تونس – «القدس العربي»: شكلت الصراعات التي تشهدها الأحزاب الكبرى في تونس فرصة ثمينة للأحزاب الصغيرة لإعادة إحياء التحالفات السياسية السابقة ضمن قالب انتخابي بهدف الحصول على موقع جيد في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المقبلة، فيما أعلنت شخصيات غير سياسية عن تشكيل قوائم انتخابية مستقلة قد تقودها لاحقا لسدة البرلمان.
وكانت بعض الأحزاب الكبرى سارعت للإعلان عن قوائمها الانتخابية في وقت أعلنت فيه الهيئة المستقلة للانتخابات عن فتح أبوبها لتلقي طلبات الترشح للانتخابات المقررة في 26 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وأدى التنافس على رئاسة القوائم الانتخابية لحدوث خلافات وتصدعات داخل الأحزاب اليسارية (الجبهة الشعبية) والهجينة (نداء تونس) إضافة إلى فشل الأحزاب المنبثقة عن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي) في تجميع نفسها تحت راية واحدة، في وقت حافظت فيه حركة النهضة الإسلامية على نوع من التماسك الداخلي مع بروز بعض الخلافات الثانوية البسيطة.
وأمام هذا التشتت داخل الأحزاب الكبرى، شهدت الساحة السياسية تحويل بعض التحالفات السياسية إلى تحالفات انتخابية، حيث أعلن «الاتحاد من أجل تونس» عن مشاركته بالانتخابات التشريعية في 26 دائرة انتخابية يتقاسمها حزبا «المسار الديمقراطي الاجتماعي» و»العمل الوطني الديمقراطي» وعدد من المستقلين.
و»الاتحاد من أجل تونس» هو جبهة سياسية شكلها رئيس حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي عام 2012 كمحاولة لتجميع القوى اليسارية والديمقراطية المشتتة، وكانت تضم خمسة أحزاب قبل أن ينسحب منها الحزب الجمهوري كليا و»نداء تونس» و»الحزب الاشتراكي» انتخابيا.
ويقول الأمين العام لحزب المسار سمير الطيب لـ»القدس العربي» إن انسحاب نداء تونس (انتخابيا) من الاتحاد تسبب بخسارة مشتركة للطرفين «فالنداء يتخبط الآن في أزمة جراء هذا الموقف، والمشاكل داخله ما كانت لتحصل لو بقي داخل الاتحاد». لكنه يستدرك بقوله إن «نداء تونس» ما زال متواجدا سياسيا داخل «الاتحاد من أجل تونس»، مشيرا إلى إمكانية تشكيل تحالف سياسي بين الطرفين في حال فوزهما بأغلبية في الانتخابات المقبلة.
وكان الناطق الرسمي باسم «نداء تونس» لزهر العكري أكد في حوار سابق مع «القدس العربي» استحالة مشاركة حزبه بقائمات مشتركة داخل الاتحاد، مشيرا إلى أن القانون الانتخابي الحالي «لا يشجع على تحالف الأحزاب ضمن قائمات مشتركة على الإطلاق، فهذا القانون معادي تماما لأن تكون القائمات مشكلة من أحزاب مختلفة».
فيما أعلنت «الجبهة الوطنية للانقاذ» عن مشاركتها بالانتخابات التشريعية في 16 دائرة داخل البلاد وخارجها، مشيرة إلى ترشيحها لمحافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي لرئاسة الجمهورية. والجبهة ائتلاف سياسي يضم عددا من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وبعض الشخصيات المستقلة تشكلت إثر اغتيال القيادي المعارض محمد البراهمي في منتصف 2013 بهدف «تصحيح مسار الثورة التونسية»، وقررت بعض مكوناتها المشاركة بالانتخابات ضمن تكتل موحد، فيما آثرت أحزاب أخرى المشاركة في قوائم منفردة خارج الجبهة.
ولم يقتصر تشكيل التحالفات على الأحزاب الصغيرة والمعارضة، حيث أعلن حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» (أحد أبرز أحزاب الترويكا) عن تشكيل تحالف جديد يضم إلى جانب «التكتل» أحزاب «التيار الديمقراطي» و»العمل التونسي» وحركة الوحدة الشعبية. ووجد بعض المراقبين في الخطوة الجديدة محاولة من حزب «التكتل» لاستعادة شعبيته وتحسين صورته التي تضررت كثيرا بعد تجربة الحكم مع شريكيه «النهضة» و»المؤتمر من أجل الجمهورية»، فضلا عن الخلافات والانشقاقات الكثيرة التي تعرض لها الحزب في الفترة الأخيرة.
غير أن الناطق باسم الحزب محمد بنّور يؤكد لـ»القدس العربي» أن الخلافات موجودة في جميع الأحزاب التونسية وخاصة بعد تعيين رؤساء القوائم الانتخابية، و»هذا مرده إلى أن تونس أقرت نظاما انتخابيا يتيح لرؤساء القوائم حظوظا أكبر في الوصول للبرلمان، وهذا يتضمن اجحافا كبيرا وخاصة أن بعض المناضلين في عدد كبير من الدوائر الانتخابية يعتبرون أنهم أكثر كفاءة لترأس القائمة والوصول للبرلمان».
ورغم أنه لا ينفي الأثر السلبي لتجربة الحكم على شعبية «التكتل»، لكنه يحمل «الإعلام المواجه وغير الموضوعي» وبعض مؤسسات سبر الآراء مسؤولية تشويه كل من عمل مع حركة النهضة، ويؤكد أن صندوق الاقتراع هو المعيار الوحيد لتأكيد شعبية الحرب المتواصلة بين التونسيين.
من جانب آخر، لجأت بعض الشخصيات المستقلة إلى تشكيل قائمات مستقلة أملا بالحصول على جزء من «الكعكة البرلمانية»، حيث أعلن المحامي مبروك كورشيد عن تشكيل قائمة جديدة بعنوان «حُماة الوطن» تضم ثمانية أشخاص في ولاية «مدنين» (جنوب شرق)، فيما أعلنت النائبة سهير الدردوري استقالتها من حزب «التيار الديمقراطي»، مشيرة إلى أنها ستشارك في الانتخابات التشريعية على رأس قائمة مستقلة بولاية نابل (شمال شرق) تحمل اسم ”تميّز”.
كما أعلن الباحث الأمني نصر بن سلطانة عن تشرحه للرئاسة، مشيرا أيضا إلى أنه أنه نجح بتشكيل ائتلاف جديد للمشاركة في الانتخابات التشريعية تحت عنوان «ائتلاف الأمن الشامل لإنقاذ تونس» يضم ست قوائم انتخابية في عدة ولايات تونسية.
ويركز بن سلطانة في برنامجه الانتخابي على الأمن الشامل بمفهومه العام (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري وغيره)، ويرى أن توفير الأمن سيمكن البلاد من تجاوز الصعوبات الكبيرة التي تعيشها.
يذكر أن الهيئة المستقلة للانتخابات أعلنت في الثاني والعشرين من آب/أغسطس الحالي فتح الباب لتلقي طلبات الترشح للانتخابات التشريعية لثمانية أيام، ومن أبرز الشروط التي يجب توفرها في المترشح أن يكون حاملا للجنسية التونسية منذ عشر سنوات على الأقل ويتجاوز عمره 23 عاما وغير محكوم، كما يجب على المترشحين من القضاة والدبلوماسيين ومسؤولي الحكومة تقديم استقالتهم قبل التقدم بالترشيح الانتخابي.
حسن سلمان
ما هو مهم ان تونس نجحت بصد الؤامرات الداخلية والخارجية وهي تحافظ على المسار الديمقراطي وأهداف الثورة, كل ذلك بفعل الوعي لدى حركة النهضة في ادارة العملية السياسية بعكس أداء الأخوان في مصر