منذ ان أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي تمت في 12 مايو/ أيار الماضي، والطبقة السياسية العراقية تمور بحراك غير مسبوق، يحاول الخروج من أثر صدمة النتائج. فقد خسر 70% من النواب السابقين مقاعدهم، ومنهم رموز وشخصيات قيادية في أحزاب وحركات سياسية، كانت لهم أدوار قيادية في العملية السياسية منذ 2003.
في البدء يجب ان نسلط الضوء على مجموعة من المعطيات التي ستساعدنا في فهم المشهد السياسي العراقي وأزمته الحالية، ومرتكز الأزمة الحالية، كان اختيار مجلس المفوضين الذي يدير المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث طالبت المظاهرات الجماهيرية حينها بحل المفوضية، وتولي القضاء الإشراف على العملية الانتخابية، كما هو الحال في العديد من بلدان العالم، لكن أحزاب السلطة أصرت على عدم دستورية إلغاء المفوضية، واختارت طريق المحاصصة الحزبية، حتى بات لكل حزب من الاحزاب الكبيرة في العملية السياسية من يمثله في مجلس المفوضين، وجلس دهاقنة الفساد وهم مرتاحون لنتائج الصفقة التي تم الاتفاق عليها.
عندما ابتدأت المفوضية تتحرك باتجاه شراء أجهزة العد والمسح الإلكترونية للتعجيل بإصدار النتائج والتقليل من احتمالية التزوير، ثارت ثائرة احزاب متنفذة في الحكومة والبرلمان ورفضت هذه التقنية، فقد صرح عضو مجلس المفوضين والناطق باسم المفوضية العليا للانتخابات كريم التميمي في أبريل/ نيسان الماضي، أي قبل إجراء الانتخابات بحوالي شهر قائلا، «إن مفوضية الانتخابات في العراق تتعرض إلى ضغوط سياسية من كتل سياسية لإلغاء التصويت الإلكتروني، واعتماد العد والفرز اليدوي في الانتخابات النيابية». وأضاف «أن الجهاز الإلكتروني يمنع التدخل البشري حتى لا تشكك الأحزاب بتغيير النتائج أو ذهاب أصوات من مرشح لآخر، وأن ما نريده من الأحزاب السياسية التشجيع على هذه العملية الانتخابية، وأن تدعم المفوضية في هذا الشأن، على اعتبار أن الجهاز سيمنع بشكل كبير من حشر أوراق، ومنع التزوير ويساعد في تسريع إعلان النتائج، لكن ما نلاحظه أن بعض الاحزاب قد لا ترغب في هذا الشيء».
من جانب آخر، نحن نعلم أن السياقات الدستورية والقانونية قد حددت آليات الانتخابات واعلان النتائج والاعتراضات عليها، في حال وجود خروقات، وقد تلقت المفوضية مجموعة شكاوى بشأن حصول تزوير وتلاعب في عملية الانتخاب، وكانت اكثر الاتهامات منصبة على انتخابات الخارج وانتخابات التصويت المشروط في مخيمات النازحين، وبحسب رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، الدكتور رياض البدران، فقد تم فحص 1021 محطة انتخابية كانت موضع الشكاوى والشكوك بحدوث خروقات انتخابية، بحسب اتهامات مراقبي الكتل السياسية، وقد ظهرت فيها محاولة حشو أوراق انتخابية عنوة، ما أدى إلى عطل الأجهزة الإلكترونية، التي رفضت عملية التزوير، وقد استبعدت هذه المحطات من نتائج الانتخابات، وعند سؤال البدران عن مدى خطورة هذا العدد، أشار إلى أن النسبة تبقى ضئيلة جدا ومقبولة ضمن المقايس العالمية للانتخابات، فحوالي ألف صندوق انتخابي من حوالي 56 الف صندوق يعني نسبة 1.8% ، وهي نسبة تعد مقبولة مع أول تجربة للأجهزة الجديدة.
