حرب أخرى دقت طبولها، وبلد عربي يتعرض للمزيد من الدمار البشري والمادي، واطراف «عربية» فتحت خزينتها لتمويل العدوان. تتم التضحية بالحجر والبشر من اجل تلبية نزوات شيطانية لدى البعض، فيما يتواصل الاستخفاف بالعقول والعواطف معا. سبعون عاما هو عمر الاحتلال الاسرائيلي لارض المعراج ومهد كنيسة القيامة، وملتقى اديان السماء، وبدلا من جمع الكلمة ورفع صوت عربي وإسلامي واحد يطالب بتحرير هذه الارض المقدسة التي يجثم عليها الاحتلال، تتواصل الحروب باشكالها العديدة: البينية بين ابناء الملة الواحدة، والخارجية التي تستهدف بلدان العرب والمسلمين.
الطغيان وحين يتحالف الاستعمار مع الاستبداد تنشأ الحروب وتتمزق الشعوب وتدمر الارض ومن عليها. بالامس اجتمعت في الكويت الدول التي دمرت العراق تحت عنوان «اعادة الاعمار» ولم يحصد العراق من ذلك المؤتمر سوى وعود بقروض تضمن بقاءه في قبضة «الدول المانحة»، وفي مقابل ذلك يصادر موقفه السياسي وحريته في ادارة شؤونه بدون تدخلات خارجية. اما سوريا فما تزال بحاجة للمزيد من التدمير بعد سبعة اعوام ما بين مطرقة الاستبداد وسندان التدخل الاجنبي بالحرب او الإرهاب. فمتى سيبدأ «إعمار» مدن الاشباح التي نعق الغراب عليها بعد ان دمر الحجر وقتل البشر. وماذا بقي من غزة التي دمرها الاحتلال مرارا؟ اهلها ما يزالون تحت الحصار، محرومين من المنازل ومعرضين للعدوان بين الحين والآخر. اما المعابر القليلة فتخضع لارادة العسكر الذين يحكمون اكبر بلد عربي تم تحييده وابعاده عن دائرة الصراع مع المحتل. وما يزال ما بقي من الانفاق عرضة للاقتحام من طرفيها لمنع تسرب الطعام والدواء إلى اهل غزة. وتتضاعف المأساة حين يتضح ان هذا المحتل يستقبل بالترحيب في بعض العواصم العربية، بل انه هو الذي يضع استراتيجية الحرب والسلام في المنطقة، ويقرر الاهداف للعدوان الاجنبي. والأنكى من ذلك كله ان هذا العدو هو الذي يمد انظمة الاستبداد بالخبرات الأمنية للتصدي لدعاة الحرية وعشاق الارض وداعمي فلسطين. هذا العدو مسموح له ان يقتل اطفال فلسطين وشبابها العزل عندما يتظاهرون سلما على الحدود، مستذكرين النكبة المشؤومة التي حدثت قبل سبعين عاما. وما ان اعلنت الأمم المتحدة انها ستبدأ تحقيقا في جرائم القتل التي ارتكبها ذلك المحتل، حتى أطفئ المذياع الذي ينقل اخبار القمع الصهيوني، وتم تبديل الموجة في غضون ايام قليلة ليبدأ الحديث عن حرب جديدة ضد بلد عربي آخر. فبعد ان استطاعت سياسات التحالف العربي ـ في تحييد العراق تماما، وإبعاده عن دائرة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، وإخضاعه، ولو مؤقتا، لنفوذ ذلك التحالف، توجهت الانظار إلى سوريا لتكون ميدانا لحرب جديدة يشنها التحالف الانكلو ـ أمريكي وتمول بالمال النفطي الخليجي. ذلك المال الذي استقدم القوات الاجنبية في 1991 لضرب العراق هو الذي استقدمهم مرة اخرى في مثل هذه الايام قبل 15 عاما لاكمال مشروع التغيير السياسي في ذلك البلد. هذا المال نفسه هو الذي استقدم تلك القوات لضرب ليبيا، واستطاع جرها للمشاركة في الحرب على اليمن، واليوم يعلن استعداده لدفع تكاليف الحرب على سوريا. الامر المؤكد ان نظام بشار الاسد ليس ديمقراطيا ولا يراعي القيم الإنسانية في تعاطيه مع معارضيه، ولكن هل تختلف الانظمة العربية عن النظام السوري؟ هل عسكر مصر اكثر ديمقراطية؟ أم حكام السعودية او الامارات والبحرين؟
وماذا بقي من ليبيا التي احتوشها التحالف الشرير الذي تدخل بطريقته فكانت النتيجة تمزق البلاد وانتشار الإرهاب والتطرف في بقاعها؟ وماذا عن اليمن؟ هل حققت الحرب التي قادتها السعودية والامارات نتيجة ايجابية سوى الدمار والخراب والموت؟
