة لإنه يقع في صلب واجبات الوزارة الإعتيادية إلا ان حركة الدبلوماسي التل كانت تهدف بوضوح لإعاقة مجهودات تنظم في زوايا أخرى من الدولة لهندسة العلاقات الأردنية مع السعودية.
الهدف كان إظهار الولاء للمؤسسة من قبل أحدث رجال الظل تعيينا في وزارة الخارجية لكن المسألة إنتهت بإثارة وشغب بدأ يلتهم الوزيرالمخضرم وأعتق وزراء الحكومة ناصر جودة الذي يتعرض حاليا لحملة غير مسبوقة من النقد ومطالبات الرحيل.
أخرون بعيدا عن الخارجية وفي مربعات موازية وللأسباب العبثية نفسها تقدموا لإعاقة «منتج ينمو» على صعيد العلاقات القطرية بعد إنجاز حققه أحد رجال الظل بصمت خلف الستارة لإعادة ترتيب ملف هذه العلاقات.
إشكالية إدارية تنمو كمتوالية هندسية في الأردن على صعيد الإدارة الدبلوماسية فالحاجة تبدو ملحة لقنوات دقيقة وصادقة بين القيادة الأردنية وخلايا العمل الناشطة في الدول الشقيقة والصديقة. أحد مدراء المخابرات في الماضي قرر تعطيل آلية إسمها «المبعوث الشخصي» للملك لأغراض تعزيز صلاحيات رئيس التشريفات الملكية آنذاك. القرار تسبب بفوضى كبيرة في مستوى العلاقات الأردنية مع دول الخليج وتلك الدول الصديقة التي تعتمد في عملها على تقنية «خلايا العمل» الناشطة خلف كواليس المؤسسات والمكلفة دوما بنقل وتبادل الرسائل.
المهم في الموضوع اليوم أن جميع المسؤولين في الأضواء لا علاقة لهم بالقرارات والتقييمات التي تجري في «الظل» ليس في الأردن فقط بل في مصر ودول الخليج العربي ليس بسبب نقص في كفاءة ومهنية رجال الأضواء ولكن بسبب التسويات التي تجري عبر خلايا عمل في الظل بالصورة التي تتطلبها الأوضاع المتوترة والموتورة في المنطقة.
الاستدراكات في الحالة الأردنية تحديدا أصبحت صعبة ليس لإن المؤسسات العلنية المختصة مثل وزارة الخارجية لا تقوم بواجبها فقط ولكن لإن تحقيق نتائج يتطلب مساحات لرجال الظل في الدولة العميقة. وقد أظهر ملف العلاقة مع السعودية تحديدا مستوى المكاسب التي يمكن إنتاجها بالعودة لقواعد العمل في ظل المشهد وليس عبر موظفين بيروقراطيين لهم صداقات وتحالفات ولديهم ميل للتوسع في الأفق الإعلامي ويبحثون عن دور.
التجربة على هذا الأساس تخضع للتقييم في أرفع مستويات المسؤولية في عمان بهدف التوثق من نماذج منتجة جدا وفعالة لخلايا الظل خصوصا في ظروف إقليمية ودولية دخلت في مناخات غاية في التعقيد والإثارة ومفتوحة على كل الإحتمالات والسيناريوهات.
في كل الأحوال أجواء المناكفات بين سكان الوظيفة العليا في الأردن ما زالت تبدد العوائد المحتملة للمبادرات والسياسات وحتى الخطوات التي يقررها أو يتخذها القصر الملكي مما يفسر عبثية الأداء الإداري في بعض الأحيان وندرة أو تبديد المكاسب الكبيرة.
في شؤون الإدارة العليا في بلد كالأردن كان أصحاب المعالي والدولة وكبار المسؤولين هم المعنيون بإتخاذ كل القرارات وسط تقاليد تشاور قررها القصر الملكي منذ سنوات طويلة طالت حتى تشكيل الحكومات والفرق الوزارية وأعضاء مجلس الأعيان في الكثير من الحالات.
هنا حصريا تتدخل المناكفات والإعتبارات الشخصية ويظهر بعض الذين تتاح لهم فرصة المساهمة في مشاورات القرارات الكبيرة ميلا للتعامل مع الإعتبارات الشخصية أفضلية عن الإعتبارات المهنية أو تلك التي تخص حتى مصالح الدولة والنظام.
الإنتاجية بهذا الأسلوب كانت ضعيفة ومنتجة للمشاكل طوال الوقت وتم التورط بعدة مشكلات وأزمات ناتجة عن «خيارات سيئة» أو غير مناسبة في بعض المواقع العليا، لكن اليوم ثمة ما توثقت منه «القدس العربي» حول وجود مؤشرات ولو صغيرة على ان الآلية «قد تختلف» قريبا أو في طريقها للإختلاف.
آخر قرار مهم على صعيد إختيار أو إقالة مسؤولين كبار كان ذلك المتعلق بإقالة وزير الداخية الأسبق حسين المجالي وقطبين كبيرين في مؤسستين أمنيتين هما الأمن العام والدرك في التوقيت واليوم نفسه.
بصرف النظر عن مبررات ومسوغات إقالة ثلاثة جنرالات دفعة واحدة قبل أكثر من شهرين بقرار سياسي سريع وخاطف أدهش الجميع، يظهر الإتجاه ان المؤسسة المرجعية بدأت بتغيير النمط. فالبدلاء الجدد للمسؤولين المقالين وقد كان إثنان منهم في مواقع قريبة جدا من القرار المرجعي خضعوا للتدقيق وقرأت سيرتهما الذاتية وثمة معلومات عن مقابلات معمقة جرت للإختيار وبصفة مباشرة ومركزية، الأمر الذي يفسر عمليا القوة المعنوية التي ظهرت عند الإستعانة بوزير داخلية جديد وقوي مثل المخضرم سلامة حماد وجنرالين شابين تتاح لهما الفرصة.
قرار الإستبدال في هذه الحالة إنتهى بمعالجات «أمنية فعالة» وسريعة صفق لها الرأي العام وأسندها لكن سياسيا والأهم ان هذه القرار لم يتعلق فقط بإستبدال الأشخاص بل الآلية نفسها ونتائج العملية تقول اليوم بأن التفاصيل «منتجة» سواء اتعلق الأمر بعودة الإسترخاء لمدينة معان أو مواجهة بعض ملامح الفساد الصغير في بيروقراطية المؤسسات المعنية بالأمن الداخلي أو تعلق بالسيطرة المثيرة على ظاهرة إطلاق الرصاص في الإحتفالات.
على صعيد الأمن الداخلي ثمة جديد لا يمكن إلا رصده في مستوى الإدارة الأردنية نغمة «هيبة الدولة « تبرز ميدانيا وليس على المستوى اللفظي فقط والبلاد بصدد ولادة قوة مركزية لمنصب «وزير الداخلية» وهو ما يمكن لمسه من لغة الوزير الحالي سلامة حماد وهو يقول لـ «القدس العربي» مباشرة بأن صلاحياته سيمارسها ولن ينتظر ما تقرره تلك اللجان السياسية التي تجتمع أو لا تجتمع.
ثمة تجربة موازية أثارت تصفيق الرأي العام على صعيد بيروقراطي نجمها وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات الذي نجح في مسألتين أرهقتا عدة حكومات سابقة بعدما حظي بغطاء سياسي وهما إستعادة هيبة إمتحان الثانوية العامة وإظهار نتائج للطلبة تعكس مستواهم الحقيقي.
وزير التعليم العالي بدوره حاول في مساحة المقاعد الجماعية لكنه أخفق وأعلن رسميا وهو يقول: مبادرات الإصلاح الجامعي التي تقدمت بها أحبطها البرلمان.
في كل الأحوال وفي المحصلة يمكن القول يتغير الأردن إداريا بشكل عميق وإن كان بطيئا هذه الأيام بسبب «صحوة» قوامها العودة لتوازنات الصلاحيات ومغادرة منطقة تفويض مجموعة مستشارين أو مسؤولين غير منتخبين بقرارات يقول الدستور انها مركزية وتخص السياق المرجعي للدولة كما فهمت «القدس العربي» من مصدر مطلع. القصر الملكي في طريقة لتغيير الآليات بعدما تبينت مساحات الشخصنة في الكثير من المواقع المهمة.

