نبدأ بالقول يخطئ من يظن أن تركيا تفرض على المعارضة السورية، بكل فصائلها المدنية والعسكرية، وبكل مكوناتها القومية وتياراتها السياسية أو العرقية أو الدينية، رؤيتها. ويخطئ من يظن أن تركيا تفرض عليها وجهة النظر التركية في الحل السياسي أو العسكري، سواء كانت هذه الفصائل المعارضة على الأراضي التركية أو خارجها، وسواء كانت معارضة مدنية سياسية أو معارضة مسلحة عسكرية، وسواء كانت على الحدود التركية السورية أو في غيرها، فوجهة النظر التركية السياسية أو العسكرية هي خاصة بتركيا وحكومتها وشعبها فقط، ومن حق الشعب السوري أن يتعاون معها أو يرفضها، أو أن يتوجه إلى أي دولة أخرى للتعاون معها أو الخضوع لأوامرها ومشاريعها الاستعمارية في سوريا، فالحكومة التركية لم تمنع معارضا سوريا على الإقامة أو الخروج من سوريا بالإكراه، ولا اتخاذ مواقف سياسية تحت التهديد أو غيرها.
إن الحكومة التركية تتعامل مع الشعب السوري والأزمة السورية وفصائل المعارضة السورية بالمعايير الإنسانية والأخوية والاجتماعية بين الشعوب المتجاورة، وبالأخص ذات الهوية الحضارية الواحدة، وبحسب القوانين الحقوقية الأوروبية والدولية أيضاً، وكان هذا منذ بداية الأزمة في مارس 2011 وحتى الآن، وربما حصل تطور في التعامل التركي بين فترة وأخرى، بما يواكب التطورات الخطيرة التي وقعت في سوريا خلال السنوات السابقة، وحيث ألا أطماع لتركيا في سوريا، فإن أهداف السياسة التركية محصور بتحقيق ما يعود بالنفع على الشعبين التركي والسوري أولاً، وبما لا يهدد الأمن القومي التركي ثانياً، وبما يحفظ سوريا جارة آمنة ومستقرة ومزدهرة لشعبها ثالثاً، وبأن يكون الازدهار والاستقرار والأمان بكل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية لصالح الشعب السوري أولاً، وعدم الاضرار بجيرانه ثانياً.
إن لجوء ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري إلى تركيا ليس أمراً سهلاً، ومن الأهداف التركية ألا يستمر هذا اللجوء طويلاً، وان ينتهي المصير السوري السياسي بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم ومدنهم وقراهم، وألا يكون طردهم منها إلى الأبد ولصالح تنظيمات إرهابية، بغض النظر عن قوميتها وهويتها الفكرية والسياسية، لأن ذلك يعني مخاطر أمنية وأضرارا اجتماعية ومتاعب اقتصادية لتركيا، فوحدة سوريا وعودة شعبها إليها هدف رئيسي للحكومة التركية. وعلى الدول التي تسعى للحل في سوريا، إن لم تتم إعادة هؤلاء السوريين إلى بلادهم ومدنهم وقراهم، أن تستعد لاستقبالهم على أراضيها، بما فيها أمريكا قبل غيرها، فقبل أن تعطي أمريكا المدن العربية للأحزاب الكردية، عليها أن تأخذ موافقة سكانها العرب الأصليين، أو أن تعرض عليهم الهجرة إلى أمريكا، وليس العمل لإبقائهم في تركيا وغيرها.
من الأدلة على أن الحكومة التركية لم تتدخل في قرارات المعارضة السورية في مرحلتها السياسية الأولى، هو ان هذه المعارضة كانت تطالب الأتراك بالتدخل عندما شكلت المجلس الوطني أواخر عام 2011 في العام الأول للثورة برئاسة الدكتور برهان غليون، ولكن المسؤولين الأتراك كانوا يرفضون ذلك، ولم تتدخل تركيا في التشكيلات السياسية السورية الأخرى، التي كانت تتخذ من اسطنبول مقراً لها في الغالب، وتركت لها حرية الحركة وعقد اجتماعاتها ومؤتمراتها السياسية في تركيا، بما يتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي في الحقوق الإنسانية وحقوق المعارضات السياسية في العالم مهما كانت هويتها، وكذلك سمحت تركيا المجال للمنشقين العسكريين أن يتخذوا من الإجراءات السياسية، وتقديم المساعدات الضرورية لأهلهم في الداخل، بما يدفع عنهم العدوان قبل مؤتمر جنيف1 وبعده في منتصف عام 2012.
وأعلنت الحكومة التركية رفضها الكامل لتشويه الثورة السورية بأوصاف الطائفية أو الإرهابية أو غيرها، حتى لو كانت الأطراف الأخرى التي تدعمها إيران أو روسيا، بما فيها جيش الأسد يمارسون السلوك الطائفي صراحة وعلانية، لأن تركيا كانت تهدف إلى أن تبقى صورة الثورة السورية مدنية وسلمية ودفاعية، حتى تحقيق أهدافها بالتغيير والاصلاح السياسي المنشود. ولكن بعد نحو خمس سنوات وجدت تركيا نفسها في دائرة الخداع الأمريكي والروسي والإيراني مجتمعين أو متفرقين، ووجدت عدم التحرك الأوروبي بما يتوافق مع القيم الأوروبية لحماية المدنيين من المجازر التي ترتكبها إيران وروسيا وجيش الاسد، فرفضت كل الدول الأوروبية استقبال اللاجئين السوريين في أوروبا، ولو لأسباب إنسانية فقط، ووجدت تركيا أن معظم الدول العربية تخشى على نفسها مما يجري في سوريا، أكثر مما تخشى على الشعب السوري ومستقبل دولته، فلم تجد تركيا دولة عربية أو جامعة عربية، تبنت القضية السورية وسعت لحلها، بوصفها قضية عربية قبل أن تكون إيرانية أو روسية او تركية أو أمريكية أو غيرها، وبقيت بعض الدول العربية تتعامل مع المعارضة السورية بآراء مختلفة ومترددة سياسيا، ونادرة وخجولة في دعمها عسكريا، أو بما ترضى عنه أمريكا فقط، ولذلك لم تكن مساعداتها معلنة ولا متبناة منهم، وربما خشية ردود الأفعال الإعلامية لحكومة بشار وحلفها الروسي الايراني ووسائل إعلامهم، التي تحرف الحقائق وتبث إعلاما كاذباً ضد هذه الدول، وبالأخص أن روسيا تبنت الدور العسكري الكامل في السنوات الأخيرة، وعطّلت عمل المنظمات الدولية ذات الصلة، مثل مجلس الأمن، بتوافق أمريكي وغربي لأهداف مشتركة تقوم على تدمير سوريا وقتل شعبها.
لقد مارست أمريكا منذ بداية الأزمة السورية سياسة الخداع لكل الأطراف التي تعاملت معها، وليس خداع تركيا ولا الدول العربية فقط، وكان من أسوأ نتائج الخداع الأمريكي، استمرار القتال في سوريا لسبع سنوات، مع إمكانية وقفها في العام الثاني بعد «جنيف1» مباشرة، ولكن أمريكا تعمدت إدارة الصراع في سوريا مهما ادى إلى القتل والتدمير حتى تضع أمريكا وتحديداً وزارة الدفاع الأمريكية خططها الاستراتيجية لمستقبل سوريا، وكان من أخطر نتائج الخداع الأمريكي تشتيت مواقف المعارضة السورية وشرذمتها عبر ضغوط الدول التي تعاونت مع أمريكا لحل الأزمة السورية، فأصبحت بعض فصائل المعارضة السياسية مجرد منصات إعلامية في العواصم العالمية، لا تأثير لها على أرض الواقع ولا تمثل الشعب السوري إلا صورياً. وبسبب الخداع الأمريكي أيضاً أصبحت إيران في ورطة وأزمة داخلية مع شعبها، ومع دول المنطقة، بما فيها تركيا والدول العربية، التي ترفض العدوان الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض دول الخليج وغيرها، ومن أدلة التورط الإيراني أن الشعب الإيراني أصبح يهتف في احتجاجاته الداخلية بعدم التدخل في سوريا والانسحاب منها، إضافة إلى اتهام المسؤولين الإيرانيين لروسيا بخداعهم في سوريا، علما بأن التدخل الروسي نفسه كان من أكبر الخدع الأمريكية لتوريطها عسكريا في سوريا، فقد كان هذا التدخل من أكبر نجاحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري مع لابروف، فعمل كثيرا مع لابروف وبوتين وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني حتى أصبح الجيش الروسي في المستنقع السوري من وجهة نظر أمريكية، ويحاول بوتين الانسحاب من سوريا بادعاء الانتصار والانسحاب تحت ضغوط الانتخابات الرئاسية في روسيا، ولكنه لا يجد بدا من مزيد من القتل والتدمير، لكل مظاهر الحياة الإنسانية في سوريا، انتقاما من الشعب السوري الصامد، كما يجري في الغوطة الشرقية هذه الأيام، وكما يظهر من كشف روسيا لوجهها القبيح في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية، وهي تدافع عن جرائمها وجرائم جيش الأسد وإيران.
كل تلك الخدع أرادت أمريكا منها تأخير إيجاد الحل وإشعال المعركة أكثر، لأن هدفها يختلف عن جميع الأطراف المشاركة في الأزمة السورية، فالهدف الأمريكي في سوريا هو تقسيمها وأخذ حصتها الجغرافية بإقامة كيان باسم القومية الكردية ليكون قاعدة عسكرية لها في سوريا والمنطقة، والبنتاغون لن يتنازل عن هذا الشرط أو الهدف إلا مضطراً، وهذا التنازل أو الإفشال لن يتحقق إلا بإرادة الشعب السوري في سيطرته على أرضه ومدنه وقراه، وإخراج المحتلين لها، وليس من خلال الحلول الدولية الطامعة بالأراضي السورية والهيمنة عليها، سواء في أستانة أو جنيف.
ومع إدراك تركيا لهذه المخاطر وقيامها بالتحذير من عواقبها، إلا أنها لم تستطيع منعها، فهي أطماع لدول كبرى عسكريا وسياسيا، ولم تستطع تركيا منع إيران من التدخل العسكري في سوريا، لأنها مدعومة سياسيا وعسكريا من أمريكا وروسيا سراً وعلناً، ولكن استمرار امريكا بخداعها لتركيا بما يهدد أمنها الداخلي والخارجي جعلها تقف ضد السياسة الأمريكية مهما كانت العواقب، فأخذت تركيا من الاجراءات السياسية والعسكرية ما يحقق أهدافها السابقة لحماية أمنها القومي الداخلي والخارجي، سواء في عملية «درع الفرات» أو «غصن الزيتون»، وفتحت تركيا الباب للمعارضة السورية بأن تضع خططها لحماية مدنها واستردادها من أيدي المحتلين الإرهابيين، فالمعارضة السورية في تعاملها مع تركيا حرة سياسيا وعسكريا، ولكنها مع الموقف التركي الجديد، أمام فرصة لاسترداد مدنها وقراها وتشكيل مجالس حكمها فيها بأنفسهم أولاً، وإعادة المهجرين من أهلها إليها ثانياً، ورفض المشاريع الاستعمارية الخارجية التي تسعى لتغيير معالم سوريا الديمغرافية لأسباب طائفية أو استعمارية.
كاتب تركي
محمد زاهد جول
المعارضة كانت تحارب النظام ومن طلب منها الان محاربة الاكراد اليست تركيا من طوعت هذه المعارضة لخدمة مصالحها
الأخ سليم
إن كان الأكراد ،و لأسباب تاريخية لا علاقة للعراق أو سوريا بها ، لم يستطيعوا إقامة دولتهم المستقلة عقب الحرب العالمية الأولى ، إِلَّا أنهم أخذوا ذلك على أن تلك الدول و شعوبها هم العدو ، فقاموا بتمرد مسلح ، في العراق خصوصاً أدى على مدى عشرات السنين ، الى غزو العراق و إحتلاله .
و ما أشار الكاتب إليه من التدخل الأمريكي الآن ، و محاولة الأكراد إستغلال ذلك في أقامة دولة قومية يعتبر طعنة في ظهر ليس تركيا فقط و لكن دول المنطقة أيضاً