كلنا يعلم أن إسلاميي حزب النهضة التونسي تقدموا صفوف الجماعات السياسية العربية ذات المرجعية الأصولية على طريق علمنة خطابهم المتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي. بل إن هذا الخطاب المعلمن ـ ضمنيا وليس تصريحا ـ قد مس حتى بعض جوانب المنظومة الأخلاقية القيمية التي ترعرع في أحضانها عموما الاتجاه الإسلامي العربي. هذا التطور لم ينتظر ثورة الياسمين التي انطلقت في نهاية 2010 ليعبر عن نفسه بل أنه أصبح واضحا في أدبيات التنظيم وبياناته منذ تسعينيات القرن الماضي. فراشد الغنوشي دافع عن موقف يقول بالتفاهم مع معارضي النظام السلطوي لزين العابدين بنعلي مهما كان موقفهم من الإسلام السياسي كمنظومة أيديولوجية كما أن لوائح البريد الإليكترونية التي كان يوجه إليها رسائله المنتظمة الحاملة لأفكاره ومواقفه كانت لا تفرق بين العلماني والإسلامي. كل هذا هيأ للقاء أكتوبر 2005 التاريخي الذي جمع بين العلمانيين والإسلاميين على أساس أن الديمقراطية هي الحل. كان هذا اللقاء مهما على طريق ثورة يناير الديمقراطية التعددية. عبد الفتاح مورو الزعيم الإسلامي الآخر ذهب في نفس اتجاه الغنوشي. بل إن مورو وبسبب أسلوبه المرح في الكلام والتواصل ـ حتى أن هناك من يسميه بنكيران التونسي ـ وبسبب انتقاده الدائم والقاسي لمظاهر التخلف والانغلاق في الخطاب الديني التقليدي يبدو وكأنه أكثر ليبيرالية حتى من الغنوشي نفسه. هذا التطور في الخطاب بدأ يدق على أبواب حزب العدالة والتنمية منذ سنوات وإن كان بشكل أكثر احتشاما من حزب النهضة. فسعد الدين العثماني أكد ما معناه، في محاضرة له باسطنبول في نهاية شباط/فبراير سنة 2016، أن كل ما ليس عبادات قابل للنقاش والتطوير والاجتهاد ولو كان شرعا صريحا.
بنكيران يذهب في نفس الاتجاه ولكن يكاد ينحصر تطور خطابه وتصرفه على هذا المستوى في المجال السياسي. فقد استقبل زعيم العدالة والتنمية شخصيات يسارية بارزة وذلك بعد مهاجمتها من طرف محمد يتيم عضو الأمانة العامة على أساس أن هذه الشخصيات تريد أن تدفع الحزب للتصادم مع الملكية كما فعل المهدي بنبركة وأبراهام السرفاتي على حد قول يتيم. لقد أصبح يتردد في خطاب بنكيران صراحة وتلميحا أن الديمقراطية هي الحل وأنه لا ديمقراطية ـ في الوضعية المغربية ـ دون استقلال للعدالة والتنمية عن القصر ودون توقف هذا الأخير عن التدخل في الشأن الحزبي وذلك بخلق أحزاب كما هو حال الأصالة والمعاصرة وتقسيم أخرى كما يحاول الآن أن يفعل بالعدالة والتنمية. كما أن بنكيران أصبح يدافع صراحة عن تعديل دستوري يتيح تطور المغرب نحو تكوين حكومة قوية أي قادرة على الحكم فعلا. يبدو أن بنكيران ذاهب في طريق المطالبة بالملكية البرلمانية رغم أنه عارض هذا المطلب في عز الربيع المغربي أي سنة 2011 بينما كان مصطفى الرميد وهو زعيم مهم داخل العدالة والتنمية يقول آنذاك أن السبيل الوحيد لتعايش النظام الملكي والديمقراطية هو الملكية البرلمانية. انقلبت الأدوار الآن حيث ذهب الرميد في الاتجاه المعاكس تماما لتطور بنكيران.إن ما يسمى تيار الوزراء منذ تكوين حكومة العثماني، يقول الآن بأنه يجب تفادي كل ما يمكن أن يجر بالعدالة والتنمية إلى التصادم مع القصر. بل منهم من يدفع بأن هذا قد يؤدي إلى نوع من نكبة البرامكة أي إلى السجن والابتلاء. رد بنكيران على هؤلاء منذ أيام قليلة من على منبر اللجنة المركزية لشبيبة الحزب مصرحا بما مؤداه: مرحبا بالابتلاء. استطرد زعيم العدالة والتنمية قائلا: «إذا قدر الله علينا كفئة في هذا الوطن، إما بسوء تفاهم (يعني مع القصر) و إما لأن عنصر الفساد في الوطن لا يقبل (…) أن يكون لعنصر الإصلاح مكانة أكبر، وقرر بشكل أو آخر أن نقع في الابتلاء، أين هو المشكل؟ هل نحن أفضل من كل هؤلاء الناس الذين ابتلوا عبر التاريخ، وخصوصا في المراحل الأخيرة، ممن يشبهوننا بشكل أو آخر»….