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد، أمريكا:

    عن أي إداره عليا تتكلم؟ هوي الأردن صار دوله عليا ونحن ما ندراش!!

  2. يقول الاردني:

    الاردن على مر التاريخ دولة صلبة وعليا وقد استطاع احتواء كل الازمات ويخرج منها صلبا. كل عربي يتمنى ان يحمل الجنسية الاردنية ويخلى عن جنسيته ، حتى زعماء فلسطين او من يمثلون الفلسطينين يحملون الجنسية الاردنية وبدونها ليس لهم الخروج ولا حتى التحرك ضمن دولة فلسطين المحتلة.
    الايام اثبتت ان الاردن هو الوطن العربي.

  3. يقول الدكتور سامح الصقور - الاردن:

    انا لاافهم مدى الاستهانة بالشعوب وقدرات الشعوب. الى المعلق خالد لمادا لايكون او يصبح الاردن دولة عليا توالى على الاردن الحضارات من زمن بعيد قبل ان تكتشف بعض البلدان. نحن العرب دائما نحاول ان نهمش بعضنا ونشكك والحكي عندنا كثير وكثير. في يوم من الايام كنت مترجم لوفد اوروبي اقتصادي وقابلنا بعض من اطراف حكومية اردنية وادا باحد الاشخاص الاوروبيين يقول لي ياريت يصبح عندنا او يكون بعض من حكوماتنا الاوروبية بمستوى بعض مسووليكم في الاردن اداريا وثقافيا وكرما واخلاقا وادبا.

    1. يقول ahmed salama:

      الى الدكتور سامح
      انت تحمل حرف د. وتعرف ان البلاد لا تبنى بالافراد بل تبنى بالمجموعات وبالقوانين وبالديموقراطيه وتكافؤ الفرص….اين هذا في الاردن عندما تذهب 79% مقاعد الجامعات للواسطه فهكذا تحرم البلد من المتفوقين وتدخل بدل منهم ناس جاؤا بالواسطه,هل هذا سيصلح ليكون باحث,اعلم انه سيحمل شهاده ويعمل وربما يقود جامعه لكن ليس كالمتفوق الذي حرموه من المقعد.
      لا احد يستهين بالاردن لكن حبنا لها يجعلنا نريدها ان تكون في المقدمه,مراكز بحث,صناعات دقيقه تعطي دخلا جيدا,….نحن لا ننكر ان كثيرا من الغربيين ضعيفوا الثقافه لكن في العمل الجماعي يوظفون قدراتهم ….وعندنا يضيع جهد الذكي والقادر لانه لا يوجد عمل جماعي ولا يوجد ديموقراطيه تجلب الفاهمين والمخلصين للقياده بل تجلب المتزلفين….والامثله كثيره…….اتمنى ان تركز على السلبيات لاصلاحها .

  4. يقول السيف امضى:

    الاخ خالد/امريكا

    هذا ما خرجت به من المقال؟

  5. يقول بوسف aus:

    اتمني من الدول العربيه الاندماج حتى يستطيعوا الصمود امام التغيرات الحاده التي تحصل في العالم .

  6. يقول الهزايمة ا لاردن:

    نحن في الاردن لا نلمس شئ لا تغيير ولا تبديل لا عمق ولا بطء

  7. يقول عماد / الاردن:

    الى خالد/ امريكا

    اذا كنت لا تدري فتلك مصيبة …. وان كنت تدري فالمصيبة اعظم

    نعم الاردن دوله عليا بقيادتها الحكيمه ورجالها النشامى وستبقى في المقدمه شئت ام ابيت

  8. يقول احمد بني حسن:

    الى عماد
    دعنا من الخطب الرنانه اين الاردن في المقدمه….لا تقارنها بسوريا ولا العراق ولا السلطه …….قارنها بتركيا بسنغافوره و ما ليزيا……..دعونا من الكلام الرنان لان هذه الخطابات الرنانه هي سبب تأخرنا………..

  9. يقول احمد بني حسن:

    الى عماد تصحيح لبيت الشعر
    ان كنت تدري فتلك مصيبة …..وان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم

  10. يقول سالم ابراهيم---طرابلس ليبيا:

    انا من زوار المملكة الاردنية الهاشمية وهي مقارنة بالدول العربية من افضل الادارات في كل سي مقارنة لان الفوضى الادارية في مصر والعراق وسوريا والجزائر لكن الاردن افضلها عندما نقارن–

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية