«الإسلامويون» و«المسلمون» السودانيون في حوار وطني

حجم الخط
0

مفهومان مختلفان، يتجاذبان بعضهما بعضا عن ماهية ما يعرف بـ»الحوار السوداني»، كمنهج وآلية جارية على التأسيس بمشاركة العديد من القوى الإقليمية والدولية والوطنية، المتوائمة والمتقاطعة المصالح، لغاية فك طلاسم الجغرافيا السياسية والاجتماعية السودانية، التي تجذرت فيها ثقافة استبدادية منقطعة النظير، لتتحول مع الزمن إلى سلطة «استعمارية»، مكتملة الجوانب، تحت عباءة وطنية.
وهي في حالة انتداب أو وصاية لكل الشأن اليومي والحياتي والراهن والمستقبلي المرتبط بالسودانيين، ولم يهتز عرشها الاستبدادي، رغم كل فعل ثورات المقاومة المسلحة والمدنية، وكذا جدوى فعالية خطابها الوطني من عدمه، وقد نجحت في صدها عبر ترسانة أبنية مصالح الفساد التي تشكلت طوال ربع قرن من سياسة تمكين حقيقية، أخذت مكوناتها المعلنة والسرية، القوة القانونية والدستورية في كل مؤسسات الدولة المختلفة، جراء فعل بطش مؤسسة «النازيون السمر»، حسب تصنيف مكي بلايل – الذي هم في ارتباط عضوي منتج مع مجموع اللوبيات الأمنية والعسكرية والجهوية والقبائلية والإعلامية، التي هي جميعها في حالة تضامن نفعي قائم في إدارة البلاد، فضلا عن مسؤولية حماية الرئيس، باعتباره مصدر شرعية فساد منظومة الحكم.
هذه المنظومة تتغذى بفائض قيمة الفساد المنتجة بشكل دائم وقار، كما الثابت فيه، رئيسه يتغذي من ذلك بدون أن يغامر، ولو للحظة، بوضع جنزير في يده أو في يد أي أحد من جوقته، خلال عقدين ونصف العقد. هذا التحدي قد يتجاوز مظاهر الشكل في السلطة السودانية إلى ما أعمق من ذلك بكثير، لأنها هي فروع للسلطة، على نسق لوبيات وخلايا العصابات. هذه اللوبيات شملت كل المكامن الفاعلة في دولاب السلطة، ولا تكترث لأي أحد. المؤكد في ظل الراهن السياسي السوداني الماثل، ما لم تحدث معطيات أو مفاجآت، تقع تحت بند المستجدات بدون المستحدثات النوعية التي فشلت فيها بنيات العقل السوداني، جاءت متآمرة على ذاتها أو على الآخرين.
في هذا الصدد، يمكن القول إن شركاء وفرقاء الأزمة السودانية تجاوزا – مؤقتا – مربع النار، كآلية كانت قائمة لاختبار آلية قديمة/جديدة، تتحدد في فلسفة الحوارلإدارة صراع الدولة المختلف في كل أعمدتها، لإنتاج وطن «سودانوي بديل»، من حيث المفاهيم والتعريف والأسس والاستحقاقات والقيم، أو التمترس حول ذهنية الخوف والاكتفاء بإعادة إنتاج الماضي والسائد والراهن، ضدا على طبيعة حراك التاريخ الذي هو تاريخي في السودان، شمل كل المعارف والقيم، ولا يمكن معالجته إلا من خلال النظر إلى التاريخ نفسه وإشكالياته في السودان، أو وفق تعريف المفكر عبدالله العروي الذي سماه بـ»التاريخانية».
هذا الحوار، او قل، جدل الراهن الحالي، لا نتخيل فيه أن يتم استدعاء فلسفة الفيلسوف الوجودي مارتن بوبر، عن الحوار كفلسفة ومفهوم، في كتابه الرائد «أنا وأنت»، الذي يرى فيه أن الحوار هو المدخل أو البوابة في الإجابة عن كل الكوارث الإنسانية، وبالتالي الحوار وفق تصوره، أهم ركيزة للوجود الإنساني، أما الـ»أنت»، الذي هو «الآخر»، ليس هو قاعدة أرضية أو خلفية موكلة لها أن تتبع وتنفذ وتخضع للأفكار المبرمجة التي تحمل قيم وطموحات الـ»أنا’.
إذن معالم هذا الحوار وفق هذا البناء الفلسفي ترتبط موضوعيا بهذه المسافة الضيقة في العلاقة بين «أنا» و»أنت»، والعكس صحيح، فيما مقاربة هذه الجدلية في تضاريس اجتماعية معقدة كالنموذج السوداني، هو الآخر أكثر تعقيدا، وقد يفتح معه الباب ربما عن استفهام التعارف السوداني، لأن السودانيين لا يعرفون أنفسهم، رغم أنهم يزعمون ذلك، عبر فكر نمطي في جوهره بعد إقصائي وذلك قبل حمولات الأيديولوجيات التي تظهر منحى الحوار الحالي- إن سلمنا بذلك- فهو حوار في الحقيقة بين «المسلمين» و»الإسلامويون» السودانيين.
في هذ المشهد المشار إليه، ينشأ ما عرف بالحوار الذي تتجاذبه الأطراف مجتمعة حكما ومعارضة، عقلية الأولى تريد أن تصنع منه إنجازا يخدم أجندتها بدون أن تتنازل، وتقدم ما يحفظ لها توازنها الداخلي، ومصالح القوى التي تساندها وتشاركها اللعبة، وتسعى لمشاركة «ذكية» لقوى المعارضة في مسعى من الحكم لتوظيف دعم المحفل الوطني السوداني، لانتزاع الحصانة الوطنية للرئيس، ضدا من القوانين الجنائية، وعدم تسليمه للمحكمة الجنائية كشرط ضرورة، هذا يتضح من خلال مواقف الحكومة السلبية المعلنة تجاه قرارات الاتحاد الأفريقي، التي صدرت مؤخرا وحظيت بتأييد من قوى التحول والتغيير في البلاد، لاسيما وأن القرار يحمل ثقلا دوليا، لأن خطورة تداعياته إن استمر الحكم في التعنت وعدم الانصياع، ربما تستفز مجلس السلم والأمن الأفريقي ورئيس الآلية رفعية المستوى الرئيس ثابومبيكي، إلى اتخاذ قرارت أكثر شدة، ، أقصاها مطالبة المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن الدولي، تبني قرار يجيز عملية عسكرية «خاطفة» ومحدودة للقبض على إمبراطورية «النازيون السمر» ورئيسها، لفسح المجال نحو ترتيبات جديدة.
أما المفهوم الثاني، فهو موقف المعارضة، التي نجد أن أجندتها موضوعية للحوار السوداني/ السوداني، حيث ترى فيه المدخل المقبول والمرن لتفكيك النظام السوداني بإرادة وطنية ودولية وإقليمية مشتركة، هذه الإرادة تدعمها قوى شعبية وطنية كبرى داخل البلاد وخارجها، عبر إجراءات تدبير منظمة ومرتبة للعملية الحوارية، تسعى من خلالها إلى أن تتحول الترتيبات الجارية الآن الى «مؤتمر دولي»، في شراكة سودانية/دولية لحل الأزمة السودانية عبر تفكيك النظام. هذا المعطي يضعنا أمام تصورين متباينين في منطلقات كل طرف، الأول يبني فرضياته على حوار شكلي، والثاني على حوار بنيوي وشامل للأزمة، قد تحسم إشكال الوطن المختلف حوله.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن محطة الفراغ بين الطرفين، تحددها بشكل كبير، مساحة القرب أو البعد من المحكمة الجنائية وكل ملفات استحقاقات العدالة في السودان. وعليه، بدون معرفة وضعية الرئيس، كزعيم وطني سابق، يحظى بالتقدير ويحرس من الشعب، أو مجرم دولي، مع ضرورة تنظيف السودان منه. بدون الفصل في هذه الثنائية، يستحيل فكه لأوراق اللعبة حتى لا يفقده حق المناورة، هذا المعطى يفرض نفسه على قوى المعارضة الوطنية السودانية في العمل على بحث «وضعية» الرئيس السوداني، علما بأن نتائج بحث هذه الوضعية قد تحدد مسار الأمور كلها، وجدوى الحوار من عدمه، لذا نجد أن هنالك موضوعية وأخلاقية، لتدابير دولية جديدة تسمح بتدخل دولي عسكري محدود أساسه القبض على الرئيس السوداني.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

محجوب حسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية