غزة ـ «القدس العربي»: أشرف الهور: ضمن خطة إسرائيلية جديدة، تحاول من خلالها تل أبيب وواشنطن، وقف تنامي فعاليات «مسيرة العودة» الشعبية، التي تأخذ زخما جماهيريا كبيرا، بعد انقضاء جمعتها الـ14 لجأت حكومة تل أبيب إلى أسلوبين في التعامل مع قطاع غزة، الأول كان عسكريا باستهداف عمق القطاع بالضربات الجوية، والثاني كان بالكشف عن خطط اقتصادية تسعى لتحسين وضع السكان المحاصرين منذ 12 عاما.
لكن بالرغم من الخطتين الإسرائيليتين المدروستين، تواصلت الفعاليات الشعبية على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، في «مخيمات العودة الخمسة»، التي شهدت تظاهرات واحتجاجات جماهيرية، وفعاليات أخرى فلكلورية فنية، وثالثة جماهيرية شارك فيها أطفال صغار.
وكعادة الجمع الماضية، أحيا سكان غزة الجمعة الـ 14 لـ «مسيرات العودة» التي انطلقت يوم 30 اذار/مارس الماضي، تحت شعار «من غزة للضفة وحدة دم ومصير» في إطار العمل على نقل تجربة المسيرة إلى الضفة الغربية، ضمن مخطط يهدف إلى رفع كلفة فاتورة الاحتلال الإسرائيلي.
الفعالية نجم عنها سقوط شهيدين أحدهم طفل، وأكثر من 400 جريح، فقد نزلت حشود كبيرة من السكان إلى مناطق «مخيمات العودة» تلبية لدعوة الهيئة الوطنية المشرفة على الفعالية، والتي أكدت على وجوب استمرار الحشد الجماهيري، وللتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، في مواجهة «المؤامرات التصفوية للقضية الفلسطينية»، والتي جددت كذلك التأكيد على «سلمية مسيرات العودة»، واستمرار المشاركة الشعبية الجماهيرية، مع العمل على رفع كلفة الاحتلال واستنزاف قدراته.
وقبل ذلك ومن أجل دحض الرواية الإسرائيلية بشكل عملي، واصلت «مخيمات العودة» استضافة الفعاليات الشعبية السلمية، من خلال إقامة حفل فني فلكلوري شرق مدينة غزة، على مرأى جنود القناصة الإسرائيلية الذين لم ينقطعوا عن عمليات استهداف المتظاهرين السلميين وقتلهم أو اصابتهم، وذلك قبل أن يصل إلى ذات المكان حشد من أطفال غزة، يحملون بين أيديهم بالونات عليها صور الشهداء، لتطلق في سماء المنطقة، حاملة معها رسائل للاحتلال تؤكد على حقهم في العيش دون حصار وقتل.
غير أن الجانب الإسرائيلي، الذي أوغل طوال الأسابيع الماضية في قتل المتظاهرين وإلحاق الأذى بهم، كرر عملياته العسكرية، في محاولة عسكرية جديدة لإخافة المتظاهرين، فقصف طائرات حربية عدة مرات تجمعات شبابية وعربات، أحدها في عمق القطاع، بزعم مسؤولية المستهدفين عن عمليات إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة» التي أطلقت الأسابيع الماضية بكثافة صوب المناطق الحدودية القريبة، محدثة حرائق في الأحراش والمزارع.
المخطط العسكري الإسرائيلي، ارتد عليه، بعد رفض المقاومة الفلسطينية تغيير قواعد العمل الميداني، والسماح لإسرائيل باستباحة قطاع غزة متى شاءت، فردت المقاومة بإطلاق رشقة من الصواريخ تجاه البلدات القريبة من الحدود، منذرة الاحتلال من أي محاولات تصعيد، ومؤكدة على استمرارها في سياسة الرد القائمة على «القصف بالقصف».
وفي السياق، هدد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، والرئيس السابق لجهاز «الشاباك»، آفي ديختر، بلجوء بلاده إلى حملة عسكرية كبيرة ضد غزة، لإنهاء ظاهرة «الطائرات الورقية الحارقة»، وقال انه لا يستبعد العودة إلى سياسة الاغتيالات، وتصفية قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار.
وقد جاءت عمليات القصف الإسرائيلية لغزة، لحفظ «ماء الوجه» للجيش الإسرائيلي، أمام سكان مناطق «غلاف غزة»، بعد فشله في صد «البالونات الحارقة»، على وقع تسريبات جديدة من المؤسسة السياسية اليمينية المتشددة العسكرية التي أوغلت في عمليات القتل والقصف. وتشير بعض الدلائل إلى وجود مخططات لتحسين وضع غزة، ترافقت مع جولة مبعوثي الإدارة الأمريكية للمنطقة، وهو ما جعل الشكوك تدور حولها، وإمكانية ارتباطها الوثيق بمخططات «صفقة القرن» ومحاولات فصل غزة عن باقي أجزاء الوطن.
لكن بات من الواضح أن هذه المخططات الإسرائيلية الجديدة، ما كانت لتطرح، لولا تصاعد الهبة الجماهيرية على طول الحدود، والتي حركت دول العالم والمنظمات الحقوقية، للتذكير بشكل موسع بمأساة غزة وسكانها.
أولى عمليات الطرح الإسرائيلي للخروج من «الورطة» ووقف تصاعد وتيرة الاحتجاج الشعبي قرب الحدود، كانت من خلال الكشف عن اتفاق وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، مع رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس، بشكل مبدئي على إقامة رصيف في أحد الموانئ القبرصية، لنقل البضائع إلى قطاع غزة، على ان يكون تحت اشراف إسرائيلي.
ويقضي الاتفاق الذي تم التوصل إليه، بتشكيل طاقم عمل مشترك للدولتين في غضون أسبوعين، كي يعرض خلال ثلاثة أشهر الخطة لإقامة هذا الرصيف، حيث سيشمل الرصيف آلية اشراف إسرائيلي تمنع حركة حماس من استغلال هذا المنفذ لتهريب وسائل قتالية.
وحسب مصدر رفيع في وزارة الجيش الإسرائيلية، فأنه فور انتهاء الترتيبات اللازمة لهذا المشروع، سيتم التوجه إلى سكان قطاع غزة بشكل مباشر دون التشاور مع حماس، لتعرض عليهم رزمة المزايا ليتمكنوا من اختيارها أو التنازل عنها، حيث تطلب إسرائيل في مقابل ذلك إطلاق حركة حماس الأسرى الإسرائيليين الواقعين في قبضة جناحها المسلح.
ولم تمض ساعات على هذا المقترح، حتى كشف النقاب عن موافقة الحكومة الإسرائيلية على إنشاء محطة للطاقة الشمسية، في منطقة تقع ضمن أراضيها تكون قريبة من قطاع غزة، لصالح توفير إمدادات الكهرباء للقطاع.
وذكرت تقارير إسرائيلية، أنه سيتم بناء المنشأة بدعم إسرائيلي وأوروبي عند معبر بيت حانون «إيرز» ضمن خطة لتحسين وضع السكان.
وقد اختارت إسرائيل بعناية موعد تسريب هذه المشاريع للإعلام، وكذلك موعد زيارة ليبرمان إلى قبرص، خاصة وأنه سبق وأن كان من المعارضين لهذه الفكرة، مع بداية الزيارة التي قام بها مبعث واشنطن للمنطقة جاريد كوشنر وجيسون غرنبيلات، للترويج لـ «صفقة القرن» بزعم حل أزمة غزة الإنسانية.
وتخفيف «الأزمة الإنسانية» في غزة هو الشعار الذي حمله مبعوثا الإدارة الأمريكية، مع بداية جولتهما للمنطقة، والتي رأت فيها القيادة الفلسطينية مكرا، أرادت من خلاله واشنطن تمرير «صفقة القرن» من خلال مشاريع إنسانية.
لكن ما بات واضحا، أن الخطط الإسرائيلية وإن تلاقت مع المخطط الأمريكي، الذي يقوم على إنشاء محطة طاقة وأخرى لتحلية المياه، في منطقة سيناء، بدعم عربي لإيجاد فرص عمل لسكان غزة المحاصرين، فإن هدفها هو وقف تنامي الهبة الجماهيرية، والتي تخشى إسرائيل من تحولها إلى صراع كبير، تكون تكلفته عالية جدا على المستوى العسكري والسياسي والدبلوماسي.