ربما كان الموقف العراقي هو الموقف الأكثر تشوشا تجاه حزمة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، نتيجة توزع القوى وتأثير طرفي النزاع في المشهد العراقي، إذ ما يزال الدور الأمريكي قويا ومؤثرا بالنسبة للطبقة السياسية العراقية، وفي الوقت نفسه لإيران اليد الطولى المؤثرة في القرار العراقي، بل إن العديد من المحللين السياسيين كانوا يرون أن استقرار الوضع العراقي لن يتم إلا عبر التفاهمات الإيرانية الأمريكية، ويذكرون مثالا لذلك حقبة تقارب إدارة أوباما مع النظام الايراني، التي توجت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، حيث حظيت حكومة العبادي بدعم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» من جهة، ومن جهة أخرى كانت فصائل الحشد الشعبي الرديف الاستراتيجي للجيش العراقي في قتال «داعش» تحظى بدعم غير مسبوق من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
ورغم التوترات التي ظهرت في عدد من المواقف، إلا أن حكومة العبادي استطاعت أن تتجاوزها وأن تحقق الانتصار النهائي على «داعش» بفضل توازنات دعم الطرفين.
ومع فوز الرئيس ترامب ومع تنفيذه لكل الوعود التي اطلقها بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي، وتهديداته التي اطلقها تجاه إيران بقي وضع حكومة العبادي – وهي حكومة تسير أعمال الآن- هشا قلقا تجاه الشد والجذب الأمريكي ـ الإيراني، وازداد الامر توترا مع دخول السعودية وحلفائها الاقليميين على خط الحصول على دعم إدارة ترامب ، وهذا ما تم عبر ما عرف بالزيارة التاريخية للرئيس ترامب للرياض، والصفقات الكبرى التي تم توقيعها حينها، إذ اعتبر المراقبون أن السعودية وحلفاءها اشتروا الدعم الامريكي في نزاعهم التاريخي ضد إيران بمئات المليارات، التي دفعت مقدما للرئيس الأمريكي.
وفي شهر مايو/أيار الماضي كانت بداية تدحرج كرة الثلج في الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية عندما قرر الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع بين إيران ودول (5+1)، وحينها أطلق تهديده الواضح بعزمه على تطبيق حزمة عقوبات اقتصادية بحق إيران، وبحق كل من يتعامل معها، اعتبارا من يوم الثلاثاء 7 اغسطس/آب الجاري، ما أدى الى احراج الحلفاء الاستراتيجيين الاوروبيين، فالمانيا وفرنسا وبريطانيا باتت لها مصالح اقتصادية كبيرة واستراتيجية في السوق الايراني، عقب الانفتاح الذي تم منذ توقيع الاتفاقية النووية.
لكن الحرج الأكبر أصاب الطبقة السياسية العراقية، وقد تجلى ذلك في تضارب التصريحات الرسمية وشبه الرسمية للساسة العراقيين، وكانت البداية مع تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي في يوم بدء العقوبات 7 اغسطس 2018، وقد بدا السؤال عن العقوبات الامريكية بحق إيران مفاجئا للرئيس العبادي من أحد الصحافيين ، لذلك جاء جوابه مشوشا وبعيدا عن إمكانية مناورة السياسي في التخلص من المواقف المحرجة، إذ قال، «إننا لا نتفاعل ولا نتعاطف مع العقوبات الاقتصادية ضد إيران، لكننا سنلتزم بها، لأننا لا نريد أن نعرّض مصالح العراق للخطر».
وحاول العبادي أن يبين موقفه الملتبس والصعب تجاه المسألة، فأضاف قائلا «إن موقف العراق ضد العقوبات الاقتصادية على إيران، لأنه دفع اكبر ثمن لعقوبات ظالمة فرضت عليه مدة 13 عاما، ولأن فرض العقوبات الاقتصادية على الدول لا تضعف الانظمة، بل تضعف الشعوب، ولا تجوز معاقبة شعب كامل وتجويعه بسبب عمل سياسي، إننا لا نتفاعل ولا نتعاطف مع العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وهي غير صحيحة، لكننا سنلتزم بها لأننا لا نريد أن نعرض مصالح العراقيين للخطر». وتابع، «الحصار والعقوبات تدمر المجتمعات ولا تحقق اهدافها، ونحن سنقف مع المظلومين والمستضعفين، ولكن شعبنا أيضا يحتاج أن نقف معه، لا أن نقف مع المستضعفين، وننسى شعبنا فمسؤوليتنا أمام الله هي رعاية شعبنا».
وجاء الرد الايراني على تصريح العبادي، عنيفا وسريعا من نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار الجمعة 10 اغسطس الجاري، إذ طالبت الحكومة العراقية بدفع تعويضات للأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب التي اندلعت بين البلدين خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وقالت ابتكار في تغريدة لها عبر حسابها على موقع تويتر «يجب إضافة التعويضات البيئية لحرب العراق والحرب الكويتية والأضرار التي لحقت بالخليج، وتُقدّر بمليارات الدولارات».
