شكّل المؤتمر الدولي حول « الأدب الإلكتروني العربي: رؤية جديدة وآفاق عالمية»، الذي نظمته منظمة الأدب الإلكتروني العالمي، وجامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي، في الفترة الممتدة من 25 إلى 27 مارس/آذار 2018 فرصة ثقافية للاقتراب من علاقة العلوم الإنسانية بالتكنولوجيا، من مدخل «الأدب الإلكتروني»، وذلك من خلال تجارب جد متطورة من حيث فلسفة الكمبيوتر في حياة الإنسان وفكره، ومدى استثمار هذه الفلسفة في تطوير تفكير الإنسان وإبداعه وكتاباته ورؤيته، ومن ثمة القدرة على توثيق رؤية الحاضر في المستقبل.
وإذا اعتمدت المحاضرات على عرض أعمال منتجيها وفق برامج معلوماتية أكثر تطورا، فإن محاضرة الناقدة العالمية كاترين هايلس، قاربت أسئلة جوهرية في ما يخص علاقة الكمبيوتر بالإنسان، وكيف يمكن التفكير في هذه العلاقة وفق رؤية إيجابية، تخدم من جهة المُستخدِم للكمبيوتر، ومن جهة ثانية تُدعم الكمبيوتر الذي بتطوير التعامل معه/ به تتطور حياة الإنسان.
انطلقت الناقدة كاترين هايلس من طرح أسئلة حول قضايا جوهرية: كيف يتحول الفكر بسبب الكمبيوتر؟ كيف نخلق شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر؟ وكيف في إمكان الكمبيوتر أن يستعمل الفكر؟ لذلك فإن أحد الأسئلة التي حاولت الناقدة الرقمية العالمية كاترين هايلس الإجابة عليه، تتمثل في: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟
قد تبدو هذه الأسئلة مُستفزة للفكر الذي ما يزال يرفض واقع الكمبيوتر والتكنولوجيا في حياة الإنسان، كما قد تُواجه هذه الأسئلة برفضٍ قاطعٍ، بحكم أن التفكير في الكمبيوتر بمنطق الفكر الإنساني يُخل بجوهر الإنسان، ويحوله إلى موضوعٍ تكنولوجي. غير أن مجرد طرح مثل هذا النوع من الأسئلة يُعتبر مدخلا ثقافيا لتفكيك حالة القلق التي تُرافق علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، خاصة من وجهة نظر الناقدة كاترين التي تعتبر الموضوع في حاجة إلى التعامل معه بعدلٍ، وأن الإنسان هو الرأس والكمبيوتر هو العامل، وبالتالي، فإن هناك حاجة وظيفية وتفاعلية وخدماتية بين مكوني هذه العلاقة، التي تُصبح متساوية بين الإنسان والكمبيوتر، كلاهما يساعد الآخر. تسمح هذه العلاقة المتساوية بإنتاج كثير من الفائدة حسب الناقدة الرقمية، غير أن الخلل المفاجئ في تصريف هذه العلاقة، قد يُدمر الإنسان، بسبب العلاقة مع الكمبيوتر، لذا، فإن المشكل ليس في التعامل مع الكمبيوتر، وجعله مُساعدا للإنسان، وتحويل فضائه إلى منصة لإنتاج المعنى، إنما المشكل، بل الخطورة تكمن في طبيعة العلاقة مع الكمبيوتر وكيفية استخدامه.
إن مواجهة هذه العلاقة بصياغة الأسئلة وتحليلها، واقتراح مقاربات من شأنه أن يُساهم في تفعيل العلاقة بعيدا عن حالة الرعب والقلق والرفض. وعليه، فإن تفكيك العلاقة بين الإنسان والكمبيوتر من خلال طرح أسئلة حول موقع كل واحد في هذه العلاقة، وأثر كل واحد في الآخر بموجب الحاجة إلى بعضهما، شكّل محور محاضرة كاترين هايلس، التي اقترحت مقاربة أسئلة العلاقة باعتماد الفكر الذي يعتبر طريقة في تفسير المعلومات في موضوع معين، للوصول إلى المعنى. إنها طريقة يتم اعتمادها لكي نتفهم الوضع في الحياة، أو في الإعلام. كيف إذن يمكن إنتاج شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر، من أجل تحقيق المعنى. لهذا، فإن من بين الأسئلة التي حاولت الإجابة عليها هي: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟ من أجل الوعي بهذا التصور، تُعطي الناقدة الرقمية مثال البكتيريا التي لها في الوقت ذاته منافع وأضرار في حياة الإنسان، وبالتالي، تُصبح طبيعة العلاقة هي التي تحدد البُعد الوظيفي للكمبيوتر في حياة الإنسان. أما عن الرعب الذي يخشاه الإنسان من الكمبيوتر والتكنولوجيا فإنه ناتج عن الأفلام التي تُربك هذه العلاقة وتجعلها مبنية على الرعب والقلق. لذا، فإن الناقدة عبّرت في إجابتها عن سؤال الرعب من التكنولوجيا، أو ما أصبح يُعرف بـ«فوبيا التكنولوجيا» بأنها لا تخشى الكمبيوتر، بل إن الكمبيوتر سيساعد في تطوير الإنسان الذي سيظل هو المتحكم بالتكنولوجيا.
إن تبادل التفكير حول علاقة الإنسان بالكمبيوتر، وأهمية هذه العلاقة الوظيفية والخدماتية، وإكراهات العلاقة وتحدياتها، عبر تجارب عالمية بحضور نماذج عربية، يسمح بإعادة ترتيب العلاقة مع التكنولوجيا بشكل عام. وعليه، فإن واقع التكنولوجيا في حياة المجتمعات بات يفرض وعيا علميا وفلسفيا مسؤولا، بعيدا عن خطاب الانطباع ورد الفعل والرفض، بجعله موضوعا بحثيا علميا داخل الجامعات ومراكز البحث العلمي. إن إدخال علاقة التكنولوجيا بالعلوم الإنسانية إلى الدرس الجامعي، والبحث العلمي، ومختبرات التفكير العلمي، من شأنه أن يُغير ليس فقط النظرة إلى هذه العلاقة، إنما التغيير يشمل ـ بالتوازي ـ منظومة التعليم، ومنهجية التدريس، وطريقة التكوين. تقطع هذه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا والمجتمع مع القطيعة الموجودة بين العلوم الإنسانية والعلوم التكنولوجية في الدرس الجامعي والبحث العلمي في التجربة العربية. وهو وضعٌ يجعل مسافة بين المتخصصين في العلوم الإنسانية والمتخصصين في حقل التكنولوجيا، وكأن كل تخصص يشتغل بفضاء غريب عن فضاء الآخر. تسمح العلاقة بالتكنولوجيا بإقامة جسر تواصلي وتفاعلي ووظيفي بين كل التخصصات التي تتلاقى في منطقة هذه العلاقة، لتبحث وتفكر في تطور فكر الإنسان وحياته وإنتاجاته وإبداعاته وكتابته بدعم من التكنولوجيا.
إن المدخل الموضوعي لتفكيك هذه العلاقة، والسماح للفكر بالاشتغال بعقلانية تتماشى وواقع التكنولوجيا في الحياة اليومية، يتمثل في تأسيس مختبرات علمية داخل الجامعات، تلتقي فيها التخصصات: التواصل وعلم الاجتماع واللسانيات والفلسفة والتصميم والبرامج المعلوماتية والفيزياء وهندسة الصوت والأدب والتاريخ، وتجعل المتخصص في الفيزياء يجلس بجانب المشتغل بالفلسفة، ومصمم البرامج يعمل مع اللساني وغير ذلك. فلم يعد ممكنا العمل بمنطق الجزر في البحث العلمي، كما لم يعد مقبولا ترك كليات العلوم الإنسانية بعيدة عن الفكر التكنولوجي، كما أن الزمن التكنولوجي المهيمن لم يعد يسمح بإهانة البحث العلمي من خلال إفراغه من كل جدوى وظيفية.
فالمختبرات العلمية هي فضاء للتفكير العلمي في قضايا شائكة، واقتراح إمكانيات من أجل الفهم، وتطوير الوعي بشكل عقلاني. أما عندما تظل المختبرات مجرد رقمٍ في لائحة منجزات شكلية، وعبارة عن لقاءات يتيمة حول مواضيع مستهلكة في محتواها وأسئلتها وطريقة التفكير فيها، فإن ذلك يكشف ـ بصورة واضحة ـ عن وضعية البحث العلمي الذي ما يزال يشتغل بمنظور تقليدي. في حوار ثنائي جمعني في مؤتمر «الأدب الإلكتروني: رؤية جديدة وآفاق عالمية» بالباحث والكاتب الفرنسي المتخصص في الدراسات الرقمية فيليب بوتز في جامعة السوربون 8، صرّح بأنه بدأ في البحث في الدراسات الرقمية منذ السبعينيات من القرن العشرين، ولم يكن سنه يتجاوز العشرينيات، ولهذا عندما قدم عملا إلكترونيا متطورا في المؤتمر، فإن ذلك العمل عكس مسار بحث علمي طويل، انخرط فيه البحث العلمي الفرنسي في قضايا التكنولوجيا . فأعمالنا تُعبر عن درجة انتمائنا إلى ثقافة البحث العلمي. وعليه، نطرح أسئلة نقترح تطوير النقاش حولها: أين يكمن خلل البحث العلمي في التجارب العربية؟ لماذا يتعثر انخراط البحث العلمي في القضايا الجديدة؟ كيف يمكن التفكير في جيلٍ يفكر ويُدرك بمنطق الزمن الذي يعيش فيه، وتكوينه يتم خارج منطق ومستلزمات هذا الزمن؟ كيف يمكن تحقيق المعنى في مواضيع عديدة، إذا لم نطرح التكنولوجيا باعتبارها منصة لإنتاج وعي جديد بالإنسان وحياته وعلاقته بالزمن والمكان؟ ما معنى الانتماء إلى البحث العلمي إذا لم تنتقل الجامعة إلى ملتقى التخصصات؟ تلك تساؤلات تسعى للتفكير في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا من خلال بوابة البحث العلمي.
٭ روائية وناقدة مغربية
زهور كرام
دبي يا عزيزتي السابقة لاجلك اقول ما الجدوى من التقاء التخصصات بدون وجود اساس حقيقي وهو ان يكون مبني على طائعيين حقيقيين للخالق الواحد !!
سوف تزيد الاقات والاسعار ستزيد والنتيجة ابدا لا علاقة لها بالبحث العلمي ..
من يريد البحث العلمي الحقيقي فليبحث عن المصعد الذي باستعماله فقط بامكان الباحثيين الوصول للفضاء واكتشاف بعض اسرار الكون , هذا ما فهمته انا وبشكل شخصي من بعض ايات الخالق بالكتاب ..
من فاز ونجح فمن الخالق ومن اخفق وخسر الفهم والبحث ايضا من الخالق ..
تحياتي للدكتورة زهورإكرام : أتابع بصمت مقالاتك عن ( الرقميات ) والآن أجد حضرتك مسكتي بالمضمون الحضاريّ الحقيقيّ : التكاملية في
العلاقة بين الإنسان والكمبيوتر…والذي كنت أنتظره ( بالزاف ).من وظائف { كلا } باللغة العربية أنّ الكلام السابق لها يُعرض للبيان ثمّ ينسف نسفًا بمجيء { كلا } لتثبيت الكلام اللاحق لها بعد عرضه للبيان أيضًا.فيكون ما قبلها ( راحل منسوف ) وما بعدها ( ثابت معروف ).كذلك مقالك هذا أصبح كالبيان بعد مجيء { كلا }.إنّ وزن الكمبيوترفي حياتنا اليوم يفوق اكتشاف العالم الجديد بالأمس.بل يعادل وصول الإنسان إلى القمرالمنيروأكثر.{ وفوق كلّ ذي علم عليم }( يوسف 76).وفقك الله في مسعاكِ الثقافيّ.
عنوان ومعلومات رومانسية جميلة، عن مؤتمر حصل في الشهر الماضي وليس في الشهر الحالي، وعلى أرض الواقع داخل أي أسرة، أظن العلاقة التكاملية، تفترض احترام لغة الـ آخر أولا، فالحاسوب هو التعريب المعتمد لمصطلح الكمبيوتر، خصوصا وأننا نتكلم عن مؤتمر له علاقة بالأدب العربي، ولكن هذه إشكالية الفلسفة/الفكر عندما تكون هي الأساس، وليس الحكمة/اللغة هي الأساس، أهل الاختصاص المهني في هذا المضمار لتقنية الآلة، تعلم أن منطق الآلة الثنائي (0/1)، قد تغير في عام 2014 بعد تسويق منتج شركة آي بي أم الأمريكية العملاقة في تقنية صناعة هذه الآلة، ما أطلقت عليه (واتسون) والذي حوّلت به منطق الآلة الثنائي إلى منطق لغوي، لكي تستطيع الآلة محاكاة الإنسان في طريقة تفكيره، عدم التمييز أن هناك اختلاف بين منطق الآلة وبين منطق الإنسان، لدى أهل الأدب، هو سبب الفوضى المرعبة في العلاقة بين الإنسان والآلة (الروبوت).
لاحظت هناك تمايز بين قطر وتركيا عن دول الحصار (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) ظهر واضحا بتاريخ 5/6/2017، أظن سببه اختلاف أسلوب الأتمتة في نظام الحكومة الإليكترونية، فقطر وتركيا تستخدم نظام أساسه مشروع الفاتح التركي، بينما الإمارات والسعودية تستخدم نظام أساسه مشروع القدوة السنغافوري، صحيح أن كلا المشروعين إنطلق من بداية واحدة، ألا وهي كيفية تطويع تقنية الآلة، لتخفيض وزن الحقيبة المدرسية، التركي اقترح تحويل الكتاب الورقي إلى إلكتروني، بينما الثاني اقترح إلغاء الكتاب والاعتماد على المادة الموجودة على الشّابكة (الإنترنت)، في توفير آلة على شكل لوحة إليكترونية، يتم من خلالها تخفيض وزن الحقيقة المدرسية، عند رفع وزن الكتب منها.
هذه تطورت إلى مفاهيم جديدة في التعليم والتأهيل والتوظيف والوظيفة، وبسبب تحديات العولمة والاقتصاد الإليكتروني، خصوصا عند إساءة فهم العولمة واعتبارها تعني تقليل التكاليف (كما هو حال فلسفة الهنود) وليس زيادة الأرباح (كما هو حال حكمة العرق الأصفر)، فكلا المدرستين تتنافس على حصة الأسد، في من يحصل على حق إنتاج منتجات دلوعة أمّه في بقية دول العالم، بعد الحرب العالمية الثانية وطرح مشروع مارشال الأمريكي لإعادة بناء اقتصاد دول العالم (تجارة العولمة)، ومعند انهيار الاتحاد السوفيتي، ولإنقاذ الاقتصاد العالمي من الإنهيار تم طرح الإنترنت/الشابكة 1992 لتكون حجر الأساس لعولمة الاقتصاد الإلكتروني
إن المطلوب في هذا المرحلة الحرجة من حياة الإنسانية، أن يكون تعامل الإنسان مع الآلة –الحاسوب- أيا كان شكلها تعاملا عقلانيا حذرا، فيوظفها لخدمة مصالحه بدل أن يتركها توظفه لصالح نموها وانتشارها، وأن يقودها لخدمة مصالحه وعالمه الطبيعي بدل أن يتركها تقوده نحو الخائلي والافتراضي والوهمي والعبثي، وأن يكون الفاعل بها ومن خلالها، لا المنفعل والمفعول بواسطتها، وببساطة أكثر ألا يكون أقل ذكاء وتحكما منها.