وهنا يجب ان نسأل؛ ما هو السياق الدستوري في حال رفض الكيانات السياسية الخاسرة لقرارات المفوضية العليا للانتخابات، التي تمثل السلطة العليا المختصة في البت في النزاعات الانتخابية؟ لقد أشار الدستور بوضوح إلى لجوء المعترض الى المحكمة الاتحادية العليا للبت في النزاعات الانتخابية بعد قرار المفوضية، وأن قرار المحكمة الاتحادية سيكون قاطعا ولا إمكانية للتمييز أو الاعتراض عليه. لكننا في انتخابات مايو الماضي فوجئنا بانقلاب يمارسه الخاسرون من أعضاء البرلمان الذي أوشكت دورته على الانتهاء، فقد اجتمع النصاب القانوني (نصف +1) من اعضاء البرلمان من الخاسرين، وعلى رأسهم هيئة رئاسة البرلمان المكونة من الرئيس ونائبيه، سليم الجبوري وهمام حمودي وأرام الشيخ محمد، والثلاثة خسروا مقاعدهم النيابية في الانتخابات الاخيرة، وقد عقدت جلسة البرلمان الطارئة يوم الاربعاء 6/6/2018 للتصويت على قانون التعديل الثالث لقانون (45) لعام 2013 لانتخابات مجلس النواب، وقرر النصف الخاسر من البرلمان تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، والمفارقة هي تطبيق التعديل بأثر رجعي على نتائج انتخابات تمت قبل اسبوعين.
كان الدافع أو المحرك الرئيس الذي تعكز عليه النواب الذين طالبوا بتعديل قانون الانتخابات هو، حصول تزوير في الانتخابات، وفشل المفوضية العليا للانتخابات في ادارة العملية الانتخابية، ما يستدعي استبدالها بهيئة قضائية يحددها مجلس القضاء الاعلى، أي العودة الى ما سبق أن رفضه البرلمان نفسه، لكن ما هو المطلب الرئيس للتعديل؟ إنه إلغاء نتائج العد والفرز الإلكتروني وإعادة العد والفرز اليدوي، ابتدأت المسألة باتفاقات واقتراحات من مجلس الوزراء، طالبت بإعادة فرز وعد 5% من صناديق الانتخاب يدويا، بينما ذهبت جهات في البرلمان الى نسبة 10% في حين طالب البعض بـنسبة 25% من إعادة العد والفرز اليدوي لصناديق الانتخاب، لكن التصعيد استمر، والانقلابيون رفضوا هذا الحل، وأقر التعديل بصيغة لم يسبق لها مثيل.
التعديل الذي أقره البرلمان يوم 6 يونيو/حزيران الجاري ينص على ما يلي؛ تعدل المادة (38) من قانون انتخابات مجلس النواب المعدل رقم (45) لسنة 2013 وتقرأ كالتالي: تلتزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإعادة العد والفرز اليدوي لكل المراكز الانتخابية في عموم العراق، وبحضور وكلاء الكيانات السياسية، ويلغى العمل بجهاز تسريع النتائج الإلكترونية، وتعتمد النتائج على أساس العد والفرز اليدوي، ويشمل هذا العد والفرز كافة المحطات حتى المحطات الملغاة منها.
أما المادة الثانية التي أضافها التعديل فهي، باستثناء أصوات الأقليات المشمولة بنظام الكوتا، تلغى نتائج الخارج لجميع المحافظات وانتخابات التصويت المشروط في مخيمات النازحين والحركة السكانية لمحافظات الانبار، صلاح الدين، نينوى، ديالى وأصوات النزلاء في السجون وانتخابات التصويت الخاص في اقليم كردستان. وفي حال وجود مخالفات تتطلب إلغاء لبعض نتائج بعض المراكز الانتخابية فللهيئة القضائية المشرفة والمنصوص عليها في المادة 8 البند 3 قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل صلاحية إلغاء هذه النتائج.
واختتم التعديل بالمادة «ينتدب مجلس القضاء الأعلى تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتتولى صلاحية مجلس المفوضين بدلا من مجلس المفوضين الحالي، وقاضيا لكل مكتب من مكاتب المفوضية العليا في المحافظات، بدلا من المديرين الحاليين، وتنتهي مهام القضاة المنتدبين عند مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات، ويوقف اعضاء مجلس المفوضين الحاليين ومديري مكاتب المحافظات عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق في جرائم التزوير، التي أشار اليها قرار مجلس الوزراء .وتسري أحكام هذا القانون على انتخابات مجلس النواب العراقي لسنة 2018».
وهنا لا بد من أن نسأل فقهاء القانون الدستوري، هل هذا تعديل قانون؟ أم تفصيل لمخرج قانوني للخاسرين وتوفير منفذ لعودتهم للبرلمان، عبر إمكانية التلاعب بعملية العد والفرز اليدوي؟ وهل هذا التعديل على قانون الانتخاب سيبقى ساري المفعول للانتخابات المقبلة؟ يعني هل هو صيغة قانون دائمي، وبالتالي سيترتب عليه إلغاء استعمال أجهزة العد الالكترونية؟ واذا تم الغاؤها والعودة الى العد اليدوي، من سيتحمل جريمة إهدار 100 مليون دولار ثمن الأجهزة التي دفعتها خزينة العراق الخاوية؟ وهل إلغاء نتائج انتخابات الخارج يعني الغاء انتخابات الخارج والنازحين في الانتخابات المقبلة؟ كل هذه الاسئلة لن تجد من يجيب عليها.
وقد تلقف مجلس القضاء الاعلى الكرة التي سقطت في ملعبه، وأعلن على لسان المتحدث باسم المجلس القاضي عبد الستار بيرقدار استعداده لتشكيل الهيئة القضائية، التي ستشرف على عملية إعادة العد والفرز اليدوي، والمشكلة أن لمجلس القضاء العراقي سوابق ذات وقع سلبي في ذاكرة المواطن العراقي، وابرزها مشكلة تحديد الكتلة الاكبر، التي ستكلف بتشكيل الحكومة، عندما أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود قراره بتأثير الضغوط السياسية وحرم قائمة العراقية الفائزة في انتخابات 2010 من تشكيل الحكومة لتكلف كتلة الائتلاف الوطني الموحد، التي تكونت تحت قبة البرلمان بعد الانتخابات، ليشرع صيغة غير دستورية في التعاطي مع نتائج الانتخابات.
لكن يبدو ان تخوف الخاسرين من ان تكون نتائج العد والفرز اليدوي مع كل ما حصل مقاربة للنتائج التي اعلنتها المفوضية، لذلك تحركت القوى الخفية، وبفعل ماس كهربائي شب حريق في مخازن المفوضية العليا للانتخابات في قضاء الرصافة – بغداد التي تحوي صناديق الانتخابات، يوم الاحد 10 يونيو، وهو التاريخ المحدد من قبل مجلس القضاء الاعلى لإعلان الهيئة القضائية البديلة لمفوضية الانتخابات التي ستسلم من المفوضية كل وثائق الانتخابات. لنصبح الان امام وضع معقد وحرج، ولترتفع اصوات الخاسرين مثل النائب مشعان الجبوري الذي كتب على صفحته في فيسبوك بعد نبأ الحريق مباشرة، «إذا تأكد ان النيران التهمت الصناديق الانتخابية للرصافة فانهم لم يتركوا للبرلمان والقضاء غير اتخاذ قرار إعادة الانتخابات» وهذا هو مربط الفرس، الخاسرون بقيادة سليم الجبوري اليوم يطالبون باعادة الانتخابات، فإلى اي نفق مظلم نحن متجهون؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
نعم هناك تزوير بصناديق الإنتخابات, ولكن هل هناك إختراق بالعد الإلكتروني؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
No…. but the taken over of Iran in iraq ,. Iran has appointed Suleimani as the supreme leader of Iraq.. whether the election is recoganised or not that won’t matter any more, Iran is in charge in Iraq