التأثيرات الإقليمية والدولية على انتخابات الرئاسة المصرية

الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة 26 اذار/مارس الجاري باتت على الأبواب، قطاعات واسعة من الشعب المصري لا تنظر بجدية لهذه الانتخابات التي كادت تتحول إلى استفتاء على الرئيس، يذكر بالاستفتاءات القديمة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي حتى عام 2005. وقد أودعت حملة الرئيس السيسي الأوراق اللازمة لترشحه لدورة رئاسية ثانية لدى الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وفي الوقت نفسه طالت الشبهات عمليات استبعاد وتضييق على المرشحين الذين كانوا يمثلون منافسين جديين في المعركة الانتخابية، خصوصا اثنين من الجنرالات السابقين وهما رئيس الأركان الأسبق سامي عنان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، بالإضافة لانسحاب منافسين سياسيين من السباق الانتخابي بسبب التضييق عليهم مثل رئيس حزب الإصلاح والتنمية النائب السابق محمد أنور السادات والمحامي المدافع عن حقوق الإنسان خالد علي.

كما تم القاء القبض على عبد المنعم ابو الفتوح القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين الذي سبق أن ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2012 ووضع قيد الحبس الاحتياطي بعد أن وجه نداء مع شخصيات معارضة أخرى إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية متهما النظام بـ “منع أي منافسة نزيهة”. وتم توقيفه بعيد وصوله إلى القاهرة عائدا من لندن حيث كان أجرى مقابلات تلفزيونية انتقد فيها الحكومة المصرية. كذلك تم توقيف هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات الذي كان قد تعرض لاعتداء بالضرب كاد يودي بحياته، لكن الحكم الذي صدر بسجن جنينة جاء على خلفية تصريحاته الصحافية التي أشار فيها إلى امتلاك رئيس الأركان الأسبق سامي عنان وثائق خطيرة حول فترة حكم المجلس العسكري قد “تدين أشخاصا كثيرين”.

وتغيرت صورة الانتخابات من استفتاء على الرئيس فقط إلى شكلها على “صورة تنافس” انتخابي حين ترشح في الساعات الأخيرة شخص غير متوقع، هو موسى مصطفى موسى، الذي كان نائبا لرئيس حزب الغد، الذي خاض نزاعات شخصية وقانونية مع رئيس الحزب ومؤسسه المحامي أيمن نور، على رئاسة الحزب، حتى حسم القضاء النزاع في أيار/مايو 2011 وأصبح موسى مصطفى رئيسا للحزب، وقد أتسم أداؤه السياسي بالقرب من عبد الفتاح السيسي منذ بداية ظهوره على الساحة السياسية. المفارقة في الأمر أن موسى مصطفى موسى هو من أطلق حملة “كمل جميلك يا شعب” التي طالبت بترشح عبد الفتاح السيسي في 2014، وفي 24 اب/أغسطس 2017 أسس حملة “مؤيدون” لمساندة السيسي في الانتخابات الرئاسية 2018، لكن فجأة ومع استبعاد كل المرشحين المحتملين تطلب الأمر مرشحا دمية، ليكمل الشكل الديمقراطي للتنافس الانتخابي المحسوم سلفا للرئيس الحالي، لذلك أطلق الشارع المصري على موسى لقب “المحلل” تشبيها له بالشخص الذي يتزوج المطلقة صوريا لكي تعود لزوجها الأول استهزائا من دوره الصوري في الانتخابات المقبلة.

حال المواطن والوطن

ينظر المراقبون إلى ما مرت به مصر خلال مدة الرئاسة الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي على انها حقبة كارثية، فبالرغم من الدعاية الإعلامية الفاقعة للنظام ورأسه وتضخيم ما قدمه من “انجازات” إلا ان التتبع الدقيق للأمر يبين الكثير من تفاصيل الصورة القاتمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ان الرئيس السيسي عندما ابتدأ مدة رئاسته الأولى أعلن ان مجمل ديون مصر الداخليةً والخارجية تبلغ 1.7 تريليون جنيه مصري، وانه لن يهدأ له بال حتى يتم تسديد هذه الديون والنهوض بالاقتصاد من جديد، فما الذي حصل في نهاية مدة الرئاسة الأولى للرئيس؟ حسب تقارير البنك المركزي المصري نجد ان ديون مصر الخارجية تعدت إلى 67.3 مليار دولار (تريليون و211 مليار جنيه مصري) بينما بلغت الديون الداخلية 3 تريليونات و52 مليار جنيه، أي أن مجمل ديون مصر قد تعدت 4 تريليونات ونصف مليار جنيه مصري، أي تضخمت بزيادة 300 في المئة نتيجة السياسة الاقتصادية المتخبطة لإدارة السيسي وتسويق الأوهام على انها مشاريع استراتيجية. وكان المتضرر الأكبر من هذا التردي الاقتصادي هو المواطن البسيط ذو الدخل المحدود الذي اكتوى بارتفاع الأسعار وازدياد الضرائب وتردي الخدمات الحكومية.

من ناحية أخرى وعد الرئيس في بداية تسنمه سدة الرئاسة عام 2014 بانه سيضع حدا لمشكلة الإرهاب التي كانت محصورة بشكل رئيسي في بؤر محددة ومرصودة في شمال سيناء، فإذا بشبكات الإرهاب تتوسع وتزداد أذرعها طولا وتصبح لها القدرة على الضرب في كل المدن المصرية من القاهرة الكبرى حتى مدن وقرى الصعيد، كل ذلك أمام تراجع واضح في أداء القوى الأمنية والعسكرية المصرية التي سلبت منها امكانية المبادرة والتحرك الاستباقي لتتحول تحركاتها إلى مجرد ردود أفعال على ضربات الإرهاب.

التحالفات 

ينظر المحللون إلى هذه الزاوية باعتبار ان الانتخابات المصرية لن تفرز متغيرات جديدة تؤثر في الدور المصري في المعادلة الإقليمية، لأنها لن تكون إلا امتدادا لما هو موجود الآن، وبالتالي فان التحالفات الحالية المتمثلة بالتقارب المصري مع كتلة السعودية – الإمارات الخليجية مثلا سيبقى على ما هو عليه، لان السعودية والإمارات تمثلان أكبر الداعمين لنظام الرئيس السيسي سياسيا واقتصاديا.

من جانب آخر لن يكون موقف نظام السيسي في دورته الرئاسية الثانية من قطر وتركيا مختلفا عما سبق، ولن يشهد تغيرات حسب المراقبين نتيجة عمق خلافات النظام مع حركة الإخوان المسلمين التي وجد كوادرها وقياداتها ملاذا آمنا لهم في تركيا، لا بل يتوقع البعض زيادة توتر العلاقات المصرية التركية على خلفية بعض التغيرات في الموقف المصري من النزاع السوري، إذ بدا مؤخرا ميل نظام السيسي لفتح أفق تعاون مع روسيا بوتين، وهذا الأمر انعكس على موقف مصر الضاغط على الفصائل المعارضة لنظام الأسد، والذي يمكن ان نقرأه في موقف تلك الفصائل في ما بات يعرف بمنصة القاهرة للمعارضة السورية وأدائها في مؤتمرات المصالحة في استانا وجنيف.

أما على صعيد علاقات مصر الأوروبية والغربية فانها تمر بأوطأ مستوى شهدته القاهرة منذ نصف قرن، وذلك لأسباب متعددة منها مواقف نظام السيسي السياسية وضعف الأداء الحكومي أمام هجمات الإرهاب، مما حدى بدول كثيرة إلى إيقاف تعاملاتها التجارية والسياحية مع مصر، وأوضح مثال على ذلك ما عرف بأزمة تفجير طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء التي أدت إلى تعليق الرحلات الروسية وإيقاف تدفق أفواج السياحة من روسيا وشرق أوروبا على مصر ما أصاب السياحة المصرية بنكسة لم تتعاف منها حتى الآن.

على صعيد النزاع العربي الإسرائيلي، ودور مصر فيه، فكان أهم حدث هو صفقة الغاز الإسرائيلي الذي سيتم تصديره إلى مصر، الصفقة التي أصابت المتابع العربي بالذهول، فبعد ان كانت إسرائيل حتى عام 2011 تستورد الغاز من مصر، ونتيجة لثورة 25 كانون الثاني/يناير وما تبعها من تداعيات توقف استيراد إسرائيل للغاز المصري حيث تم تفجير خطوط الغاز التي تجهز إسرائيل والأردن بالغاز أكثر من عشر مرات دون ان يتم الكشف عن منفذي هذه الهجمات، وقد تناول الإعلام المصري حينها اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل وصورها باعتبارها خيانة وطنية وهدرا للثروة القومية، حيث كانت إسرائيل تحصل على الغاز المصري بأسعار مخفضة عن سعر السوق العالمي، وإذا وبقدرة قادر تتحول مصر من بلد يصدر فائض الغاز لديه إلى الأردن وإسرائيل إلى مستورد من البلد الذي كان يبيعه الغاز! إذ تم توقع صفقة استيراد الغاز التي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، الإثنين 19 شباط/فبراير 2018 بالصفقة “التاريخية” بين ‎إسرائيل و‎مصر، والتي سيتم بموجبها تصدير64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من إسرائيل لمصر لمدة 10 سنوات بقيمة 15 مليار دولار. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قوله: “أرحب باتفاق توريد الغاز لمصر فهو بمثابة حدث تاريخي، حيث سيجلب المليارات لخزينة الدولة ولصالح التعليم والصحة والرفاهية لمواطني إسرائيل”.

وطبلت وسائل الإعلام المصرية للصفقة الجديدة، وهي وسائل الإعلام نفسها التي كانت تهول وتتهم بالخيانة من تعاقد على الصفقة القديمة، وبررت الأمر على انه ليس اتفاقا بين حكومتين وانما هو اتفاق بين شركات خاصة مصرية وإسرائيلية لتوريد الغاز الذي سيسد النقص الحاصل في تزويد محطات توليد الطاقة الكهربائية المصرية للخروج من أزمة الطاقة التي تعاني منها.

وتحاول حكومة عبد الفتاح السيسي العودة للعب دور منسق الحوار بين فرقاء الصراع الفلسطيني بين جناحي فتح وحماس، ومع كل التحركات بين رام الله وغزة إلا ان الدور المصري لم يحرز تقدما ملحوضا في رأب الصدع، حيث ما زال الأمر متوترا بين طرفي النزاع الفلسطيني نتيجة غياب الدور المركزي الذي كانت تلعبه مصر سابقا.

ولابد من الإشارة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدورة الثانية من رئاسة عبد الفتاح السيسي، حيث يلوح أفق تقارب بين إدارة ترامب وإدارة السيسي، لكن ما يجب ان يقال ان نظام السيسي حاول ان يلعب على توازنات دولية بهذا الخصوص خوفا من تداعيات انهيار إدارة ترامب التي تطاردها الفضائح كل يوم، لذلك وجدنا إدارة السيسي تحاول ان ترسم خطة للتقارب مع روسيا بوتين وانعكس ذلك في إطار تمويل وبناء الروس لمفاعل الضبعة النووي المصري ومحاولة عقد توريد صفقات أسلحة روسية يجهز بها الجيش المصري في إطار تنويع واردات السلاح.

وتبقى السمة العامة التي تتصف بها الانتخابات الرئاسية المصرية ان لا تغيير يلوح في الأفق مع بقاء الرئيس السيسي في منصبه لدورة ثانية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية