موسكو ـ «القدس العربي»: ظلت قصص اعتقال لاعبين كرة القدم من حكوماتهم بعد اخفاقاتهم، مصدر اشمئزاز وعدم تصديق، لكن هناك قصة أخرى تعد نظرة مروعة على جريمة وحشية ضد كرة القدم في الاتحاد السوفيتي وتباين حاد لكأس العالم التي تقام حاليا في روسيا.
وأفرجت المخابرات الروسية عن جزء من ملفات سرية بشأن قضية «ستاروستين» التي تعود للحقبة الستالينية، في خطوة نادرة من جهاز المخابرات وبعد 75 عاما تنشر صحيفة «كوميرسانت» الروسية نظرة على هذه الملفات التي أفرج عنها.
وتبين القضية أنه عندما يتناقش الناس اليوم بشأن إذا كانت الرياضة سياسة فإن كرة القدم كانت آنذاك للكثيرين مخاطرة هائلة ربما انتهت بلا رحمة بقضايا وهمية وتعذيب بل وإعدامات. هناك الآن أربعة تماثيل برونزية لا يمكن للعين تجاهلها عند حافة استاد «سبارتاك» الذي تقام فيه مباريات كأس العالم. هذه التماثيل لألكسندر وأندريه ونيكولا وبيوتر ستاروستين، وجميعهم أشقاء ولاعبو كرة قدم عباقرة، أمر رئيس المخابرات الروسي لافرينتي بيريا باعتقالهم عام 1942 باتهامات ملفقة وكانت أكثر الاتهامات سخافة أنه كانت هناك خطة لتنفيذ اعتداء على (الديكتاتور السوفيتي جوزيف) ستالين أثناء مشاركته في العرض في أيار/مايو 1937 حسبما يروي المؤرخ السوفيتي سيرجي بوندارينكو.
يعمل هذا المؤرخ لصالح منظمة «ميموريال» الروسية التي لها فضل كبير في معالجة أحداث الحقبة الستالينية في روسيا. إلى هنا وقضية ستاروستين معروفة جيدا بهذا الشكل في روسيا، غير أن الباحثين المستقلين يأملون من وراء الملفات التي أفرجت عنها المخابرات في الحصول على توضيحات أدق لملابسات القضية، وخاصة معرفة كيف بدأت ملاحقة اللاعبين الأربعة.
لم يكن الأخوة اللاعبون آنذاك رياضيين عاديين، بل كانوا نجوما، حيث شارك نيكولاي على سبيل المثال في تأسيس نادي سبارتاك موسكو، وكانت هناك حسابات يريد رئيس المخابرات بيريا تصفيتها مع ستاروستين على وجه الخصوص. فقبل ستة أعوام من إلقاء القبض على اللاعبين فاز سبارتاك عام 1936 ضد دينامو موسكو المفضل لدى بيريا، وكانت المباراة على عشب صناعي في الميدان الأحمر وأمام أعين ستالين. نُظر لهذا الفوز في الكرملين على أنه استفزاز للشرطة السرية «وأمر ستالين بعد ذلك بمعاقبة أعداء الشعب داخل الرياضة، وبذلك بدأت الملاحقة» حسبما يروي المؤرخ الرياضي يوري كوشيل.
بدأت صحف روسية نشر مقالات هجومية تنتقص من وطنية لاعبين و مسؤولين في الرياضة، كان بينها مثلا مقالات اتهمتهم بتبديد الأموال وبالجشع. جمع بيريا على مدى سنوات أدلة إدانة ضد عائلة ستاروستين وأمر بالقبض على 11 شخصا على الأقل من معارف هؤلاء الأخوة وتعذيبهم «وشهد هؤلاء في جميع الوثائق أن الأخوة ستاروستين شاركوا في التخطيط لهجوم على ستالين» حسبما شرح بوندارينكو في صحيفة «كوميرسانت» مضيفا: «قالوا: أعددنا هجوما في الميدان الأحمر، إما تفجير قنبلة أو إطلاق النار على ستالين من سطح متجر «غام»، وفق المؤرخ. تابع بوندارينكو: «حكم على أغلبية المعتقلين بعد استجوابهم بالقتل». وفي عام 1942 كان الاتحاد السوفيتي يخوض الحرب مع الامبراطورية الألمانية. ولم يلحظ أحد تقريبا انه تم القبض على الرياضيين الأربعة الذين اتهموا أمام المحكمة بأنهم «أسسوا فرقة إرهابية من الرياضيين». لكن «الاتهامات» كانت واهية حتى من أجل محاكمة وهمية. لذلك غير بيريا الدعوى وبدأ يتهم الأخوة ستاروستين بالسطو على قطارات وسرقة منسوجات. ورغم أنه لم تكن هناك أدلة على ذلك، إلا أن الأمر لم يكن يتعلق بالأدلة. لذلك حكم عل كل من الأخوة الأربعة بالسجن عشر سنوات في المعسكرات. وبعد ثلث المدة أفرج عن نيكولاي ستاروستين بمبادرة من نجل ستالين، فاسيلي.واضطر أخوته الثلاثة لقضاء كامل المدة في السجن. ولم يستطع الأربعة تنفس الصعداء إلا بعد وفاة ستالين و بيريا عام 1953. بل حصلوا لاحقا على وظائف تدريبية وتقلدوا مناصب قيادية في اتحاد الكرة السوفيتي.
وعاش نيكولاي عمرا مديدا سمح له بمعاصرة ميخائيل غورباتشوف الذي أكرمه ومنحه نياشين كنوع من المصالحة. ولكن أخوته الثلاثة توفوا قبله. أما نيكولاي نفسه فتوفي عام 1996 وهناك شارع باسمه الآن في موسكو. وعندما كشف الستار قبل بضعة أيام في «كومسومولسك» عن لوحة تذكارية لهذا الرياضي الأسطورة تحمل لاعب المنتخب القومي الروسي يوري غازينسكي نفقات هذه اللوحة التي بلغت 100 ألف روبية (نحو 1500 يورو) حيث قام ستاروستين بتدريب النادي الذي كان قريبا من مسقط رأس غازينسكي.»راجعنا الآن إفادات 11 شخصا من الذين ألقي القبض عليهم. تلك الافادات التي كانت سرية في السابق» حسبما أوضح المؤرخ بوندارينكو، مشيرا إلى أن المعتقلين أجابوا في أول ملفين للشهادة بشأن قضية الأخوة ستاروستين بشكل خاص على أسئلة عن الفساد الذي كان يعج به عهد ستالين. ويأمل المؤرخ الروسي الآن بأن تفرج المخابرات الروسية عام 2019 عن مزيد من الوثائق بشأن القضية.