يبدو واضحاً وبعد سلسلة من الانتصارات التي حققها المرشح الجمهوري الأوفر حظاً دونالد ترامب أنه في الطريق لأن يكون مرشح الجمهوريين القادم. وتبدو حلقة السباق الرئاسي مرشحة لأن تكون مبارزة بين المرشحة الأخرى المتقدمة في سباق الترشيح الديمقراطي هيلاري كلينتون، رغم ما حققه سناتور ولاية فيرمونت بيرني ساندرز من انتصارات الأسبوع الماضي في واشنطن.
ورغم ما شاب الحملات الانتخابية من جدال وإسفاف وأحياناً الخروج عن الحياء والمألوف إلا أن رؤية كل من المرشحين الرئاسيين تتشكل بما يطلبه الناخب الأمريكي وبالقاعدة الانتخابية التي تدعمه. ففي الوقت الذي نجح فيه ترامب في القواعد الجمهورية البيضاء الخائفة من خروج الولايات المتحدة من يديها وترى أن المكونات الأخرى من المجتمع الأمريكي باتت تنافسها على كل شيء فإن ساندرز نجح في اجتذاب القاعدة الشبابية التي ترى أنها لم تستفد بعد من الفرص الاقتصادية وتعاني من البطالة. وبدلاً من أن يقدم لهم ساندرز الحلم الذي قدمه الرئيس الحالي باراك أوباما في حملته الانتخابية عام 2008 يدعو إلى ثورة فيما ينادي ترامب في حملته إلى جعل الولايات المتحدة عظيمة من جديد. ويبدو في حملته الانتخابية ليس معنياً كثيراً أين تقف الولايات المتحدة في العالم إلا بقدر أن تكون قادرة على استعراض قوتها العسكرية. لكنه ليس كما بدا في مقابلته الشهر الماضي مع صحيفة «واشنطن بوست» وحدد فيها معالم رؤيته الخارجية التي ترفض تحمل مسؤولية بناء الدول، مشيراً تحديداً إلى العراق التي قال إن بلاده بنت فيها مدارس لتدمر بعد بنائها مرات ومرات أما الأحياء المحرومة في فيرغسون وبالتيمور فلم يتم الاهتمام بها. وضمن رؤيته في النظر إلى الداخل يرى ترامب أن أوكرانيا هي مشكلة حلف الشمال الأطلنطي (الناتو) ومع ذلك تتحمل الولايات المتحدة كل العبء. وقلل من أهمية لعب أمريكا دور «بناة الدول» مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لديها دين بقيمة 19 تريليون دولار «فنحن جالسون على فقاعة إن انفجرت فلن تكون جيدة». وتقترب رؤية ترامب غيرالمشذبة والتي تحمل تحيزات وآراء متطرفة من رؤية الرئيس أوباما الداعي للمشاركة في تحمل أعباء العالم كما بدا في «عقيدة أوباما» وهي المقابلة التي أجراها جيفري غولدبيرغ مع الرئيس نفسه حيث بدا واضحاً من رؤيته حول انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وأن أمريكا مهما فعلت فلن تكون قادرة على حل مشاكل المنطقة ولا حتى إدارة نزاعاتها. ودعا الأطراف المتنافسة خاصة السعودية وإيران للتشارك والتعايش في المنطقة. ففي الجوهر يتفق الرئيس والمرشح الجمهوري.
تحدي المؤسسة
ورغم ما عانته حملته الانتخابية هذا الأسبوع خاصة بعد تصريحاته الأخيرة حول الإجهاض التي قال فيها إن أي امرأة تقوم بعملية إجهاض يجب أن تعاقب وذلك في مقابلة له مع شبكة «أم أس أن بي سي» وهو وإن لم يحدد شكل العقوبة، السجن أم السحل كما يجري في السلفادور إلا انه واجه حملة شجب اضطر كعادته للتراجع وتصحيح موقفه بالقول إنه كان يقصد الأطباء الذين يقومون بعمليات غير قانونية. وتعبر تصريحاته بأنه شخص لا يعرف ما يقول، وهي صورة عن انتهازيته كما في موضوعات الهجرة والإسلام ومكافحة الإرهاب.
ومشكلة ترامب أنه في تصريحاته حول الإجهاض حرف النقاش من موضوع الجنين الذي تركز الحملات المضادة للإجهاض إلى تجريم المرأة التي تقوم بالعملية. وكما كتب المعلق نيكولاس كريستوف في صحيفة «نيويورك تايمز» (30/3/2016) فثلاث من كل عشر نساء أمريكيات يقمن بعمليات إجهاض في حياتهن ولو مرة واحدة. وسواء ارتبطت مشكلة الإجهاض بطريقة علاجها أم بالأطباء إلا أنها تؤكد صورة استراتيجية ترامب وفريقه القائمة على تحدي المؤسسة بشكل عام ومؤسسة الحزب الجمهوري بشكل خاص. ولم تنجح محاولات الحزب الجمهوري الى الآن في وقف عجلة تقدم ترامب في الانتخابات التمهيدية وحتى في استطلاع الرأي القومية والشعبية. ولم يؤثر هجوم المرشح الجمهوري السابق لانتخابات عام 2012 ميت رومني على ترامب ووصفه بالمجنون والمزيف على موقعه في استطلاعات الرأي إلى تقدمه على منافسيه الجمهوريين. وحتى في المناوشات التي حدثت في حملاته الانتخابية والاعتداء على المناهضين له لم تغير على خيارات الناخبين له.
وكما يرى مايكل توماسكي في مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» سينشر في عدد (21/4/2016) المقبل أن كل جدال أو مواجهة يخوضها «تؤكد لمؤيديه أن ترامب يتحدى وبجذل المؤسسة وهم يحبونه بسبب هذا» و»يكذب كل يوم وحتى كل ساعة وبدون خوف من العقاب». ويرى توماسكي أن حركة ترامب تشتمل على عناصر من الفاشية على الأقل من ناحية النبرة والأثر، فهو وإن لم يدع إلى ديكتاتورية الحزب الواحد إلا أنه أظهر استعداداً لاستخدام القوة ضد معارضيه وعبر عن استعداد للتعبير عن العنصرية والقومية والقوة العسكرية بالمعنى الحقيقي. كما أن الحماس الذي يزرعه ترامب في أتباعه مثير للخوف فبعد الشغب الذي اندلع عندما كان ترامب يحضر لإلقاء خطاب في شيكاغو، بدأ عدد من مؤيدي ترامب بالحديث على التويتر عن رغبة ببناء جيش خاص «لحماية» مرشحهم من جماعات العنف المزعومة التي تخطط للهجوم عليه.
ورغم قباحة وقذارة الحملة الانتخابية التي يخوضها رجل الأعمال وأتباعه إلا أن أحداً لم يستطع حتى الآن وقف قطاره. فقد تساقط منافسوه واحداً بعد الآخر. ولم يعد لمؤسسة الحزب الجمهوري أي صوت تعول عليه، خرج جيب بوش وكريس كريستي وروبيو ريكو. ولم يبق إلا تيد كروز الذي لا يختلف في خطابه عن ترامب. فالأخير دعا لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة ليدعو كروز في الشهر الماضي لحراسة الأحياء الأمريكية المسلمة قبل أن يصل إليها التشدد. وفي 15 آذار (مارس) فاز بميسوري ونورث كارولينا وأجبر روكيو على الخروج من السباق الانتخابي. ولم يعد من قائمة المرشحين أمامه سوى كروز وجون كاسيت، حاكم أوهايو، وقد تظل الصورة كما هي حتى الانتخابات الرئيسية للحزب في الصيف المقبل. وعليه فمن المؤكد أن يواجه الحزب أزمة كبيرة، وهناك احتمالات اندلاع حرب أهلية.
وبناء على ما شاهدناه من ردة فعل مؤيدي ترامب على منافسيهم فعدم اختيار مرشحهم عن الحزب لخوض انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) يعني بالضرورة صراعاً داخلياً. ولم تنجح حملات بعض رموز الحزب في توجيه ضربة قاضية لحظوظ ترامب. وكما يقول توماسكي فإنه يسمع من قادة الجمهوريين منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عن خطط لحملة إعلامية تضرب ترامب. ولم ينتج شيء نظراً للخلافات بين الحزب حول المرشح الأفضل الواجب دعمه. فالحزب الجمهوري غير قادر على مواجهة مسألة العنصرية. ويمثل صعود ترامب أزمة وجودية بالنسبة للجمهوريين. فمحاولات متعجلة لتفريخ مرشح جمهوري محافظ ستكون لها تداعيات على مصير الحزب. وفي ظل ميل عدد من رموز الجمهوريين نحو ترشيح ترامب باعتباره مرشح الأمر الواقع فالمسألة تعبر عن معضلة كبيرة تحتاج إلى تفكير عميق قبل أن تحل ساعة الحقيقة.
خطاب شعبوي
وعلى العموم فظاهرة ترامب ليست جديدة على سباقات الرئاسة الأمريكية. وكما أشارت صحيفة أوبزيرفر في افتتاحيتها الشهر الماضي فسباق الانتخابات الأمريكية لو جردنا حملة رجل الأعمال من خطابها المعادي للمسلمين والهسبانو ودعوته لبناء جدار على حدود المكسيك، فما يتحدث عنه لا يختلف عن حملة المرشحين بات كونان وروس بيرو في التسعينيات من القرن الماضي.
وكون ترامب لا خبرة سياسية له لا تمنعه من الفوز في الانتخابات. فقد وصل دوايت أيزنهاور ويولسيس غرانت إلى الرئاسة وجاءا من المؤسسة العسكرية. وتم انتخاب هربرت هوفر رئيساً عام 1928 لذكائه التجاري ووعد بأن يجعل أمريكا مثل ترامب «عظيمة» ولسوء حظه انهارت أسواق وول ستريت وبدأت بعدها الأزمة العالمية. فترامب مثل غيره من الشعبويين السياسيين عادة ما يجذبون أبناء الطبقة العاملة ممن لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً والمسيحيين البروتستانت. وتذكر ظاهرة ترامب بالحزب المعروف «حزب من لا يعرفون شيئاً» الذي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر واستثمر مثل ترامب جهل الناس بالهجرة ووعد بتطهير المجتمع عبر الحد من هجرة الألمان والآيرلنديين الذين اتهم الحزب بابا روما بأنه يدفع بهم للهجرة ضمن مؤامرة كاثوليكية. ولعل المنازلة بين ترامب والبابا فرانسيس الأول حول الجدران في المكسيك تذكير بهذا.
سخط
لكن ما هي أسباب السخط التي تدفع الناس للمضي وراء الخطاب الشعبوي؟ هل هي نابعة من النخبة السياسية في واشنطن، المنعزلة والبعيدة عن واقع الناس؟ أم أنها متعلقة بأمر أعمق وأكثر خطورة؟ ولعل الأمر متعلق على ما يبدو بخوف الأمريكيين على مكان بلدهم في العالم. فلا تزال الولايات المتحدة الأقوى في العالم إلا أن جيشها غير قادر على وقف التمدد الروسي في الشرق الأوسط وأوكرانيا ولا التصدي للنفوذ الصيني في بحر الصين الجنوب حيث تقوم بكين ببناء جزر عائمة وقواعد عسكرية. وفي العراق وسوريا يقوم أبناء الذين تصدوا للغز الأمريكي عام 2003 بحمل الراية السوداء ويهددون أمن المنطقة وأوروبا والعالم. وهؤلاء ممن انضموا إلى تنظيم الدولة وحملوا رايته السوداء.
تحولات
ولا يمكن فصم القلق حول موقع أمريكا في العالم عن التحولات التي شهدها المجتمع الأمريكي في العقود الماضية والتي كانت أجلى صورها انتخاب أول رئيس أمريكي أسود عام 2008. ولا تزال التحولات جارية حيث اختفت القيم التي تسيدت صورة أمريكا والمستلهمة من القيم الالمانية عن البيت والكنيسة والوطن. ولا يستطيع أحد في أمريكا اليوم تجاهل القوة التي يمثلها الهسبانو أو الأمريكيون السود. وأصبحت أمريكا أكثر تنوعا – دينياً وعرقياً وسياسياً وفي قضايا «الجنوسة». والمثير للمفارقة أن أسطورة «بوتقة الصهر» التي لم توجد أصلاً أصبحت اليوم واقعاً وحقيقة. فالمسألة لم تعد باختيار كلينتون أو ترامب بل بكيفية إدارة التغيير ومن يقوم به. وهناك مسألة أخرى لها علاقة بخوف المحافظين الذين ظلوا يتعاملون مع البلد وكأنه بلدهم «هم». وهي مخاوف واضحة لدى الليبراليين الذين ينظرون بقلق إلى مسار البلد. وفي المحصلة يجد المحافظون في الهجوم على فكرة التصحيح السياسي أي المثليين والسود والمهاجرين فرصة للتعبير عن غضبهم. ومن هنا عبر ترامب بحدسه وذكائه عن هذه المشاعر وقدمها للخائفين على مكانتهم بلغة بسيطة وشعبوية. فالمسألة لترامب وفريقه ليست في النهاية عن الإرهاب أو الإجهاض ولا عن الضريبة ولكن عن الذين يخافون من ضياع مكانتهم بسبب المنافسة لهم. وكما علق المفكر نعوم تشومسكي في مقابلة فالسبب في صعود ظاهرة ترامب وغيره يعود إلى الخوف وتحطم المجتمع الأمريكي فيما سماها المرحلة الليبرالية الجديدة. وقال «يشعر الناس بالعزلة والعجز وأنهم ضحية لقوى مؤثرة لا يفهمونها ولا يستطيعون التأثير عليها» و «من السهل مقارنة الوضع مع الثلاثينات من القرن العشرين والتي أتذكرها ومع ذلك كان لدى الناس الفقراء والعاطلين عن العمل حس بالأمل نفتقده الآن والسبب هو نمو الحركات العمالية المتطرفة ووجود منظمات سياسية خارج التيار الرئيسي».
إبراهيم درويش
المجتمع الأمريكي إنتخب رئيساً أسود لأب إفريقي وليس أمريكياً مسلم إسمه “حسين” وهو إسم معروف على نطاق واسع في الولايات المتحدة ومكروه لإرتباطه بإسم صدام الذي دخلت البلاد في حرب ضده، كما عاش في كنف زوج أمه الأندونيسي المسلم وعاش جزءً من طفولته وصباه في جو ذلك المجتمع المسلم هناك … وعلى الرغم من ذلك إنتخبه الشعب الأمريكي رئيساً لبلادهم كأول رئيس أسودفي تاريخ الولايات المتحدة بل إنتخبه مرة أخرى لتجعله يقف في مصاف أشهر وأهم وأعظم الرؤساء الأمريكيين على الإطلاق، ولو سمح الدستور الأمريكي لتم إنتخابه لمرة ثالثة. هذا الشعب وهذا المجتمع الذي فعل ذلك وقد يفعل أكثر كما أنه لم ولن ينهار أمام هرطقات المرشح ترامب، ومنذ الآن بدأت هناك مؤشرات وبوادر تدل على تدهور موقف ترامب خاصة بعد خسارته في الولايات الأخيرة. وعند المحك سيظهر المجتمع الأمريكي معدنه الأصيل وستخف ردة فعله على بعض السلبيات التي كان يراها في السياسة التقليدية ليعطي ظهره لظاهرة ترامب العرضية الزائلة ويعود إلى صوابه ويكتشف خطورة تأييده لهذا المهطرق.
الانتخابات فی المجتمع الأمريكي نزهة السیاسی فی کل مرحلة بعید عن دمقراطیة حقیقیة و نتایج ها مقررة فی وول ستریت … و بقیة العروض تافهة