لقد اثبتت التجارب المعاصرة ان التدخلات الاجنبية والحروب لا توفر حلولا للمشاكل الداخلية، بل تؤدي لتدمير البلدان وربما تمزيقها وتعميق الاحقاد بين ابناء الوطن الواحد. هذا ما حدث في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن. والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا لا يتم التدخل لحماية الشعب الفلسطيني؟ لماذا لم يتصد هذا العالم للحروب المتكررة التي شنتها «اسرائيل» على غزة او لبنان؟ لماذا لم يتحدث احد عندما اغتالت «اسرائيل» المناضلين الفلسطينيين خارج الحدود (خليل الوزير (ابوجهاد) 1988، وصلاح خلف (أبو أياد) 1990 في تونس، وفتحي الشقاقي في مالطا 1995، ومحمود المبحوح في دبي 2010، وقبلهم غسان كنفاني (بيروت 1972)، وائل زعيتر (اكتوبر 1972، روما)، محمد همشري (8 ديسمبر 1972، باريس)، حسين البشير (24 يناير 1973)، باسل الكبيسي (6 ابريل 1973، باريس). وفي 9 ابريل 1973 قام عملاؤها بانزال سري في بيروت واغتالوا كلا من محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. واستمر الاسرائيليون في جرائم الاغتيال في العقود اللاحقة. وفي 1978 اغتالت المخابرات الاسرائيلية المناضل والمفكر الفلسطيني، سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. كان يومها جالسا بمكتبه فانهالت عليه رصاصات عملاء «اسرائيل». لماذا تبقى «اسرائيل» ذات حصانة مطلقة مهما كانت جرائمها حتى اذا شنت الحروب وقتلت الاطفال؟
في مطلع الشهر اعلن الرئيس الأمريكي انه سوف يسحب القوات الأمريكية من سوريا، واوعز إلى جنرالاته الاسراع بوضع خطط لسحب القوات خلال الشهور المقبلة. واستدرك لاحقا بان على الآخرين ان يدفعوا اذا ارادوا منا البقاء. ولذلك جاء اعلانه بشن الحرب على سوريا مفاجئا للكثيرين. وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد قضى ثلاثة اسابيع في الولايات المتحدة التقى خلالها العديد من الشخصيات البارزة من بينهم الرؤساء السابقون واعضاء الكونغرس واصحاب شركات العلاقات العامة ووسائل الاعلام. ويتوقع انه تعهد للأمريكيين بدفع نفقات الحرب، علاوة على الصفقات العسكرية العملاقة التي وقعها مع الشركات الأمريكية. هذا الاعتماد على التدخل الأمريكي ليس جديدا. ففي العام 1991 استدعت السعودية قوات اجنبية بقيادة أمريكا لضرب القوات العراقية التي كانت قد اجتاحت الكويت، وحدثت اكبر حرب أمريكية منذ فيتنام. ويعيد الاصرار السعودي على بقاء القوات الأمريكية في المنطقة إلى الاذهان إصرار حكام ابوظبي على بقاء القوات البريطانية في الخليج بعد ان قررت بريطانيا في 1968 سحبها بحلول 1971. وعندما طرح البريطانيون ان تكلفة بقاء تلك القوات تبلغ 12 مليون دولار سنويا، تعهد الشيخ زايد بدفع ذلك المبلغ لكي تبقى القوات. ولكن ذلك لم يحدث لأن القرار البريطاني كان استراتيجيا. وفي الاسبوع الماضي افتتحت القاعدة البحرية البريطانية في البحرين بعد اربعة اعوام من بدء العمل في بنائها. وكان حاكم البحرين قد طلب من البريطانيين اعادة قواتهم إلى البلاد بعد مرور اكثر من اربعين عاما على الانسحاب، وتعهد بدفع تكاليف بناء القاعدة. وجاء ذلك بعد ان استنكر على البريطانيين الانسحاب من الخليج في 1971 قائلا في محاضرة القاها في اكسفورد قبل ثلاثة اعوام: من طلب منكم الرحيل؟
أليس هناك رجل رشيد في هذا العالم ينطلق بارادة انسانية لانهاء هذه المهازل التي تتسم بالكثير من النفاق والقليل من الإنسانية؟
٭ كاتب بحريني
د. سعيد الشهابي
الغرب هو الذي يدير هذه الحروب وينصب الحكام ويحميهم وعندما تجف آبار البترول سيترك البلدان تئن تحت الفقر والتخلف.
عنوان جميل ومعلومات وطريق تحليل تمثل وجهة نظر كثير من مثقفي دولة الحداثة، ولكنها من وجهة نظري تغفل عن شيء مهم، هو أن دول مجلس التعاون الست وطريقة تأسيسها، تختلف عن طريقة تأسيس الدول الأخرى وفق معاهدة سايكس وبيكو بنسختيها الملكية أو الجمهورية، والدليل على ذلك مقابلة لدونالد ترامب في عام 1988، حيث في حينها تمنى أن يكون مواطن في دول مجلس التعاون، فالمواطن فيها لا يدفع ضريبة كالملك، فكرسي الحكم يترك للعوائل الحاكمة مقابل أن لا يدفع المواطن ضرائب، ومن هذه الزاوية أفهم سبب هجوم هيلاري كلينتون في المناظرات أثناء المنافسة على كرسي الرئاسة في أمريكا عام 2016، من خلال تكرار سؤال (لماذا لم تدفع ضرائب طوال 18 عام).
ما بين 1970 وعام 1992 كانت هناك حروب كثيرة قامت الدول العربية بتمويلها، إن كان مع الكيان الصهيوني حتى شارك فيها شاه إيران بوقف دعمه لكل المعارضة في العراق لكي يستطيع العراق المشاركة بكل إمكاناته الجوية في الجبهة المصرية وامكاناته البرية في الجبهة السورية، وإنجاح المقاطعة الاقتصادية، فبدون دعم الشاه الإيراني لما أمكن أن ترتفع أسعار المنتجات النفطية إلى مستويات خرافية في موضوع النفط، أو الحرب العراقية الإيرانية بعد الإنقلاب على شاه إيران، أو الحرب الأفغانية، أو الحرب اللبنانية وغيرها، ومع ذلك لم يكن هناك احساس بأي ضيق اقتصادي، مقارنة مع الضيق الاقتصادي الذي تعاني منه دول الخليج بعد أن غيّرت نظامها الاقتصادي كي تجعل الضريبة هي أساس لتمويل الميزانية بعد إعلان جورج بوش الأب تغيير النظام العالمي عام 1991 في مدريد، ليصبح الجميع تحت قيادة البنك الدولي، وأعطى قيادة وضع سياسة البنك لفرنسا.
الأردن والعراق ودول مجلس التعاون وقفت بصف واحد ضد الانقلاب في إيران، بينما سوريا وليبيا كانت مع النظام الإنقلابي، بعد انتهاء الحرب، عمل العراق على توحيد اليمنيين، ومن ثم أعلن الوحدة مع الدول المحيطة بدول مجلس التعاون في الخليج العربي، وبعد ذلك ابتلع دولة الكويت في أربع ساعات، فكيف يفهم ذلك الخليجي؟!
قبل 1991 كانت دول مجلس التعاون في الخليج العربي جنة رجال الأعمال، بسبب عدم وجود ضرائب، فهل يجب تغيير النظام الاقتصادي والسياسي لبقية دول العالم، ليعود الجميع إلى النظام الاقتصادي والسياسي في دول مجلس التعاون، أي الإنسان يترك كرسي الحكم للعوائل الحاكمة مقابل أن لا يدفع الإنسان ضرائب في الدولة؟