من جانبه جاء تصريح رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالضد من تصريحات رئيس وزرائه، ففي تصريح اعلامي قال معصوم «إن ظروف العراق وطبيعة علاقاته مع إيران تجعل من الصعب عليه الالتزام بتنفيذ العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران.» كذلك جاءت تصريحات الطيف السياسي الشيعي المعروف بقربه من النظام الايراني كلها رافضة للعقوبات الأمريكية ومطالبة بعدم الالتزام بها بدون أن يشرح الساسة الذين تبنوا هذا النهج فحوى آليات تعاملهم المستقبلي مع الادارة الامريكية، وكيفية مواجهة غضب الرئيس ترامب عليهم في حال رفضهم العقوبات. وقد استقبل نائب رئيس جمهورية العراق، رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يوم 8 اغسطس – اي بعد يوم واحد من تصريح العبادي – السفير الإيراني لدى العراق ايرج مسجدي، وبحث معه مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وعلى رأسها العقوبات الامريكية، وطالب المالكي الحكومة العراقية بأن لا «تكون طرفا في العقوبات الأمريكية على إيران.» وشدد في بيان رسمي صدر عن مكتبه، وتناقلته وسائل الإعلام على موقفه الرافض للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، داعياً المجتمع الدولي إلى رفض «سياسة التجويع» التي تفرضها الولايات المتحدة على الشعوب.
وطالب تحالف «الفتح» أبرز حلفاء طهران في العراق والممثّل السياسي لفصائل الحشد الشعبي حكومة العبادي بموقف صريح مساند لإيران ضد العقوبات. وجاء ذلك في بيان رسمي للقيادي في تحالف الفتح حسن سالم يوم 8 أغسطس، قال فيه «يتوجب على الحكومة العراقية من باب الوفاء ورد الجميل أن تقف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقفا شجاعا ومبدئيا، لمساندة الشعب الإيراني الذي قدم الأرواح والمال والسلاح في محنة العراق الأمنية، بدخول عصابات داعش».
أما عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة فقد صرح في شأن العقوبات الأمريكية على إيران بشكل حاول أن يبدو عقلانيا في وسط موجة هياج تلف المنطقة، إذ قال في تصريح رسمي «لقد أكدنا مراراً أن التصعيدَ في العلاقة بين الولايات المتحدة والجمهوريةِ الإسلامية الإيرانية، لا يصب في مسارِ تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق تطلعاتِ شعوبها في التنميةِ والازدهار». وطالب بالتوجه نحو حوار جدي بين إيران والولايات المتحدة ومغادرة سياسات التصعيد وتجويع الشعوب. من جانبه صرح الشيخ همام حمودي رئيس المجلس الاسلامي الاعلى المقرب من إيران، تصريحا حادا في هذا الشأن فذكر «أن حماقات الرئيس الامريكي دونالد ترامب طوال فترة حكمه، فتحت جبهات خلافية كثيرة وخلقت مشاكل عميقة حتى مع حلفائه»، وأضاف أن «فرض الحصار على إيران هو جزء من مخططات كبرى لإثارة الفوضى في المنطقة وابتزاز ثرواتها»، كما دعا لـ»إدانتها وعدم الالتزام بها».
موقف الكرد كان متسما بالتردد والخوف وعدم الحسم والوضوح، تجاه مسألة العقوبات الامريكية، فهم يخشون غضبة الرئيس ترامب الهوجاء، وهم مازالوا يلعقون جراح فشل محاولتهم الانفصالية، بالإضافة إلى الكثير من المشاكل التي يعاني منها الأقليم على المستوى الاقتصادي والسياسي، لذلك جاءت تصريحات الساسة الكرد خجولة وغير واضحة، وتحاول أن تتمترس خلف موقف بغداد، التي طالما اتخذوا مواقفهم بالضد من رغباتها سابقا، لكن الكرد اليوم في طور الانحناء لعاصفة العقوبات الامريكية، التي قد تصيبهم بخسائر تضاف الى خسائرهم. فقد أكد رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، في مؤتمر صحافي يوم 7 أغسطس، على «أن موقف حكومته تجاه العقوبات الامريكية على إيران سيكون باطار الموقف العراقي». واضاف أن «العقوبات الامريكية على إيران ليست واضحة المعالم بعد بالنسبة لكردستان، وأن موقف الأقليم بطبيعة الحال سيكون ضمن اطار الموقف الرسمي للعراق».
أما الكتل السياسية السنية، فلم يصدر عنها أي تصريحات مؤيدة أو رافضة للأمر، وقد وصف موقفها بانه نأي بالنفس عن أي تصريح واتخاذ موقف المراقب الحذر، حتى الاحزاب والكيانات السياسية المعروفة بعدائها الشديد لإيران، ارتأت أن الحكمة في مواجهة أزمة بهذا الحجم والتعقيد تكمن في الصمت والنأي بالنفس وترقب تطورات الاوضاع، حتى تفصح الامور عن نفسها في مقبل الأيام.
كاتب عراقي
صادق الطائي
” التخبط العراقي إزاء العقوبات الأمريكية على إيران ” إهـ .
و قد أشرت في آخر ثنايا مقالتك إلى مفردة النأي بالنفس , فنتمنى عليك
و على الكتاب الآخرين و وسائل الإعلام النأي بالنفس عن إستعمال مصطلح
العقوبات الأمريكية إن على إيران أو تركيا و روسيا و غيرها من الدول التي
ينالها هذا المعتوه الأمريكي بجموحه اللامقول و نرى بدلا من عبارة العقوبات
الأمريكية القول إجراءات الحظر الإقتصادي الأمريكية أو إجراءات الحصار
الإقتصادي الأمريكية ضد الدولة الفلانية , لأن هذه الدول ليست مذنبة كي
تعاقب , و أنتم الأقدر على إجتراح المفردات و المصطلحات اللغوية و السياسية
في هذا الميدان .