فلما كانت الحلقة الرابعة من حوار «التلفزيون العربي» معه، أيقنت أن الدكتور محمد البرادعي «لا يصلح طبلة ولا طار»، وللدقة فهو لا يصلح إلا «لمسافة السكة»، وباعتباره شخصية معروفة دولياً، ويمكن له أن يمثل بديلاً مقبولاً لدى الغرب الراعي الرسمي للانقلاب العسكري، لاسيما وأن الثورة المصرية ومع الذكرى السادسة لها، باتت كما لو كانت قد رقدت على رجاء القيامة!
وفي حال قيام ثورة حقيقية في البلاد، فإن العلة، التي تدور مع الحكم وجوداً وعدماً، تكون قد انتهت فلا معنى للقبول به إلا وفق نظرية الاضطرار، فهو «مرشح الضرورة»، لكنها ليست «ضرورة» الراحل محمد حسنين هيكل، فالضرورات تبيح المحظورات، وهى، كما قال الفقهاء، تقدر بقدرها، في حين أن «ضرورة هيكل»، رفعت السيسي إلى حد أن أصبح الأمل والمنى، فكونه «مرشح الضرورة» فإن هذا مثل سبباً وجيهاً لترشحه مع الإعفاء من تقديم برنامج انتخابي، وهو المطلوب من كل المرشحين في الانتخابات في طول العالم وعرضه!
«هيكل» قال لـ «لميس الحديدي»، إن السيسي انتقل بالمؤتمر الاقتصادي من «الرئيس الضرورة» إلى «الرئيس بالاختيار»، ومع ذلك فلم يجده مطالباً ببرنامج مع هذا الانتقال، وعلى العموم فقد فشل المؤتمر الاقتصادي فشلاً ذريعاً، ولم يكن سوى «زفة بلدي»!
قيمة البرادعي عندنا، في أنه كان ممثلا للدولة المدنية الحديثة، والمؤهل للانتقال بالبلاد من الحكم العسكري والبوليسي، وفي سبيل هذا فقد تغاضينا عن افتقاده للكاريزما، وقلنا إن كاريزما الفكرة يكفي، كما تجاوزنا عن كونه رجلاً ملولاً، لا يستطيع أن يعيش في مصر أو يتعايش مع أهلها، لكن ما أفصح عنه في مقابلته مع «تلفزيون العربي»، قلب علينا المواجع، لاسيما ما ذكره من زيارة له للمجلس العسكري، في فترة الشك، ليقترح عليهم صيغة لحكم البلاد، بعد إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية!
فترة الشك، هى الثلاثة أو الأربعة أيام التي مرت على الموعد المحدد لإعلان نتيجة هذه الانتخابات، وقد خشينا من التلاعب في إرادة الناخبين، لأن النتيجة التي أعلنها الإخوان، وحركة قضاة من أجل مصر، كانت تقول بأن الفائز هو الدكتور محمد مرسي، وفي مواجهة التأخر في إعلان النتيجة، فقد حشد الإخوان شبابهم في ميدان التحرير، كما عقدوا اجتماعاً مع عدد من رموز قوى الثورة، أذكر منهم الإعلامي حمدي قنديل، وهو اجتماع «فيرمونت» نسبة للفندق الذي عقد فيه الاجتماع ويحمل هذا الاسم، وذلك ليظهروا للعسكر أنهم لن يكونوا وحدهم في مواجهته إذا قرر التلاعب بنتيجة الانتخابات.
الخروج الآمن للعسكر
وإذ علمت بزيارة البرادعي للمجلس العسكري مبكراً، فقد ظننت أنه ذهب وسيطاً نزيهاً، بهدف الطلب منهم أن ينصرفوا في سلام غير مستأنسين لحديث، فلا دور لهم بعد انتخاب الرئيس، وربما يضمن لهم «الخروج الآمن»، بعد أن ضبطهم الثوار وفي أكثر من مناسبة متلبسين بخيانة الثورة، والانحياز لنظام مبارك، وكان الهتاف بسقوط حكم العسكر، وضد المشير محمد حسين طنطاوي بالاسم!
