الانتخابات التركية: مراهنة أردوغان نجحت.. الشعب اختار الاستقرار

حجم الخط
2

بين انتخابات وأخرى عاش الأتراك في بلدين مختلفين، فبعد خسارة حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية في انتخابات حزيران/يونيو 2015 وهي الأولى له منذ 13 عاما على توليه السلطة دخلت البلاد في معركة من المماحكات السياسية والمهاترات فشلت فيها الأحزاب الفائزة بالتعاون أو تشكيل حكومة وحدة وطنية. فيما انهار وقف إطلاق النار بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وبدا الأكراد الذين حققوا نسبة 13٪ من أصوات الناخبين وبثمانين مقعد صناع الملوك الجدد في البلاد. وشهدت البلاد حالة من الفوضى انهار فيها سعر الليرة التركية وتراجع الاقتصاد وزادت هجمات تنظيم الدولة على البلاد خاصة بعد موافقة تركيا على فتح قواعدها الجوية لطيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي شهدت العاصمة أنقرة انفجارا في تجمع انتخابي ادى لمقتل 102 مدني في حادث يعتبر الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث. وتعتبر حالة عدم الاستقرار جديدة بالنسبة للأتراك الذين تعودوا ومن عقد أو يزيد على تقديم بلدهم كرمز للتطور والتماسك ونموذج للدول المجاورة التي دخلت منذ الربيع العربي عام 2011 دوامة من الحروب والتفكك والانهيار الاقتصادي. وكانت هذه هي الأجواء التي دخل فيها الأتراك الانتخابات يوم الأحد الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). وسبقت استطلاعات الرأي الجميع وتنبأت بتراجع جديد لحزب العدالة والتنمية ونهاية للحقبة الأردوغانية – نسبة للرئيس طيب رجب أردوغان الذي كان سيبقى في منصبه الرئاسي لسنوات قادمة حتى لو خسر حزبه. ومن هنا غيرت نتائج الانتخابات التي عاد فيها العدالة والتنمية للصدارة وحقق أكثر مما كان يتوقع، غالبية برلمانية كبيرة وحزب وحيد يقود البلاد وهو ما حبذه الرئيس أردوغان لأن الحكومات الائتلافية التي عاشتها تركيا في التسعينات من القرن الماضي لم تحقق الاستقرار ولا الإزدهار للبلاد. ويفهم والحالة هذه استراتيجية الحزب التي تبناها لاستعادة الثقة من الجماهير عندما ذكر الناس بالحكومات الضعيفة والمتعاقبة التي شهدتها تركيا في تلك الفترة.

كذبت الاستطلاعات

ولهذا كانت نتيجة الانتخابات واضحة. فشل استطلاعات الرأي وخسارة فادحة للحركة القومية التي صوتت قاعدتها لحزب العدالة والتنمية بعدما فشل زعيمها دولت بهشتلي في قراءة المشهد السياسي التركي بطريقة صحيحة مما دفع بقواعد الحزب لحزب العدالة الذي تبنى خطابا قوميا في المعركة ضد المتمردين الأكراد. ويعتبر صلاح الدين دمرتاش زعيم حزب الشعوب الكردية الخاسر الثاني، فقد نجح العدالة بنزع الشرعية عنه عندما ربطه بالإنفصاليين الأكراد. وخسر الحزب أكثر من مليون صوت بسبب ابتعاد المتدينين الأكراد وأصحاب المصالح التجارية عنه وتصويتهم للحزب الحاكم. وبنفس السياق لم يحقق حزب الشعب الجمهوري ما يريده مع أنه حافظ على حصته من الانتخابات بل وزاد الحزب من عدد مقاعده البرلمانية. ويعتقد أن زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو محبط من النتائج، وستتعرض قيادته بالتأكيد لتحد في مؤتمر الحزب القادم نهاية العام الحالي.
منذ البداية كان رهان «العدالة» على خيار الشعب وهو «الاستقرار» حيث أكد أردوغان أن «إرادة الشعب ستظهر في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) في صالح الإستقرار». وفي الوقت الذي قال فيه النقاد إن الانتخابات عقدت في جو من الخوف إلا أن المحلل آرون ستين الباحث غير المقيم في المعهد الأطلنطي قال إن الناخبين اختاروا ما يرغبون به وأثنى على الإسلاميين وحزب العدالة وأنهم نظموا حملة انتخابية ذكية و»أداروا حملة من أجل الاستقرار» حسبما نقلت عنه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (2/11/2015) ولهذا حصد الحزب نسبة 49.1٪ من أصوات الناخبين أي بزيادة نسبة 9٪ عن انتخابات حزيران (يونيو) والتي تترجم إلى 316 مقعدا من 550 مقعدا. ويرى ستن أن أحد أهم اسباب النجاح للحزب جاءت من خلال اختيار الناخبين وبذل الجهود القوية لجذب الأصوات في المناطق التي يتساوى فيها الدعم للحكومة والمعارضة وجعل رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو وجها للحملة الانتخابية بدلاً من أردوغان.