بعد هذا أكد بنكيران على أن الديمقراطية ليست مطلب العدالة والتنمية وحده بل أنها مطلب البلاد كلها، قبل أن يقول ما معناه إن الديمقراطية ليست منحة وإن مناهضة الفساد قضية مصيرية وخطيرة. قال بنكيران كل هذا بأسلوب ساخر وبلغة يخالط الدارجُ فصيحها ولكن سنحاول تعريبها قدر الإمكان حتى يفهم الجميع: «هل الديمقراطية والحرية مجرد عطاء؟ كأنهم (أي أصحاب الحكم) طافوا علينا يوما ما برزمة صغيرة فيها الديمقراطية والحرية قائلين لكل واحد من: خذ، خذ، لا تتردد. ثم جاؤا بعد ذلك ليسحبوها منا: أُترك أُترك أُترك. إن مسار (الديمقراطية والحرية) اشتغل فيه رجال وسياسيون وفيه تضحيات، ونحن مجرد خطوة ومرحلة. إننا لسنا أدوات في يد الاستبداد ولا الفساد ولن نكون».
أبعد هذا الكلام يريد بنكيران أن تقف أجهزة النظام محايدة متفرجة على الصراع من أجل اعتلاء قمرة القيادة في العدالة والتنمية في المؤتمر الذي سينعقد في الشهر القادم؟
٭ كاتب مغربي
المعطي منجب
في رأيي، فعلا الملكية البرلمانية بشكل مغربي هو الحل. اقصد بشكل مغربي، احتفاظ العاهل المغربي بسلط بعينها
مثل “امارة المؤمنين، الجيش، الدبلماسية”. و دور تحكيمي صحيح و دستوري في ما تبقى.
.
لكن، و هذا مهم، يجب ان يكون هذا التحول طبيعي بتدافع عادي، و قد يأخد وقتا طويلا. المهم هو انجاح التحول،
و الا ظهرت هناك قوى لم تكن ظاهرة، تركب على التحول …
.
المسألة، مرة اخرى يجب ان تتم بشكل طبيعي، لان المغرب، كباقي دول العالم، ليس حرا طليقا في قراراته. هناك
دول و قوى بعينها لن يعجبها الامر، و هذا في حد ذاته، قد يفسر موقف القصر من المسألة، حفاظا عن الوطن. يعني
بالفصيح، لو استيقظ جلالة الملك ذات يوم، و قال، “هذا يوم جميل، سنتحول اليوم الى ملكية برلمانة …”،
هذا امر غير ممكن، و تعريض الدولة برمتها لمخاطر جمة، و في مواقف بعض الدول، من تغيير الدستور الاخير خير دليل.
.
لذلك، التحول يجب ان يكون طبيعي، و هذا يلزم اولا دمقرطة اللعبة السياسية، و استقلالية الاحزاب.
الوضع العربي المنهار والذي نزل لسنوات في سلم الديمقراطية والعدالة يؤثرسلبا على المغرب ،وبعد فشل الربيع العربي ونجاح الثورة المضادة تراجع المغرب كذلك عن مكتسبات سنة 2011 . والان لم نسمع في المغرب عن التطور في المسار الديمقراطي في المغرب بل يتغنى البعض بنعمة الامن والاستقرار فقط.
بل يتغنى البعض بنعمة الامن والاستقرار فقط…..وهل هناك أفضل من هاتين النعمتين…
وكانك يااخي ابن الوليد تنطق بما في نفسي…وتعبر حرفيا بما يجول في خاطري…(تبارك الله عليك) ..فقط اريد ان اضيف امرا بسيطا وهو ان كثيرا ممن ينادون ببعض التغييرات الجدرية في هرمية القرار السياسي المغربي ينطلقون من دوافع غير ديموقراطية …وتوجهاتهم معروفة ….سواء تعلق الامر ببعض المتطرفين الذين يتوقون الى استنساخ المبادىء السياسية الخوجية ( نسبة الى الدكتاتور الالباني انور خوجا) اوفي الطرف الاخر لمن لازالوا ينتظرون الحل الذي سياتي على يد الشيخ الملهم الذي يوجهه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام!!! ….وشكرا لك وللاستاذ منجب.
اقبل من كلامك((حيث دهب الرميد في الاتجاه)) يعني بان ابن كيران حيت كان في الحكومه كان ضد الدمقراطية والآن هو كيدافع عليها والرميض الان وزير وهو ضد ما يراه بن كيران نهار ابقئ بلا وزارة الرميض غدي أغير رأيه سبحان الله الئ كنّا كنقارنو هاؤولاء بالمناضلين الحقيقيين وننتصر منهم ان ياتو بالدمقراطية
شكرا اخي المغربي، المغرب. ما اقوله يخالج خواطر الكثيرين من النخبة في المغرب. الكل يريد التحول و التقدم.
و على ما يبدو لي جليا، حتى جلالة الملك. لان في التطور ظمان للاستمرار.
.
الطريق هو الهدف كما يقول حكماء اليابان، و المسالة معقدة جدا … ساعطيك مثالا:
.
كانت عندي منحة من هيأة المانية في زمان الجامعة، و هذه الهيأة كانت تنظم دورات تدريب في التسيير و الاقتصاد
لمساعدة العائدين الى بلدانهم المساهمة في نمو البلاد … على اي : في دورة من الدورات، كان الموضوع هو التنمية، و كان
هناك برنامج على الحاسوب لاجراء تجارب بسيطة على تنمية قرية، لك عدد معين من الناس، الارض الزراعية، البقر، المعز …
كمية من الماء، و المطر حسب كل سنة … و لكل شخص ان ينمي القرية كما يحلو له، فهناك من سيتثمر في البقر يعني نقص في
الاراضي الزراعية لانها ستكون للرعي … و هناك … المسائل كلها متداخلة مع بعضها البعض … الخلاصة، لقد استطعت بامتياز،
في اول محاولة قتل جميع سكان القرية من المجاعة !!! بعد برنامج لثلاتين سنة … و هكذا كانت جل تجارب المتدربين …
و بعد هذا الدرس، فهمنا ان مسألة التنمية و الازدهار ليست كما يحلو للبعض التنظير لها في الجرائد … لكنها ممكنة بعقل و روية.
.
هامش: انا عشت مدة معتبرة من الطفولة و بداية الشباب في دار الضمانة، وزان ببهلالها الشامخ، و اعرف جيدا البيصارا و الزيت،
و انا على يقين ان جزءا من شخصيتي جبلي … و كانت فترة رائعة، حيث كنا نخرج في فرقة الى خارج المدينة، نأكل من البرقوق بشتى الوانه في جنانات فسيحة … الى ان ياتي الحارس، فنجري احتراما و اجلالا له و لكي لا نزعجه …
مطلب (الملكية البرلمانية) صار مثل فزاعة الطيور كل من وجد نفسه خارج السلطة وفقد الإمتيازات والمكاسب والمغانم التي كان ينعم بها، يرفعها في وجه الدولة ويصور الوضع بالبلاد وكأنه لا ينقصه إلا الملكية البرلمانية ليستقيم كل شيء ونصير في مرتبة المملكة المتحدة والسويد. والغريب أن أكثر الناس مطالبة بهذه الملكية البرلمانية هم أبعد الناس عن الديموقراطية وهم أكثر من أفسد الحياة السياسية والحزبية بالبلاد وأعادنا سنوات إلى الوراء.
أيها السادة، الفزاعة التي ترفعون في كل مرة، لأسباب انتهازية، صارت (أي كلام) واستأنست بها (الطيور) وصارت تقف عليها لالتقاط أنفاسها قبل استئناف (عملها)!