بيد أن الدكتور البرادعي، الذي تمنيت أن يترشح للانتخابات الرئاسية فأنضم إلى حملته، فاجأنا بأن هذه الزيارة، كانت محملة بأكثر من رسالة، ولأن هناك من أطلقوا عليه «ضمير الثورة» و»أيقونتها»، فإن الرسالة الأولى أن النية إذا كانت تتجه لتزوير الانتخابات لصالح الفريق أحمد شفيق، فإن الثورة لا ترى في هذا حرجاً، فحسب كلامه، «أياً كان الفائز فيها». أما الرسالة الثانية فكانت عندما دغدغ مشاعرهم بالبقاء في السلطة للشراكة في الحكم، فما هو لزوم الحديث عن صيغة للحكم، وكان وضع المجلس العسكري مؤقتاً، وليس في أدبيات الدولة المدنية ما يرتب أي دور للجيش في إدارة الدول، وهو يعلم أن الثورة ضجت بممارسات العسكر، الذين كانوا يقولون أنهم سيغادرون الحكم بمجرد انتخاب الرئيس!
ولعل هذه الزيارة، هى التي جرأت العسكر على الشراكة، باعتبار أنه بحل البرلمان المنتخب، قد آلت إليهم صلاحيات التشريع، وهى الصلاحيات التي انتزعها منهم الرئيس بعد ذلك، بل وأقال رئيس المجلس ورئيس أركان الجيش!
لم تكن للدكتور البرادعي ناقة ولا جمل للقيام بهذه الزيارة، وكانت نصائحه للعسكر بالبحث غن صيغة للشراكة خيانة لثورة قامت على أنقاض ستين سنة من الحكم العسكري، ونادت بالدولة المدنية.
لقد أثبتت هذه الزيارة أن صاحبنا كان يريد التقرب من العسكر زلفى، وإذا كان رفقاء الثورة لم يمكنوه من أن يكون رئيساً للبلاد، ووجدوا أنهم ليسوا في حاجة له فقد احتموا في حصانته الدولية في أيام ضعفهم قبل الثورة، أما الآن فلن يهزموا من قلة، فقد ذهب هو يبحث عن وجود في كنف العسكر، وها هو يبدو وباعتباره ممثلاً للثورة، أن ثورته يمكن أن تكون في خدمتهم، وتسمح لهم بالشراكة في الحكم، بل وفي تزوير نتيجة الانتخابات واختيار الفائز، فحسب كلامه في مقابلة «التلفزيون العربي»: «أياً كان الفائز سواء الفريق أحمد شفيق أو الدكتور محمد مرسي»!
استحضار العفاريت
عندما قلت في البداية، إن الدكتور محمد البرادعي قلب علينا المواجع بهذا الحديث، فقد تذكرت صحيفة سوابقه في الإبقاء على العفريت، وعندما كان العفريت حاضراً بقرار من مبارك الذي حرص عند تخليه عن الحكم أن يوكل إدارة البلاد لمجلسه العسكري، المعين بإرادته الحرة والمنفردة، وكان البرادعي حريصاً على عدم صرفه!
لقد كانت الثورة تهتف بأن يغادر المجلس العسكري الحكم وترك البلاد لمجلس مدني لإدارة البلاد لحين الانتخابات الرئاسية، عندئذ قال البرادعي أنه مع استمرار المجلس العسكري في الحكم لعامين آخرين، مع أن إجماع قوى الثورة كان منعقداً على أن بقاءه لفترة طويلة سيمكنه من الاستمرار في الحكم.
وفي الوقت الذي كان يرفض فيه الدكتور البرادعي الحوار مع الرئيس المنتخب، تلقى دعوة من الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع للحوار مع المعارضة، فوافق على الفور، وهو الاجتماع الذي ألغاه الرئيس، وكان كفيلاً بأن يطيح بوزير الدفاع لكن على ما يبدو أن عبد الفتاح السيسي كان يكسب ثقة مرسي بأعمال السحر، ولا تصدق أحد المستشارين السابقين الذي أراد في مقابلة مع قناة «مكملين» أن ينقذ مرسي من الغفلة فاتهمه بقلة الحيلة، عندما قال إن الرئيس لم يكن يستطيع عزل وزير الدفاع لأنه لم يعينه، أو كما قال!
وفي وقت لاحق، وعندما دعا الرئيس المعارضة وعلى رأسها الدكتور البرادعي للحوار كان شرط «ضمير الثورة»، أن يكون الحوار بضمان الجيش. وإذا كنت قد انتقدته على ذلك في حينه، فإن اللافت أنني كنت أعتبرها مجرد كبوة، ولم أنتبه إلى أنه مخططه للمكايدة والانتقام، وهو الذي كان ينتظر أن يعين بعد الثورة رئيساً للحكومة فلم يفاتحه الرئيس أو جماعته في ذلك، وإذا كان الانتقام له ما يبرره، فإن المؤسف أن يكون صاحبنا البرادعي في حكم من نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، أو كالذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!
إنها «النفاثات في العقد»، وأنا اختلف مع كثيرين يرون أن المعارضة بقيادة محمد البرادعي كانت أداة في يد العسكر للانقلاب على الثورة، ففي ظني أن الاستدعاء الأول كان من قبل البرادعي لقادة المجلس العسكري وقد روادها عن الثورة، فلما قضى السيسي منها وطراً تخلص من البرادعي ولم يهتم ببقائه في السلطة، ولو بالصيغة التي حددها السيسي: مجرد نائب لرئيس الجمهورية المؤقت وبلا صلاحيات قانونية أو واقعية!
شيخ الإسلام الببلاوي
كانت خطة البرادعي تقوم على أنه رئيس الحكومة المؤقتة، ليكون هو رئيس الدولة باعتباره سيكون المرشح الأوحد وقد جرى التخلص من الإخوان، لكن السيسي حرمه من أي وجود له معنى، فقد طمع قائد الانقلاب في السلطة كاملة غير منقوصة، وفي البدء حرض حزب «النور» السلفي، ليرفض باسم الإسلام أن يكون علمانياً رئيساً للحكومة الإسلامية التي تتأسس في مصر، ووافق الحزب على أن يكون شيخ الإسلام «حازم الببلاوي» رئيساً لهذه الحكومة، وكان الجميع يعلم أن «النور» يقوم بدور بالوكالة لصالح قائد الانقلاب!
في تقليبه للمواجع، ذكر البرادعي أن أحد أعضاء المجلس العسكري كان مع الاستفتاء على بقاء الرئيس محمد مرسي، لكن هو نفسه كان مع طي الصفحة. لأنه يعلم أن الاستفتاء سيبقي على الرئيس وأن الأغلبية معه، وهم لم يقوموا بانقلابهم فعلاً تعبيراً عن إرادة الشعب، فلو كان الشعب معهم لخاضت الأحزاب المشكلة لجبهة الإنقاذ الانتخابات البرلمانية وكانت على الأبواب، وحصلوا على الأغلبية التي تمكنهم من تعديل الدستور وتجريد الرئيس من صلاحياته في الدستور الجديد، ليكمل دورته بلا صلاحيات.
كانت المقابلة باردة، كجو القاهرة هذا الشتاء، فلم يلح محاور البرادعي في معرفة اسم عضو المجلس العسكري هذا، وحسب معلوماتي أنه عبد الفتاح السيسي، الذي طمع في الأمر برمته بعد ذلك!
البرودة، كانت سمة الجو العام للقاء، على مدى الحلقات الأربع من الحوار مع البرادعي، والذي وصفته من قبل بأنه يفتقد للإعداد الجيد، فجاء كـ «الطبيخ البايت»، وإذا كانت السلطات في مصر لم تسمح بالدعاية لتلفزيون العربي وعاملته كما لو كان قناة «مكملين»، فقد اعتبرت أن هذه المقابلة ستمثل أكبر دعاية له، وقد بدا المصريون في اهتمام بالغ بالحوار، وبعضهم كان يسأل عن تردد القناة، وإذ جلست أمام شاشتها قبل إذاعة الحلقة الأولى بساعتين، فلا أعتقد أن ما قدم قبل الحوار يمكن أن يربط المشاهد المصري بها.
لقد كنت أريد من البرادعي أن يتحدث بعد صمت لكي أراه، فلما تحدث اعتبرتها الفرصة المناسبة لكي أمد قدميً!
صحافي من مصر
سليم عزوز
“تعرض المجتمع المصري لعلمنة مبكرة بدأت منذ القرن التاسع عشر، فقد أعلن إسماعيل باشا خديوي مصر أن مصر “قطعة من أوروبا” وعليها أن تسير حسب النهج الغربي”
كما جاء طه حسين في مطلع القرن العشرين ليعلن أن على مصر أن تأخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها إذا أرادت أن تصبح دولة متحضرة متقدمة، وقد دعت إلى ذلك كل عناصر النخبة الثقافية المعروفة في مصر من أمثال أحمد لطفي السيد وإسماعيل مظهر ومحمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد الذي كان مفتونا بالنهج السياسي الإنجليزي.
وإن أبرز الحقائق التي كان يدعو إليها أولئك المثقفون -متأثرين بالحضارة الغربية- فصل الدين عن الدولة، وحصر الدين في المسجد والكنيسة، ونقل التجربة الغربية التي تقوم على بناء الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية بعيدا عن الأحكام الدينية.
ثم جاءت ثورة 1952، وفرض جمال عبد الناصر في الستينيات المبادئ الاشتراكية الشيوعية التي لا تحقق العلمنة التي تقوم على فصل الدين عن الدولة فحسب، بل تقوم على اقتلاع الدين من حياة الناس، والتشكيك في قيمه ودوره ومبادئه وحقائقه.
إن محاولات العلمنة الطويلة -تلك- التي استعرضنا ملامحها بشكل سريع، أدت في مصر إلى تكوين جزء من الشعب المصري يتراوح موقفه من الدين الإسلامي بين إبعاده عن الحكم وقصره على المسجد، وبين اقتلاعه من عقول الناس لأنه خرافات وأوهام لا حقيقة لها، لكن معظم الشعب بقي إلى جانب الدين، مؤمنا بدوره ورسالته وضرورة تفعيل تشريعاته وبسط مبادئه على مختلف أمور المجتمع المصري.
لقد أظهرت الانتخابات المتعددة التي قامت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 للبرلمان ولمجلس الشورى وللرئاسة، والاستفتاءات المتعددة على الدستور المصري صحة الحقيقة السابقة، وهي: أن الشعب المصري مازال مع الإسلام، وأن محاولات العلمنة كسبت أقلية من المجتمع المصري، وأن الأغلبية استعصت على محاولات العلمنة، وبقيت على اقتناعها بأن الدين الإسلامي يجب أن يسود مختلف مناحي الحياة، وهذا ما أكدته صناديق الاقتراع، وهي التي أوصلت مرسي إلى سدة الرئاسة.
– بقلم الأكاديمي والكاتب الفلسطيني غازي التوبة –
ولا حول ولا قوة الا بالله
سليم بفتح السين ، أنت دائما سليم
الأمر المحزن والمبكي في نفس الوقت أن الإنسان العربي لا يعرف ولا مؤمن بشيء إسمه الديمقراطية والتدال السلمي للسلطة حتى إذا كان يحمل أرقى الدرجات العلمية والمدنية وعاش في الأوطان التي تسود فيها الديمقراطية. إنه أمر عجيب
أسكر لك على المقالة وإذا كنت أثرت الكثير من النقاط عن مقابلة الدكتور البرادعي وهي جميعها في محلها فإنني أتساءل لماذا لم يسأل المذيعُ هل تؤمن بحاجة إسمها الديمقراطية أصلا يا دكتور؟ وهل كنت تشعر أنك تهيئ لحكم عسكري؟ وهل أنت نادم بأنك قتلت الديمقراطية المصرية الوليدة في المهد؟ أسئلة كثيرة كنا نتوقع أن يطرحها عليه لكي نعرف موقفه وشعوره نحوها.
العرب خرجوا من تاريخ الحضاره الانسانيه و لن يعودو!، فلا النخبه اثرت ولا الثروه و النفط،! فالعربي لا يؤمن بقيم الحريه و الديمقراطيه، حتي في بيته، لذلك فلا غرابه في نجاح ايه سلطه ديكتاتوريه. سواء كانت دينيه او عسكريه وهما القوتان المسيطرتان علي العالم العربي شرقه و غربه، لا مجال اذن للحديث عن مرسي و الاخوان او المجلس العسكري، الجميع وجوه متعدده لعمله و احده هي التخلف و الرجعيه.
ا/إيمن رشيد,ألا تظن أن الإخوان الذين خاضوا 5 إستحقاقات إنتخابيه ونجحوا فيهاقد أثبتوا إيمانهم بقيم الحريه والديموقراطيه وأن الأطراف الأخري,التي تواطئت مع العسكر,هي التي فشلت في إثبات إيمانها بقيم الحريه والديموقراطيه؟!
استاذ سليم ، إن كنت انت رأيته فاتاح لك الفرصة لكي تمد رجلك ، فأنه بالنسبة لي اضأل بكثير من أن اراه !
هذا الذي ساهم بخبث و تزلف و وصولية مقيتة في السكوت عن تحطيم بلدي !
و هل كنتم حقاً تأملون انه الشخص المناسب لقيادة مصر ؟!
صحيح انه لم يكن ليصبح أسوء من العبد السفاح ، لكنه و كما إعتاد لم يكن دوره ليتجاوز دور البردعة ، ولكل من اسمه نصيب !