نجاح كبير

إزاء هذا النجاح وما يحمله من تغير في ميزان القوة لا يمكن التقليل من حجم الانتصار الذي حققه أردوغان وبنفس الطريقة لا يمكن التقليل من التحديات التي تواجه الحكومة القادمة سواء من ناحية الاستقطاب الذي يعيشه المجتمع التركي وتداعيات الحرب الأهلية في سوريا على البلاد والتحديات الإقتصادية والأمنية النابعة من العمال الكردستاني وتنظيم الدولة. ويقول جوناثان فريدمان المتخصص في الشؤون التركية في شركة «ستروزفريدبيرغ» «حلت الانتخابات مشاكل أردوغان». والسؤال هو كيف سيقوم هو بحل مشاكل تركيا «فهذا بلد يعاني حربا ذات مستوى منخفض في جنوب شرقي البلاد وحربا واسعة على الحدود واقتصادا يسير في الاتجاه الخطأ ومجتمعاً منقسماً بشكل عميق». ويرى ستين ان «الأولوية الأولى للحكومة ستكون العملية السلمية مع بي كا كا». والسؤال إن كانت ستواصل حملتها العسكرية أم تتواصل مع زعيم الحركة السجين عبدالله أوجلان؟ ويعتقد النائب السابق ومدير المركز للدراسات الإستراتيجية والإتصالات سوات كينكلي أوغلو أن مواجهة الأزمة الكردية ستكون على رأس أولويات الحكومة حالة انتهى من تشكيلها. ولا يتوقع المحللون تغيراً في السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بالملف السوري. ففي الوقت الذي دعا فيه أردوغان في الماضي لرحيل الأسد إلا أن استعداده للسماح له البقاء أثناء الفترة الإنتقالية يعتبر تحولاً. ويتوقع تبني الحكومة موقفا أكثر تشددا ضد الجهاديين «تعرف الحكومة أن الخلايا التابعة للدولة الإسلامية قادرة على التسبب بأضرار ضد اهداف تركية». ويرى فريدمان أن تركيا ألقت القبض على متعاطفين كثر مع الدولة الإسلامية لكن ليس بحجم عددهم الكبير داخل تركيا. وتريد تركيا الحفاظ على الجماعات التي تقاتل الأسد ولهذا «فهي تبحث عن حل يسمح لها بملاحقة الدولة الإسلامية بدون تقوية الأسد او الأكراد في سوريا».

ملف اللاجئين

وفي الوقت الذي يخشى فيه البعض من أن يؤدي فوز العدالة لممارسة مزيد من الضغوط على حرية التعبير والصحافة إلا أن سنان اولغين الباحث الزائر في وقفية كارنيغي للسلام العالمي يرى أن «واحدا من الآثار الإيجابية لهذا التفويض الواسع» هو أن الحكومة سيكون لديها هامش للتحرك من أجل التصدي لقضايا السياسة المهمة مثل موضوع اللاجئين». ويعيش اليوم في تركيا أكثر من 4 ملايين شخص اجنبي المولد منهم مليونا لاجئ سوري. وفي مقال مطول كتبه ديفيد ليبسكا في مجلة «فورين أفيرز» (2/11/2015) ناقش فيه الكيفية التي يمكن من خلالها لتركيا إعادة النظر في سياستها المتعلقة بالهجرة وتوفير الملجأ لعشرات الألوف من المهاجرين. وتستطيع تركيا فعل هذا نظرا لاستقرارها واقتصادها النامي وسياسة الانفتاح على الجيران التي بدأت منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة.

هل انتصرت اللاـ ليبرالية؟

لكن نصر أردوغان لم يكن مريحا لمعظم المعلقين الغربيين وردوه إلى سياسة التخويف. وذكرت مجلة «إيكونوميست»(7/11/2015) قائمة من المظالم التي ارتكبها أردوغان الرئيس قبل الانتخابات ضد المعارضة. وقالت إن الرئيس سيعطي داوود أوغلو السلطة فيما هو سيحرك الخيوط من الخلف. وقالت إن تركيا بعد الانتخابات لا تختلف عن روسيا أو فنزويلا أو غيرهما من الديمقراطيات اللا-ليبرالية حيث يحكم رئيس قوي معارضة منقسمة. وتعتقد أن حاجة أوروبا لتركيا في ملف اللاجئين وقتال تنظيم الدولة يجعل من أردوغان يمسك كل الأوراق. والنغمة نفسها بدت في «الغارديان» (1/11/2015) حيث قالت إن انتصار العدالة جاء بثمن. وقالت في افتتاحيتها «حصل أردوغان على انتصار ولكن بلاده تضررت». ومهما يكن فقد جاءت الانتخابات التركية مخيبة لآمال كل من أعدوا «نعي» أردغاون وحزب العدالة والتنمية. وانتصرت مراهنة أردوغان ولهذا فهي انتصار له ومن ثم للحزب فقد أصبح الرئيس في مقعد القيادة من جديد وبالضرورة انتصار للأمة التركية كما علق رئيس الوزراء احمد داوود أوغلو.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الحكومة التركية القادمة ستكون حكومة لاصلاح الأوضاع
    فالمصالحة مع الأكراد ضرورية وكذلك طلب مساعدات لللاجئين ضروري أيضا وكذلك تشجيع الاستثمارات الخارجية على القدوم لتركيا

    تركيا داود أوغلو ستكون غير تركيا أردوغان
    بسبب سياسة أوغلو التصالحية مع الجميع
    وشعاره المشهور سياسة صفر مشاكل

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خليل ابورزق:

    الغريب ان استطلاعات الرأي اخطأت مرتين. فقبل الانتخابات الاولى قالت ان الاغلبية مضمونة لاردوغان و لكن السؤال المطروح هو هل سيصل على اغلبية الثلثين، و اخطأت في انه لم يحصل حتى على النصف. اما في الثانية فقد اجمعت ان سيتراجع الى الثلث فحصل على النصف. هل الامر يتعلق باسس الاستطلاعات ام ميول دور الاستطلاع؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية